ماذا يعني تحكيم الشريعة؟

سامح عسكر في الخميس ٣٠ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

هي كلمة تأتي غالباً مرادفة لكلمة الخلافة، وتعني في أذهان القائلين بها تنفيذ كل أمر واجب على الأمة في الكتاب والسنة، وهي اصطلاحاً تعني .."المنهاج"..نزولاً لقوله تعالى.." لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".. (المائدة :48 )

وهي في الفكر السلفي تعني استيفاء عقد الإسلام بين العبد وربه ، وهذا العقد منصوص عليه في القرآن والسنة، ومن هذه الرؤية خرجت كافة الجماعات الجهادية في القرن العشرين تطالب بتحكيم الشريعة، ومن هذه الرؤية أيضاً نشأت جماعة الإخوان المسلمين ..التي أسست ما يُعرف بتيار الإسلام السياسي، والذي عرف فيما بعد بمظلة فكر الجماعات، فكل الجماعات الدينية والجهادية من القاعدة لداعش للنصرة لبيت المقدس يعملون تحت مظلة الإخوان الفكرية وحجتها في تحكيم الشريعة وقتال الكفار والمرتدين.

هذا العقد يتطلب ابتداء وجود خليفة حاكم بأمر الله يحرس الدين من أعداءه، ويُطبق تعاليم الله من الحدود إلى الشعائر إلى المواريث إلى الجهاد إلى ضبط المجتمع كله تحت أمر وفقه مجموعة تُسمى.."بأهل الحل والعقد"..تقوم على أمر المجتمع، وتشرف على حصانته من الفسق والكبائر والموبقات والفواحش...

لكن هل هذه الرؤية صحيحة؟

دعونا نفهم الشريعة من خطاب القرآن

يقول الله تعالى.." شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب"..(الشورى : 13)

هذا يعني أن الشريعة في أصلها واحدة من نوح إلى محمد، وبما أن النبي نوح لم يكن له دولة (بالمعنى السياسي)والنبي محمد كان له دولة بالمعنى ذاته، وبما أن الشريعة على نوح هي هي على محمد فيعني أن الشريعة لا شأن لها بالسياسة مطلقاً..ويدعم ذلك أن ما وصى الله به الأنبياء من نوح إلى ابراهيم إلى عيسى إلى موسى لم يكن فيه دولة على الإطلاق، فلم يثبت أن للأنبياء الأربعة دولة بالمعنى السياسي، وإن كان لبعضهم حضور سيادي في مجتمعاتهم بحكم نبوتهم وحكمتهم..

وللتدليل على ما سبق حتى نكون على بينة..نسأل...هل بمجرد أن أخلف الله الشريعة بالنهي عن التفرق وقوله.."لا تفرقوا فيه(أي الدين)"..يكون هذا هو المعنى الأصلي للشريعة؟...الإجابة أن الشريعة في أصلها وعنوانها هو.."الوحدة"..وهو الأصل المضاد للتفرق المنهي عنه، يعني ذلك أن كل من تفرق في دينه إلى مذاهب أو جماعات يكفر بعضها بعضاً لا يحق له –حسب القرآن- أن يرفع لواء الشريعة أو يطالب بتحكيمها بين الناس، فهو في النهاية لا يفهمها، وسيطبقها حسب رؤيته(الافتراقية)وهي رؤية غالباً ستكون(فتنوية) أي تؤدي إلى الفتن بين الأمم.

وليس أدل على صحة هذه الرؤية إلا ما يحدث الآن ،منذ أن رفعت جماعة الإخوان تحكيم الشريعة والعرب والمسلمون يعانون من الفتن والقتل والتهجير والظلم، كافة الجماعات مارست شتى أنواع القهر البدني والنفسي والعصبي، وقتلت وظلمت باسم الشريعة، والسبب أنهم رفعوا نداء الشريعة من رؤية فرقية مذهبية، لم تُراعِ بساطة الشريعة في مضمونها الداعي إلى الوحدة وعدم الافتراق في الدين، وهو المعنى المستفاد من قوله تعالى..." ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون".. (الجاثية :18)..أي أن شريعة الوحدة السابقة في آية الشورى هي الشريعة التي أمر الله بها رسوله في آية الجاثية ونهاه أن يحيد عنها.

لكن يبقى السؤال كيف يتفرق المسلمون حتى يُنزع منهم شرعية المطالبة بالشريعة؟

الإجابة كما تفرق أهل الكتاب في قوله تعالى.." وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم".. (الشورى :14 )..أي تفرقهم كان بالبغي أي بالعدوان، وبالنظر إلى أسباب العدوان نجدها محصورة في المصالح العامة والخاصة، فحين تتعارض المصالح ينسى البشر الأديان، وما تفرق السنة والشيعة-كمثال-إلا على المصالح وطلب الرئاسة والزعامة.

حقيقة أن سورة الشورى من الآية 13:15 تجيب عن كافة الإشكالات الخاصة بالشريعة، وسنطرحها كما هي في كتاب الله للذكرى:

قال تعالى.." شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب (13) وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب (14) فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير(15)"..

مختصر الآيات:

1-الشريعة تعني الوحدة والنهي عن التفرق في الدين.

2- أن العلم جاء للبشر وما تفرقهم إلا عن بغي وتسلط وحب زعامة ورئاسة، وإلا فهم يعلمون حُرمة الافتراق في الدين.

3-أن قضاء الله بينهم مؤخر إلى أجلٍ مسمىً عنده.

4-الشريعة تعني الاستقامة والدعوة ضد أي تفرق في الدين.."ولذلك فادع واستقم كما أمرت"..أي لأجل ما حدث من افتراق في الدين يامحمد ادعوهم للاستقامة.

5-الشريعة تعني العدل بين العباد.."وأمرت لأعدل بينكم"

6-أن المصير كله إلى الله، هو الذي يجمع العباد لحسابهم يوم القيامة، فلا يهتم أحد إلا بنفسه ويدعه من الوصاية على الآخرين، وهو المعنى المستفاد من قوله..":لنا أعمالنا ولكم أعمالكم"..يعني لن يُحاسب أحد بفعل الآخرين ، كما في قوله تعالى.." قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون "..(الأنعام:164).

الآيات تنضح بحرية العقيدة في الشريعة

وعليه فأي دعوى لتقييد هذه الحرية أو محاسبة المخالفين على عقائدهم هو سلوك مضاد للشريعة ويهدمها من حيث الإتيان بها..ويكثر فيها اللغط ويؤدي لا محالة إلى التكفير..

كمثال الدكتور صلاح الصاوي القيادي الإخواني والمفكر قال في كتابه .."قضية تطبيق الشريعة".. بلغة تكفيرية صريحة:

" إن موضوع هذه الرسالة لا يتعلق بالإيمان الواجب الذي يتفاوت الناس فيه ما بين ظالم لنفسه ومقتصد وسابق للخيرات بإذن الله ، ولكنه يتعلق بالإيمان المجمل الذي لا يثبت عقد الإسلام ابتداء إلا باستيفائه ، والذي ينقسم الناس عنده إلى مؤمنين وكافرين، فمن تحقق به فقد ثبت له عقد الإسلام، ومن نقضه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه!

إن الأمر جد خطير ! إنه جد لا هزل فيه ، وحق لا ريب فيه ، ومحكم لا تشابه فيه ، إنه مفترق الطرق بين الإيمان والكفر ، والجد الفاصل بين التوحيد والشرك ، إنه المعترك الذي فرضه علينا خصوم الإسلام في هذا العصر ، ويأبون إلا أن يقهروا فيه ديننا ويهزموا فيه شريعتنا بأيدينا ومن خلال أناس من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، وبدون أن تراق لهم فيه قطرة دم واحدة.

إنه يتعلق بموقف السادة أعضاء المجالس النيابية من قضية تحكيم الشريعة الإسلامية"..(قضية تطبيق الشريعة للدكتور صلاح الصاوي صـ7)

فالرجل يتصور أن الشريعة تعني القانون حسب ما يطالب بتطويره أو تعديله رجال البرلمان، وهو نفس التصور اليهودي للشريعة حيث اعتبروها قديماً مجموعة من القوانين، والمشهور عن الشريعة اليهودية أنها.."الناموس"..الذي أنزل على موسى، والناموس يعني القانون، فهي شريعة قانونية في المقام الأول.

وقدر رأينا جماعة الإخوان تعيد إحياء هذه السيرة القانونية في برلمان محمد مرسي، حيث عملوا أولاً على تغيير وتعديل مواد الدستور حسب ما يوافقهم مذهبهم، وهو تصور قديم يوافق تعريفاتهم للخلافة التي كتبنا فيها سابقاً وأشرنا إلى أنهم يرون الخليفة حارساً على الدين ومتكلما عن الله ووكيلاً عن الناس إلى السماء، وصفات بهذه القدسية يجب أن تتوفر فيها كافة عناصر السيطرة، وهذا لن يحدث إلا بقوة السيف وقوة القانون..وتلك هي الشريعة الأرضية المزيفة التي اخترعها أرباب الجهل والفسوق..!

اجمالي القراءات 7314