(َوإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً (130) النساء
الخروج عن العلاقة الطبيعية بحيث يحيل الزوج إلى بعل .. وهذا الانقطاع المفاجئ لأواصر العلاقة ، لايدخل الزمن أو السن لكلا الزوجين عامل فيه، هذا ما نقصد تحديدا..
وهذا النشوز (معنوي ــ مادي) ،أو الإعراض ... كان مفهوما من بداية الآية الكريمة فالقرآن الكريم له لغته الخاصة ، لا يأتي بكلمة ويقصد غيرها .. تأمل معي أدلة انتهاء العلاقة : بداية الآية بـ (امرأة ) وليس زوجة ، (وبعل ) وليس زوج ، كما سبق قوله، النشوز قد سبق الكلام عنه في الموضوع السابق واتفقنا على أنه خروج في معظمه عن المعتاد (والله أعلم ) خافت ، لا تخفى عليكم وحتى لا اطيل عليكم فمن الآيات التي جاءت فيها : (
الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (229) البقرة
أما إعراضا لم نتناوله فهو مصطلح جديد في هذا الموضوع ، و أعرض من( يُِعرّض ، ْ تُعْرِضْ ) مصدره :(إعراض ) قد جاءت في آيات القرآن ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) النساء وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) النساء
) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (106) الأنعام
) خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ (199)الأعراف
) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) هود
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ (29) يوسف
وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً (67) أالإسراء
أما عرّض بتضعيف (ر ) فلها مدلول مختلف لاحظ هذه الآية الكريمة ستجد معنى مختلف : ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235البقرة ) ولا الفعل عرض الثلاثي أيضا.
ثم الدخول مباشرة إلى مرحلة الصلح ... دون المرور بما سبق من عظة ـ هجر في المضاجع أو ضرب .. ونتصور وجود الحكم من أهلها ، وحكما من أهله ، لإتمام عملية الصلح ، لأن هناك تركيز في الآية الكريمة على الصلح ، فقد كررت ثلاث مرات مما يدل طرق كل الأبواب حفاظا على الأسرة .. ثم أحضرت الأنفس الشح ) وأرى أن هذا الشح هو شح عاطفي في معظمه، إن لم يكن جميعه ، وتأمل معي كلمة شح على حرفين لتعبر بصدق عملي عن ذلك الشح حتى في الحروف ... ،ثم يأتي الترغيب في الإحسان والتقوى كمقابل للشح النفسي المعنوي الذي يقضي على الأخضر واليابس في العلاقة ، ثم نأتي للسبب المباشر في الإعراض والنشوز من ناحية الرجل : وجود امراة أخرى زوجة أخرى ، وتصرح الايات أن الزوج لن يستطيع الوقوف بينهما دون ميل .. كأن يكون ثابتا بين كفتي الميزان ، حتى وإن كان حريصا.. ما الحل ؟ يسيطر على ميوله وعواطفه بحيث لا تعلق المرأة صاحبة المشكلة في الهواء لا هي زوجة ولا هي حرة طليقة ... مع الميل الكامل من قبل الرجل للاخرى .. ويأتي تحذير القرآن لنا من اتباع الهوى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) النساء
وعودة إلى الترغيب في الإصلاح والتقوى، نلاحظ الفرق بين الإحسان والإصلاح ، مع وجود التقوى ونهاية الآية الأولى ، والثانية بأن الله غفور رحيم إذن بداية النهايةعلى ما يبدو.. ، فنهاية العلاقة بصورة ليس فيها عناد أو إجحاف شيء محبب .. فالفرقة تكون في بعض الأحيان أرحم مما يعانيه طرفي العلاقة من مشاحنات واختلافات تستعصي عن السيظرة .. ولو انتهت نهاية فيها إصلاح وتقوى، سيكون هناك وعد من رب العزة بالغنى والوسعة التي تناسب كلا الطرفين ، هذا إن كان هناك التزام بالتقوى ، ونتذكر :
( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىوَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْإِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)البقرة )
(وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (21)النساء ...) .
وبعد ، حتى لا تتحول العلاقة إلى عداوة بعد الانفصال ، ومراعاة للصحة النفسية ، فالطلاق لا يعني العداوة ، وحتى يكون هناك طريق رجوع للمشترك بينهم أولاد ـ علاقات اجتماعية .. الخ ومن اجل أن يكونوا هم وأطفالهم أسوياء نفسيا ، فلا ذنب للأطفال في انتهاء العلاقة .... لابد من تحري االإصلاح والتقوى ، حتى يتحقق وعد الله بأن يغني كلا الطرفين ، ثم تنتهي الآية بـ (وكان الله واسعا حكيما) .
ودائما صدق الله العظيم