ق 3 ف 3 : تحول الانكار الي القول بالعنف :

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٩ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الثالث المعارضة الوهابية التى أنجبت أسامة بن لادن 

 الفصل الثالث : الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اطارا شرعيا لانتقادات اللجنة ضد الدولة  

 تحليل منهج الانكار من اللجنة : تحول الانكار الي القول بالعنف :

  تحذير اللجنة من اللجوء للعنف

1 ــ في البداية اعتمدت اللجنة المعارضة القولية بديلا عن الانغماس في العنف ،وبعد هروب المسعرى الي لندن اكدت علي نفس المعني في بيانها الثالث في 23/4/1994 حتي يمكن التغيير بأسايب حضارية .

2 ــ وعندما ووجهت الحركة بالاعتقالات فقد ظل حرصها مستمرا علي السلام وعدم الاحتكاك بالأمن ،وحين فهم بعض من بيانات اللجنة الحماسية انها يمكن ان تلجأ الي العنف قالت تحت عنوان (بيان هام جدا )في النشرة الاستثنائية الثانية في 14/9/1994 بعد اعتقال سفر الحوالى وسلمان العودة : ( بالرغم من ضخامة الجريمة المرتكبة بحق الدعوة فإن اللجنة لا تسمح بأن تؤول بياناتها علي غير ما اريد بها ،وان الحماس في العبارة أو الاستعارات الأدبية من بعض الايات والاحاديث لا تعني بالضرورة الخروج عن سياسة اللجنة الملتزمة بالتغيير باللسان ،وتؤكد الدولة علي ضرورة انضباط الشباب ،والتزامهم بتوجيهات قيادتهم من المشايخ وطلبة العلم ..وتنبه اللجنة علي وجه الخصوص ضرورة تفادي أي احتكاك مع رجال الامن وممارسة اقصي درجات ضبط النفس عند التعامل معهم ).

3 ــ وتلقت اللجنة بيانا من جماعة باسم (كتائب الايمان ) يعطي انذارا للدولة باطلاق سراح سلمان العودة خلال خمسة ايام والا قامت بتفجير المصالح الغربية والسعودية .واستنكرت اللجنة هذا البيان واكدت اصرارها علي استخدام الوسائل السلمية وحذرت اتباعها من البيان واتهمته بأنه من صنع المخابرات .

4ــ وأكدت اللجنة اقتناعها بالعمل السلمي مجددا في المنشور 35 في 15/2/1995 برغم احتدام مواجهتها مع الدولة السعودية ،وقالت انها تمتص غضب الشباب خلال شغلهم بالعمل السلمي بديلا عن العنف.     ـ وأعادت هذا التأكيد في البيان التالي رقم 36 في 21/12/1995 وفيه اكدت علي ان الاعتصام تعبير عن التعاون علي البر والتقوي،وانه قيام بواجب الانكار للمنكر .

مسئولية التحول للعنف

1 ــ وللانصاف فإن تحول الانكار القولي الي التهديد القولي والتحريض علي العنف ثم اخيرا بوقوع احداث تفجير وعنف في المملكة تقع مسئوليته علي الدولة كما تقع علي المسعري واتباعه داخل اللجنة ،اذ انه بانشقاق الفقيه ـــ أو بعزله ــ انفرد المسعري باللجنة وتطور هذا الانكار الي تحريض علي العنف ،بل تحول النقد او الانكار القولي الي تطرف في البذاءة واختراع الاكاذيب ،وهذا العنف في القول يعكس رغبة هائلة في التدمير لم يتح لها ان تظهر الا باستعمال القلم ، وهو السلاح المُتاح للمسعرى والذى لا يملك غيره .!!.

2 ــ ونشير هنا  الي دور التعذيب الذي طال بعض الكبار والقادة ، ومنهم المسعري والفقيه والتويجري . وكصاحب تجربة وسجين رأى سابق أقول إنّ صاحب الرأي اذا دخل السجن فإن السجن لا يخرج منه ابدا حتي لو اطلق سراحه وعاش في النعيم ،ويتأكد هذا اذا عاني من التعذيب . ومع هذا فإن ردود الافعال تختلف ،ورد الفعل عند المسعري في مقابل سجنه وتعذيبه هو ان له ثأرا عند الدولة ورموزها بدءا من الملك الى الضابط الذي قام بتعذيبه والذي كان لا يزال يواصل مهمته . وهكذا بدأت مأساة الحضيف التي القت بظلالها ليس فقط علي صعيد المملكة ولكن ايضا علي صعيد العلاقة بين المسعري والفقيه مما ادي الي الانشقاق ،وانفرد المسعري باللجنة ليحولها الي انكار بالقلب واللسان واليد لتحقيق هدف وحيد وهو ازالة الدولة السعودية باعتبارها منكرا يجب تغييره حسب الشريعة السنية الحنبلية الوهابية .

3 ــ ان تعذيب المسجون خصوصا المسجون بسبب رأيه ــ من افظع الجرائم التي ترتكبها الدولة ،ومستحيل علي المثقف ــ  الذي لا يملك سوي قلمه ان ينسي كيف استباحت السلطات جسده وكرامته علي ايدي زبانية من أحطّ وأسوأ انواع البشر . وقد يشفي جسده من جروحه ولكن تظل جروحه النفسية تلازمه ،وقد تدفع به الي الانتقام واعتناق اشد الاراء تطرفا. وهنا يصح القول ان زبانية التعذيب اسهموا في تحول كثير من المثقفين الاصوليين لاعتناق العنف والارهاب سواء كانوا صفوت الروبي وحمزة البسيوني وغيرهم في مصر وسعود الشبرين في السعودية ،وظهر تأثيره المدمر في كتابات سيد قطب وشكري مصطفي وعمر عبد الرحمن ،كما ظهر في كتابات د . محمد بن عبد الله المسعري .وتظل تلك الكتابات تدعو الشباب للتطرف والارهاب بالرغم من انها كانت رد فعل ،وبرغم انها طرأت علي عقل صاحبها مثلما طرأ التعذيب علي جسده ومشاعره .

ونعطي امثلة :

1 ــ كان الانكار القلبي محترما في مرحلة ما قبل قتل عبد الله الحضيف في اغسطس 1995 .تقول اللجنة في النشرة 55 في 5/7/1995 ان الانكار بالقلب فرض عين علي الاعيان والكبار ،الا انه لا يتفق مع مسايرة الظلمة وحضور مجالسهم وتبرير اخطاءهم ،واشارت النشرة رقم 46 في 3/4/1995 الي وجوب تأصيل الانكار علي الحكام بسبب انتشار المنكرات (حتي يتحول المنكر الي معروف والمعروف الي منكر ،ويصر النظام علي العناد ،فلم يبق الا ابراء الذمة ) والعبارة الاخيرة تدخل ضمن الانكار القلبي .

2 ــ وبإعدام الحضيف جاءت النشرة 61 بتحريض دموي ضد السلطة ونصبت اللجنة نفسها راعية للانكار دون الشيخ  ابن باز ، فأعلنت في النشرة 73 في 8/11/1995 ( ان تغيير المنكر ليست مهمة ابن باز وصحبه لأنهم لا يملكون الحل والربط ،لكن المسلم مطالب بتغيير المنكر بتكليف شرعي مباشر ،وان هناك اولويات لأنكار المنكر ،واهمها المنكرات السياسية .) ،وهنا سلبت اللجنة من العلماء الرسميين شرعية انكار المنكر ،ثم جعلت العمل السياسي الموجه ضد الدولة هو اول الواجبات ،أي ان الدولة اصبحت منكرا يجب تغييره وازالته طبقا لعقيدة الحنابلة السنيين .

3 ــ وتفجر الخلاف بين المسعري والفقيه ،وتم الانشقاق في مارس 1996 .وحدث انفجار الرياض وكتب المسعري في النشرة 75 في 22 تشرين الثاني 1995 يؤكد علي ان العنف هو الخيار الوحيد المتاح للشباب المتحمس بعد اغلاق كل الطرق امامه ،وان الحل الوحيد هو اعادة التوازن للمجتمع باطلاق سراح السجناء ،وتقرير حق الامة في محاسبة الحكام .أي تتقلد اللجنة السيطرة باعتبارها وكيلة الأمة ووكيلة الشرع (السلفى )..

4 ــ وهاجم المسعري الحكومة السعودية حين اعلنت في 24/4/1996 عن اعتراف اربعة من الشباب بتفجير مقر المارينز الأمريكان ، وانهم تأثروا بكتابات المسعري واسامة بن لادن ، وجاء في النشرة 97 في اول مايو 1996 توجيه المسعري الاتهام لأحد اجنحة الاسرة بتدبير الانفجار ،وان اعتراف المتهمين جاء نتيجة التعذيب ،وفي العدد 98 في 8 مايو 1996 واصل التشكيك في اعترافات المتهمين والتأكيد علي تعذيبهم ،وفي العدد 99 في 15 مايو 1996   12 رسالة لهيئة العلماء بعنوان (تفجير حي العليا بالرياض جهاد في سبيل الله بتأصيل شرعي ) وكما هو واضح من العنوان فقد جعل التفجير تغييرا واجبا للمنكر بل وجهادا في سبيل الله تعالي .

وبعد اعلان السلطات عن اعدام الاربعة المتهمين صدر العدد 102 في 5/6/1996 وفيه يهاجم الوجود الامريكي في الجزيرة العربية ويدين قتل المتهمين ،ودعا المنظمات الاسلامية الي القيام بمسيرة احتجاج امام السفارة السعودية في لندن في 16/6/1996 ،وقامت المظاهرة ،وذكر المسعري احداث هذه المظاهرة في العدد 104 في 19/6/1996 .

والمستفاد من هذا ان الانكار السلمي القولي قد تحول الي تحريض علي العنف وتجسد هذا العنف في تفجيرات تحدث لأول مرة في تايخ المملكة ،ثم يجد المحرض تأويلا شرعيا خلال الجهاد وتغيير المنكر باليد طبقا للعقيدة الحنبلية الوهابية الأصولية.

تأصيل المسعرى لتدمير النظام السعودى

1 ــ وفي اواخر عام 1997 نشر المسعري بحثا عن ( ولاية الفاسق ) استمرّ من العدد 131 الي العدد 138 الصادر في 17/12/1997 وقد استعرض فيه الاراء التي تحرم ولاية الفاسق او تؤكد علي عزله ويؤيد هذه الآراء بشدة ،  ثم عرض للآراء الأخري التي تتسامح مع ولاية الفاسق لابن حزم وابن حنبل وعلماء المذهب الحنفي ،وقال المسعري ان مذهب ابن حزم في هذا مضطرب ،وقال ان الامام ابن حنبل قال بهذا تقية مع اعتقاده فسق الخليفة العباسي ،وقال المسعري (وممن صرح بهذا المذهب الخبيث- أي جواز ولاة الفاسق- ابو البركات النسفي ..وعامة فقهاء الاحناف ) الي ان يقول المسعري (اما سبب انتشار هذا القول البشع الخبيث في اتباع المذهب الحنفي ..فيعود الي ان المذهب الحنفي كان في الجملة هو المذهب شبه الرسمي للخلافة العباسية وللكثير من السلطنات التابعة لها ،وهو كذلك المذهب الرسمي للسلطة العثمانية التي اصبحت بعد ذلك الخلافة العثمانية ،ترتب علي ذلك ضرورة ان اقدم كثير من فقهاء المذاهب علي التقرب الي الحكام والامراء ،واي تقارب اعظم من تصحيح ولايته وايجاب طاعته علي الرغم مما هم فيه من عسف وجور وخيانة وفسق وفجور )

ولنتذكر عبارة المسعري الاخيرة لأنه يتناقض مع نفسه حيث يعتبر تلك الدول شرعية  ومنها الدولة العثمانية ، ويجعل الدولة السعودية الاولي ومؤسسها خارجين علي طاعة الدولة العثمانية ،وبذلك تكون الدولة السعودية الاولي فاقدة للشرعية !!

2 ــ علي ان موقف ابن حنبل من الدولة العباسية يعتبر حجة علي المسعري ( الحنبلى )، فقد تعرض  ابن حنبل للتعذيب والسجن في خلافة المعتصم العباسى ( الخليفة الثامن )، فى قضية فقهية وليست سياسية ،ومع ذلك ظل علي ولائه للدولة . أما القول بأنه وقف موقفه هذا تقية واضطرارا فذلك تدخل في الغيب الالهى الذى لا  يعلمه الا الله تعالي . وقد عاصر ابن حنبل ثورة احمد بن نصر الخزاعي والفقهاء علي الدولة العباسية وكانت تحت شعار الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ولم يشترك فيها ابن حنبل علي الرغم من ان عامة الثوار كانوا من الحنابلة .

3 ــ الا ان المسعري اجتهد في تعضيد الرأي القائل بعدم جواز ولاية الفاسق ووجوب خلعه ليضيف تأصيلا تشريعيا اخر في وجوب تغيير نظام الحكم السعودي طبقا لقاعدة تغيير المنكر ، لذا تراه في الحلقة قبل الاخيرة من هذه السلسلة العدد 137 في 3/12/1997 يجعل من حق المحكمة الشرعية وحدها عزل الحاكم الفاسق دون حق مجالس الشوري او اهل الحل والعقد لأنها أجهزة سياسية وليست شرعية ،ولأن اثبات فسق الامام لا يصلح الا امام مجلس قضاء شرعي وفق قواعد القضاء الشرعي المنضبطة .ويمثل الحاكم امام المحكمة الشريعة او محكمة المظالم ،فأذا اصدرت حكمها بعزله يتم عزله فورا وتحرم طاعته ،فأن امتنع عن تنفيذ الحكم كان متمردا علي الشرع مغتصبا للسلطة ،وهذا كفر بواح يستلزم مقاتلته ومن معه من الاجناد قتالا محصورا او ممتدا في كل البلاد حتي لو فنيت البادية والحضر ( أى فناء الجميع ) ،كما تجب مقاتله أي طائفة ممتنعة عن الشرع قتال كفر وردة .ويقول المسعري انه " اذا لم توجد المحكمة الشرعية او محكمة المظالم فان هيمنة الكتاب والسنة  غير متحققة ويكون الحكام اقرب للكفر منهم للايمان وحينئذ يجب علي العلماء والمفكرين واهل الحل والعقد والجماهير الضغط لتحقيق سيادة الشرع وهيمنة الكتاب والسنة حقا وصدقا ،فإن تحقق وجود المحكمة الشرعية بكافة الصلاحيات فيها و نعمت ،اما اذا اصر الحاكم بعد الدعوة البلاغ المبين اصبح منازعا لله في الربوبية متمردا علي شريعته فيجب مقاتلته ومن معه من الاجناد كما تجب مقاتلة أي طائفة ممتنعة عن الشرع ". أى قتال لا نهائى أو الى أن ينتهى الفريقان .!!

4 ــ وبعد هذا التأصيل ( الارهابى ) الذي اعده المسعري لينطبق علي لجنته وحدها يأتي العدد 138 في 17/12/1997 ليطبق هذه الاحكام علي الواقع السعودي فيقول ان ديوان المظالم في السعودية ينص علي عدم جواز نظره في قضايا السيادة، ( أي ان السيادة ليست للشرع ولكن للملك ووزرائه ،وهذا كفر صريح ). والحل الشرعي الذي يراه المسعري (لإزالة المنكر الكبير أي خلع الحاكم الفاسق )يكون بأحد طريقتين (  1 )بتحرك اهل الشوكة بانقلاب عسكري ،وهي تشبه العملية الجراحية لازالة ورم خبيث فاما ان ينجحوا او يفشلوا فيقتلوا شهداء .( 2 ) تواطؤ اهل الحل والعقد مع الاغلبية مع خلع الحاكم ،فتزول هيبته وينفض الجند عنه بدون اراقة دماء .اما تحرك البعض من العلماء الي الجماهير فهذا امر محفوف بالمخاطر ..الي ان يقول (وفي النهاية فأن ولاية الفاسق باطلة ساقطة فلا تنعقد له ولاية ابتداء ، ولا يجوز اقراره عليها وهذا هو مذهب الاغلبية ،ومن اعتقد خلاف ذلك كان كافرا ) أي يحكم بكفر كل من يخالفه في الرأي من الائمة السابقين وغيرهم . واستسهاله للتكفير لمن يخالفه في الرأي مما يؤخذ عليه او مما يجب انكاره عليه .

وهنا ننهي قراءتنا النقدية لمنهج الانكار لدي اللجنة والمسعري .وندخل في القضية الثانية وهي انواع المنكرات التي اخذتها اللجنة علي الدولة ،او بمعني اخر اتهامات اللجنة للدولة .

اجمالي القراءات 7945