بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36
مقدمة :
هذه سلسلة من المقالات، التي أود من خلالها محاولة فهم الإسلام – دين الله القيم بشكل حنيف قريب الى المراد الإلهي الذي نبتغيه في بحثنا عن الحق، من منطلق عالميته واتساعه لنواميس الكون وسننه والتغيرات التاريخية في المجتمعات منذ نزوله حتى اليوم.
وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى ، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير ، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا ، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهي ما نبحث عنه ونرجوا الوصول اليه.
وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وبعد،
______________
مقدمه لا بد منها:
بعد أن كنت بدات في كتابة مقالات تفصيلية، في مفردات الصلوة، لكي نفقه كل منها على حِده، ثم نستخلص القضية برمّتها، خالصة من القرءان الكريم، كنتُ بداية أكتب ظانّا مني أن مفهوم الصلوة أمر بسيط يسير ليس بعسير، كما شدّد الله تعالى في كتابه الكريم على كونه يسّر القرءان للذكر، ولكن من بعد ظهور افهامٍ كثيرة للصلوة، الى درجة إعدامها الماديّ تماما، بجعلها صلة ليس غير، تبيّن لي أن كل هذا الوقت الذي استنفذته في دراسة "الآخر" لم يكن عبثا، بل أحمد الله تعالى على هذه التأخير الذي قمتَ به في إنهاء هذا الموضوع، فعسى أن نكره شيئا، ويجعل الله تعالى فيه خيرا كثيرا!
في هذا البحث، سنبحث عن مفردة " أقِم" و "قم" بالذات، وكم هي المفردات المحيطة بها كثيرة؟! والتي ربما نتعرض لها، كي نسبق التعليقات والنقد في فهمنا الانيّ لها، فبالنسبة لي، إن وجدتُ مفردتين، قريبتين بالتهجئة والرسم، أو حتى نفس الرسم، واختلفتا في التشكيل، فلا يعني هذا كونهما مترادفتين ابدا، بل لكل منهما مدلول خاص، مثل الخلط بين قَتَلَ و قاتَلَ، وبين قدْر و قَدَرْ، فهناك مفردات كثيرة قريبة من "أقِم"، مثل مَقامٍ، ومُقام، وأقيموا، و المقامة وقائما .. الخ
وحقيقة هذا المقال، كان هو التحدي لي، لكي انفض عني كل التراث برمّته، وأكون مخلصا لله تعالى، هو ومقال مفردة السجود، حيث أنني هوجمت بلطافة أحيانا وبعنف أحيانا، حول فهمي للسجود والركوع بكونهما حركتين، وفي ذات الوقت المدلول المعنوي لهما، ولكن أقول، وباختصار شديد، بأن الله تعالى وحده، هو من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وما أصغر هذه الخائنة التي ندر من يلحظها، ولا ولن يلحظها إلا العليم الخبير، الذي لا تدركه الأبصار، وهو من يدرك الأبصار فيعلم ما تخون العين من لحظ. وأنا هنا سأقوم بطرح مفردتين فقط، ولن أتعرض لكثير من المفردات، التي قد تحمل في مضمونها المادي والمعنوي ما أنا فهمته من أن هناك في الصلوة وقوفا على الأقدام، وليس فقط هذا، بل وجلوسا بل وسجودا على الوجه.
فلو بحثنا القرءان كله، فلن نجد مفردة جلس أو وقف التي نستخدمها في اللغة التي نتخاطب ونتحدث فيها! بالطبع هناك من سيقول لي كيف ذلك والله تعالى يقول :
( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا۟ فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ فَٱفْسَحُوا۟ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُوا۟ فَٱنشُزُوا۟ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍۢ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌۭ ) المجادلة - 11
فسأجيبه، نعم أخي، أتفق – أنا – معك في هذه المفردة، ولكن هل وردت في مكان ما، تصف الجلوس الذي نعرفه؟ بالطبع لا فهي مفردة يتيمة، وبديلا عنها ورد كثير عن المضاجع والجُنُـوب والإتكاء في الأرائك والركوع، ثم سيقول أخر عن مفردة الوقوف بأنها وردت، حين قال تعالى :
( وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْـُٔولُونَ )أو في أكثر من مكان بقوله مثلا (وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ وُقِفُوا۟ عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ ۚ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُوا۟ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) الأنعام - 131
فسأجيبه، نعم أخي، أتفق، ولكن هل سنفقه من كل هذه الآيات انها مفردة وقوف بمعنى الوقوف على الأقدام ؟ من الطبيعي أن مفردة جلس، ومفردة وقف اللغويتين لا علاقة لهما بالقرءان الكريم، الا من بعيد مجملا بشكل غير واضح، ومن هنا، نبحث عن مفردات في القرءان الكريم، تفيد الوقوف، أي أن اقف على ساقي ممتد القامة.
بحثت طويل في الأمر، ربما بضع سنين، حتى فتح الله تعالى عليّ بعدة آيات، هي كانت مفتاح لهذه المفردات، كي افقه الفرق بين هذه وتلك، واعلم كيف أصلي لله ربي.
وهنا سأبدأ في هذا المقال، بعد أن أنهيت قضية السجود والركوع، بطرح قضية الوقوف !
______________
الصلوة على وإقامة الصلوة :
في أغلب آيات القرءان الكريم، نجد صيغ كثير لمفردة أقم الصلوة، يقيمون الصلوة، وغيرها كثير، وبما أنني أكتب في سباقٍ لجدل مُسبَق، أي مانعا لجدالات مسبقة، فلن أتعرض كثيرا لكثير من هذه الآيات، ولكن علينا بداية أن نفقه أنها أصنافا، وليس مترادفات لكلمة واحده، ناهيك عن المساقات والبناء الذي تم وضعها فيه، فمن الجهل أن أقول بأن يصلي عليكم مثل أقم الصلوة أو مثل قائما يصلي في المحراب!
فحين نتعرض لمفردة الصلوة، يجب أن نرى البناء التي أتت فيه، فالصلوة أنواع، منها الصلوة على، ومنها الصلوة بإقامتها، فمن غير المعقول أن ادعوا للترادف فاقول بأن الله وملائكته يصلون علينا، هي مثل زكريا قائما يصلي في المحراب! وهذا من بعض ما قراته في عالم البحوث العريض الذي نرى منه كل يوم لون وذوق، في هذه الأيام!
فالصلوة على النبي وعلينا، وصلوة النبي علينا، وصلاتنا على النبي، وصلوة الله على النبي، وصلوة الملائكة على النبي وعلينا، ما هي الا وصف دقيق جميل للسكن والرحمة والتواصل بالقرءان والخير وعمل الصالحات والتقوى والبر، لنخرج من الظلمات الى النور! فالله تعالى يصلي على النبي بأن يرسل له النبوؤة القرءان، والنبي يصلي علينا بأن بلغنا القرءان كما هو، ونحن نصلي على النبي بتعزيرنا له واتباعنا القرءان !
وهذا لا علاقة له بإقامة الصلوة في المحراب أو المساجد أبدا بالرغم من أنه يُعتبر أعم من الصلوة في المحراب والمساجد، فهذا نوع من الصلة وليس الصلوة المحددة بوجوب إقامتها.
______________
ما علاقة المكان والزمان بالصلوة :
الله تعالى بكل بيان، أعطى أمثلة كثيرة، بل وشدد، في بداية الحديث عن ملة إبراهيم، بأن يقوم إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت للسجد الركوع، وفي أكثر من موضع، نرى آيات كثيرة، تتحدث عن الأنبياء وغيرهم، في "أماكن" محددة، يقيمون الصلوة فيها!
إذن الأمر فيه مكان، وتحديد المكان ليس من الحشو بقليل أبدا، فالمحراب، والمسجد أو المساجد أو البيوت، كلها ليست من العبث بمكان هنا حتى نتخطاها، قائلين بأن الصلوة صله، نعم هي صلة، ولكن صلة مع الله، وهذا هو الهدف منها لنيل الهدف الأسمى، ألا وهو التقوى!
ففي أكثر من آية، تم التركيز على المكان، في حالة زكريا هو قائم يصلي في المحراب، وليس في الشارع أو الساحة أو المزرعة أو في حقل القمح، ومريم في محرابها أيضا، والنبي محمد في بيته يقوم ثلثي الليل أو أدنى بل وطائفة من الذين آمنوا يقوم كل منهم في بيته، كذلك مثل النبي، وإبراهيم وإسماعيل يرفعا القواعد ويطهرا البيت لمن ؟ للعاكفين والسجد الركوع، فمن المهم هو توفر المكان بل وتحديده كذلك، وهذا مهم جدا بالنسبة لبحثي المتواضع، وسنرى أهمية المكان في الجزء الأخير من هذه السلسله، والذي سيؤثر على الهيئة حسب فهمي المتواضع.
أما الزمان، فأي عبث وأي عابث هذا الذي جعل من التسبيح صلوة؟ فلو كان التسبيح صلوة لقال الله تعالى بكل وضوح أن أقم الصلوة في الضحى وقبل الغروب وغيرها من الأزمان التي جعل الله تعالى لنا فيها سبحا طويلا!
فالنهار كله جعله معاشا ولنا فيه سبحا كثيرا، في الغدو والأصال، نذكر الله لا ننفك عن ذكره، ولكن,,, هل التسبيح يحتاج لمكان؟ هل حدد الله تعالى له وقت محدود معلوم ؟ بالطبع لا، فنستطيع التسبيح لله متى نشاء، ليلا ونهارا، على جنوبنا، وفي المضاجع وقياما وسجودا وفي عملنا وفي الشارع وفي كل مكان.
الله تعالى حدد المكان، وحدد الزمان، فقال طرفي النهار وزلفا من الليل، وسماها صلوة موقوتة ولم يتركها لعبث العابثين، فاجتمع الزمان والمكان الطاهر في اقامة الصلوة بالتوجه لله تعالى لتتم الصلة به بدون وساطات ولا إشراك.
______________
ما هي الحركات من عدم الحركات :
إن من ينادي بإنعدام الحركات في الصلوة إن هو إلا في جهل، أقولها بكل صدق، وكل قوة، لأن أقل ما يمكن أن تقوم به في صلوتك هو أن تجلس في مكان وزمان محددين وأن تقرأ القرءان.
فهل هذه ليست حركة ؟ نعم، أنا أتفق بأن كل هذه الحركات التي أتتنا من التراث إن هي إلا من ضلال، ولا علاقة لها بالصلوة من قريب ولا بعيد، فأصبحت صلواتنا مجرد حركات ألزمونا بها، فإن نسينا إحداها ذهبت صلاتنا هباءا منثورا، وابتعدنا عن المضمون الى الشكل، وغير ذلك، فأنا لست من الذين ينادون بالحركات هذه، من رفع أيدي وخفض وذبذبة أصبع، أو طريقة جلوس من غيرها أو نسيان حركة من هذه الحركات، والى غير ذلك مما لم ينزل الله به من سلطان.
ولكن، دعونا نقف قليلا بصدق، ونبحث عما انزل الله من سلطان في حركات ما، في الصلوة ؟
فمن غير الممكن أن يكون للصلوة التي تم تحديد مكان وزمان لها – أقول – من غير الممكن أن لا يكون لها هيئة !
جلوسك هو هيئة، شئت أم أبيت، وقوفك هو هيئة، شئت أم أبيت، فكل ما تفعله لا بد أن يكون حركة!
إذن، لنبتعد عن هذه الحساسيات الشديدة، ولنبحث عن دين الحق، عن دين أرسله الله للناس أجمعين، ولا يجب أن نجعل من هذا الدين شيء معنوي لا يمت بصلة لما في القرءان، فبمجرد تحديد الوقت وفترة الوقت ومكان الوقت، تم الميقات.
فموسى واعده الله تعالى عند الطور لمدة أربعين ليلة وتلقى الألواح هناك، فتم الميقات بكل عناصره.
أما أن اجعل من الصلوة تسبيح وأنا اركض في حديقتي أو وأنا أمشي في الغابة فهذا من عجيب ما قرأت.
______________
هل يوجد وقوف في الصلوة :
أخيرا موضوع البحث، وهي ليست أخر مفردة، فقد بقي القِبلة، ومن بعد ذلك سأنشر الصلوة بكل دقائقها كما أراها من بعد كل هذه البحوث.
ورد في القرءان الكريم مفردتين، لن يغضّ النظر عنهما إلا مجادل أو ممتر بالحق، وهما في قوله تعالى في مفردة أقم :
( وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفًۭا مِّنَ ٱلَّيْلِ ۚ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ۚ ذَ ٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّ ٰكِرِينَ )
( أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًۭا )
( ٱتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ ۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )
( إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ )
في الاية الأولى أتى أمر الله بإقامة الصلوة في اوقاتها، فحدد أوقاتها، وفي الثانية حدد فترة إقامتها، أي كم يجب أن تبقى وأنت مقيم لها، وفي الثالثة، وهي آية مهمة جدا، لنرد فيها على المدّعين بأن الصلوة هي تلاوة القرءان فقط! فقد فصَلَ الله تعالى تلاوة القرءان عن الصلوة، فكان أن اتل وأقم ، وليس أقم واتل كما يدعي البعض ،وفي الأخيرة فصَلَ إقامة الصلوة عن ذكره، ولذكر الله أكبر، من الطبيعي، ولكن ذكر الله لا يعني أن لا تقيم الصلوة التي تم تحديد أوقاتها. فمن ينادي بأن قراءة القرءان هي الصلوة، فليجبنا على ما ورد في هذه الايات، كما ليجبنا على كثير من الايات التي تتحدث عن زكريا وهو قائم يخاطب ربه بكلام لا علاقة له بالقرءان أو الكتب، وليجبنا على صلوات من سبق نزول القرءان كيف كانوا يقرأون القرءان في صلواتهم!
إذن إقامة الصلوة منفصلة عن التسبيح عن التلاوة لأنها كتابا موقوتا على المؤمنين فقط. ومنه، أنت تقيم الصلوة أي تقوم ببناء هاذا البناء كاملا، فالإقامة هي بناء الشيء، وحين تصلي، أنت تقيم هذا البناء بينك وبين الله تعالى، وهو بناء خاص بالمؤمنين والذين أمنوا وليس بالناس بل وليس بالمسلمين، فمن اراد التقرب الى الله زلفى ممن خشي الرحمن بالغيب وكان من المؤمنين فشأنه أن يقيم الصلوة، وذلك بسبب خصوصية الصلوة التي هي كبيرة إلا على الخاشعين، الذين تخشع قلوبهم وأفئدتهم لذكر الله تعالى، والذين تنهاهم صلواتهم عن الفحشاء والمنكر والبغي.
فأين الوقوف هنا ؟
فعليا أنا لست ممن ينادون بهيئة معينة للصلوة، وقد ذكرت ذلك في مقالات قديمة جدا لي، عن التواتر، فذكرت ما يقرب من الأربع هيئات، التي قرأت عنها في القرءان الكريم، وأنا أسميها هيئات، لغة، كي أعبر عما أرغب في قوله، ولا تهمني كل الحركات الفرعية هذه التي أتت من التراث كما قلت أعلاه، بل هي ليست من القرءان، ولن أخوض فيها هنا فهي ليست من شأني، بل شأن من يتبع التواتر وغيره .
وفي ذلك المقال الذي اسمه، "القرءان وكفى – الجزء الثالث "، كنت قد ذكرت أن من هيئات الصلوة التي توصلت اليها، والتي سأقوم بتفصيلها في آخر مقال لي هي التاليه :
1. سجود فقط
2. ركوع فقط
3. قيام فقط
4. قيام وركوع وسجود – وهي صلوة الطمأنينه!
حيث ان السجود عندي هو على الوجه كما فصلته في مقالين، والركوع هو جزء من السجود يأتي قبل السجود وهو الخرور على الركب جلوسا، والقيام هو الوقوف.
هذه الهيئات عندي كلها تصلح للصلوة، بسبب ذكر الله تعالى لها في مريم وزكريا والنبي ومن معه حين ضربوا في الأرض.فمريم كانت اغلب صلوتها سجودا، وزكريا قائما والنبي جمع بين هذا وذاك. ولأسباب أخرى حسب فهمي لعالمية الدين الإسلامي، ساوردها في أخر جزء من مقالاتي.
ومنه أتت في ملة ابراهيم بكل اختصار، (وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةًۭ لِّلنَّاسِ وَأَمْنًۭا وَٱتَّخِذُوا۟ مِن مَّقَامِ إِبْرَ ٰهِۦمَ مُصَلًّۭى ۖ وَعَهِدْنَآ إِلَىٰٓ إِبْرَ ٰهِۦمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْعَـٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ)
فلم يقل والراكعين الساجدين بل قال الركّع السجود ،وهي غير الراكعين الساجدين، وهذا سيكون وقت له حين اقوم بتفصيل الصلوة معتمدا على الآيات.
فهنا تم تحديد المكان ووصفهم بالركع السجود، وليس كما قيل في اماكن اخرى مثل " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون" ، فلم يقل عنهم هنا الركع السجود، لأنه لا تحديد للمكان والزمان، فهي صفات ملازمة للخشوع.
______________
صيغة الوقوف :
حين يقول تعالى ( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغْسِلُوا۟ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُوا۟ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًۭا فَٱطَّهَّرُوا۟ ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌۭ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُوا۟ مَآءًۭ فَتَيَمَّمُوا۟ صَعِيدًۭا طَيِّبًۭا فَٱمْسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍۢ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )المائدة - 6
استخدم الله تعالى هنا فعل غير فعل أقمتم الذي ورد أيضا في القرءان الكريم، فلم يقل فإذا أقمتم، بل قُمتُم، في إشارة لا جدال فيها بعملية التحرك والوقوف بهدف الصلوة، فقبل ان تقوم للصلوة، عليك أن تفعل بعض الأمور التي تسبق الصلوة كل مرة، ولن نتعرض هنا لتفاصيل هذه الأمور، فما يهمنا هو مفردة " قـُمتـُم" التي تدل بكل وضوح على بدء الحركة بالوقوف بهدف إقامة الصلوة!
من يجادل هنا فيجعل من ( قُمْتُمْ إِلَى )– أقمتم، فلن أجادله، وله من الأمر ما يريد، يحكم الله بيننا يوم الحساب، فهذا الكتاب من عند الله، وليس من عندي، لأتلاعب بما فيه من مفردات لا تخفى على إنسان سويّ ملتزم مخلص لله دينه، وليفقه كلٌّ، هذه المفردة كما يرغب، لكنني لا أرى فيها إلا بدء الحركة للصلوة!
ثم في قوله تعالى الأكثر تفصيلا من هذه الاية، وهو قوله تعالى :
(وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌۭ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوٓا۟ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلْيَكُونُوا۟ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا۟ فَلْيُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا۟ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةًۭ وَ ٰحِدَةًۭ ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًۭى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓا۟ أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا۟ حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابًۭا مُّهِينًۭا )النساء - 102
بحمد الله تعالى، أحمده وأشكره، ولا ترادف في القرءان، فقد جمع الله المفردتين معا هنا، لنستبين سبيل الذين آمنوا، ولنعلم ما علمنا، في كتابه، مهما مر من زمن، ومهما كان من تحريف، ومهما حاول العابثين العبث!
فهنا ذكر الله تعالى بكل وضوح، مفردتين، مفردة ( فَأَقَمْتَ لَهُمُ ) الصلوة، وهي ما تحدثنا عنها سابقا من إقامة البناء، ثم اتبعها ببرهان سيبقى إلى يوم الدين على من ينكر أي حركة في الصلوة بجعلها صلة وذكر وتسبيح فقط، بقوله تعالى (فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌۭ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوٓا۟ أَسْلِحَتَهُمْ) !
يجب أن نقف عند هذه الجملة طويلا، ففيها أولا مفردة قمتم، للمرة الثانية تأتي، ففي الآية السابقة قال مخاطبا الذين أمنوا " إذا قمتم إلى" الصلوة، وهنا يخاطبهم قائلا " فلتـَقـَمْ طائفة منهم معك "، نرجوا ملاحظة التشكيل جيّداـ فلتقم هنا أتت بفتح التاء وضم القاف! ولم يقل فلتـُقـِم ، بضم التاء وكسر القاف! والفرق كبير !
أولا قال أن تقوم طائفة، أي يقفوا، وهذا سهل جدا استشفافه، فأن يأخذوا أسلحتهم، وأن يقوموا " معه" ، لا يمكن أن تكون إقامة، أو وهم جلوسا، بل وقوف بكل بساطه، أي فليقفوا على ارجلهم، وليأخذوا اسلحتهم، وليكونوا معك، فأنت أقمت لهم الصلوة، وليس من المعقول، أن يقول تعالى ( فَلْتَقُمْ) ثم يكون مدلولها " فَلْتُقِمْ"، بدلالة أن إقامة الصلوة هو أمر جامع كليّ يدل على الصلوة ككل، منذ بدئها حتى انتهائها بل والمحافظة عليها من بعد ذلك!
بينما بدء الحركة لتنفيذ القيام بالصلوة تم التعبير عنه مرتين بالوقوف!
ولتقيم البناء، لا بد أن تكون واقفا كما أنك تقيم الجدار! فليس من المعقول أن الرجل الصالح مع موسى، اقام الجدار الذي حدد الله تعالى بكل وضوح، أنه كان يوشك على الانقضاض، اي الإنهيار فاقامه، أي منعه من الإنهيار بترميمه او إعادة بناءه، لا يهم ، المهم أنه قام بجعله في هيئة لا ينهار بعدها حتى أجل مسمى!
( فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْا۟ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًۭا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًۭا ) الكهف - 82
يريد الجدار أن ينقضّ فاقامه، كما نقيم الصلوة بناءا كاملا ونحافظ على هذا البناء طيلة الوقت فلا نتبعه بما يجعله ينقضّ بأن لا نبغي ولا نفعل الفحشاء والمنكر !
فهناك وقوف، وهناك إقامه، ولكي أُقيم احتاج لأقف.
ومن هنا جاء من ورائكم في الوصف في آية النساء، فمفردة وراء ظهره، لا أحد ينكرها عمن يؤتى كتابه من وراء ظهره! فمفردة " من خلف" تعني من بعدك، فابناؤك من خلفك، أما " من وراء" فهي اتجاه جسدك، فمن كفر يؤتى كتابه يوم الحساب من وراء ظهره، لأنه يخفي يديه وراء ظهره كي لا يؤتى كتابه! وجاء استثناء واحد في القرءان قد يحمل أيضا هذا المفهوم، ويحتاج لتدبر لمن يرغب، وهو القول في اسحق "فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب"، وقد يحمل مفهوم التوالي في الإنجاب، وهو نفس مبدا وراء الظهر، فيكون يعقوب تاليا لإسحق أو كونهما توأم، فيولد اسحق ثم يعقوب من وراءه، وهذا هو رأيي في الأغلب، والله أعلم، فمن وراء حجاب ومن وراء ظهروهم كلها تعني التوالي في الشيء، وليس كما نقول لغة التفت خلفك، بل يجب أن نقول التفت وراءك كما يوم القيامة!
اذن من ورائهم، هي لغة من خلفهم، أي من جهة ظهورهم، وهذا أمر طبيعي حين يخاف المرء على نفسه، فيقول للآخر أن قف ورائي لتحمي ظهري!
______________
هل فإذا سجدوا تعني الوصول لمرحلة الخضوع والطاعه كما ينادي البعض ؟
في نهاية الأمر، كل الوضع هنا يدل على الفتنة والخوف، فكيف يقول البعض، فإذا سجدوا ، أي وصلوا الى مرحلة الخضوع والطاعه؟
صدقا أنا لا أحب الترادف، فلو كان الأمر هو الوصول إلى مرحلة الخضوع والطاعة لقالها تعالى بكل وضوح، بل هو يذكر في آيات كثيرة، أن اقنتي، واخشعوا وتخبت قلوبهم، فهل هنا فقط لم يقل هذا بل قال فإذا سجدوا ؟
ثم هنالك اعتراض قوي على من ينادي بهذا الأمر !
كيف للنبي ان يعلم بسجودهم وهو لا يعلم الغيب أخي ؟ واعتراض أخر:
كيف لهم أن يسجدوا جميعا مرة واحدة فهل كلهم سواء في الخشوع والإيمان والتقوى وحب الله والرهبة ؟
الآية تخاطب النبي، وتقول فإذا سجدوا، فلتأت طائفة أخرى، فكيف ومن يعلم متى يخضعون ويطيعون ؟
ثم ماذا سيحدث إن سجد منهم أربعة أو خمسة أو نصفهم فهل سينتظرون البقية ليسجدوا ؟
وكيف سيعلمون أن البقية سيسجدون ؟
حتى لو صليت أنا وأنت، فكيف سأعلم أنك سجدت أي خضعت وأطعت ووصلت مرحلة الخضوع هذه وكيف انت ستعلم بي ؟
اذن هنالك مكان، ووقت وحركة، وهي السجود على الأرض، وهي المعيار الذي يرونه من ورائهم، فحين يرونهم سجدوا على الأرض، فستأتي الطائفة الأخرى، وإلا كان الأمر فرديا، ومن العبث القول بسجود طائفة مرة واحدة مختلفة المعايير في الايمان والخشوع بكونها وصلت مرحلة الخشوع او غيرها من المراحل، فالمفروض ان تكون كل صلوتنا خاشعة لله تعالى وليس جزء منها! ولهذا بالذات، وجب كونهم طائفتين، حسنا ، هنالك أخ فاضل أعاد لي مفهوم " أخرى " وهو السريح، وبهذا هي ليست عدة طوائف بل على الأغلب طائفتين، وهذا منطقي في الفتنة، وهنالك الأخ علي مرعي أعاد لي مفهوم أن النبي قام بالصلوة كاملة، ومنه كل صلوة سجدتين وليس سجدة واحدة كما ظننت أيضا قبل عدة أيام,
فأخرى ليس شرطا أن تدل على تعدد الطوائف كما ظننت أنا، والنبي لا يمكنه أن يقصر في الصلوة فوجب ان تكون صلوته كامله.
وأخيرا،
في سورة النساء، الآية التي تلي آية القصرالتي أنا أسميها آية تعليم الصلوة، قال فيها تعالى :
(فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ قِيَـٰمًۭا وَقُعُودًۭا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ ۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰبًۭا مَّوْقُوتًۭا) النساء – 103
يجب هنا أن نتوقف طويلا أيضا، فلم قال تعالى، (فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ ۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰبًۭا مَّوْقُوتًۭا) فهل هم لم يقيموا الصلوة ؟ بالطبع هم لم يقيموها بل أقامها النبي فقط، وهم قاموا معه، فكل منهم صلى جزء منها، فإذا اطمانوا، فيجب ان يقيموها كما علمهم الله في هذه الايات، لأنها كتابا موقوتا، وهم صلوا نصفها، وليس كل ميقاتها، فوجب عليهم بعد ذلك إقامتها.
______________
هل علمنا الله الصلوة ؟
يقول تعالى في مجكم كتابه ( حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَ ٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًۭا ۖ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا۟ تَعْلَمُونَ) البقرة – 238:239
هنا آية فيها الأمر مجملا، وهو أن نحافظ على صلواتنا كلها، الموقوتة منها والوصل والصلة، وأن نحافظ على الصلوة المعتدلة في كل شيء، وأن نقوم لله قانتين، ولا أظن القيام هنا هو الإقامة، ولكن هذا ليس موضوعي هنا، فإن خفنا، فلا بد أن نقيم صلواتنا، فنقيمها رجالا، ونحن نمشي، أو على ما نركبه، ولكن، فإذا أمنتم، ألا يجب ان نقيم الصلوة كما في الاية السابقة (فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ ۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰبًۭا مَّوْقُوتًۭا)، فأين علمنا كيف نذكره ؟ لنقيم الصلوة لذكره! اترك الإجابة لكم.
إنتهى.
والله المستعان
ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.
مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم