كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
القسم الثالث: المعارضة الوهابية التى أنجبت أسامة بن لادن
الفصل الثانى : تحليل الصراع بين اللجنة الشرعية والدولة السعودية
صراع اللجنة مع الدولة : صراع بين عقيدتين سياستين من عقائد السلف
الاحتساب السُّنّى وزعم العدل المطلق :
أولا : الاحتساب السّنى
1 ــ الاحتساب عند المسعرى هو الحكم الفوقى للجنة الشرعية ، اى أن تحكم السلطة ( السعودية مثلا ) ، أو كما يحدث فى ايران حيث يقوم ( الفقيه ) أو ( المرشد ) بتوجيه الحاكم . ولو وصل الاخوان المسلمون للحكم فإن الرئيس الاخوانى سيكون خاضعا ( للمرشد ) . هذا هو معنى الاحتساب سياسيا لدى المسعرى ، وهو يحاول التلاعب بالألفاظ ليخفى عورة الطموح السياسى ، والرغبة الهائلة فى إحتكار السلطة والثرة بديلا عن الأسرة السعودية .
2 ــ . ولقدوضع المسعري كتابا ضخما بعنوان (محاسبة الحكام ) اهداه الي الاخوان (المجاهدين المحتسبين :الشيخ سلطان بن بجاد بن حميد امير شمال عتيبة ،والشيخ فيصل الدويش امير شمال مطر الذين احتسبا بالسيف علي عميل الانجليز طاغوت الجزيرة العربية الاسبق عبد العزيز بن سعود ). وفيه يعتمد منهج الاصولية السنية بالتفويض الالهي بالحكم السياسي لاقامة الدولة الدينية ولتحقيق العدل المطلق للشرع .
2 ــ ولسنا هنا في معرض الرد علي حججه ،ولكن نقرر انه يفهم كلمة (يحكم )في القرآن نفس الفهم التراثي لها ونفس الفهم للأصولية السياسية الاخوانية ؛ يفهم الكلمة بمعني الحكم السياسي ، الا ان مراجعة الكلمة فيما يخص التعامل بين البشر انما تعني شيئا واحدا هو الحكم في التقاضي بين الناس ،لهذا تأتي مرتبطة بكلمة ( بينهما )ولم تأت قط متعدية أي احكمهم ولكن ( احكم بينهم) أى ( إقض بينهم ) …. ونقرأ قول الله تعالى فى سورة المائدة : (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (47) (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ( 48 ) (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) ( 49 )(المائدة ) . وفى سورة النساء 58 يقول الله تعالى :(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) .وفى قصة داود عليه السلام إذ تسور عليه خصوم ليقصى بينهم وقالوا له : (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) ص ). وعليه فإن فهم كلمة (يحكم) فهما سياسيا يخالف القرآن الكريم في شريعته ومنهاجه ،حيث لا كهنوت في الاسلام .
ثانيا : الشورى الاسلامية
1 ــ وقد سبق ان اوضحنا ان الشوري في الاسلام تعني ان الامة هي مصدر السلطة والقوة ،حتي في حياة خاتم النبيين عليه السلام حين كان حاكما مأمورا بالشوري ،بل جاءت الشوري فريضة عينية علي كل فرد مسلم في المجتمع المسلم –ونزلت مشروعيتها في مكة بين فريضتي الصلاة والزكاة المالية لتأخذ حكمهما (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) الشوري ) فأن كانت الصلاة فريضة على كل مؤمن فكذلك الشورى ،واذا كانت الصلاة لا يصح فيها الاستنابة فالشوري الاسلامية كذلك ليس فيها انتخاب او تمثيل نيابي ، ولا يقوم أحد بالتصويت نيابة عن أحد ، واذا كانت الصلاة تؤدي في المسجد ويقام لها آذان فكذلك كانت الشوري في عصر النبي عليه السلام في المدينة حيث كان ينادي لها بنداء (الصلاة جامعة )فيجتمع المسلمون كلهم رجالا ونساء في المسجد وحوله في شكل جمعية عمومية تناقش الموضوعات المطروحة . وفي بداية عهدهم بالمدينة كان بعضهم يستأذن النبي لينصرف مبكرا او يستأذنه في عدم الحضور او يتسلل لواذا عند انعقاد المجلس ،ولأن هذه السلبية تعني ان ينفرد بأمور المسلمين أقلية لا تلبث ان تستبد بالأمر لذلك نزلت الآيات الثلاث الأخيرة من سورة النور تنذر وتحذر من ذلك ،حتي يمكن الحفاظ علي اداء فريضة الشوري .نفهم هذا من قوله جل وعلا : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64) النور )
2 ــ وحافظ المسلمون علي فريضة الشوري في عصر النبي عليه السلام فلم ينزل وحي بعدها يؤنب المسلمين في هذا الموضوع ،بل نزل ما يفيد تكاثر الحاضرين في المجالس ،وكثرة المناجاة في تلك المجالس (المجادلة :8 ،9 ،10 ،11،12،13) .
3 ــ ووردت شذرات في تاريخ الخلفاء الراشدين ما يفيد استمرارية العمل بالشوري او نداء الصلاة جامعة ، ثم انتهي ذلك بقيام الملك العضوض والحكم الديني المذهبي في الدولة العباسية والفاطمية . وحين بدأ التدوين تجاهل التدوين لمجالس الشوري وخطب الجمعة لخاتم النبيين ،وجاء التدوين يلبي حاجة الخليفة المتغلب علي الامر ، و ترسخت مفاهيم الكهنوت السياسي او الديني بين المسلمين ،ورددها المسعري في كتبه ،منها كتابه محاسبة الحكام والذي جعل فيه للفقهاء المكانة العليا فوق الحاكم.
العدل المطلق فى زعم اللجنة
1 ــ ويزعم المسعرى أن العدل المطلق لا يمكن ان يتحقق في الدنيا الا بدعم السيادة للشرع (السنى ) !!..وهذه فرية واسعة يعرفها من يتخصص فى الفقه السّنى واختلافاته وخرافاته وتطرفه ودمويته وظلمه ، علاوة على إفتقار هذا الفقه للإجتهادات السياسية ، إذ إنصب فى معظمه على الطهارة والعبادات والمعاملات التجارية والعقوبات ( الحدود ) ، ولم يتعرض للعلاقة بين الحاكم والمحكوم إلا فى مؤلفات هامشية تؤكد على إستبداد ولى الأمر وتسلطه على الناس باعتباره الراعى المسئول عن رعيته التى يملكها ، والتى تبايعه على السمع والطاعة وأن يفعل بها ما يشاء .ويكفى تلك الفتوى السنية التى تجعل من حق الإمام ( أى الحاكم المتأله ) أن يقتل ثلث الرعية لإصلاح الثلثين . فهل فى هذا الشرع الظالم أى نوع من العدل ؟ . وهل مما يتفق مع العدل أن يختص بعض الأفراد فى ( لجنة ) بزعم أنها الشرع وأنها الأمة والشعب ؟ .
2 ـ هى عادة سيئة للأصوليين السنيين الوهابيين أن يتحدثوا باسم ( الأمة الاسلامية ) أى باسم بليون ونصف بليون نسمة ، من أقصى آسيا الى المغرب وأمريكا وكندا وأمريكا الجنوبية . لم يفوضهم أحد بأن يتحدث باسمه ، ولم تسمع عنهم الأمة البليونية شيئا ، ويبدو الأمر أشبه بمجموعة تشرب أرخص أنواع المخدرات وتتخيل ما يحلو لها . .
3 ـ على أن العدل المطلق ــ الذى زعمه المسعرى ــ لا يمكن ان يتحقق فى الدنيا . سيتحقق فقط فى الاخرة حيث يقوم بالقضاء بين الناس رب العزة الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور(غافر :16 :20 ) اما في الدنيا فأن تحقيق العدل المطلق يستلزم نفسا لم يلهمها الله تعالي الفجور والتقوي أي يستلزم نفسا معصومة من الخطأ ،ويستلزم ايضا ان تعلم تلك النفس الغيب بحيث تعلم حقائق الموضوع المختلف فيه وسرائر الخصوم والشهود ،وهذا مالم يكن متاحا حتي لخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام ،ولهذا نزل الوحي العظيم ينبه النبي عليه السلام علي خطأ في حكم قضائي ،ونتج عن هذا الخطأ بسبب تآمر بأخفاء الحقائق عن النبي (النساء 105 :115 ).
4 ــ اذن فتحقيق العدل المطلق في هذه الدنيا مستحيل حتي في عصر النبوة الزاهرة ،حيث كان التطبيق البشري للشرع الاسلامي علي اتم ما ينبغي ان يكون ،نظرا لوضوح المنهج وعظمة القائم علي تطبيقه واخلاصه فيه دون مطمع دنيوي .ثم توالت القرون واصبح الدين تجارة تختلط فيها الاوراق ،وتستخدم فيها مصطلحات الشرع للكسب الدنيوي ،ومن هنا نفهم كلمة المسعري (لا شك انه لا عدل الا عدل الاسلام لأن العدل المطلق لا يتحقق مطلقا الا يجعل السيادة للشرع ،وبدون ذلك لا يتحقق عدل كامل )[14] وترجمة هذه العبارة من ظاهرها الي باطنها هي ان المسعري يعد بتوفير العدل المطلق اذا كانت له السيادة ..لأن الشرع هو ما يراه المسعري وبالتالي فهو شعار خادع لاستقطاب الجماهير من اجل الكسب السياسي علي حساب الحكومة السعودية والشعب معا، وبعد ذلك وقبله على حساب الاسلام الذى ينتهك المسعرى والوهابيون وغيرهم إسمه العظيم فى سبيل حُطام دنيوى زائل. وحسابهم عند ربهم ..جل وعلا..