ق 3 ف 2 شريعة المسعري والطعن في ابن عبد الوهاب

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٦ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الثالث:  المعارضة الوهابية التى أنجبت أسامة بن لادن 

 الفصل الثانى :  تحليل الصراع  بين اللجنة الشرعية والدولة السعودية

   صراع اللجنة مع الدولة : صراع بين عقيدتين سياستين من عقائد السلف

شريعة المسعري والطعن في ابن عبد الوهاب

1 ــ ويبدو ان المسعري احس بتهافت حجته في ان شرعية الدولة السعودية في المذهب الوهابي فقط ،فتجاوز هذا الرأي الي رأي اخطر اصدره في منشورات اللجنة ،هو الطعن فى الشيخ ابن عبد الوهاب نفسه .

2 ـ وحين ظهر هذا المنشور اثار احتجاج الجميع وجعل هيئة كبار العلماء وابن باز يصدرون بيانا ضده ،مما اضطر المسعري للتراجع وانكار صلته بهذا الرأي وذلك المنشور ،واعتبره منشورا مزورا زورته عليه المباحث السعودية .

3 ـ وبالتالي فأن ذلك المنشور لم ينشر ضمن منشورات اللجنة التى نشرها المسعرى فيما بعد ، وانما الذي نشره هو البراءة من ذلك المنشور .ففي العدد 43 في 12/4/1995 مهدت اللجنة للبراءة من منشورها تحت عنوان (البيانات المزورة حيلة العاجز) . ثم جاء العدد 44 في 19/4/1995 وقد وضعت فيه كشف حسابها في صراعها مع الدولة ،ثم الحقته بعنوان يقول (بيان الافك وتورط العلماء ) اتهمت فيه المباحث السعودية بتزوير بيان مزور علي اللجنة جعل هيئة العلماء ومنهم ابن باز يبادرون بالهجوم علي اللجنة ،واكدت ان موقف اللجنة من الشيخ ابن عبد الوهاب انه رجل مجدد ومجاهد في سبيل كلمة الحق ،وان ما جاء من نقد للدولة السعودية كان نقدا  شرعيا يقارنها بالخلافة الراشدة ولم يكن انتقاصا لشخصية ابن عبد الوهاب ،وان الذين ينتقصونه انما هم علماء السنة المدافعون عن الطاغوت .

4 ـ ولم يكن هذا التبرير مقنعا ، بل على العكس إقتنعت الأغلبية بتورط اللجنة في الهجوم علي ابن عبد الوهاب والوهابية والدولة السعودية الاولي ، مما افقد اللجنة الكثير من المصداقية والانصار  في المملكة ،واوقعها في تناقض فكري ،اذ كيف تستشهد بأقوال ابن عبد الوهاب ثم تنتقده وتنتقد الدولة السعودية التي اسهم في اقامتها .

5 ــ الا ان اللجنة في منشورها الاخير المشار اليه ــ وهي تؤكد حرصها علي مقام الشيخ ابن عبد الوهاب ــ استعانت برأي الشيخ المذكور في رسالته (نواقض الاسلام) في تكفير الدولة السعودية الراهنة ،فقالت عن الشيخ (وان دعوته الي التوحيد بمعناها الشامل الذي يتضمن بوضوح وجلاء توحيد التشريع ،واعتباره رحمة الله الاحتكام الي غير الاسلام من نواقض الاسلام هو من صلب ما تدعو اليه اللجنة ،ولم تنتقص الشيخ بعبارة واحدة ..) وسبق ان قالت هذا الرأي في المنشور رقم 16 في 5/10/1994 والمنشور رقم 22 في 16/11/1994 ،وهكذا اضطرب رأي اللجنة بين اعتبار البيان مزورا والدفاع عما جاء فيه ..وذلك دليل اخر علي عدم مصداقيتها .

6 ــ وبعد انشقاق اعضاء اللجنة وانفراد المسعري بها ،اصدر كتابه (الادلة القطعية علي عدم شرعية الدولة السعودية ) الذي جعله تنقيحا لكتاب سابق له بعنوان (الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية ). وفيه أعاد الهجوم على الشيخ ابن عبد الوهاب ضمن هجومه على الدولة السعودية التى تأسست بالتحالف بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب.ففى  كتاب (الادلة القطعية) عقد فصلا خاصا بعنوان (الدولة السعودية الاولي :تساؤلات حول الشرعية ) وفيه اثبت من وجهة نظره عدم شرعية الدولة السعودية الاولي واتهمها بالكفر  بداية من بنود التحالف بين الشيخ ابن عبد الوهاب والامير محمد بن سعود ، ومرورا باعتبار هذه الدولة خروجا عن الدولة العثمانية ،وهي الدولة الشرعية ،وانتهاء بعلاقة الدولة السعودية الاولي بالانجليز . وحاول بين السطور تزكية الشيخ محمد بن عبد الوهاب وانتقاده بنفس الوقت ،اذ يصفه بالمحدودبة في فهم النصوص الشرعية ،فيتبنى اقوال ابن تيمية وابن القيم مع الابتسار والاختصار ،وانه لم يكن قط من كبار العلماء المجتهدين ،ولكنه كان من الحركيين النشطين ،وانه حين قبل اختصاص العلماء بالشئون الدينية ،وال سعود بالحكم والسلطان قد انحط بدعوته الي دعوة اقليمية عنصرية ،ثم يستدرك في النهاية فيقول انه لا يوجد أي شك في اخلاص الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وبراءته التامة من أي علاقة مع الكفار الانجليز ، وانه اعتزل العمل السياسي في اخر حياته في حكم الامير عبد العزيز بن محمد آل سعود ال عود بسبب علاقة الاخير بالانجليز ،وهذا استنتاج مسعري محض باعتراف المسعري .الي ان يقول في النهاية ان الدولة السعودية شرعيتها ساقطة بجميع الاعتبارات علي كل حال [6].

المسعرى بإعترافه بشرعية الدولة العثمانية وعدم شرعية الخروج عليها أدخل نفسه فى تناقض عقيدى مع الوهابية . فالدولة العثمانية كانت تدين بتقديس أولياء التصوف ، وهو الدين الذى إعتنقه الحكام العثمانيين حين دخلوا فى الاسلام . فقد دخلوا فى الاسلام وقت أن كان التصوف هو التدين السائد أو الدين العملى السائد تحت راية الاسلام . وهو نفس الدين العملى الذى ثار عليه ابن تيمية ومدرسته فى العصر المملوكى ، ثم ثار عليه ابن عبد الوهاب فى نهاية العصر العثمانى . وبالتالى فإن إعتبار الدولة العثمانة دولة شرعية وهى تعتنق دينا ثار عليه من قبل ابن تيمية وابن القيم وان كثير ـ يجعل المسعرى فى موقع العداء لابن تيمية وابن القيم ؟ فكيف يُستساغ منه هذا وهو الذى ( يؤمن ) بابن تيمية وابن القيم ويستشهد بكلامهما ويرى أنهما الأعلى فوق ابن عبد الوهاب ؟ هذا تناقض هائل وقع فيه المسعرى ولجنته الشرعية .  

وكان يمكن للمسعرى أن يطعن فى ابن عبد الوهاب بطرقة إكثر إحكاما وإقناعا ، وفى داخل المنهج السلفى السنى ، لو قارن بين ماينقله ابن عبد الوهاب من أقوال ابن تيمية وابن القيم الجوزية ، وما فى هذا النقل من تشويه وعدم إحكام ، وذلك بالرجوع الى كتب ابن تيمية وابن القيم الجوزية . وبهذا كان سهلا أن يُظهر ابن عبد الوهاب قزما سلفيا بالمقارنة بابن تيمية برغم الفارق الزمنى بينهما . وطبعا لا نطالب المسعرى السلفى المتشدد أن ينتقد ابن عبد الوهاب فى رؤية قرآنية ، فالمسعرى أبعد ما يكون من القرآن وهديه .

 7 ــ إن للمسعري وفقهاء اللجنة شاغلا آخر ؛ إنهم بانتقادهم لابن عبد الوهاب ومقدرته الفقهية ــ يتمسكون بعقيدة اخري اصولية تعلو في نظرهم علي الوهابية ، لأن ابن عبد الوهاب رضى لنفسه أن يكون تابعا للأمير السعودى ، فأرسى تبعية الفقية للسلطان ، وهو ما ترفضه اللجنة التى تعتبر الفقيه هو الشرع الذى يعلو على الأمير والسلطان .والواضح أن السمعرى وأعضاء لجنته لا يرضون لأنفسهم أن يكونوا مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب تابعا للأسرة السعودة ، أو معينا لها على تملك الأرض ومن عليها . هم يريدون أنفسهم فوق الأسرة السعودية وسلطانها ،فإذا إرتضى ابن عبد الوهاب  خدمة آل سعود فلا يصلح ابن عبد الوهاب إماما لهم . وإذا كانت آل الشيخ ( ابن عبد الوهاب ) يعيشون فى كنف آل سعود خدما لهم فليذهب آل الشيخ الى الجحيم  .

8 ــ وبهذا تفترق اللجنة المسعرية الأصولية السنية السلفية عن الوهابية العادية، بل تفترق عن المعارضة الوهابية التى حملها جهيمان ، والتى حملها الاخوان النجديون ، وقد كانوا ــ مع فقهاء الوهابية الرسميين ــ سواء فى تقديس محمد بن عبد الوهاب ، وكانوا جميعا أخوة فى الدين الوهابى .  وهذا يدخل بنا الي الفارق بين الوهابية العادية المتمثلة في خضوع الفقيه ،الممثل الشرعي للسلطة السياسية ،وبين الوهابية المتمردة الاصولية السنية الاخري التي تنادي يها اللجنة ،والتي تجعل الحاكم خاضعا للفقيه الممثل للشرع .وهو موضوعنا التالى : ــ بين اصولية اللجنة والوهابية التقليدية.

اجمالي القراءات 9247