أولا :
الشفعة هى تفضيل حق الجار فى شراء بيت جاره المعروض للبيع ، وتفضيل حق الشريك فى شراء نصيب شريكه المعروض للبيع .. وهكذا ، و طبعا لا بد ان يتم هذا على أساس التراضى . وكل تشريع بشرى يتفق مع مقاصد التشريع الاسلامية فهو تشريع اسلامى مما أذن به الله جل وعلا. ومقاصد التشريع الاسلامية هى العدل والاحسان والحرية و التيسير ورفع الحرج ، وكلها تندرج فى إطار التقوى.
الحرية فى التعامل الاقتصادى لها مدلول قرآنى هو التراضى ، وأى تعامل على اساس التراضى والقبول والايجاب فهو شرعى. وأىعقد يتم توقيعه بالتراضى لا بد من الوفاء به . وأى تشريع بشرى يؤكد هذا التراضى فهو تشريع اسلامى.وعليه فتشريع الشفعة فى المعاملات الفقهية يدخل ضمن التشريعات الاسلامية طالما سارت فى إطار المقاصد الاسلامية فى التشريع.
ثانيا :
وللفقهاء اجتهادات مرضية فى موضوع الشفعة ، ولكن لنا عليها بعض المآخذ.
فبعض الناس يخلط بين الأوامر والقواعد والمقاصد التشريعية. و ينتج عن الخلط تركيز على الأوامر وإهمال للمقاصد ..فالأمر بالصيام له قواعد تشريعية توضح الكيفية والأعذار والرخص ثم في النهاية هناك مقصد تشريعي للصيام وهو " لعلكم تتقون" والتقوى هي المقصد التشريعي لكل العبادات في الإسلام .
هذه مقدمة ضرورية لموضوع "الشفعــة" إذ أن الفقهاء ركزوا فى موضوع الشفعة على الأوامر والأحكام التشريعية الخاصة بموضوع الشفعة وذلك التركيز جعلهم ينسون المقصد التشريعي من موضوع الشفعـة.
على أنه من الإنصاف للفقهاء أن نذكر أن تركيزهم على الأحكام التشريعية للشفعة قد أوجد الكثير من التفريعات ووضع لها الكثير من الأحكام فلم تعد الشفعة مقصورة على موضوع حق الجار في الشراء من جاره سواء كان ذلك في الأرض أو في السكن ولكن امتدت إلى الشركة فأصبح من حق الشريك أن يكون الأولى بشراء حصة شريكه من المشتري الغريب .. ثم تنوعت أحكامها التشريعية باجتهاد الفقهاء الذين قرروا أن الشفعة لا تكون إلا فيما هو قابل للقسمة ولا تكون في المنقول كالثياب والحيوان.. كما أوضحوا أن حق الشفيع يسقط إذا حضر عقد البيع لغيره دون أن يطالب بحقه في الشفعة أو إذا قام المشتري يوهب ما اشتراه أو تصدق به تقرباً لله وأفتوا بأن حق الشفعة للشفيع وحده إذ لا يصح له بيع هذا الحق أو التنازل عنه للغير..وهذه مجرد أمثلة لاجتهادات الفقهاء في موضوع الشفعة وهى تفتح باباً للاجتهاد الفقهي والقانوني في موضوع الشفعة خصوصاً مع تعقد المعاملات الاقتصادية وتشعبها وكثرة المنازعات والشقاقات فيها .
ولكن نعود إلى بداية الحديث عن الأوامر التشريعية والمقاصد التشريعية فالتركيز على الأوامر والأحكام التشريعية للشفعة ــ مع فوائده وإبداعاته ــ جعل الفقهاء ينسون المقصد التشريعي من الشفعة .. وهو الإطار الأخلاقي للأحكام الفقهية نفسها .
إن كلمة الشفعة نفسها تشير الى المقصد التشريعي للشفعة؛ فالشفعة من الشفع والشفاعة. وفي أصلها اللغوي تعنى المناصرة والموالاة والتعضيد .. وأنت بمفردك " فرد" أو "وتر" وحين يأتي إليك " شفع" يكون لك مؤيداً ومناصراً ومعضداً.
وذلك هو المفهوم اللغوي للشفعة وهو أيضاً مفهومها الأخلاقي ومقصدها التشريعي .. فالجار لك في بيتك هو شفع لك أو هو شفيع لك أى أخوك وصديقك ومن حق الجيرة أن يكون جارك أولى الناس بشراء بيتك إذا رغبت في بيعه، وأن يكون جارك في حقلك أولى الناس بشراء حقلك إذا أردت بيعه، ونفس الحال مع الشريك معك في دكانك أو متجرك أو شركتك ، يكون هو أولى الناس بشراء نصيبك إذا رغبت في ترك الشركة ..
ولأن أمور الجيرة والشركة كثيراً ما تسبب النزاع والخصومات فإن معنى و لفظ ( الشفعة ) شديد التأثير، لأن به يتحول الجار والشريك إلى شفيع أي صديق ونصير وولى وعضد ، وإذا عايش الجيران والشركاء ذلك المفهوم "الشفعة" كانوا أقرب إلى المودة وأبعد عن الخصومات والنزاع ، وإذا ارتأى أحدهم أن يترك مكانه في البيت أو الحقل أو الشركة ارتضى لشريكه أو جاره أن يشتري حقوقه بنفس راضية وتركه وهو يحمل له أجمل الذكريات ..
هذا هذا المقصد التشريعي للشفعة، وهو ما أهمله الفقه
وهنا نقول : يجب أن يكتب الفقهاء فى موضوع الشفعة :أن تكون في تدعيم أواصر المودة والحب والتعاون على البر والتقوى والإحسان ، وليكن معلوماً أن من أهم المقاصد التشريعية الإجمالية لتشريع الإسلام هو العدل والإحسان .. ولابد من تحقيقهما في كل تفصيلات التشريع .. و إلا فإن التركيز على الأوامر والأحكام فقط يجعل تنفيذها مرتبطاً بالجفاء والتلاعب والدسائس والاحتيال على النصوص والقواعد دون مراعاة للتقوى ودون خشية من الله تعالى ..