أكد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، أن الموجة الحالية من التطرف والإرهاب الدولي، لها جذور عميقة توغلت خلال عقود من الاغتراب والقمع السياسي وسقوط الضحايا في العالمين العربي والإسلامي، مستدركاً بأن مثل هذا الإرهاب ليس محتوماً ولم يكن كذلك علي الإطلاق.
وأعرب بلير في مقال مطول لمجلة «فورين أفيرز» الأمريكية في عدد يناير ٢٠٠٧ تحت عنوان: «معركة من أجل القيم العالمية»، عن احترامه الشديد للقرآن الكريم، قائلاً: إن أكثر شيء استرعي انتباهي، هو مدي تقدمية القرآن، مضيفاً: كشخص ينتمي لعقيدة أخري، القرآن يؤثر في ككتاب إصلاحي يسعي لإعادة اليهودية والمسيحية إلي أصولهما. وتابع بلير: كثير من الإصلاحيين حاولوا تحقيق ذلك في الكنيسة المسيحية في قرون لاحقة، واصفاً القرآن بأنه شامل ويمجد العلم والمعرفة، ويمقت الخرافة.
ووصف بلير «القرآن» بأنه كتاب عملي سبق عصره، فيما يتعلق بقضايا الزواج والمرأة والحكم، مشيراً إلي أن انتشار الإسلام وهيمنته علي البلاد المسيحية والوثنية في السابق، كان متلاحقا بهداية القرآن. وقال: إن الإسلام أسس علي مدي قرون، إمبراطورية وقاد العالم نحو الاكتشافات والثقافة والفنون، كما أن حاملي لواء التسامح في العصور الوسطي كانوا أكثر تواجداً في البلدان الإسلامية مقارنة بالدول المسيحية.
وأضاف بلير أنه مع حلول القرن العشرين وبعد اجتياح حركة النهضة والإصلاح والتنوير العالم الغربي، صار العالم العربي والإسلامي مزعزعاً وغير آمن ويتخذ موقف الدفاع، موضحاً أن بعض الدول الإسلامية مثل تركيا تحركت بقوة نحو العلمانية، في حين وجدت دول أخري نفسها واقعة في براثن الاستعمار والقومية الوليدة، والقمع السياسي والتطرف الديني.
ولفت رئيس الوزراء البريطاني إلي أن المسلمين أخذوا يعتبرون الحالة المؤسفة للدول الإسلامية، عرضاً للحالة المؤسفة للإسلام، وتحول الراديكاليون السياسيون إلي راديكاليين دينيين والعكس، منبهاً إلي أن من يمسكون بمقاليد السلطة حاولوا تدعيم هذه الراديكالية الإسلامية من خلال دمج بعض زعمائها وبعض من أيديولوجيتها، مما جعل النتيجة كارثية.
وقال: إن الراديكالية الدينية حظيت بالاحترام، في حين تعرضت الراديكالية السياسية للقمع، ومن ثم علق في أذهان الكثيرين أن كلتيهما جاءتا معاً لتمثيل الحاجة للتغيير، ومن ثم بدأوا يعتقدون أن أسلوب إعادة الثقة واستقرار الإسلام يأتي من خلال الجمع بين التطرف الديني والسياسة الشعبية، حيث ينحصر الأعداء في «الغرب» والزعماء المسلمين الذين تعاونوا معه.
وأضاف بلير: ربما بدأ هذا التطرف مصحوباً بفكر وعقيدة دينية، منبهاً إلي أنه سرعان ما ولدت أيديولوجية، جري تصديرها حول العالم من خلال فروع من جماعة الإخوان المسلمين، مدعومة من جانب المتطرفين الوهابيين ومنتشرة في بعض المدارس الدينية بالشرق الأوسط وآسيا.
وتحدث بلير عن طبيعة الصراع قائلاً: هذه الأيديولوجية تعتبرنا عدواً ولكننا لسنا الغرب، نحن مثل المسلمين والمسيحيين واليهود والهندوس، إننا كل من يؤمن بالتسامح الديني والانفتاح علي الآخرين والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي تتولاها المحاكم العلمانية.
ونفي أن يكون هذا صداماً بين الحضارات،، وقال: إنها المعركة الأزلية بين التقدم والرجعية وبين من يعتنقون العالم الحديث ومن ينبذونه، وبين التفاؤل والأمل من جهة، والتشاؤم والخوف من جهة أخري.
وأكد بلير أن الإرهاب عالمي وليس موجهاً للولايات المتحدة وحلفائها فحسب، بل إلي الدول التي لا يمكن اعتبارها شركاء للغرب، مضيفاً أن المقاومة في العراق وأفغانستان ليست من أجل تحرير هذه الدول من الاحتلال الأمريكي، فهدف المتطرفين هو الحيلولة دون أن تتحول هذه الدول إلي الديمقراطية، ولا أقصد هنا الديمقراطيات علي النمط الغربي فحسب، بل أي نوع من الديمقراطية.
وقال: إن المتطرفين، وليس نحن، هم من يذبحون الأبرياء ويقومون بذلك عمداً، إنهم السبب الوحيد لاستمرار انتشار قواتنا في العراق وأفغانستان.
ورفض بلير بشدة اعتبار الإرهاب الإسلامي نتاجاً للفقر، ووصف الإيحاء بذلك بأنه أمر مزرٍ، مشيراً إلي أن هذا الإرهاب يستخدم قضية الفقر مبرراً لأعماله، غير أن المتعصبين الذين ينتمون إليه نادراً ما يعملون علي تدعيم التنمية الاقتصادية.
ولفت إلي أن الإرهابيين يؤسسون أيديولوجيتهم علي التطرف الديني ولا يرغبون في «عصرنة الدول الإسلامية»، ولكنهم يأملون في اتساع قوس التطرف عبر المنطقة، وأن يكتسح الخطوات الناشئة المتربحة التي يرغب الإسلام العصري في اتخاذها مستقبلاً، مشيراً إلي أنهم يريدون من العالم الإسلامي أن ينسحب في نظام حكم تترأسه حكومة أقلية دينية شبه إقطاعية.
ونبه بليرإلي أنه لن يتسني هزيمة الإرهابيين الإسلاميين من خلال مواجهتنا أساليب المتطرفين فحسب، بل بمواجهة أفكارهم أيضاً.
وقال: في عصر العولمة سوف تحدد نتيجة هذا الصدام بين التطرف والتقدم مستقبلنا، ولم يعد بوسعنا الاختيار بسبب هذا الصراع أكثر من قدرتنا علي الاختيار بسبب المناخ الذي يتغير حولنا، محذراً من الاستكانة التي وصفها بالخطأ الشديد، خاصة عند الدفع بالمسؤولية علي عاتق الولايات المتحدة وحدها، أو تضليل أنفسنا بأن هذا الإرهاب هو سلسلة من الحوادث الفردية المنعزلة، وليس حركة عالمية.
وأكد بلير أن التطرف ليس الصوت الحقيقي للإسلام، مشيراً إلي أن الملايين من مسلمي العالم يريدون ما يريده الجميع بأن يكونوا أحراراً، وأن يكون غيرهم أحراراً، ويعتبرون التسامح فضيلة ويحترمون عقائد الآخرين كجزء من دينهم.
واعتبر الأمن معركة قيم من أجل التقدم، ومن ثم لابد من إحراز الفوز بها، منبهاً إلي الحاجة لإنشاء تحالف عالمي من أجل تدعيم هذه القيم العالمية والعمل من خلالها.
وقال بلير: إن استراتيجية التطرف الإسلامي تقوم في مجملها علي شعور مفترض بالظلم الذي يبث الانقسام بين الناس، داعياً إلي أن يكون الرد علي ذلك بمجموعة من القيم القوية، بما يكفي لتوحيد الناس، فالمسألة لا تقتصر علي التكتيكات الأمنية والعسكرية، ولكنها تشمل الأفئدة والألباب وإلهام الناس وإقناعهم، وأن توضح لهم أن قيمنا تعمل علي تحقيق الأفضل لهم.
وأضاف: لا نواجه مسائل قوية تتعلق بمصالحنا الوطنية فحسب، ولكننا نواجه اختبارات حيوية لالتزامنا بالقيم العالمية، فإذا كنا نؤمن بالعدل، كيف يمكن أن نسمح بموت ٣٠ ألف طفل يومياً، في حين أنه يمكن منع موتهم، وإذا كنا نؤمن بمسؤوليتنا تجاه الأجيال المقبلة بعدنا، فكيف لنا ألا نبالي بتدهور هذا الكوكب؟ وكيف يمكن أن يكون لدينا نظام تجاري عالمي قائم علي تجارة غير نزيهة؟ وكيف يمكن أن نجلب السلام للشرق الأوسط ما لم نحل مشكلة إسرائيل وفلسطين؟
وأكد بلير علي ضرورة التضامن مع الشعوب التي تعيش مناخا من الخوف ودعمها سواء فيما مايثار، أو كوريا الشمالية، أو السودان، أو زيمبابوي.
ودعا في الوقت ذاته، إلي مؤازرة الدول التي تسعي إلي التطور الديمقراطي، منبهاً إلي أن هذا يستلزم سياسة ارتباط خارجية نشطة وليس سياسة انعزال. وأضاف بلير: لا يمكن تحقيق هذه السياسة دون تحالف قوي، بحيث تكون الولايات المتحدة وأوروبا في قلبها.
وتابع: دعني أكن واضحاً تماماً في هذا السياق، إنني لا أتفق دائماً مع الولايات المتحدة، فأحياناً تكون صديقاً صعباً، مستدركاً بأن الشعور المناهض لأمريكا في أجزاء من أوروبا يتحول إلي «جنون» إذا ما تم توجيهه ضد مصالح العالم طويلة المدي التي نؤمن بها.