كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
القسم الثانى : المعارضة الوهابية فى عهد سعود وفيصل و خالد
الفصل الأول : معارضة ناصر السعيد في عصر الملك سعود (1953 –1964)
تحليل الخطاب الايدولوجي لناصر السعيد ـ
رؤية عامة فى كتابات ناصر السعيد :
في نظرة عامة لكتاب ناصر السعيد عن تاريخ ال سعود نراه يتبني وجهة نظر احادية لا تري خيرا علي الاطلاق في تاريخ ال سعود ،وبالتالي احترسنا في النقل عنه في التأريخ للملك عبد العزيز ،الا فيما اتفق فيه مع المؤرخين الاخرين .وقد تحققنا من عدم امانته في نقل وتفسير بعض الاحداث التاريخية .هذا بالاضافة الي لغته الخطابية وعباراته التي لا تخلو من شتائم والفاظ نابية ،وعليه فانه من الافضل ان يقال عن كتابه( تاريخ ال سعود )انه منشورات للدعاية ضد ال سعود .
اما فيما يخص تأريخه لعلاقاته الشخصية مع الشخصيات التي تعامل معها ،فقد كان يحرص علي ذكر الاسماء للشخصيات المعاصرة لتاريخ الحدث ،ومن الطبيعي ان العهدة عليه فيما يرويه عن نفسه وعلاقاته بمن حوله من المعاصرين له ،وقد كتب كتابه في حياته وحياتهم ،ومع ذلك فاننا ننقل عنه وفق هذا التحفظ .ان العهده عليه فيما يرويه ،ومن حق الاخرين تكذيب او تصديق ما يقوله عنهم في تاريخه وسيرته الذاتية .وينطبق هذا علي واقعة خطابه الذي واجه به الملك سعود في مدرسة حائل ..هذا مع ان ناصر السعيد قد دخل التاريخ فعلا في حركته الثورية ضد ارامكو واضرابات العمال المتلاحقة للافراج عنه ،واضطرار الحكومة السعودية وشركة ارامكو لتنفيذ طلبات العمال …بل لقد اصدرت هوليود فيلما سينمائيا دراميا عن حركته العمالية قام ببطولته الممثل الاصلع يول براينر في الستينيات ،أي انه فرض نفسه علي تاريخ المنطقة في الخمسينيات وبداية الستينيات كمناضل ظل يعاني في سبيل ارائه حتي موته الغامض في بيروت اثناء حركة جهيمان العتيبي .
وبغض النظر عن تحفظنا في تأريخه لسيرته التي كتبها بنفسه ،فأنه قد كان صادقا في مطالبه الاصلاحية ،ليس فقط لأنه عاني في سبيل تمسكه بهذه المطالب وارتضي السجن والتشريد والنفي والموت في سبيلها ،ولكن لأنه ايضا اكدها في خطابه وفصلها في رسالته اللاحقة ،ولم يتنازل عنها بينما سارع الاخرون من المناضلين لتلبية نداء العفو والعودة الذي اطلقه الملك خالد بعد رحيل الملك فيصل ،فعادوا وبقي ناصر السعيد مخلصا لمطالبه ومبادئه حتي نهايته .
تحليل الخطاب الايدولولجي لناصر السعيد من خلال الاصالة والمعاصرة والتقدمية .
فالاصالة حيث استقي رؤيته الفكرية والسياسية من الرؤية التقليدية للاسلام والسنة بعيدا عن التعصب الوهابى ، أي كان اصوليا في جذوره الفكرية ،والمعاصرة حيث اخذ من هذه المنابع التراثية الفكرية ما ينفع عصره، واستفادبالمناخ الثقافي السائد في عصره .اماالتقدمية فقد سبق الفكر الاصولي السنى التقليدي باجتهاد ديني ،وسبق ايضا الفكر العلماني وتقدم خطوات علي هذا وذاك ..ونأتي الي التفصيل ..
الاصولية الدينية في رؤية ناصر السعيد :
تبدو هذه الاصولية في الافتتاح وفي الاستشهاد وفي الاجتهاد
في الافتتاح : يفتتح خطابه (بأسم الله الحق )ثم يخاطب الملك قائلا (يا سعود ابن عبد العزيز دعني اناديك باسمك المجرد من الجلال والجلالة (فزخرف القول غرورا ..ولن يرضي الله تعالي عمن لا يرضي عليه شعبه ).
وهذه مقدمة فريدة في خطاب الملوك ،واذا صح انه فعلا واجه الملك بهذا الكلام علي الملأ ،فأنها شجاعة تقترب من الجنون ،واذا كان قد تخيل هذا وكتبه فهو صادق في تعبيره عن ذاته وعقيدته الاسلامية حيث يكون التحميد والاجلال لله تعالي وحده ..
الاستشهاد : ويتجلي انتماؤه الدينى اكثر حين يستشهد بالايات القرآنية والاحاديث والسيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الراشدين في تأكيده علي مطالبه السياسية وارائه الاصلاحية، ونعطي بعض الامثلة:
في دعوته لالغاء الرق في المملكة …يقول (يسن هذا البرلمان الشعبي كل القوانين والمراسيم والتشريعات التي ستلغي بموجبها جريمة بيع وشراء الانسان للانسان ،جريمة تجارة الرقيق الذي لا يوجد في أي بلد من بلدان العالم الحر كما يوجد في بلاد كان شعبها فيما مضي حرر الانسان من عبودية الاوباش في ثلاثة ارباع العالم …انها بلادنا وشعبنا يا طويل العمر )!!
ونري ناصر السعيد هنا لا يدخل في جدل فقهي حول موقف الفقه التراثي من الرقيق ،ولكن يدخل بسرعة الي اثر الاسلام في تحرير الانسان ،فكيف تنتهي تجارة الرقيق في العالم كله وتبقي في ارض النبي عليه السلام الذي حرر العالم من الرق من قبل ؟ الواضح ان الاستشهاد هنا رائع في بساطته ودلالته معا .
وفي نهاية خطابه : يحذر الملك من عواقب الظلم مقتبسا قوله تعالي (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) : الانفال42 )،ثم يقول في الخاتمة (كما تقول الاية : وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (41) النجم ) ). ثم يقول لسعود (السلام علي من اتبع الهدي ) أي انه يتبع الطريقةالاصولية السنية في الاستشهاد وفي الوعظ والترهيب .
وفي رسالته الي الملك سعود اكثر فيها من الاستشهادات ،حيث بدأها بالاستنكار علي سعود لاستخدامه اسم الاسلام في الحكم ،واستشهد بقصص الانبياء وتاريخ المصلحين ،حيث استبدوا باسم الدين ،والدين برئ من الظلم ،ورد علي مقولة الملك سعود في ان الاسلام يحرم حرية الرأي ،فاستشهد بالايات القرانية الدالة علي حرية الرأي في الاسلام ،واكد بالقرآن ان الحكم في الاسلام حكم جمهوري وليس ملكيا وانما يقوم علي الشوري الحقيقية ،واستشهد بالقرآن والاحاديث والسيرة وتاريخ الراشدين علي ان الاسلام ضد النظام الملكي وضد الترف والظلم والطغيان،ونعي علي سعود اعتبار مالية الدولة ملكا له ،ورد عليه بمآثر عمر بن الخطاب في تقشفه وعدله وحرصه علي اموال المسلمين وقارن ذلك بما يحدث من سعود ،ويدخل في علاقة سعود بالامريكان مستشهدا بالايات القرآنية علي ان ذلك خيانة لله تعالي ورسوله ،ثم يختم رسالته بايات القرآن الكريم والاحاديث التي تدعو للعدل والديمقراطية وتفرض العلم علي الرجل والمرأة ،وتندد بالظلم والفقر ،وينهي سعود عن استخدام الدين فيما اسماه بالدجل السياسي .
الاجتهاد :
ومن عجب ان يأتي الاجتهاد الديني من مفكر مدني هو ناصر السعيد ،والاعجب ان يصل الي رؤية اجتهادية لم يصل اليها احد قبله من الشيوخ المحترفين ، وهم المطالبون بالاجتهادالذي يؤكد ان شريعةالاسلام صالحة لكل زمان ومكان ..
والواضح ان شيوخ السلف قنعوا بالتقليد وربطوا عقلهم وحياتهم بأجتهاد الائمة السابقين الذين اجتهدوا لعصرهم ،ولكن تغير العصر واحتاج الي اجتهاد يواكب هذا التغير فما كان من هؤلاء الشيوخ الا ان تمسكوا بالقديم وارادا حمل عصرهم علي العيش وفق ما قاله الفقهاء السابقون. ومن هنا وقف الفقهاء التقليديون مع التفصيلات الفقهية القديمةالتي اندثرت بأندثار عصرها ،وجاء عصرنا بظروف جديده تستدعي اجتهادا جديدا ،ليس بأمكان الفقهاء التقليديين ان يقوموا به ، من هنا اضطرت الادارة السعوديه الى استحداث كيانات قضائيه جديده عمادها الخبراء المدنيون.وهذا دليل ناصع على تقاعس علماء الدين عن الاجتهاد لعصرهم حتى فيما يمليه عليهم واجبهم الوظيفي في المجالات التي كانوا يحتكرونها مثل القضاء والتعليم.
اما ناصر السعيد المسلم العادي الثائر سياسيا فقد تحرر من هذا الارتباط بالتراث الفقهي ونظر في النصوص والادلة الشرعية من القرآن الكريم وما يختاره من الاحاديث والسيرة وتاريخ الراشدين ،ووضع نصب عينيه المقاصد والاهداف التشريعية ،واهمها العدل ،واحتكم الي العدل واستدل عليه بالادلة الشرعية وهو يحاكم الواقع ويحتج عليه ويطالب بتغييره سلميا ليكون اقرب الي حقائق الاسلام ..وهو بذلك يجمع مع العدل –اهم مقاصد التشريع الاسلامي –مقاصد اخري اهمها المصلحة للدين والمسلمين، ويربط العدل والمصلحة بفهم الواقع والتعايش معه بعقلية مرنة لا تمانع من التدرج في التطبيق لمراعاة المناخ السائد المثقل بأوزار اربعة هي المرض والفقر والجهل والظلم .
وفي كل ما طرحه ناصر السعيد من قضايا سياسية واجتماعية مرتبطة بالواقع لم يحاول مطلقا ان يستشهد بأقوال الائمة من ابن حنبل او ابن تيمية او ابن عبد الوهاب ،بل علي العكس اعلن رفضه لمن يمثلون هذا الاتجاه ,وهم ابناء الشيخ وجماعات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ورفض طريقتهم وطريقة الحكومة في تطبيق الحدود علي الفقراء المحرومين دون كبار السارقين لأن ذلك ينافي العدل القيمة العليا في التشريع الاسلامي واهم مقاصده .
والعدل او القسط دارت حوله شريعة الاسلام وتؤكده عشرات من ايات القرآن الكريم ،ويمثله نبي الله عليه السلام في حياته وسيرته..ومن هنا اصاب ناصر السعيد في اجتهاده حين احتضن العدل الاسلامي واحتكم اليه في النصوص والتطبيقات الشرعية واكتفي به بديلا دون الدخول في المتاهات الفقهية ،ومن هنا ايضا وزن مطالبه السياسية والتشريعية بميزان العدل ،ولم يتردد من الهجوم على تطبيقات الحدود التشريعية والعقوبات وتكريس الرق طالما تنافي العدل ،وهو المقصود الاعظم من تشريع الاسلام .
واذا راجعنا مطالبه السابقة وجدناها متسقة مع قيمة العدل ،الا انه لم يكتف بذلك ،بل كان يشير الي قيمة العدل بين سطور مطالبه تأكيدا علي اهميته كمرجعية اسلامية يحتكم اليها . يقول مثلا ناصر السعيد في احدي القواعد التي على اساسها يمنح الشعب الثقة للحاكم: ايمانه( بالمثل العليا والمبادئ الانسانية العادلةالتي جاء بها الرسل والانبياء)ويقول عن الدستور المقترح (ولن يشذ هذا الدستور عما جاء به القرآن الكريم والاحاديث النبوية الصحيحة وروح العدل التي دعا بها الرسل للحرية والانسانية )فالانبياء والرسل يراهم رسلا للحرية والعدل والمثل العليا ،وتلك هي وظيفة التدين الحق ،ان يكون قائما مع العدل وبالعدل .
وفي نهاية خطابه للملك يتمني مستقبلا جديدا للبلاد (لتعيش في جنة المستقبل ،جنة المساواة ،جنة الكفاية والعدل ،جنة يتساوي فيها الناس في خيرات بلادهم ،في كل ما في الارض وما عليها وما فوقها، لكي لا يعيش من لا يعمل عالة علي من يعمل ،بينما العدل هو ان لا يعيش من لا يعمل عالة علي كد من يعمل )
ومن خلال قيمة العدل وجه نقدا للمظالم ،واعتبر الظلم احد اهم الاوزار التي تثقل كاهل البلاد ،ولذلك يقول عن قطع الايادي والارجل (…فهذه جريمة لا تطبق الا في حق العمال والفلاحين والجنود والعاطلين عن العمل من ابناء البادية المعذبين ومن لا يجدون لقمة عيشهم ،والمضحك ان الذي يطبقها هم الذين نص القرآن الكريم علي ان تطبق بحقهم ..انهم اللصوص الكبار الذين اصبحو حكاما )ومن الواضح انه ليس ضد تطبيق الشرع ولكنه ضد سوء تطبيق الشرع .
ويقول ايضا (تلغي عقوبة جلد المواطنين .وتستبدل بالاعمال والتعليم والتهذيب مكان التعذيب ، وتحويل السجون الى مدارس لا يدخلها الا من تثبت تهمته بعد مذكرة توقيف عدلية، وبعد التاكدات اللازمة والتحقيق النزيه بانه يستحق حكم القضاء )فهنا تأكيد علي مراعاة العدل في الاعتقال وفي المحاكمة وفي معاملة المسجون .ونفس الموقف حين يطالب بمنع اخذ الزكاة من اهل البوادي والقري لأنهم (يقتاتون بها وينفقونها في الوجه الذي يرونه ،لأنها في الوقت الحاضر تؤخذ من الفقير وتنفق علي الفساد والافساد بعد ان ينفق منها الجابي ما تيسر طبعا ).
وكما نظر بعين العدل الي نواحي القصور في تطبيق بعض مظاهر الشريعة نجده يراعي نظرة العدل في باقي المطالب ،حتي في التعامل مع الاجانب،حين يطلب مساواة العامل الوطني بالعامل الاجنبي داخل المملكة في نفس العمل والمهنة ..
الفهم الواقعي :
ونظرة العدل هذه ارتبطت بالفهم الواقعي ،وقد شهدنا امثلة لذلك مستمدة من الواقع التطبيقي في تنفيذ الحدود، ومن هنا كان رفضه لتطبيقها في هذه المرحلة ،وهنا تتجلي مع الواقعية رؤية عقلية تنحاز للتدرج في التطبيق ،بالرفض كما شهدنا موقفه من تطبيق الحدود ،او بالايجاب ،كما نري موقفه في حق المرأة في التجنيد وبايمانه بأن الاسلام لا يمنع ذلك، الا انه برؤية عقلية مستنيرة يرى ان الوقت لم يحن بعد لتطبيق ذلك ،يقول (اصدار قانون يفرض التجنيد الاجباري فرضا علي كل المواطنين، ولا اقول كل مواطن ومواطنة لان هذا القول سابق لأوانه في مثل وضعنا الحالي ،ليصبح الشعب كله مسلحا امام الاعداء ،وليس في هذا ما يخالف تعاليم النبي محمد بن عبد الله كما يفتي البعض ،وهذا ما فرضه علينا الدين )
علي ان اهم مظهر للواقعية في اجتهاد ناصر السعيد يتجلي في نظرته للامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فمع انه لم يستعمل لفظي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يستعمل اسلوب الفقهاء الا انه من السهل تقسيم مطالب ناصر السعيد الي معروف يطالب به ويأمر به سعود ،ومنكر ينهي عنه ويحذر منه .فالمعروف يندرج تحته الاصلاحات الاقتصادية والسياسية والتشريعية ،والمنكر المنهي عنه يتمثل في تحذيره من ارامكو وامريكا وعملائها والمفسدين ،ويضاف للمنكر ما يطالب بالغائه من الترف والاسراف والظلم والرق والفساد .واجتهاده هنا هو تحويله للمفاهيم الفقهية النظرية الي كيانات حية واقعية ،منها ما يدخل تحت مفهوم المعروف ،وما يدخل تحت مفهوم المنكر ، ثم ان ذلك الاجتهاد العصري الواقعي يدور في اطار العدل الاسلامي ومصلحة الاسلام والبلاد .
قضية الثروة والثورة :
ونعطي نموذجين من القضايا السياسية والفقهية التي تعامل معها ناصر السعيد باجتهاده العصري .وهما الثروة والثورة ..هل طرح ناصر السعيد تغيير الحكم السعودي بالسلاح ؟او بمجرد الدعوة السلمية ؟ هل طرح ناصر السعيد في عهد الاشتراكيه تقسيم الثروة البتروليه بالثوره الحمراء التي كانت نمطا سائدا في عصره ؟
نبدأ برأيه في الثوره المسلحه ..
لقد فرضت هذه القضية نفسها علي ناصر السعيد تحت عنوان (البيعة ) التي جاء سعود يطلبها من الناس .وهب ناصر السعيد بعد خروجه من السجن ليتكلم باسم اهل حائل ،وهو كما ذكر يعلم ان اهل حائل –في كراهيتهم المتوارثة لال سعود –كارهون للبيعة ،ولم يبايعه الا طائفة معينة من المتزلفين كما يقول ،وفي غمرة بهجة اهل حائل بالافراج عنه انبرى ليتكلم باسمها في حفل مبايعة سعود .وكانت تلك فرصته ليواجه الملك الجديد بمطالب الشعب ،والتي نتج عنها –كما يقول ناصر –غضب الملك سعود وتركه للمكان بسرعة قائلا (الحفل زين لكن خربه ابن سعيد )
وكانت معضلة خطابه هي البيعة ،وقد جعلها ناصر السعيد ثقة مشروطة بتنفيذ مطالبه التي رفعها بأعلي صوته في حضرة الملك ،لذلك يقول انه يرجو ان يكون عهد سعود مزدهرا ولا يمكن ان يكون مزدهرا الا بأن يقر بكل حقوق الشعب ،ويتسلم الشعب ادارة بلاده بنفسه ،وبهذا يمنح الشعب الثقة في الملك وليس البيعة له ،لأن البيعة عادة لا تأتي الا عن طريق البيع والشراء ،والبيع والشراء يعني العبودية ،والمال خراب الذمم (اما الثقة فيمنحها الشعب بناءا علي :1- شهادة حسن السيرة والسلوك القويم للشخص الذي يمنحه الشعب ليكون اهلا للثقة ،2- ايمان ذلك الشخص الممنوح للثقة بالمثل العليا والمبادئ الانسانية العادلة التي جاء بها الرسل والانبياء ) وبعدها طرح ناصر السعيد مطالب الشعب (وبعد هذا نطرح فيما يلي مطالب شعبنا التي بموجبها يمنح الثقة لمن هو اهل لها ليكون الشعب وحده هو المسئول عن حكم نفسه بنفسه ).
وفي نهاية خطابه بعد ان عرض المطالب قال (وعلي مثل هذه المثل المشروعة في الشريعة العادلة ووثيقة حقوق الانسان يمنح الشعب ثقة الشعب، لا يبيعها للحاكم الذي يحافظ عليها ولا يبيعها هو ايضا )
وفي رسالته التي وجهها فيما بعد الي سعود ينتقد سياسته الداخلية والخارجية ويطالب بحكم دستوري يكون فيه ملكا دستوريا مصونا عن المساءلة، ويترك الحكم والتنفيذ لحكومة مسئولة امام مجلس الشعب الذي يكون حرا منتخبا، ويذكره بما قاله في خطابه امامه في حائل من قبل ويدعوه لتطبيق هذا الاقتراح.
وعليه فان ناصر السعيد لم يدع الي ثورة مسلحة لتغيير النظام بالقوة ،بالرغم ما عاناه في سجون المملكة ،وخارج السجون من نفي وتشريد وتهديد بالقتل حسبما ذكر في كتابه ..بل ظل مصمما طيلة حياته علي الدعوة السلمية لتغيير نظام الحكم السعودي ليكون اكثر ديمقراطية واكثر عدالة، لم يطالب بنزع الحكم من ال سعود ،وانما اراد تحويل النظام السعودي الحاكم الى نظام ديموقراطي عادل ،وبطريقه سلميه .
ومن ناحية اخرى فان ناصر السعيدلا يريد البيعة لأنها تعني التسليم للملك بالتحكم في شعبه ،ولكنه يريدها ثقة يمنحها الشعب لحاكمه ،او بمعني اخر يؤكد علي ان الشعب هو مصدر السلطات، وهو الذي يحكم نفسه بنفسه، وهو الذي يختار الحاكم بناء علي حسن سيرته وسلوكه وايمانه بالمثل العليا والعدل وتنفيذه لمطالب الشعب ..وهو إجتهاد إسلامى قرآنى رائع .
وما ذكره ناصر السعيد في ان الشعب هو مصدر السلطة يؤكد علي انه اجتهد في فهم حقيقة اساسية من حقائق الاسلام ،وهي الشورى الاسلامية التي كان محمد عليه السلام مامورا بها، وهو الذي ينزل عليه الوحي .والاية القرآنية التي قررت هذه الحقيقة قررت معها ان الامة مصدر السلطات ،يقول تعالي للنبي (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران 159 )أي بسبب رحمة من الله جعلك يا محمد لينا معهم ،ولوكنت فظا غليظ القلب لتركوك وانفضوا من حولك ،واذا انفضوا من حولك فلن تكون لك دولة او حكم او سلطان،لأنه باجتماعهم حولك صار لك الحكم والسلطان ، اذن فهم مصدر الحكم والسلطة حين اجتمعوا حولك وناصروك وعزروك ،ولولا ذلك لاستمرت قصة الاضطهاد القرشي التي كانت قبل الهجرة ..ولأنهم مصدر السلطات فلذلك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر ،فاذا عزمت علي التنفيذ فتوكل علي الله تعالي …أي ان الايه تؤكد علي ان النبي صلي الله عليه سلم وهو الذي يتلقي الوحي من الله تعالي لم يكن يستمد سلطته السياسية من الله وانما من الناس ،ولذلك امتن الله تعالي عليه انه الف بين قلوب الناس المحيطين حوله ،و لو انفق ما في الارض جميعا ما الف بين قلوبهم (الانفال : 63)
ونعود الي ناصر السعيد لنقرر انه باجتهاده الديني في موضوع الشوري الاسلامية ونظام الحكم قد اصاب كبد الحقيقة حين غفل عنها الكثير من علماء المسلمين ،ولذلك اكثرمن الاستدلال في رسالته الي الملك سعود لكي يؤكد ان الاسلام ضد النظام الملكي ومع النظام الجمهوري الذي يختار الشعب فيه الحاكم ويملك مساءلته وعزله .ويكون بذلك متفقا ايضا مع قيمة العدل الاسلامية التي تؤكد علي المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات وما يترتب علي ذلك من عدل في الحساب يوم الحساب، والتي تستنكر ان يحتكر شخص او اسره.. او طائفه.. السلطه.. والثروه.. دون بقية الامه ..
والخلاصة ان ناصر السعيد لم يدع الي القوة المسلحة .وانما دعا الي ثورة بيضاء يقوم بها الملك سعود نفسه وليس غيره ،ليقضي علي ماكانت عليه البلاد من فقر وظلم وجهل ومرض ،يقول للملك في خطابه( انه لا طريق للقضاء علي هذه الامراض اللعينة ومسببها الا السيف …أي الثورة علي هذه الادواء …وادعوك يا سعود ان شئت ان تقوم بهذه الثورة انت ..). وكان تحقيق مطالبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو مضمون تلك الثورة البيضاء..وهذا هو موقف ناصر السعيد من الثورة .
فماذا كان موقفه من الثروة ؟
لقد نظر ناصر السعيد اليها بنفس النظرة التي نظر بها الي الثورة ..رآها ملكا للشعب ،ومن هنا كان احتكامه للعدل في الاستفادة منها ،لذلك تمني في خطابه (ان تعيش الدولة في جنة المستقبل …جنة المساواة ..جنة الكفاية والعدل ،،جنة يتساوي فيها الناس في خيرات بلادهم ..في كل ما في بطن الارض وما فوقها وما عليها ..) وفي رسالته اكثر من الاستشهاد علي ان الاسلام ضد الترف وضد الظلم وضد ان يعتبر الحاكم ثروة البلاد من جيبه الخاص وان الشعب والارض من املاكه الخاصة ،وكما احتج بذلك علي سعود فأنه طالبه بتطهير جهاز الدولة من اللصوص الكبار (الذين سرقوا اموال الشعب) واسترداد الاموال المسروقة في خدمة ابناء الشعب، خصوصا المحرومين والمظلومين، واستنكر اسراف سعود في ميزانية الدولة (واموال الشعب ) ومن هنا كانت كراهيته المطلقة لارامكو التي استغلت بترول الشعب وثروته، واضطهدت العمال من ابناء الشعب العاملين في استخراجه ..ومن هنا ايصا كانت دعوته لوقف تطبيق الحدود الشرعية علي الفقراء الذين لا يجدون القوت لأن من حقهم ان ينالوا نصيبامن ثروة بلادهم ..وهو بذلك يتفق مع القرآن الذي يجعل حقا معلوما من الثروة للسائل والمحروم والفقراء والمساكين وابناء السبيل (المعارج 24،25 الذاريات 19 ،الروم 38،الاسراء 26 ،الانعام 141 )، ويتفق مع القرآن الكريم الذي يجعل ثروة المجتمع حقا للأمة،عليها ان تحسن القيام عليها بحيث تحجر علي السفية طالما يبدد ثروته التي ورثها ،وحينئذ لا يكون له من ثروته الا ما يكفي نفقته الخاصة ،يقول تعالي (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) :النساء ). وهكذا يبدو لنا ناصر السعيد اصوليا مستنيرا يجمع مابين الاصالة الاسلامية ومعيشة العصر ،او المعاصرة .الا ان المعاصرة القت عليه بثقافتها وظلالها فتلون بها خطابه السياسي والديني الاصولي السنى .
المعاصرة في خطاب ناصر السعيد :
كان عصر سعود يموج بالتيارات الوطنية والقومية والاشتراكية ،وتجمع اغلبها في الفكر الناصري الذي ازدهر فيما بين 1955 :1967 وتجاوب ناصر السعيد برؤيته الاسلامية مع هذه التيارات بحيث غطت سطحيا علي اجتهاده الديني الاصولي السنى ..مع عدم وجود تناقض بين رؤيته الاشتراكية واصوليته الدينية ..
ان انحيازه للفقراء من العمال والفلاحين والبدو في مقابل الظلم والترف والاسراف كان متفقا مع شريعة الاسلام ومع الهدف الاشتراكي ،والعدل هو الاساس الجامع بينهما .
إلا ان ناصر السعيد مزج هذه الرؤي العقلية والفقهية احيانا باسلوب وجداني عبر فيه عن مشاعره الوطنية للشعب والارض .،يقول في خطابه عن العمال معبرا عن حبه وتقديره لهم وتعاطفه معهم بعد حادث التسمم الذي رواه في خطابه امام سعود (فهذا جزء مما يلاقيه عصب الحياة واشرف خلق الله ..العمال الذين هم الشعب كله …العمال الذين اخرجوا هذا البترول وما يتبع هذا النعيم لينعم به غيرهم ،اما هم فلهم السم الزعاف ). ولذلك كان نضاله في سبيل العمال ضد ارامكو حتي دخل السجن، وفصلوه عدة مرات، وكان ايضا اضراب العمال من اجله واتحادهم معه ،وقد حاولت ارامكو ان تشتريه بأن تجعله من المقاولين المتعاملين معها فرفض، كما رفض ان يأخذ من امير حائل ثمنا لخطبته امام الملك سعود قبل ان يخطبها ،يقول (ولقد عجبت عندما نودي علي اول امس لقصر الامارة ليدفع لي مبلغ 500 ريال سعودي ،ويدفع للخطباء الاخرين 200 ريال سعودي ،ولما سألت عن السبب في دفع هذه المبالغ قيل لي انها ثمن الخطب ،اما انا فرفضت بالطبع ..وقلت :ان كلام الشعب لا يباع ولا يشتري وانما ينفذ بالقول والعمل ،ولو اردنا الدراهم لعشنا كما يعيش اصحاب الملايين كما عرض علينا من مقاولات شركة ارامكو ،لكننا كنا ننفق مرتباتنا كلها علي الحركة ولمصلحة العمال ،وكنا نبقي بلا طعام الا ما يتفضل به اخواننا العمال علينا ليطعمونا مما يأكلون )
بل ان ناصر السعيد بدأ خطابه قائلا ( باسم الله الحق ..باسم العمال المعذبين باسم الفلاحين الذين اصبحوا فريسة للمرابين ،باسم الجنود الظافرين ..باسم البدو المشردين …باسم الشعب العظيم، الشعب الذي حرم من نور العلم طويلا يا طويل العمر..). وسبق عرض مطالبه لتحسين اوضاع الفلاحين والفقراء والبدو .
وتبدو وطنيتة ايضا في حب المكان بعد الانسان ..اذ يتردد فخره ببلاده التي شهدت بزوغ الاسلام الذي حرر العالم من عبادة الاوباش (انها بلادنا وشعبنا يا طويل العمر )الي ان يقول فخورا باسم بلده حائل مخاطبا الملك (واخيرا مرحبا بك في بلد الكرم المضياف،حائل الجميلة العظيمة ،حائل بلد الشجعان ،حائل الجزء الذي يلاقي ما يلاقيه غيره من اجزاء الوطن من مظالم وفقر وجهل ومرض عم انحاء الجزيرة العربية بأكملها …)
وبسبب شدة انتمائه لوطنه في الجزيرة العربية فانه يتحاشي في كتابه وفي خطابه امام سعود وفي رسالته الي سعود ان يصفها بالسعودية ،ويكتفي بترديد (شعب الجزيرة) ،(بلادنا) (شعبنا) (في كذا) ، وهو هنا يعبر عن رؤيته في ان الشعب هو مصدر السلطة ،ويستنكف ان يحمل الشعب او الارض اسم اسرة معينة بعينها ،كما يستنكف انفراد هذه الاسرة بالثروة والسلطة او ان يكون من حقها سلب الجنسية من احد المواطنين .بل انه يتحاشي ان يصف شخصا ماخارج الاسرة السعودية بأنه سعودي، ويحرص علي وصفه بالمواطن ..ووصف المواطن يحمل في داخلة الانتماء للارض والشعب ..كما يحمل ايضا المساواة بين الجميع في المواطنة، ولذلك نراه يقول عن الشيعة مثلا (اطلاق الحريات لاخواننا المواطنين من ابناء الشيعة لممارسة شعائرهم الدينية ومساواتهم في جميع مرافق الحياة ،والغاء الطائفية الممقوتة ) .أي انه سبق غيره في الجزيرة العربية في الدعوة لثقافة المواطنة التي تعلو فوق الانتماءات القبلية العرقية والدينية والمذهبية .
وربما نفهم سبب حرصه علي دعوته السلمية من خلال ثقافة المواطنة .
فمع كراهيته الشديدة التي عبر عنهالآل سعود الا انهم في نهاية الامر من ابناء الوطن ،وهو لا يريد ان يدخل ابناء الوطن في صراع عسكري او ثورة دموية لذلك يدعو الملك سعود نفسه الي ان يقوم بثورة بيضاء ينفذ فيها الاصلاحات ليقطع الطريق علي ثورة قادمة ،وكان عصر ناصر السعيد هو عصر الثورات الملتهبة التي تحيط بالمملكة ،وكانت الثورات ترفع لواء التحرر من الاستعمار والامبريالية والرجعية،وهناك قواعد امريكية يتحدث عنها ناصر السعيد ومصالح امريكية في المملكة، والظروف مهيأة مع علو المد الثوري الناصري لتفجير ثورة حمراء ،وناصر السعيد باخلاصه لوطنه يريد اصلاحا داخليا يجنب الوطن سفك الدماء ،وحين رفض سعود مطالبه الاولى ورد عليها بمحاولات الاغتيال لناصر السعيد فان الاخير لم يتنازل عن دعوته ومطالبه السلمية فكرر نفس الدعوة لسعود من خلال رسالته التي بعث بها من القاهرة.
ولأن وطنه هو مهد الاسلام والعروبة فقد ارتبطت اصوليته الاسلامية مع قوميته العربية متفقا بذلك مع عبد الناصر ،بل انه سبق عبد الناصر والثورة المصريه في تضامنه مع العرب في فلسطين اثناء النكبة ،وقد وجد في وصف العربي بديلا مناسبا لكلمة السعودي التي يتحاشاها ،فانشأ اتحاد شعب الجزيرة العربية ،واعتاد ان يقول (شعبنا العربي في كذا ) وكان من الطبيعي بعد نجاح الثورة المصرية ان يسارع في تأييد توجهها العربي وان يحمل خطابها القومي ،خصوصا وصف اعدائها بالرجعية ،ومن الطريف ان ناصر السعيد حين مدح جدته الحاقدة علي أل سعود .. قال عنها (انها لم تهادن الرجعية ولو مرة،ولم تقبل من الرجعية أي عون )ويري ان موقفها (اشرف من مواقف جامعة الدول العربية في محاربة الرجعية والاستعمار )[16] .
ومن خلال نظرته القومية العربية الناصرية كانت كراهيته لعملاء ارامكو من الباكستانيين وغيرهم، وكانت دعوته لخصومة امريكا و التعامل مع المعسكر الشرقي والاتحاد السوفيتي ..وهو هنا لم يبتعد عن خطابه الديني الاصولي السنى ،الذي يتبني الموالاة ،موالاة الاصدقاء ضد الاعداء .وكانت دعوته للملك سعود في اصلاح سياسته الخارجية نابعة من هذه الموالاة ..
التقدمية في خطاب ناصر السعيد :
المقصود بالتقدمية هنا ان ناصر السعيد سبق تفكير عصره وتقدم عليه ..
سبق تفكير علماء الدين ،برغم انه ليس منهم ،وقدم اجتهادا اسلاميا فكريا يحتاج الي البناء عليه والنقاش حوله.
سبق غيره من ابناء الجزيرة العربية والاقطار العربية في الترويج لثقافة المواطنة التي تعلو فوق الانتماءات الطائفية والقبلية ،ولا يزال العرب والمسلمون يعانون من مشكلات الاقليات الطائفية الاثنية والعرقية والدينية والمذهبية والثقافية.بل انه سبق عبد الناصر في الدعوة العملية للانتماء العربي القومي ومواجهة الاحتكارات الامريكية،وسبق الجميع في ثقافة اخري قدر لها ان تسود بعد موت ناصر السعيد بعقدين من الزمان،وهي ثقافة حقوق الانسان .
لقد اشرنا لدعوته لالغاء الرق في المملكة والغاء العقوبات الشرعية بالقطع والجلد،ودعوته الى اصلاح حال السجون واطلاق سراح المساجين السياسيين ،وتحويل السجون الي مدارس اصلاحية،ومراعاة الالتزام بالعدل والقانون في القبض علي المتهم ،ومنع كل وسال التعذيب .ورأينا كيف كان يدعو الي حرية الفكر والاعتقاد وعقد الاجتماعات ،وحرية الكلمة وحريةالصحافة وحرية الشيعة في اقامة شعائرهم .
وهنا نؤكد علي عدة حقائق في سبقه في المطالبة بحقوق الانسان :
1-انه سبق المناخ السائد في المملكة بهذه الدعوة ،يكفي انه كان لايزال هناك ستمائة الف من الرقيق فيها من الذكور والاناث بينما يدعو ناصر السعيد الي ثقافة غاية في التقدمية بمقياس المناخ الثقافي لعصره وبلده .
2-انه سبق الجميع في الربط بين ثقافة حقوق الانسان وحقائق الاسلام ،واعلن بجرأة ان تطبيق الحدود يجب وقفه لسوء التطبيق .ومشكلة تطبيق الحدود لاتزال ازمة راهنة بين سلطات المملكة وجمعيات حقوق الانسان .. ويتجلي هذا السبق لناصر السعيد حين نقارن بين اجتهاده الاسلامي المستنير واجتهاد المسعري المعارض السني السعودي في عصرنا الراهن ،بعد موت ناصر السعيد بعشرين عاما ،فالمسعري ورفاقه يتشبثون في خصومتهم للنظام السعودي بحقوق الانسان ،مع انهم ينكرون علي خصومهم خصوصياتهم الدينية والمذهبية والثقافية أي يأخذون من حقوق الانسان ما يساعدهم وينكرون منها ما لا يتماشي مع منهجهم التراثي .
3-ويركز المثقفون العرب علي حقوق الا نسان (المثقف ) أي حرية الفكر والاعتقاد والمشاركة السياسية –هذا اذ كانوا من مثقفي اليمين.ويركز مثقفو اليسار علي حقوق الانسان في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية .بينما يركز فريق اخر علي حقوق الاقليات او حقوق المرأة .ويحدث هذا في مطلع القرن الحادي والعشرين،بينما نجد ناصر السعيد يسبق كل منظمات حقوق الانسان العربية التي تتنافس في الحصول علي التمويل الاجنبي، يسبقها ليس في الحصول علي التمويل ،إذ لم يكن يجني في وقته الا المعاناة والتشرد ،ولكن يسبقها في وضع منظومة متكاملة وموجزة لحقوق الانسان ، تشمل الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية،ويقرن كل ذلك بثقافة المواطنة واجتهاد اسلامي مستنير .
الهوامش
16-ناصر السعيد :تاريخ ال سعود:14 -،19 -،101 -،108 .