تعالوا لنفهم داعش

سامح عسكر في الأربعاء ١٠ - سبتمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

منذ شهر وفي أغسطس الماضي أًصدر تنظيم داعش قراره بحظر الظهور في أي إعلام ، ولم يسمح سوى بإصداراته الخاصة من مقاطع مرئية وعملياتية ، هذا يعني رفضه التام لفكرة التواصل والحوار، على خلاف ما سلكته جبهة النصرة القاعدية حين سمحت لقياداتها بالظهور على الجزيرة بوصفهم ثوار، مما يُعطي لمحة عن اختلاف جذري في سلوك كلا التنظيمين رغم أن منشأهم قاعدي واحد.

قرار رفض التواصل والظهور سبقه توجه وميول داعشي يرفض أي شكل من أشكال التنظير الشرعي لما يفعله من جرائم وتجاوزات في حق البشر، فالظهور في الإعلام والحوار مع المخالفين يعني حدوث تنظير شرعي يرفضه الأمير أبو بكر البغدادي، والسبب في تقديري كي لا يُعطوا حُجة لخصومهم داخل القاعدة من جبهة النصرة أو من سائر التنظيمات الأخرى خارج التنظيم، وهذا يعني إقراراً بالمسئولية والذنب على جرائم فعلها التنظيم ولا يريد تحمل مسئولياتها بهدف الإبقاء على جبهته الداخلية متماسكة.

في مصر حدث نفس الشئ مع جماعة الإخوان وقتما كانوا في السلطة،عجزوا عن تحمل مسئوليات عدوانهم على الدولة والقانون فأصدروا قرارات بعدم الظهور في الإعلام المصري، حينها وجد المصريون الفرصة للانقضاض على الجماعة أكثر..بعدما تحول الإعلام المصري لساحة تحريض على الجماعة بشكل مباشر، لقد كان ما فعلته الجماعة بدافع التملص من أي استحقاق سياسي أو نفسي قد يكلفهم تشقق جبهتهم الداخلية، وهم أحوج في هذا التوقيت للتمكين.

أي أن ما فعلته وتفعله داعش فعلته الإخوان في السابق، وكانت النتيجة هي انقلاب شعبي وسياسي على الإخوان، وهو يعني مصيراً مشابهاً لداعش سيأتي حتماً.

لقد تفرغ أعضاء داعش في تواصلهم الألكتروني إلى العمل الإعلامي التحريضي والحماسي لا غير، حيث لا يوجد فكر ولا رؤية ولا رد شبهات ولا رد مظالم..ولا حوار ألكتروني مع أحد ، فالتنظيم يفتقر لأبسط أدوات الانتشار وهم المنظرين الشرعيين أو المتحدثين السياسيين، تلك الأدوات كان يمتلكها تنظيم القاعدة قديماً وحديثاً في جبهة النصرة، كان لديهم فقهاء للتحليل والإفتاء لذا تمددوا حتى بين أواسط المثقفين الإسلاميين، أما داعش فهي منعزلة بشكل واضح، لا يظهرون إلا للإعلان عن عملياتهم وجرائمهم المغلفة بشعارات وأناشيد حماسية.

هذا يعني أن داعش لا فكر لديها ولا مضمون ثقافي يمكن أن تستند إليه في أعمالها ، وهذا يؤكد 100% أن تلك الجماعة هي جماعة مرتزقة وعصابات قتل وأمراء حرب لا غير، كنا نقول عن تنظيم القاعدة وجرائمه أنه انحراف عن دين الله وكُفر بالإنسان ليقيني أنهم استندوا على تراث أرعن يُحل قتل الأبرياء وتكفير المعارضين دون بينة، لكن تبين لي أن داعش لا علاقة لها بالتراث أصلاً، وهي لم تبذل الجهد لنفسها كي تجتهد وتخرج بفتاوى مؤصلة وأدلة متكافئة حتى ولو متوهمة.

سيقول قائل كيف ذلك والتنظيم تمدد بشكل واضح في الفترة الأخيرة حتى بات يسيطر على ربع مساحة سوريا وثلث مساحة العراق، والجواب أنهم تمددوا في مناطق صحراوية معزولة عن بعضها ، مما يجعل كونهم دولة أمر مشكوك فيه، المرة الوحيدة التي كسروا فيها هذه العزلة الصحراوية هي سيطرتهم على الموصل، وفي يقيني أن رحيلهم عنها بات مؤكداً وقريباً في ظل تشكيل حكومة توافق عراقية، وفي ظل تحالف عسكري عالمي يوشك على الانتهاء وضع داعش وجنودها في أولوياته ، أما المناطق الصحراوية فهم سيظلوا فيها قابعين خلف الأضواء وينتظرون فرصة أخرى للانقضاض.

كذلك تمددوا في ظل حالة ثورية لا تؤمن بالحوار ونزعة قتالية لا تؤمن بالسلام، هكذا هو حال المنطقة منذ ما يقرب من أربعة أعوام، فالبيئة العراقية والسورية هي أرض خصبة لهم وجاهزة للشعارات والأناشيد الحماسية مقدماً، لذلك فأي معطيات دينية ستقدمها داعش- سواء بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية- ستجد لها أثر سريع ، وإن كانت هذه المعطيات في الأخير متضاربة أو ناقصة أو معممة بشكل يمكن أن يقضي التنظيم على نفسه، وهذا ثابت في أحوال كل من سلك هذا النهج في فهم الدين، أنهم يحاربون أنفسهم ويشيعون القتل بكثرة واستسهال للأرواح حتى تأتي الضربة القاضية.

عندما قلنا أن ما تُسمى.."بالثورة السورية"..هي مشروع وبال على الأمة لم نقل ذلك من فراغ، وعندما لعنت هذه الثورة وما نتج عنها من دمار وخراب لم ألعنها من فراغ، فهي أصل الأصول في تكوين داعش، وهي التي احتضنت بيئة العنف في سوريا وحرصت على إبقائها واستمراريتها بعنجهية وإنكار لكل مفردات الواقع.

داعش هي نتيجة طبيعية لأي قتال ديني أو مقدس ، وما فعله الجيش الحر وجبهة النصرة من قتال بشار الأسد من خلفية دينية هو الذي أعطى المبرر لداعش بالدخول في المعمعة، وبالتالي تمددت على حساب كلا التنظيمين، كون الجيش الحر وجبهة النصرة في الأخير يعتمدان أسلوباً توافقيا يكسبون به حاضنة شعبية تساعدهم على البقاء، وبالتالي سيسلكون مسالك سياسية مفعمة بالكذب والتقية والمهادنة من أجل التواصل، أما الداعشيون فهم لا يكذبون وواضحون تماماً مع أنفسهم ومخالفيهم ، والوضوح دائما قوة حتى ولو سلبية.

أفهم من ذلك أن داعش لا تحرص على كسب تلك الحاضنة الشعبية، ولا تسعى إليها، والبديل لديهم هو الإغراق في الشعارات واللعب على المشاعر الطائفية ، وما كان دخولهم السهل للموصل إلا دليل على أن من سمح لهم بالدخول وساعدهم كان يفعل ذلك كيداً في نظامه السياسي أو طائفة معادية له، وبالتالي ينتقلون للمرحلة التالية وهي فرض الوصاية أو البيعة ومن ينكر هذه البيعة أو يقف ضدها فهو عدو.

إن داعش هي ردة فعل طبيعية على استمرار الحرب السورية ، وهي التطور المخيف وربما يكون النهائي لهذه الأزمة، فهم يعتمدون أسلوباً انتحاريا في الحرب، بشكل قد يُسقط أي منظومة عسكرية بشرية، لذلك هم يتقدمون في الميدان ورغم ذلك تسقط منهم أعداد كبيرة من القتلى ، لأنهم في الأخير لا يعتمدون العدد أكثر من اعتمادهم على الأسلوب، وهو سلوك يعيد إلى الأذهان ما قام به هتلر من حروب مجنونة في أوروبا، كان يقيمها بطريقة داعش...طريقة انتحارية تكسبه الأرض وتفقده العدد.

وبالنسبة للعدد فهم لا يعيلون على هذا الأمر كثيراً، فلديهم مافيا أجنبية ومنظمات تساعدهم بالمال والسلاح وتمدهم بالأفراد، علاوة على تسلطهم على أهالي القرى والمدن التي يحتلونها فيجبرون رجالهم على الانخراط في التنظيم، وهذا يفسر زيادة أعدادهم في الفترة الأخيرة، فهم كلما تمددوا على الأرض كسبوا رجالاً ومقاتلين، ولما لا والدولة غائبة والجيوش منهارة، هذا يساعدهم في فرض رؤيتهم وأنه لا مناص للعشائر والقبائل إلا بالبيعة.

نخطئ كثيراً في فهم العمليات الانتحارية التي تقوم بها داعش وسائر الجماعات السلفية القتالية، وهو أن نحصر مفهوم الانتحار برغبتهم في الجنة والحور العين، ولبيان هذا الخطأ نجيب على هذا السؤال..هل توجد جماعات أخرى غير إسلامية اتخذت من الانتحار سبيلاً في قتالها ؟..الإجابة نعم يوجد، جماعة نمور التاميل السيريلانكية هي جماعة يسارية شيوعية نفذت عشرات العمليات الانتحارية ضد الحكومة، وهم هندوسيي الديانة مما ينفي حصر الانتحار في الرغبة بالجنة والحور هكذا بتعميم.

الصحيح أن هؤلاء مرضى عقليين وبشراً غير طبيعيين وإلا فالمسلمون جميعاً يريدون الجنة والحور العين...لماذا لا نرى المسلمون يسلكون هذا النهج.بل العكس هو الذي يحدث أن شعوب المسلمين بالكامل تستنكر هذا التوجه في طلب الحق، ويشيع بينهم أن ذلك انتحار مؤداه الكفر والخروج عن رحمة الله.

قرأت أن ذلك عصاب ذهني أو قهري المهم أن ما يعاني منه الانتحاري ليس شرطاً أن يكون برغبة أصيلة في الجنة، والغالب أنه يوهم نفسه بذلك ليُرضي وجدانه ويقنع ذاته بتوهم أن ذلك صحيح، وهذا يحدث معنا كثيراً حين نريد أن نكذب فنكذب وبعدها نصدق ما كذبناه وندافع عنه بغرابة.

قضية الخلافة التي ينتحر من أجلها الداعشي هي أكلاشيهات وشعارات غير واقعية أكثر من أن تكون فكرة قابلة للتطبيق، فور أن تتعارض المصالح سينسى الداعشيون الخلافة وأبو الخلافة كمان، سيعملون لمصالحهم، سيقتلون...سيذبحون ..سيكذبون...سيرتكبون كل المحرمات للدفاع عن أنفسهم، الجهادي الذي أعجب بنزوة داعش أمس سيكفّرها اليوم، والنموذج المقدس في ذهنه سيتبخر...لن يرى إلا نفسه والسبب أنه جهل أبسط قواعد السياسة..أنها مبنية على المصالح والتواصل، دون أن يفقه سبل التواصل أو أن تعمى عينه عن مصالحه لن يفترق حينها الداعشي عن الحمار الذي وضع رأسه في فتحة البركان ليشرب..

اجمالي القراءات 7900