دار حوار بيني وبين الأصدقاء والقراء في مجموعة.."يداً بيد نحو الأفضل"..على الفيس بوك، اشتمل الحوار على قضايا متنوعة ومسائل حوارية دسمة لا تكفيها الصفحات والسطور، وتناقشنا حسب الاستطاعة وبإيجاز غير مخل، سيكون لقائنا إن شاء الله لعرض هذا الحوار في ثلاث حلقات، الأولى منها اليوم وسنتبعها بالبقية تباعاً.
السؤال الأول من Hussam Almustaql
(هل المشكلة في التشريع الاسلامي بالنص ام بالمفسر ؟ الذي يكفر أو الذي لا يكفر.. الذي يقطع الرؤوس او الذي لا يقطع .. الكل بالنهاية يستند على النص و تفاسيره في تبرير أعماله ؟ و الجملة المعتادة هذا لا يمثل الاسلام الصحيح ؟)
الجواب: مبدئياً يجب أن نفصل بين التشريع الإسلامي كنص وبين فهمه كتطبيق، بمعنى أن النص في ذاته وحيُ مطلق، مقيد أو غير مقيد هذا شئ آخر، أما فهمه فهو نسبي ولا يجب أن يكون غير ذلك، كل كتب التفسير أخطأت حين عرضت موادها الفكرية على أنها نص، والأكثر جُرماً من لجأ للتفسير بالرواية، الأخير نسخ قول الله بقول البشر، وأنشأوا ما أصفه.."بالغيبوبة الفكرية"..التي حرصت على جذب العقل الإسلامي للخلف..من خلال أسلوبها المتعالي في الحُكم والحاد في التقرير، وأمامي نموذجين من فقهاء المسلمين هم أكثر من فعلوا ذلك بإنتاجهم الغزير وقلة بضاعتهم السياسية ، وهما.."ابن تيمية وابن كثير"..الأول هو مجدد مدرسة أهل الحديث الأموية ورافع رايتها السياسية والدينية، أما الثاني فهو تلميذ ابن تيمية ومجدد منهج الطبري والخطيب البغدادي في قبول الأخبار الشائعة دون تمحيص، وعلى كتبه تأسست معظم الصور التاريخية عن أهل القرون الأولى وما تلاها إلى زمنه، حتى أن كتابه البداية والنهاية هو كارثة إسرائيلية حطت على المسلمين.
أما عن تمثيل الإسلام الصحيح فهذه كذبة، لا يوجد من يستحق هذا الوصف سوى مؤسسه الأول النبي محمد، كل من حُرم من العصمة هو لا يمثل الإسلام الصحيح، كل من أخطأ في فهم دينه سيُخطئ في فهم سياسته، وأرى أن الجميع أخطأ منذ اجتماع السقيفة حتى ورثنا هذا الكم الهائل من الأخطاء بطريقة تراكمية إلى الآن، ولولا هالة القداسة التي حطها الأمويون على أهل القرون الثلاثة الأولى لأجتهد المسلمون قديماً بشكل أفضل وأسسوا معارف إنسانية وحضارة رائعة.
السؤال الثاني من Waseem Alattar
(بالظروف الراهنة الاسلام المعتدل مُغٓ-;-يّب عن الساحة الاعلامية والصدى المسموع ، ماهي الحلول من وجهة نظرك لمساعدة هذا الصوت المعتدل ليطفو على السطح ؟؟)
الجواب: كلمة الإسلام المعتدل هذه كلمة غير دقيقة، الأولى هو.."الفهم المعتدل للإسلام"..فالإسلام تصور لا يجوز له تصديق غير الاعتدال وإلا لم يكن ديناً... في تقديري أن تصور الإسلام بشكل صحيح سيبدأ من فهمنا للحرية، وكتبت قبل ذلك رسائل في الحرية قلت فيها أنه كلما أبدعنا في تصور الحرية كلما اقتربنا من الفهم الصحيح للأديان.
الحلول ستبدأ من إعادة صياغة مفهوم الحرية لدينا، الغرب لم ينهض من حروبه الدينية في القرن 17 إلا بتحرير معنى الحرية، ما هي؟ وفي أي إطار؟ وما الإطار؟ وكيف ولماذا؟...كلها أسئلة عن ما هو.
السؤال الثالث من Abed Rayess
(إذا كان لا بد للإسلام المعتدل أن يواجه التشدد السلفي الجهادي فقهيا...فكيف يفعل ذلك واسانيد السلفية تبدو موثوقة فعلا...وهي تمتد لما قبل حادثة السقيفة أي لحياة الرسول نفسه...وأحاديثه...لا بل آيات من القرآن الكريم تبدو واضحة التأويل ولا يمكن الالتفاف عليها. هل ضعف الاسلام المعتدل
ناجم عن إحراجه أمام اسانيد السلفية التي تبدوغير قابلة للنقض...)
الجواب: هذا ما أسميه ب.."سلطة القديم"..ما تخاف منه ياأستاذ عبيد موجود ليس فقط في الإسلام أو السنة، هذا مرض إنساني شائع، علاجه الوحيد سيكون عبر وسائل .."عملية "..وليس التركيز في العمل الأكاديمي النظري..
الفلاسفة في عصرنا منذ القرن 19 ومع ذلك لم يفعلوا شئ حتى القرن 21، وهذا يعني وجود خطأ ليس بالهين، تكلمت فيه قبل ذلك وطالبت كل مفكر ومثقف وناقد أن يعلن عن رأيه بصراحة وبشجاعة ، مفكرينا يُعانون من ضمور نفسي ورهبة اجتماعية قد تطيح بهم وبمكانتهم التي حصلوا عليها، أن يتركوا كل ذلك ليس بالهين..
ولكن مع كل ذلك يوجد أمل كبير، الشعوب تغيرت وساحة التواصل امتلأت بالنوابغ وكل جديد، وتحقيق الحرية أعلى من أي ماضي، وإنسان اليوم هو مدني بالضرورة، لذلك ستحظى أي دعاوى مدنية تهدف للتواصل وللحب ستجد لها أُثر اجتماعي وشعبي، قديماً كان التواصل معدوم، حين يرى المسلم المسيحي أو يرى السني الشيعي ربما يراه في المواسم أو يراه ولا يعرفه أو لا يراه أصلا، أما الآن فالجميع يرى الجميع ويعرفون أنفسهم وأديانهم وهم مضطرون إلى ذلك.
السؤال الرابع من Abed Rayess ايضا:
(إلى أي درجةيمكن أن ننال المساعدة من قراءة تاريخية لأحداث الفترة النبوية أي تمييزالمرحلة المكية عنالمدنية ..و عزل المرحلة الحربية من الفترة المدنية ومساءلتها فكريا بنوع من نزع القداسةأو التنتزيه المسبق؟)
الجواب: مسألة العزل هذه صعبة لأن العمل عليها يؤكد صحة مذهب المعتزلة والقول بتاريخانية / خلق القرآن ، هذا موضوع شائك ربما لن يجد له متعاطفين الآن حتى ممن يعملون في الحقل الثقافي، فأسماء الفرق وسمعتها قديماً جعلت الأغلبية يتبرأون من الانتساب إليها، وهو السبب في توقف الاجتهاد منذ حملة المتوكل والحنابلة على المعتزلة.
بتوضيح أكثر..خصوم الإسلام يحتجون على بطلانه بأن المرحلة المكية دعت للتسامح مع الآخر وقت أن كان المسلمون ضعفاء، أما المرحلة المدنية دعت لقتال الآخر وضرب الرقاب والجزية عن يدٍ وهم صاغرون حينما كان المسلمون أقوياء، وهذا يعني- لديهم- أن آي القرآن نزلت حسب مصالح المسلمين وقتها، وبالتالي تصدق رؤية المعتزلة بخلق القرآن وما يرادفه من مصطلحات العصر.."كالتاريخانية".
لكن في تقديري يوجد مدخل مهم لفهم هذه الحقبة وهو ما رأيته في أعمال بعض المفكرين عنوانها.."القرآن لغة واحدة ونسق واحد ويكمل بعضه بعضاَ"..وهذا يعني بطلان عقيدة.."الناسخ والمنسوخ"..التي هي برأيي جاءت كرد فعل من المحدثين والفقهاء لعلاج آثار ردهم على المعتزلة و قولهم أن القرآن قديم، بحثوا في تعارضات القرآن الظاهرية لم يجدوا علاجاً يشفع لهم سوى قولهم بالناسخ والمنسوخ، والحقيقة أن هذه العقيدة تثبت صحة مذهب المعتزلة فلسفياً، لأن النسخ يعني حدوث، والمنسوخ أصبح قديم، ولا يمكن اجتماع القديم والحديث إلا صح اجتماع النقيضين، وعليه فالقرآن حديث مقيد حسب زمان ومكان المسلمين منطقياً.