أرنولد توينبي وتحدي داعش..

سامح عسكر في السبت ٣٠ - أغسطس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

حسب معرفتي بالشيعة وعقائدهم..هم أشد الناس على السلفيين وداعش..

صور الجنود العرايا في مطار الطبقة السوري، وقاعدة سبايكر العراقية هي لجنود ومواطنين من السنة قتلتهم داعش بعدما رفعوا في وجههم شعارات الخلافة والدولة الإسلامية..

هل رأيتهم يسيرون لمقتلهم بكل اطمئنان وهدوء؟!

هل رأيت كثرتهم..وهل كان يمكنهم المقاومة دون هذه المهانة ؟!

عامل نفسي مهم في حرب داعش ..أنهم يعتمدون على التراث السني وعلى إدراك السنة أنفسهم بقيمة تراثهم، وعليه فعندما يحاربون السنة يكونون أقوى وأشد في الميدان كونهم يمثلون هذا التراث بشكلٍ صحيح، أما باقي شعوب السنة فهم مجرد مقلدين يرددون أقوال الشيوخ دون وعي، ويستسلمون للسائد بغرابة..

اليوم خضت حواراً مع أحد الأصدقاء بخصوص هذا الموضوع وكان ردي كالتالي:

1- ارجع بذاكرتك للوراء كيف للتتار أن يدخلوا بلاد المسلمين بكل هذا الإجرام والوحشية ثم تستسلم لهم الشعوب وهم يعرفون أنهم سيُعدمون...

2-أنت في حالة انحطاط حضاري غير مسبوقة ، ومن معالم هذا الانحطاط ان لديك شعوب معدومة الثقة وجاهلة بكل شئ حتى بمن تراه.

3-طبيعي أن يأسر الداعشي الواحد خمسة رجال ويجردهم من سلاحهم وهم مستسلمون...لأن الداعشي يحارب عن عقيدة وهو عندما يتقدم لا يتراجع..بينما الآخر ليست لديه أي عقيدة ولا أيدلوجية وهو دائما يتراجع عن حالة نفسية وعقلية مركبة..

الخلاصة: أن الشعوب السنية تفقد الثقة في نفسها مقابل هجمات داعش الذين يمتلكون الحجة والدافع الأقوى والمبرر لما يفعلون..وبالتالي فهم في أيدي داعش كالمخدرين يتملكهم شعور وهمي بالذنب..

أما الشيعة فهم يمتلكون إرثاً عاطفيا وعقليا وأيدلوجياً هائلاً يمكنهم من هزيمة داعش في أي وقت، وما كان صمود مدينة .."إمرلي"..العراقية وذات الأغلبية الشيعية في وجه داعش لأكثر من شهرين.. إلا دليل حي ونابض على قوة الشيعة في وجه داعش.. 

المؤرخ والفيلسوف الإنجليزي .."أرنولد توينبي"..كانت له نظرية رائعة في نشأة الحضارات، اسمها نظرية.."التحدي والاستجابة"..وملخصها أنه ما من حضارة تقوم إلا وتصفي حساباتها مع ماضيها، فتنشأ حالة من التحدي ويتوقف قيام الحضارة على سرعة وجَودة الاستجابة لهذا التحدي من الأمم..

نحن الآن أمام تصفية حساب مع الماضي بكل وضوح..

ونتيجة لهذه التصفية نشأ تحدي داعش والتي هي الممثل الصادق والحقيقي للتراث السني ، وعليه –وحسب كلام توينبي-لن تقوم لنا قائمة إلا باستجابة لهذا التحدي تقوم أولاً على خلع جذور هذا الماضي، فيما يسميه البعض.."بالمراجعات التراثية "..وإعادة إنتاج خطاب ديني جديد.

منذ عقود وتقوم جهود المتنورين والمثقفين في إعادة إنتاج هذا الخطاب بعملية نقد وطعن هائلة في أسس وأصول ذلك التراث السياسية، والهدف هو الرجوع للحالة الإيمانية والفكرية للمسلمين الأوائل قبل افتراقهم في دار السقيفة..

أسس وأصول مثل الخلافة والشريعة وخير القرون وتقديس كتب الحديث ..وغيرها من الخطوط الحمراء في الفكر السني هي الهدف ..لأنها نشأت في زمن متأخر عن زمن الرسول وفي ظروف كان المسلمون فيها أعداء ..فتمت صياغة هذه الأسس في جو عدائي مشحون وليس جو هادئ ومستقر...

التجديد واجب الآن لهزيمة داعش..سواء بإعادة فهم هذه الأسس من جديد وبضوابط جديدة.. أو بعملية إحلال وتبديل تراعي الزمان والمكان..هذا هو التحدي الوحيد والأخطر على الأمة..

هذه ليست عملية سهلة بالطبع..وتتطلب نوعاً من التواضع لله وإنكار الذات وحظوظ النفس.

أتمنى أن ننجح في تجاوز هذا التحدي على الأقل لصالح الأجيال القادمة..
 
اجمالي القراءات 10788