1 ـ فى مصر التسعينيات ـ كان من أسعد الأوقات لقاء الأحبة من أهل القرآن ، من العائلة وخارجها . كنا نصلى الجمعة معا فى شقتى بالمطرية ، وبعدها نقاش فى موضوع قرآنى ، وكان اللقاء الأسبوعى هذا من اجمل أيام الأسبوع . وقتها كنت أذهب فى أول جمعة من كل شهر لأصلى الجمعة بأهلى فى منزلنا بقرية أبى حريز / كفر صقر شرقية ، وألقى الأحبة هناك. قام مبارك بتعذيب بعض أقاربى وإرهاب الآخرين واستجوابهم عما أقوله لهم فى الصلاة ( فى بيتى ) الذى هو أيضا بيت العائلة ؟! فامتنعت عن الذهاب لزيارة أهلى رفقا بهم . كما قام مبارك بإعتقال بعض الأحبة الذين كانوا يأتون لحضور صلاة الجمعة فى شقتى بالمطرية ، فتوقفت هذه المناسبة الوحيدة التى كنت اتنفس فيها عبير التلاقى بالأحبة ، وانكمشت وحيدا فى بيتى أنتظر قدومهم لاعتقالى ، الى أن منّ الله جل وعلا بالهرب من هذه البلدة الظالم أهلها وأنجانى من القوم الظالمين .
2 ـ فى أمريكا تمتعت بالأمن ، وأنعم الله جل وعلا علىّ بفضل لا أستحقه ، فلحقت بى زوجتى وأبنائى وبعض أهلى، واتسعت عبر الانترنت دائرة أهل القرآن لتتخطى مصر الى بلاد العرب من الخليج الى المحيط ،ووصلت بلاد المسلمين وتجمعات المسلمين فى أمريكا الشمالية . وتكونت صداقات عزيزة صادقة عبر الانترنت والتجاوب مع موقع ( أهل القرآن ) والمساهمة فيه . ولأننى لا أستطيع الرجوع لمصر فقد كنت ـ ولا زلت ـ أفكر فى لقاء الأحبة الذين لا أعرفهم إلا من خلال الانترنت . فكرنا كثيرا فى لقاء تمهيدى يجمع أعمدة أهل القرآن فى بلد آمن ، وكان صعبا . فالبلاد الآمنة ( الاتحاد الأوربى وأمريكا وكندا ) يصعب على الأحبة فى مصر وشمال افريقيا و الشرق الأوسط الحصول على تأشيرة لدخولها . البلاد العربية غير آمنة . إستعضنا مؤقتا عن هذا الوضع المؤلم بالتلاقى الفردى فى أمريكا وكندا . سعدت بلقاء الأخوة محمد دندن ومحمد صادق ومحمد البارودى . تفضلوا بزيارتى فى مسكنى ، وسجلنا حلقة معا فى برنامج ( فضح السلفية ) . وزرت ( تورنتو ) فى كندا حيث يقيم ابن أخى د عثمان محمد على ، وتفضل بلقائنا هناك أخى ( الأكبر ) محمد صادق الذى يعيش فى أقصى كندا ( جزيرة فيكتوريا ) فى المحيط الهادى بجانب فانكوفر .
3 ـ الاستاذ محمد صادق ، وهو قطعة حيّة من تاريخ مصر الحديث تسير على قدمين . وقد شرفت بالتعرف به ، وزارنى فى شقتى المتواضعة فى المطرية فى الثمانينيات ، أى هو من الرعيل الأول من أهل القرآن . واستمرت المودة بيننا ، وتعززت بهجرتى الى أمريكا ، فكان ولا يزال أحد أعمدة أهل القرآن ، واستطاع بجهاده أن يؤسس مركزا لأهل القرآن فى فيكتوريا ،: (مركز الدراسات القرءآنية فى فيكتوريا ) وانضم اليه مسلمون مثقفون غيورون على دينهم واسلامهم ، كنديون من مختلف الأصول ، منهم المصرى و الجزائرى والمغربى و الهندى والايرانى ، كلهم بعائلاتهم . يجتمعون فى بيت الاستاذ محمد صادق يصلى بهم الجمعة ويحضرون معه درسا قرآنيا اسبوعيا ، وهو يتابع محاضراته التنويرية خارج هذا الاطار فى كنائس و جامعات ، يوضح صورة الاسلام البهية التى شوهها الوهابيون . وكالعادة عانى ولا يزال يعانى من الوهابيين فى فيكتوريا .!
4 ـ باسم أهل القرآن فى فيكتوريا دعانا الاستاذ محمد صادق لنقضى بعض أيام معهم ، وجّه الدعوة للأخ محمد دندن ( يقيم فى فيلادفيا ـ أمريكا ) ولى ، ولابن أخى د عثمان المقيم فى شرق كندا ( تورنتو ) . ولبينا الدعوة فكان لقاءا رائعا ، أدعو الله جل وعلا أن يجزي عليه أهل القرآن فى فيكتوريا أحس الجزاء .
إمتدت الزيارة من يوم الثلاثاء 5 أغسطس 2014 ، وانتهت فى صباح الجمعة التالى 8 أغسطس . كان توقيتا غير مناسب لمن يعمل أيام الأسبوع . فلم يحضر جميع أهل القرآن فى فيكتوريا . حضر بعضهم فقط . فى مساء أول يوم كان اللقاء ، فى بيت الاستاذ محمد صادق ، حيث رأيت لأول مرة نماذج رائعة للمسلمين ، منهم الأخ عمروش من الجزائر ، الأخ محمد مُوَحَّدْ من إيران ،واخوه واسرته و الأخ جعفر شرايبى من المغرب ، وزوجته ريتا شرايبى ووالدها من المغرب ، والأخ سيد سليمان من مصر ،وزوجته الكندية السيدة باتريشيا والأخ محمد عليمو الدين من الهند . ألقيت محاضرة بالانجليزية عن ( ذكر الله جل وعلا ) ، وتلاها نقاش موسع ، وتبع هذا لقاء ( قرآنى ) آخر فى بيت الاستاذ جعفر شرايبى ، ثم لقاء ثالث وأخير فى بيت الاستاذ محمد موحد الايرانى .
لا أتحدث عن كرم الضيافة غير العادى ، فهذا هو المنتظر منهم والذى يليق بهم ، ولكن الأهم رحلة كل منهم الايمانية التى انتهى بها الى الايمان بالقرآن وكفى . كل منهم له تجربته الخاصة وجهاده . كان كل منهم يجاهد فى سبيل العيش وفى قلبه رغبة ايمانية فى الوصول للحق ، والله جل وعلا وعد بأن يهدى للحق من يسعى اليه مخلصا محسنا، قال جل وعلا عن أصحاب لهو الحديث الذين يفترون على الله جل وعلا كذبا ويكذبون بآياته : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) العنكبوت ). وقال جل وعلا فى الآية التالية عمّن يسعى للهداية ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) العنكبوت ).
أرجو أن يكتب كل منهم تجربته ورحلته فى البحث عن الهداية ، وأن ينشرها فى موقع أهل القرآن . هم نماذج رائعة فى النجاح ( الدنيوى ) كافحوا وحققوا نجاحا معتبرا ، وهم نماذج رائعة فى الوصول للحق القرآنى بعقلهم . لكل منهم عقله وفكره ، لا يعطى عقله لأحد ، ولكن يزن الأمور بعقله مستعينا بالقرآن . وعندما يأتيه دليل من القرآن أقوى حُجة يتقبله فى سعادة . هذا ما رأيته فيهم ، وهذا الذى أعجبنى فيهم .
5 ـ دائما أؤكد أن أهل القرآن ليسوا مذهبا أو طائفة أو تنظيما ، بل هم إتّجاه فكرى عقلى يفهم القرآن بالقرآن ، ويتدبر القرآن بالقرآن بقراءة موضوعية . وأنه ليس فى هذا الاتجاه الفكرى قائد وأتباع ، بل نحن جميعا أمام القرآن الكريم تلاميذ ، وباحثون نسعى الى الهداية ، ويستفيد بعضنا من بعض ، ويصحح بعضنا بعضا . ودائما أؤكد على أهل القرآن ألا يعطى أحدهم عقله لبشر مثله ، بل يتعقل ما يقال له ، ويتفكر فيما يسمع ، ويتفقه ويتحرى ما يقرأ . لأن كلا منا مسئول مسئولية شخصية أمام رب العزة جل وعلا عن سمعه وبصره وفؤاده وجوارحه وجميع أعماله . ولقد وجدت فى اهل القرآن فى فيكتوريا ما يشرح الصدر .
6 ـ أتمنى أن يتاح لنا لقاءات أخرى مع بقية أهل القرآن فى أماكن أخرى .من حقى فى أواخر العمر أن أحلم بلقاء بقية الأحبة الذين يزينون الموقع بثمرات عقولهم . جزاهم الله جل وعلا خير الجزاء .