ليس أصعب على الإنسان أن يعيش في مكان ويتعلق به ثم يطرده المعتدون لمجرد الخلاف الديني أو العرقي، حدث ذلك في فلسطين ويحدث الآن في العراق..في مأساة متجددة أبطالها من رفعوا لواء الدين زوراً وبهتاناً، هم الداعشيون أبناء السلفية المعاصرة التي تكره الجميع، وتحلل دمائهم بعد أن إعلانها كفرهم...
يسمون ما يفعلون .."فتوحات"..بل هي جرائم عنصرية ودينية واجتماعية يندى لها الجبين، وعلى النقيض إذا رأوا من يفعل مثل جُرمهم يصفونه بأقذع الألفاظ وأحط العبارات ، إسرائيل في فلسطين دولة محتلة عنصرية، ولكن هم في العراق وسوريا فاتحين جاءوا بالخير والنعيم مرافقاً للذبح والاستئصال .!
لقد جرى السُمّ في العروق، مرضوا بالنفاق والجهل ولا زال الباب مفتوحاً، لو كان الداعشيون والإخوان أقلية في مكان لا تملك سلاحاً لظهروا بمظهر المظلوم والمتسامح، ولكن فور امتلاكهم السلاح أفسدوا في الأرض ، والعتب ليس عليهم بل في من وثق فيهم وسلم إليهم رقابهم يجزونها جزا..
الآن حقق الداعشيون مرادهم..حكموا محافظات بأكملها في سوريا والعراق، أعلنوا تطبيق الشريعة، قطعوا الرؤوس والأيدي والأرجل على الصغائر والشبهات، لم يرحموا أحداً كالتتار، طردوا المسيحيين واليزيديين من الموصل ، أعلنوا أنفسهم متحدثين رسميين ووكلاء عن الله، الجنة والنار بأيديهم، لكن الغريب أن حدث ذلك كله في بلاد العرب، وإذا جاءت سيرة الإفرنج تغيرت اللغة إلى لغة تواصل وسماحة ومحبة..!
هكذا يسري السم في العروق، وعلى رأي المثل المصري.."اتمسكن لحد ما اتمكن"..هذا أسلوب النفاق الإخواني الداعشي في الملك والسيطرة، ومع ذلك لم يشهد أحد لهم بصلاح شريعتهم، إنما كل الشهود أجمعوا على أن ما يفعله الدواعش والإخوان هو جرائم عنترية تترية لا علاقة لها بالأديان سوى التمسح والتنطع.
إنه استعمار بربري يمحو الثقافات والأديان، بل هو يمحي الإنسان من على ظهر الخريطة، فقولوا لنا بربكم أنتم تهلكون الإنسان فإلى أي مخلوق تخاطبونه بدعوتكم؟!
في مصر وفي زمن الخليفة العباسي ثار المصريون في الدلتا ثورةً خلدها التاريخ تحت إسم.."ثورة البشموريين"..ولأن المصريين وقتها كانوا أقباطاً فكانت ثورتهم احتجاجاً على الجزية والضرائب التي دفعوها ثمناً باهظاً لحياتهم ووطنهم..
تلك الجزية التي أخذها المعتدون عنوة من الأبرياء لا المحاربين، هي في العرف بمعنى.."الأتاوة"..أو مبلغ مالي نظير الحماية، بالضبط كما كان يفعل فتوات باب اللوق والعتبة في مصر، ومع الطغيان والطمع والجشع يقع المجرمون في شر أعمالهم فيُضاعفون من الجزية حتى تهب الشعوب ركلاً بالأقدام وفي المؤخرات..
إن ما فعلته داعش والإخوان وحزب البعث في الموصل هو جريمة سيدفعون ثمنها غالياً بتأجيج مشاعر الكراهية المجتمعية ضد أي سلفي ومتحدث باسم الدين، هذا الدين الذي كان يمثله الأتقياء والحكماء في زمن أصبح يمثله الأغبياء والمجرمون في زمن آخر..وإن لنا في الزمان لعبرة.