ق 1 / ف5 :: الفجوة بين عبد العزيز وحكام عصره من العرب

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٣ - أغسطس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

الفصل الخامس : تحليل سياسة عبد العزيز وتجربة الاخوان

الفجوة بين عبد العزيز وحكام عصره من العرب

الفجوة هائلة بين عبد العزيز والمستوي العام لأدراك الحكام في عصره خصوصا في الجزيرة العربية ، وهذا يعود بنا الي المستحيل في المناخ السياسي السائد وفي تأثيره علي الرؤية السياسية .وهنا نرجع الي حافظ وهبة الذي عايش الجزيرة العربية وحكامها لنتعرف عن عقلياتهم وتميز عبد العزيز عنها ،يقول :

( نريد هنا ان نستعرض امام القارئ النظام الحكومي للامارات والسلطات العربية ،والطريقة التي يدار بها الحكم في بلاد المسلمين ،وهي صورة مستمدة مما يفهمه العربي العادي من الحكومة ،وهي الصورة التي لا يفهم سواها الشيوخ العرب ،وسأذكر فيما يلي قصتين يتجلي فيهما كل ما هو واقع من الحقائق :

في شتاء سنة 1333 1915 كنت في حديث مع المرحوم الشيخ جابر الصباح اخي الشيخ مبارك شيخ الكويت،كنت انكر فيه علي الشيخ مبارك فداحة الضرائب وطريقة صرفها ،فان الشيخ مبارك في اخريات ايامه خرج علي كل مألوف من التقاليد الدينية العربية واخذ يستهتر بكل شئ، كما انه وضع ضرائب علي البيوت تقضي بدفع ثلث قيمة كل بيت يباع مما لم يعرف من قبل في كل بلاد العرب ،وكنت اشرح للشيخ جابر حديث .كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ،واني في نفس الوقت لم انس ان اذكر بعض الصفات الطيبة التي امتاز بها الشيخ مبارك من غيرته علي الكويت واهلها ،ودفاعه عن مصالح اهلها والعمل لاستقرار الامن وزيادة  حركة التجارة فيها ،  فقال الشيخ جابر : (ان كلامك كلام مطاوعه اهل الدين ما هي ميزة الامير علي الباعة واصحاب الدكاكين يا شيخ حافظ ؟ خذها كلمة جامعة ..الرعية مثل الغنم كلما طال صوفها جذذناه .فقلت له ولكن الغنم ياحضرة الشيخ تحتاج الي من يعني بها كي يتكاثر نسلها ،وانتم لا تكتفون بالصوف فان المقص كثيرا ما يصيب الجلد ،فقال :ان الحاكم يجب ان تكون يده مطلقة في كل شئ، في المال وفي الارواح ،والرعية اذا استغنت وكثر مالها طغت علي الحاكم وربما افلتت من يده .فقلت له : ايها الشيخ ان الراعي والرعية متضامنان في حب الخير للبلد ،وليس احدهما خصما للأخر ،والحاكم والد الجميع ،ولا يولد الحزازات والضغائن سوى الجبروت. فقال : ايها الشيخ ..ليست هناك فائدة من المناقشة ،فنحن لا نفهم من الحكم الا ما اسلفناه لك ،وكلام اهل الدين قد سمعناه كثيرا في دروس الوعظ وخطب الجمع ولسنا في حاجة الي المزيد .

اما القصة الاخري فقد حدثت بعد 19 عاما من القصة الاولي .في شعبان سنة 1351 ديسمبر سنة 1932 زارني احد مشايخ البدو واخذ يسالنى عن اوروبا وما فيها من جمال ورجال ومسلمين وعشب وامطار وغير ذلك، ثم قال " :* هل عليهم شيخ مثل ابن  سعود؟فاجبته ان عليهم ملوكا ،منهم الملوك الصغار ،ومنهم ملك بريطانيا الذى لا تغرب الشمس عن ملكه .فقال :وهل تفد عليه وفود ،وهل يجزل العطاء لوفوده؟فقلت:انه لا يعطى دراهم لاحد ولايفد عليه الاالملوك وكبار الرجال ،ولا يمنح الا النياشين ،اما جنوده ورؤساء الجنود فلهم مرتبات خاصة يتقاضونها .* -لابد ان يكون هذا الملك غنيا مادام ملكه لا تغيب عنه الشمس ،لابد ان تكون قصوره مملوءة بالذهب والجواهر الكريمة .فاجبته :ان للملك وعائلتة مرتبا خاصا لا يتجاوزونه ،والخزانة العامة تحت امر وزير المالية وهو مراقب من مجلس الامة ،فالخزانة لا يصرف منها الا علي الموظفين الملكيين والعسكريين ،ثم علي الاسطول ثم علي سائر المعدات الحربية ،ثم التعليم والاشغال العامة والصحة وغير ذلك ،كل شئ من هذه الاشياء لها مبالغ مرصودة لا يمكن تجاوزها .*-هل يقتل الملك الناس؟ فأجبته :ان ملك انجلترا كسائر ملوك اوروبا الان لا يباشرون الاعمال بأنفسهم ،فالمحكمة اذا حكمت بالقتل فالملك  يأمر بالتنفيذ ،وقد يعفو عن القتل فيستبدل حكم الاشغال بمدة معينة ،اما الملك بدون محكمة فلا يستطيع ان يحكم بقتل احد ،وليس بين الملوك وبين الناس خصومة حتي يأمر بقتلهم .*- ليسوا هؤلاء ملوكا ،ان من لم تطلق يده علي الخزانة ومن تكف يده بهذا الشكل فليس بملك .!"..هذه هي الروح السائدة ومن هذه الروح تتكون الحكومات العربية) .

ولم يكن لامراء العرب اهتمام بالسياسة الخارجية ،لأن بعض امراء هذه البلاد تمنعهم المعاهدات المعقودة بينهم وبين انجلترا من مخابرة أي دولة اجنبية مثل الكويت والبحرين وعمان ،وبعضها كنجد والحجاز كان معدودا دوليا من الامبراطورية العثمانية ،علي ان كثيرا من شيوخ العرب لا يفهمون السياسة الخارجية علي وجهها الصحيح .

لقد سألني قبل اربع سنوات احد شيوخ البحرين عن حقيقة ما اشيع من ان جلالة الملك عبد العزيز سيقبل تعيين احد القناصل في القطيف او في الاحساء .قلت له :ان الاشاعة غير صحيحة ،ولكن ماذا يمنع من ذلك اذا كان هناك مصالح للرعايا الانجليز مثل الهنود وغيرهم توجب تعيين قنصل ؟فقال :اذا قبل الملك ذلك فعلي بلاده السلام ،ان الراية الانجليزية ما رفعت علي بلد الا واعقبها الاستيلاء عليها .فقلت له :ان هذا غلط عظيم ،فما دمت لا تترك بابك مفتوحا فلا الانجليز ولا غيرهم يدخلون، و ان رفع الراية علي القنصلية ليس معناه ان البلد تابع للانجليز ،فنحن يمكننا ان نرفع رايتنا في بلادهم وفي الهند .فقال لقد رأيت ما صنعوا في البحرين ؟انهم في خمسين سنة قضوا علي كل نفوذ لشيوخ البحرين .فاجبته :اني اعتقد لو ان شيوخ البحرين كانوا ساهرين علي مصالح رعاياهم ومصالح الساكنين في جزيرة البحرين ما تداخل الانجليز في شئون البحرين ،ولكن كيف يقف الانجليز مكتوفي الايدي واموال رعاياهم ورعايا غيرهم من الدول في خطر ؟،ولست في حاجة الي بحث الحوادث الكثيرة التي تقلبت فيها البحرين من جهة اختلال الادارة ، فان ذلك معروف .فقال الشيخ :مهما كان الامر فقد كان يجب النصح والارشاد فقط ،وعلي كل حال فارجو ان يعتبر الملك عبد العزيز بجيرانه ولايقبل تعيين قنصل في بلاده .

وهذا الشيخ في الواقع يعبر احسن تعبير عن العقلية السائدة في جزيرة العرب ،بل لقد امتنع اهل دبي من ساحل عمان من وضع كرانتينا في بلادهم سنة 1928 وقت حدوث الكوليرا في العراق ،وقالوا لاتمر البواخر ببلادنا حتي تصبح حالة البصرة الصحية مرضية ،ولا داعي لأقامة محجر صحي في بلادنا ،وامتنعوا ايضا عن قبول انشاء محطة للطيران في بلادهم ،كل هذا إبتعادا عما يمكن ان يقع لبلادهم مثلما وقع في البحرين[14].

هوامش   : .

14- حافظ وهبة :المرجع السابق /140:139،146 :147 .   

اجمالي القراءات 8066