جاءتنى رسالة فى باب ( إسألوا أهل الذكر ) تقول: ( بعضهم يعتبر إعطاء المؤلفة قلوبهم رشوة ، كما يعتبر فرض الجزية إعتداءا . فماذا تقول ؟ ) . الاجابة على هذا السؤال تأخذنا للتناقض الهائل بين الشريعة الاسلامية وما تفعله حماس وداعش . نرد ونقول :
أولا : التعامل مع المعتدى بين العدل والاحسان :
1 ـ دين الله جل وعلا الذى نزلت به كل الرسالات السماوية يهدف الى أن يقوم الناس بالقسط والعدل ، والله جل وعلا يأمر بالعدل والاحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى . العدل أو القسط من أهم المقاصد التشريعية فى شريعة الاسلام وهى التى تهيمن على كل القواعد والأوامر والنواهى التشريعية ، وشرحنا ذلك كثيرا. وبالتالى فإن أى حكم أو أمر أو نهى تشريعى يجب تفسيره من خلال العدل والقسط . هذه قاعدة أصولية مفهومة من التدبر القرآني.
2 ـ قلنا فى ( المسكوت عنه من تاريخ عمر ) إن فرض الجزية هو على من يعتدى على الدولة الاسلامية المسالمة ثم ينهزم فجزاؤه دفع غرامة جزاءا على إعتدائه ، وهذا هو العدل وذلك هو معنى الجزية ، التى لاتعنى مطلقا إحتلال أرض العدو المعتدى .
3 ــ تطبيق صحابة الفتوحات لهذا مناقض تماما للاسلام . الخلفاء الراشدون فى فتوحاتهم إعتدوا واحتلوا بلادا لم تعتد عليهم وفرضوا على أهلها الجزية. . النبى عليه السلام وهو قائد للدولة الاسلامية لم يفرض الجزية على أهل مكة المعتدين بعد أن دخلها فاتحا . دخل أهلها الاسلام ، وتركها النبى عائدا بجيشه الى المدينة ، مع إنه أصلا من مكة ، وأخرجه منها قومه . النبى عليه السلام بعث برسائل للحكام من حوله تدعو سلميا للاسلام وتضع فى أعناقهم المسئولية . وانتهت علاقته بهم عند هذا الحد .
4 ـ الغرب فى العصر الحديث فرض عقوبة على المانيا بعد الحربين العالميتين واحتل ألمانيا ، وهكذا فعل مع صدام حسين والعراق . هذا الاحتلال لأرض العدو المعتدى المهزوم يخالف تشريع الاسلام . ولكن الغرب فعل أقل مما فعله الخلفاء الراشدون . بهذا يعلو التشريع الاسلامى على القانون الدولى الحديث الذى يبيح احتلال أرض العدو المعتدى وفرض عقوبة عليه .
5 ـ إعطاء المؤلفة قلوبهم ينتمى الى قيمة أخلاقية اسلامية أعظم من قيمة العدل ، وهى قيمة ( الاحسان ) وهى فوق مصطلح التسامح فى عصرنا . الاحسان يعنى ليس أن تعامل المسىء بالعدل وتقتص منه بالعدل ، بل أن تحسن اليه وتغفر له وتتغاضى عن رد السيئة بمثلها ، أى العفو ابتغاء مرضاة الله جل وعلا . يقول جل وعلا ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) ) الشورى ) .السيئو بالسيئة عدل . الاحسان هو العفو إبتغاء مرضاة الله جل وعلا.
6 ــ تطبيق هذا فى التعامل مع العدو المعتدى أو الذى يهدد الدولة الاسلامية بالاعتداء هو على درجتين : العدل بالقصاص ، يقول جل وعلا : (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة ). أمّا الدرجة العليا فهى التعامل معه بالاحسان أى بتأليف قلبه والتودد اليه ولو بدفع أموال ، ليس عن ضعف ولكن عن قوة ، إذ يجب أن تكون الدولة الاسلامية على أتم إستعداد عسكرى لهزيمة العدو إذا إعتدى . يقول جل وعلا : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) ) الأنفال ). إعداد القوة العسكرية بقدر المستطاع ليس للإعتداء ولكن للردع ، أى إرهاب المعتدى حتى لا يعتدى ، أى لإقرار السلم لأن ضعف الدولة المسلمة يغرى العدو المعتدى على الإعتداء عليها ، فالاستعداد العسكرى يحقن دماء من يفكر فى الاعتداء ودماء المسلمين أيضا . ويدخل فى هذا إستمالة هذا المعتدى بالمساعدات الانسانية للتحبب اليه ، وهذا هو الاحسان الذى يأمر الله جل وعلا به فى تعامل المسلمين مع بعضهم ومع الآخرين خارج دولتهم مصداقا لقوله جل وعلا ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل ).وهذا معنى ( المؤلفة قلوبهم ) فى التعامل مع العدو الخارجى.
ثانيا : المؤلفة قلوبهم فى تشريع الاحسان الاسلامى
1 ــ بالمناسبة ، فإن سياسة ( المؤلفة قلوبهم ) يتبعها الغرب بل والكنائس الغربية فيما تقدمه من مساعدات إنسانية ، معظمها يتوجه لبلدان ( المحمديين ). ويفعل الغرب هذا دون (منّ وأذى ) ، أما المستبد الشرقى فحين يقدم مساعدة بائسة فهو يقيم حفلات تكريم لنفسه بالطبل والزمر ، ولا يفتأ يُعاير من احسن اليه ، حتى يُحوّله الى عدو . وفى نفس الوقت يتلقى المستبد الشرقى ( غير البترولى ) المساعدات من الغرب فيأكلها مع اتباعه ولا تصل الى الفقراء ، فإذا وصلت مساعدات مباشرة الى الفقراء ( والنشطاء فى الدفاع عن حقوق الانسان ) تعرضوا للسجن والاتهام بالخيانة والعمالة . .!!
2 ــ الاسلام سبق الغرب فى هذه المكرمة ، فى موضوع المؤلفة قلوبهم . يقول جل وعلا (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة ). هذا يعنى أن الصدقات الرسمية التى تجمعها الدولة الاسلامية من المواطنين يتم توزيعها كالآتى : الفقراء والمساكين والموظفين الذين يعملون فى جمعها وفى عتق الرقاب ـ لو كان هناك رقيق ـ ومن ضمن مديونا فتعين عليه أن يدفع عنه الدين ـ غارما ـ و( المؤلفة قلوبهم ) وفى الدعوة والجهاد والقتال الدفاعى فى سبيل الله . ويلاحظ أن كل مستحقى الصدقات الرسمية هم بصفاتهم ، الفقير لأنه فقير بغض النظر إن كان مسلما بالقرآن أو من أهل الكتاب أو وثنيا . لادخل لدينه ومذهبه ، الشرط أن يكون فقيرا ، وهكذا فى المسكين والعاملين عليها وعتق الرقاب والغارمين وابن السبيل ، أى الغريب القادم للدولة الاسلامية ، ومنه ( السائح ) ، إذ يعتبر ضيفا يجب إكرامه وإعطاؤه من الصدقة الرسمية لو كان محتاجا . لو كان فقيرا محتاجا فهو مستحق للصدقة لكونه فقيرا ولكون ابن سبيل .يبقى ( المؤلفة قلوبهم ) أى الذين يجرى التحبب اليهم لاجتذابهم الى الاسلام الظاهرى ، بمعنى السلام وعدم الاعتداء . هؤلاء قد يكونون فى الداخل ـ عناصر متمردة ـ أو فى الخارج دولة تريد الاعتداء . هنا يكون إعطاؤهم من الصدقة لتأليف قلوبهم وكسر حدة الشرّ فى نفوسهم .
3 ـ وتعبير ( تأليف القلوب ) جاء أيضا فى سورة ( الأنفال ) مرتبطا بالسياق عن الحرب مع المعتدين فى معرض أن الله جل وعلا هو الذى ( ألّف ) بين قلوب المؤمنين .ونقرأ الآيات الكريمة فى سياقها الجزئى الموضوعى :
3 / 1 : ـ يقول جل وعلا: ( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) الأنفال ) . أى فى مواجهة الكيد من العدو لا يجوز للدولة الاسلامية أن تمارس الكيد المماثل ردا عليه . بل عليها أن تكون مستقيمة مباشرة فى مواجهة أى خيانة ، أى حين تستشعر خيانة من العدو المتربص بها عليها أن تعلن ذلك بطريقة مباشرة وشفافة وعلنية لفضح العدو وتحميله المسئولية فى الخيانة ، والتمسك بهذا يعنى التوكل على الله جل وعلا الذى لا يهدى كيد الخائنين ، وهو جل وعلا للظالمين بالمرصاد.
3 / 2 : ــ يقول جل وعلا فى الآية التالية:( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) الانفال ) يعنى أنه مهما بلغت قوتهم فليسوا معجزين فى الأرض ، ويمكن إتقاء شرّهم .
3/ 3 : ــ كيف يمكن إتقاء شرّهم ؟ يقول جل وعلا عن الوسيلة : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) الانفال ) هنا الاستعداد الحربى للردع وكف المعتدى مقدما عن الاعتداء لحقن دماء الفريقين .
3 / 4 : ــ فماذا إذا جنح العدو المعتدى للسلام ؟ عندها يجب على الدولة الاسلامية الجنوح للسلام توكلا على الله جل وعلا ، يقول جل وعلا فى الآية التالية : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61))
3 / 5 : ــ فماذا إذا كان جنوح هذا العدو المعتدى خداعا للدولة الاسلامية ؟ ألا ينبغى الاعتداء عليه عند أى بادرة للخداع ؟ كلا .. إذا كان يضمر الخداع فإن الله جل وعلا الذى يتوكل عليه المؤمنون هو الذى يضمن إنقاذ المؤمنين من هذا الخداع طبقا للسّنة الالهية التى لا تتبدل ولا تتغير : ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ). يقول جل وعلا فى حالة إذا أرد العدو المعتدى الخداع تحت رداء الجنوح للسلم : ( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) الانفال ) كفى بالله جل وعلا وحده الحسيب والوكيل ، وحسبنا الله جل وعلا ونعم الوكيل .
3 / 6 : ــ والله جل وعلا هو الذى ألّف بين قلوب المؤمنين فى عهد دولة النبى عليه السلام ، ولو أنفق النبى كل أموال الأرض ما إستطاع ذلك ، يقول جل وعلا فى الآية التالية : ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) الانفال ). هذا هو السياق القرآنى لموضوع التأليف ( تأليف القلوب ) فيما يخص مواجهة العدو المعتدى ، وفى تأليف قلوب المؤمنين المسالمين .
ثالثا : مواطنو الدولة الاسلامية هم المسالمون بغض النظرعن الملة التى يعتنقونها
1 ـ قلنا ونعيد أن الاسلام الظاهرى السلوكى هو السلام ، وأن الايمان الظاهرى السلوكى من ( الأمن والأمان ) وأن الكفر السلوكى والشرك السلوكى هو الاعتداء والعدوان والاكراه فى الدين . وهذا الكفر السلوكى هو اساس شريعة المحمديين ، وقد تأسست تطبيقيا فى الفتوحات التى قام بها الصحابة والدولة الأموية ، وتم صناعة تشريع لها فى الدولة العباسية بأحاديث من نوعية ( أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا .. )
2 ـ الدولة الاسلامية منهية عن الاعتداء : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة )، فالله جل وعلا لا يحب المعتدين . فالمعتدون هم الكافرون بسلوكهم العدوانى ، وعن صفات المشركين الكافرين ناقضى العهد يقول جل وعلا : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) التوبة )، والمؤمنون المسالمون المسلمون بسلوكهم السلمى حين يعتدى عليهم عدو فإن هذا العدو المعتدى يعتبرونه ( كافرا ) بسلوكه . وفى مواجهة إعتداء هذا المعتدى ( الكافر ) يدعو المؤمنون ربهم أن ينصرهم على القوم الكافرين ، يقولون لربهم جل وعلا : (أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة ) . يستحيل أن يكون الذى يبدأ بالعدوان مسلما مؤمنا ، لأن الله جل وعلا لايحب المعتدين : (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة ). المعتدى كافر باعتدائه ، لا يحبه الله جل وعلا . المؤمن المسالم ( أو الدولة الاسلامية ) مسالمة لا تعتدى ، ولذا فمن حقها أن تدعو الله جل وعلا أن ينصرهم على القوم الكافرين المعتدين . الدولة الاسلامية تنصر الله جل وعلا بتطبيقها للسلام ، والاسلام هو دين السلام ( التفاصيل فى بحث الاسلام دين السلام ) . ولهذا فإن الله جل وعلا ينصرها لأنها تنصر دين الله جل وعلا القائم على السلام والعدل والاحسان . يقول جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد ).
3 ـ هنا نقرأ السياق القرآنى الجزئى لأول تشريعى نزل فى القتال الدفاعى فى الشريعة الاسلامية .
3 / 1 : ــ يقول جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) الحج ) الله جل وعلا يدافع عن المؤمنين المسالمين لأنه جل وعلا لا يحب المعتدين الكافرين الخائنين . والآية التالية تعطى توضيحا لهؤلاء الكافرين الخائنين ، فهم الذين أجبروا المؤمنين على الهجرة وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم ، ثم ظلوا يطاردون المؤمنين بعد هجرتهم من مكة الى المدينة ، ظلوا يقاتلون المؤمنين فى المدينة ، ولا يرد المؤمنون الاعتداء لأنه جل وعلا قال لهم ( كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ )النساء 77 ) لم يكون فى حالة تسمح لهم عسكريا بمواجهة قريش. فأمرهم الله جل وعلا بكف أيديهم عن القتال الدفاعى .
3 / 2 : ــ فلما إستعدوا نفسيا ولوجيستيا نزل لهم الإذن بالقتال ، ونزلت حيثيات هذا التشريع فى قوله جل وعلا :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ) . فالكافرون المعتدون بالسلوك المعتدى أجرموا بالآتى : أخرجوا من المؤمنين بغير حق من ديارهم ومن أموالهم ، ثم هم لم يكتفوا بذلك ، بل تابعوا المؤمنين بحروب قتالية وقت أن كان المؤمنون مأمورين بكف اليد عن القتال الدفاعى . وهذا القتال الدفاعى له مقصد تشريعى أعلى هو الحرية الدينية وحصانة بيوت العبادة للجميع ، من صوامع وبيع لأهل الكتاب من المسيحيين واليهود وكل المعابد والمساجد .حتى لا تتعرض للهدم والتدمير .!! ثم فى النهاية فإن الذى ينصر رب العزة ( أى ينصر دينه القائم على العدل وعلى الحرية الدينية والسلام والقتال الدفاعى ) ينصره الله جل وعلا ، فهو جل وعلا القوى العزيز .
3 / 3 : ـ إبتدأ السياق القرآنى الجزئى هنا بقوله جل وعلا : ــ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) الحج ) وأُختُتم بقوله جل وعلا (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) ) الحج ). أى البداية والخاتمة فى الدفاع الالهى عن المؤمنين ونٌصرتهم ، وبينهما جاءت تشريعات القتال الدفاعى للمؤمنين وحيثياته فى مواجهة الكافرين بسلوكياتهم الاجرامية الباغية الطاغية ، منها الجزية والمؤلفة قلوبهم .
4 ـ الدولة الاسلامية تتعامل مع الدول المخالفة لها فى الاسلام القلبى بالعدل والبر أى الاحسان طالما أن هذه الدولة لا تعتدى على المؤمنين ولم تُخرجهم من ديارهم ولم تؤيد ولم تُساعد فى إخراجهم من ديارهم : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) الممتحنة ) أما الفجرة الكفرة الذين يخرجون الآمنين من ديارهم وأموالهم فيحرم التعاون معهم وموالاتهم ، لأنه سيكون شريكا معهم فى الظلم ، يقول جل وعلا : (إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة ). والقاعدة التشريعية فى الاسلام هى التعاون على البر والتقوى وليس التعاون على الإثم والعدوان : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) المائدة )
رابعا : من خلال ما سبق نصل الى الآتى فيما يخص داعش وحماس :
1 ـ داعش فئة باغية كافرة هى ومن يؤيدها . ينطبق هذا على كل ما تفعله بأهل الكتاب المسالمين وبغيرهم من الشيعة الأبرياء .
2 ـ حماس تنتمى الى نفس الدين الوهابى ( دين داعش والاخوان والسعوديين ) . طبقا لتشريع الاسلام يجب على حماس كف اليد عن القتال ـ الى أن تستعد وتكون فى نفس القوة الاسرائيلية ، أو أكبر منها . هذا فى حالة إذا كانت إسرائيل تتابع الفلسطينيين المسالمين فى غزة بالقتال والهجوم كما كانت تفعل قريش مع المؤمنين فى المدينة .
3 ــ السُّبُل السلمية هى الأجدى ، وهى التى تحقق الهدف فى التحرير وفى الحصول على الحقوق . فعل هذا غاندى ومارتن لوثر كنج ومانديلا .وهم زعماء صبروا وعانوا وتمسكوا بالطرق السلمية فى الكفاح ، والأهم أنهم ماتوا فقراء . نيلسون مانديلا إعتزل الحكم وتفرّغ للأعمال الخيرية. وبعد إعتزاله ، كان من يريد لقاء مانيديلا ملزما بدفع تبرع مالى لمساعدة الفقراء فى جنوب أفريقيا . هؤلاء العظماء ( غاندى وكنج ومانديلا ) ماتوا فقراء نبلاء . وكانوا لا يعرفون شيئا عن تشريعات الاسلام العظيم فى القرآن الكريم . فماذ تقول فى قادة حماس والدواغش ؟
4 ـ القتال فى حالة الفلسطينيين وهم فى هذه الحالة يعنى ما يسميه العالم اليوم بالعمليات الارهابية ، أو القتل والتفجير العشوائى . ضحاياه معظمهم من المدنيين . الضحايا القلائل من إسرائيل ، وأكثر الضحايا من الفلسطينيين .. والمستفيد هم البليونيرات من قادة حماس المتاجرين بالدم الفلسطينى . واجب حماس أن تحافظ على دماء مواطنى غزة لا أن تتخذ منهم دروعا بشرية .
5 ــ لا يعنى هذا أبدا الدفاع عن اسرائيل أوتبرئتها من الدم الفلسطينى أو الدخول فى عُمق القضية الفلسطينية ، بل هو الحرص على دماء الأبرياء من غزة ، ومخاطبة حماس التى تزعم الايمان بالقرآن الكريم .
6 ـ داعش تقتل الأبرياء وتُخرج الآمنين المسالمين من ديارهم وأموالهم وتواصل قتال وقتل الأبراء العُزّل ، تتطرف فى البغى والعدوان فوق ما كانت تفعل قريش ، ولكن داعش ترتكب كل هذا وهى تهتف ( الله أكبر ) ! ،وتزعم أن هذا هو الاسلام ..أى تهين الاسلام وتقتل المسلمين والمسالمين .
7 ـ حماس تتخذ من أطفال ونساء وبيوت غرة درعا تحتمى به لتحقق مكاسب سياسية ومالية ، ويتضاعف عدد القتلى ، وتظل حماس سادرة فى تعريض مواطنى غزة وبيوت غزة للدمار ، وهى تهتف ( الله أكبر).! ، وتزعم أن هذا هو الاسلام ..أى تهين الاسلام وتقتل المسلمين والمسالمين .!
8 ـ تنشر داعش وحماس ( ثقافة الموت ) لتحيا وتثرى كلتاهما فوق أهرامات من جماجم واشلاء الأبرياء .!!
أخيرا
يحلو للشيطان دائما أن يتخفى خلف كثير من العمائم واللحى .!!