لقاء مع جولدا مائير

نهاد حداد في السبت ٢٦ - يوليو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 
جولدا مائير ، تقلدت منصب رئيسة وزراء إسرئيل سنة 1969 واضطرت الى الاستقالة بعد الانتقادات التي تعرضت لها حكومتها إبان حرب أكتوبر 1973 ! من بين أقوالها :" يمكننا أن نسامح العرب على قتل أطفالنا ، ولكننا لا يمكن  أن نصفح عنهم لإجبارهم إيانا قتل أطفالهم ! توفيت جولدا مائير في ديسمبر 1978، ومازالت إسرائيل تتعامل بنفس المنطق ، ومازالت فصائل التطرف والارهاب تغذي هذه السياسة ! وتعطي لهذه المقولة مشروعية أكثر ، ومازالت أقوال المتنبي حاضرة تذكرنا بالخذلان والعار : عيد بأية حال عدت يا عيد /// بما مضى أم بأمر فيك تجديد؟ /// لم يأت ولن يأتي هذا العيد بجديد أيها المتنبي ، ومازال لقبك ينبئ بما تنبأت به . مازال أطفال غزة يوافون سابقيهم من صبرا وشاتيلا ودير ياسين! ومازالت المذابح هي هي ولن يأتي هذا العيد بجديد! ومازال صوت جولدا مائير يأتينا من وراء عالم الظلمات مجلجلا مزلزلا مع أفلام الموتى الأحياء! " سنتوصل إلى سلام مع العرب ، فقط عندما يحبون أطفالهم أكثر مما يكرهوننا"  لا حظ أيها المتنبي ، الغائب الحاضر ، أن جولدا مائير ، كانت دائما تعتبر الصراع عربيا إسرائيليا لأنه كما قالت يوما : الشعب الفلسطيني؟ أنا لا أعرف شعبا بهذا الإسم؟" ويحي ؟ هل تحقق حلمك يا غولدا ؟ لم نعد نسمع اليوم شيئا عن فلسطين ! بل مالبثنا كما أردت لنا نتحدث عن أطفال غزة والقطاع وبنى لنا أحفادك حائط مبكى عل غرار حائطكم ! ولكن حائطنا أجمل ! فقد زيناه بالصور والمناشير ! من جهتنا ، ولكننا لا نعرف ماذا ألصقتم على الجهة المقابلة ! فنحن لم نعد قادرين على التسلق! 
قالت جولدا مائير بعد إحراق المسجد الأقصى: " لم أنم طوال الليل ، كنت خائفة من أن يدخل العرب إسرائيل أفواجا من كل مكان ، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي ، علمت أن باستطاعتنا أن نفعل أي شيء نريده! " نامي هنيئا ياجولدا! فلك في نتنياهوا خير خلف لخير سلف ! 
بعد هجوم مصر المباغت على إسرائيل ، كتبت جولدا مائير:" ليس أشق على نفسي من الكتابة عن حرب أكتوبر1973  ... ولكنني سأكتب عنها ككارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسي، ... وسيظل معي باقيا على الدوام ... وسوف أحيابهذا الحلم المزعج بقية حياتي ، ولن أعود مرة أخرى نفس الانسان الذي كنته قبل حرب كيبور... لم تكن الصدمة في الطريقة التي بدأت بها الحرب فقط ولكنها كانت في حقيقة أن معظم تقديراتنا الأساسية ثبت خطؤها ، فقد كان الاحتمال في حرب أكتوبر ضئيلا" . المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين !ياللعار ! أن يتبادر إلى ذهني هذا القول ! ولكن لا شك أنك كنت مؤمنة ! مؤمنة بقضيتك ! قضية فقد أصحابها الإيمان بها مع أنهم طلاب حق !أما إسرائيل، فقد أعلت راياتهابعد أن نكستها في حرب أكتوبر، ولن تلدغ من نفس الجحر مرتين! 
يا للذاكرة ! لا بل نكستها مرة أخرى في حربها مع حزب الله في جنوب لبنان سنة 2006 ! 
لا ، لم تخني الذاكرة ولم أنس! ولكنني خفت أن أذكر انتصار حزب الشيعة ، فتضحك جولدا مائير على ذقني مرة أخرى صارخة ! ألم أقل لك بأن لا وجود لشعب بذلكم الاسم ! فخجلت من نفسي وطأطأت الرأس ! وعرفت بأن إسرائيل لم تنكس أبدا أعلامها بل حولتنا إلى طوائف وشيع تزهو بانتصاراتها الوهمية كل منها على حدة ! فبالأمس مصر وسوريا ، واليوم حزب الله ، وغدا ربما فتح أو حماس ، فضاعت الهوية بين هذا الحشد الضخم ، واهترأت القضية ! 
وعرفت بأن جولدا انتصرت علي من وراء ظلمات قبرها ، وجعلتني - وأنا - فوق التراب أستحي من أوهام نفسي الأمارة بالسوء! ومع ذلك ! لابد أن أسمع جولدا آخر ماعندي ! انتظري ياهاته ! لم أكمل بعد ! إن أبناء جلدتك اليوم يساندوننا! ولم يهب الجيش الاحتياطي لنصرة ناتانياهو بل رفضوا مسايرته ..... تركتني جولدا وهمت بالرحيل ، ولكنني كشرت عن أنيابي وأمسكت يدها الوهمية كي أسمعها صوتي ! ونظرت اليها بزهو ولؤم الغالب الشامت وقلت : هل تعرفين أمنون كابليوك ! إنه كاتب يهودي فرنسي كتب أروع تحقيق عن مجزرة صبرا وشاتيلا وفضح إسرائيل ! ولكنني سرعان ما اتداركت خطئي وتذكرت بأنه قد مات منذ وقت قصير ! ولن يبعث حيا لكي يحدث عن أطفال الضفة ! فمن لأطفال ونساء وشيوخ غزة اليوم؟ كظمت غيظي وانصرفت بوجهي عنها ودموع الحسرة تملأ عيني : "صبرا وشاتيلا،تحقيق حول المجزرة " 
الخميس 16 إيلول 1982م
في ثلاثين ساعة أنجز الجيش الإسرائيلي مهمّته وسيطر على بيروت الغربية كلّها.. 
فجر اليوم استيقظ سكّان المخيّمين على هدير الطائرات المحلّقة على ارتفاع منخفض، القوّات الإسرائيلية تطوّق المخيّمين، رجال القنّاصة المتمركزون حول المخيّم بدؤوا رماياتهم على أهدافهم في الشوارع الضيّقة، وبعد قليل أخذت تنهال القنابل الآتية من التلال والمرتفعات المحيطة، وطول النّهار ظلّ الجرحى يتوافدون إلى مستشفى غزّة حيث انكبّ الأطباء والممرضات على العمل دون انقطاع، وأرسل قسم من الجرحى إلى مستشفى المقاصد على بعد 500 متر.. 
يا إلاهي ماأشبه اليوم بالأمس ! وبينا اناأقرأ صفحات التاريخ وهويعيد نفسه !تذكرت محمود درويش وكم صفقت ليلتها عندما قرأ قصيدته أمام طلبة المهجر ! باسم الفدائي ...
باسم الفدائي الذي خلقا /// من جزمة أفقا ! 
لقد انتحر الفدائيون جميعهم وأصبح الأفق مسدودا، وركبت فوق تضحياتهم مرتزقة الاسلام السياسي فغاب الفدائي وطواه النسيان! وسيق أطفال الحجارة صفا صفا الى زنازين الاحتلال وأجهضت كل النساء  ! وهكذا تحققت أحلام جولدا مائير ! ولم تعد تشاكسني كعادتها ! فقد اطمأنت في مثواها الأخير ، كمالأرواح الشريرة على مستقبل اسرائيل ! 
كانت بلاغتك يادرويش في هذا البيت من أجمل ما سمعت ! ومازلت أفخر به . لأنني وجدت فيه ذكاء وعبقرة منقطعة النظير! باسم الفدائي الذي خلقا /// من جزمة أفقا ! الجزمة أوالسكون هي من حركات التشكيل في اللغة العربية على غرار الفتحة أو الضمة أو الكسرة ! فالسكون أو الجزمة، هي الحركة المستديرة ، وقد شبهتها بفوهة البندقية ! تلك الفوهة التي خلق منها الفدائي العربي الفلسطيني أفقا للقضية ! لكن للأسف ، لم يعد هناك أفق ! فقد جمعنا كل البنادق وأفرغنا طرقاتنا من المتاريس ، وتركنا أطفالنا في العراء كي تطولهم صواريخ الطغاة! 
رحم الله أطفال غزة ونساءها وشيوخها، ولا أعاد الله علينا عيدا كهذا!
 عيد أم حداد ؟ أفق أم سواد ... ابتسامات هنا ودموع ودماء هناك ! لكننا لانملك غيرالكلمات ! كلماتك يامظفر النواب :
 القدس عروس عروبتنا 
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها 
ووقفتم تسترقون السمع لصرخات بكارتها 
كلكم أولاد ال........... لا أستثني أحدا منكم .............. 
كلمات ، سراب ودخان ! لم نعد نملك يامظفر غير الكلمات 
ولكن الله جل وعلا مازال وللأزل يذكرنا من فوق ملكوت الأرض والسماوات " إن الله لا يغير مابقوم   حتى يغيروا ما بأنفسهم " صدق الله العظيم ! 
اجمالي القراءات 13956