تروح فين يا صعلوك بين الملوك
ملعون أبو الاستقلال .. ملعون أبو الدستور

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٦ - يوليو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

1 ـ الواد ( صابر المصرى ) سمع ان فيه ثورة 19 ، وسعد زغلول ، وأنّه تم الاستقلال المشروط ودستور  1923، حاول أن يفهم فضربه شيخ الخفر علقة ساخنة ، وقضى عدة ايام فى حبس الاقطاعى الذى يعمل أجيرا فى أرضه . تخيل أن ثورة 19 ستحسّن وضعه وتنصفه فاحتج على الظلم فاعتقله البوليس وقضى  عدة ليالى فى السجن تعرض فيها للتعذيب والاغتصاب. وقيل له : ( تروح فين يا صعلوك بين الملوك ) .!

2 ـ ـ الواد ( صابر المصرى ) سمع ان فيه ثورة 52 ، ترفع لواء الاستقلال والتحرر الوطنى من الاستعمار والعدالة الاجتماعية ( دون الحرية والدستور) . أعطاه عبد الناصر قطعة أرض ، وأقام له جمعية تعاونية زراعية فى البلد ، وتولت الجمعية التحكم فيه بدلا من الباشا القديم ، واكتشف انه ليس مالك الأرض بل مجرد حائز لها يعمل سُخرة فيها . تكاسل يوما عن تنقية القطن من ( الدودة ) فقبض عليه نفس البوليس وعذّبوه واغتصبوه ، إحتجّ وهتف باسم عبد الناصر فقيل له : ( تروح فين يا صعلوك بين الملوك ) .!

3 ـ الواد ( صابر المصرى ) أتاح له عبد الناصر فرصة التعليم المجانى ودخول الجامعة بالعدالة المطلقة حيث مكتب التنسيق الذى يحدد الكلية حسب المجموع ، وأتاح له التعليم الجامعى أن يخرج من طبقة الفلاحين الى طبقة الأفندية المتعلمين وصار له بعض الاحترام . صدق الواد ( صابر المصرى ) أنه صار بين ( الملوك ) فنطق كلمة نقد لعبد الناصر فرأى نفسه فى غمضة عين فى السجدن الحربى بين يدى صلاح نصر ، وتعذيب وإغتصاب، وقيل له : ( تروح فين يا صعلوك بين الملوك ) .!

4 ـ الواد ( صابر المصرى ) هلّل للرئيس المؤمن السادات وللإنفتاح فانخرط فى جماعة الاخوان ، وحاز بعض الثروة والسلطة ، وبدا قريبا من أن يكون ضمن ( الأكابر ) فى الدولة العميقة ، ولكن بإغتيال السادات وجد الواد ( صابر المصرى ) نفسه فى السجن وبين التعذيب والاغتصاب ، وقيل له : ( تروح فين يا صعلوك بين الملوك ) .!

5 ـ الواد ( صابر المصرى ) ضاقت به مصر بما رحُبت فى عصر مبارك ، فهاجر الى الخليج ، وجمع ثروة ، وتخيل أن بإمكانه أن يعود ويترشح لمجلس الشعب ، وجد أنه فى غيابه تشكلت مراكز جديدة للسلطة والثروة لا مكان له فيها ، بمجرد إعلانه ترشيح نفسه للإنتخابات مستقلا رأى نفسه فى السجن بين التعذيب والاغتصاب ، وقيل له : ( تروح فين يا صعلوك بين الملوك ) .!

5 ـ الواد ( صابر المصرى ) عندما فاض به الكيل من فساد واستبداد مبارك قام بالثورة عليه وأسقطه ، وخلال ثلاث سنوات دخل الواد صابر المصرى السجن ثلاث مرات حيث التعذيب والاغتصاب برغم كل الشعارات وتنوعها ، ولا يزال فى السجن يقال له : ( تروح فين يا صعلوك بين الملوك ) .!

 ثانيا :

1 ـ الواد ( صابر الفلسطينى ) تعرض للسجن والتعذيب والاغتصاب طيلة تاريخه . إحتل بلاده البابليون واليونان والفرس والرومان ، ثم إحتله العرب باسم الاسلام ، ثم أجناس مختلفة تحكموا فيه فى الدول العباسية و الفاطمية والايوبية والصليبية والمملوكية والعثمانية ، ثم الانجليز . كلما حاول أن يشارك فى السلطة والثروة يدخل السجن ويُقال له ( تروح فين يا صعلوك بين الملوك ) .!

2 ـ ثم أقيمت اسرائيل على جزء من فلسطين ، وظهر زعماء ينادون بالاستقلال والتحرر بهدف الوصول ـــ ليس للتحرير ــ بل للسلطة والثروة . لأول مرة بعد أكثر من ثلاثين قرنا أصبح لهم مشروع دولة فلسطينية فى الضفة وغزّة . قبل أن تكتمل هذه الدولة الفلسطينية تكونت فى ( السلطة الفلسطينية ) مراكز قوى تتحكم فى السلطة والثروة تحت شعارات خلّابة وطنية أودينية ، ومن صالحها استمرار الصراع مع اسرائيل ليظلوا فى السلطة الى الأبد فوق أنفاس الواد ( صابر الفلسطينى ) . وإذا حاول ( الواد صابر الفلسطينى ) أخذ حقه فى المشاركة فى السلطة والثروة دخل السجن وتعرض للتعذيب والاغتصاب،وقيل له:( تروح فين يا صعلوك بين الملوك ) .!

3 ــ حكم عرفات مستبدا ووضع الثروة الفلسطينية فى جيبه ، ومات ، فخلفه عباس وفساده يزكم الأنفاس، ومعه دحلان وفلان وعلان ، هذا  بالاضافة الى قادة حماس . تتصارع منظمة التحرير العلمانية مع حماس الوهابية ، ولكنهما يتفقان معا فى خداع وتعذيب وإغتصاب الواد ( صابر الفلسطينى ). كلهم يتصارعون على السلطة والثروة فوق جثة ( الواد صابر الفلسطينى ) ، الذى يلهونه بالشعارات ، فإذا تبرّم فهو متهم بأنه ( كافر) فى ( غزة ) أو ( خائن ) فى ( الضفة ) . وهنا وهناك يُلقى به فى السجن يتعرض للتعذيب والاغتصاب ، ويقال له : ( تروح فين يا صعلوك بين الملوك ) .!

4 ـ  اسرائيل سمحت بقيام حماس لتضرب بها منظمة التحرير، فدفعت اسرائيل الثمن شأن كل من يلعب بالنار ، ويتحالف مع تيار دينى أرضى . استقلت حماس بملكية غزة تاركة الضفة يملكها عباس . وقادة حماس يحكمون القطاع بالحديد والنار ، ويطلقون الصواريخ أو ( الشماريخ ) على اسرائيل فلا تصيب أحدا فترد اسرائيل بغارات تبحث قنابلها عن قادة حماس فلا تجدهم . حماس متخصصة فى بناء الأنفاق تحت الأرض للتهريب والتجارة و لإخفاء قاذفات الشماريخ ولإخفاء أنفسهم وعائلاتهم  . تبدأ حماس بإطلاق الشماريخ وتختبىء تحت الأرض تاركة الواد ( صابر الفلسطينى ) وأولاده فى العراء .! غزة مكتظة بملايين من الواد ( صابر الفلسطينى ) ، وحماس تتترّس وتحتمى من القصف الاسرائيلى بأجساد الملايين من الواد ( صابر الفلسطينى ) وأولاده . كل مرة تبدأ حماس الضرب بالشماريخ أو بأى حركة وتختفى فتنجو من الضرب ويتمتع زعماؤها وعائلاتهم بالصحة الجيدة و الثروة والسلطة ، وتتهدم بيوت الواد ( صابر الفلسطينى ) فى غزة ويموت أطفاله لأنه لا مخابىء له تحميه . وتستفيد حماس من صور تدمير بيوت الواد ( صابر الفلسطينى ) وأشلاء أولاده وتكسب بها الملايين من الأموال مع تعاطف العالم ، وفضح إسرائيل . حماس تضع اسرائيل فى مأزق ، إما أن ترد على الشماريخ بالقصف ويسقط الواد ( صابر الفلسطينى ) وأولاده ضحايا ، وإما أن تسكت وتتهاون فى حماية مواطنيها، وهذه خيانة تلحق بأولى الأمر فيها . لذا تحاول إسرائيل ما أمكنها أن تصيب قادة حماس ، ويحاول قادة حماس ما أمكنهم الغوص فى الكثافة السكانية والتترس بها وأخذها دروعا بشرية . سقوط ضحايا من الفلسطينيين هزيمة معنوية مروعة لاسرائيل وليست إنتصارا ، ولكن التضحية بالواد ( صابر الفلسطينى ) عند قادة حماس هو واجب دينى فقهى طبقا لعقيدة التترس السنية  .

5 ـ داخل إسرائيل يعيش العرب الاسرائيليون ، من فلسطينيين ودروز ( شيعة ) وبدو ، ومنهم كثيرون يخدمون فى الجيش الاسرائيلى ضباطا وجنودا . الدروز الشيعة قبل قيام اسرائيل تعرضوا لمذابح من السنيين الوهابيين السعوديين وأتباعهم ، فلما قامت اسرائيل وجدوا فيها النجاة من الهلاك فانخرطوا فى دولتها مواطنين يحملون جنسيتها . حين قامت السلطة الفلسطينية لتحقق حٌلم الدولة الفلسطينية المستقلة بعد ثلاثين قرنا تصور كثيرون أن الفلسطينين الذين يعيشون فى داخل اسرائيل سيهرعون الى الضفة وغزة ، ولكن الذى يحدث هو العكس ، يتحمل الواد ( صابر الفلسطينى ) الهوان كى يعبر الى اسرائيل ليعمل ويكسب قوته . نقاط التفتيش الاسرائيلية تدقق فى تفتيش القادمين خوفا من العمليات الانتحارية التى تقتل الناس عشوائيا . أى أن حماس والمنظمة بما تفعله تُضيّق على الواد ( صابر الفلسطينى ) فى سعيه للرزق . تقوم بإفقاره فإذا حاول الارتزاق فى اسرائيل قامت بتعكير الجو عليه .

6 ـ صحيح أن الفلسطينى الذى يحمل الجنسية الاسرائلية لا يتساوى بالاسرائيلى اليهودى . ولكن صحيح أيضا أن اليهودى الشرقى العربى ( السفارديم ) لا يتساوى باليهودى الغربى ( الإشكينازم ) ، وصحيح أيضا أن العربى الاسرائيلى أفضل حالا ( بكثير جدا ) من ( الواد صابر الفلسطينى ) فى غزة والقطاع ، يكفى أنه عندما تسقط الشماريخ الحمساوية العشوائية على اسرائيل يجد المخبأ والحماية ، وأيضا يجد الكثير من الحقوق فى دولة يحكمها القانون . قادة حماس وقادة منظمة التحرير هم الأفضل حالا من قادة اسرائيل نفسها . قادة اسرائيل يتعرضون للمحاكمة عند أدنى شبهة أستغلال للمنصب ، بينما يكتنز قادة حماس ومنظمة التحرير بلايين الأموال من دماء الواد ( صابر الفلسطينى ) بلا حساب ولا مساءلة  . صحيح أيضا أن الواد ( صابر الفلسطينى )  فى الضفة أفضل حالا من الواد الفلسطينى فى غزة . فى كل الأحوال فإن الواد ( صابر الفلسطينى )  فى الضفة أو غزة إذا حاول مشاركة قادته فى السلطة والثروة يجد نفسه فى السجن حيث يقال له : ( تروح فين يا صعلوك بين الملوك ) .!

7 ـ الواد ( صابر العربى ) يعيش نفس المعاناة ، تتوالى أنظمة الحكم ، وتختلف الشعارات من دينية وقومية ويسارية ووطنية، من الاستقلال والحرية والوحدة العربية والعدالة الاجتماعية ، ويصل أصحاب النفوذ للسلطة ويتصارعون عليها فوق جثة الواد ( صابر العربى ) ويقال له دائما : ( تروح فين يا صعلوك بين الملوك ) .!

8 ـ المؤسف أن الواد ( صابر العربى / الفلسطينى / المصرى ) لن يُعجبه هذا المقال ، فقد تم تغييبه عن الوعى فأصبح يستعذب التضحية والألم والاغتصاب، ويهتف لأسياده ، ويلعن من يحاول إيقاظه وإصلاحه .!!

أخيرا

1 ـ ملعون أبو تلك الشعارات الوطنية والقومية والدينية المذهبية الأرضية ، ملعون أبو الاستقلال الذى ينتهى بتحكم مستبد محلى متخلف أكثر قسوة من المستعمر الأجنبى . ملعون أبو الدستور الذى يمتلىء فى بلاد العرب بكلام منمق جميل يتحدث عن كرامة المواطن وتجريم التعذيب والحرية والديمقراطية ، ثم يقوم أصغر مخبر فى قسم الشرطة بمسح هذا الدستور فى حذائه وهو يقوم بتعليق الواد ( صابر ) فى طاحونة التعذيب .

2 ـ الشعار الحقيقى الاسلامى الحقيقى ( فى إعتقادى ) هو ( حقوق الانسان ) وطبقا لما جاء فى المواثيق الدولية ، والتى هى ( فى إعتقادى ) أقرب الكتابات البشرية للشريعة الاسلامية القرآنية .

3 ـ ولكن كيف يمكن تطبيق شريعة حقوق الانسان ؟ قال جل وعلا يؤكد أن إقامة القسط هى الهدف من إرسال كل الرسل وإنزال كل الكتب السماوية ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد ) لا نملُّ من الاستشهاد بهذه الآية الكريمة ، ولا نمل من الدعوة الى تدبرها ، وموجز التدبر هو الاتى :

3 / 1 ـ  أن البديل لإقامة القسط فى الوطن هو الكفاح المسلح بالحديد : إمّا قسط وإما كفاح مسلح .

3 / 2 ــ ولا بد أن ( يَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) أى أن يتعاونوا جميعا رجالا ونساءا وأطفالا لإقامة القسط فى الوطن ، القسط يعنى العدل الاجتماعى والعدل السياسى ( الديمقراطية المباشرة ، أو الشورى الاسلامية الحقيقية كما سبق وشرحناها ) .

3 / 3 ــ هذا يستلزم وعيا يشمل الجميع ، كما يستلزم أن يقوم الناس بتغيير ما بأنفسهم من خمول وخضوع وسلبية الى إيجابية واعية تؤمن بحقوق الانسان ، كل إنسان ، وضرورة ان يتم القسط للجميع على قاعدة المساواة والعدل .

3 / 4 ــ  إقامة القسط ليس فقط بتكوين نظام سياسى عادل ولكن أن يظل هكذا مستديما ومستداما يقطع الطريق على قيام أقلية تعيد الاستبداد والفساد ، فمعنى ( أقام ) يعنى أسّسه وحافظ عليه . بهذا ــ فقط ــ يتم تطبيق ( حقوق الانسان ) .

4 ــ لقد كرّم رب العزة بنى آدم فقال جل وعلا : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)  الاسراء )  ، هذا الانسان المخلوق الذى كرّمه الله جل وعلا تحول فى بلاد المحمديين الى ( الواد صابر المحمدى ) 

اجمالي القراءات 10633