هكذا أراد دعاة حملات جمال مبارك أن يكحلوها فأعموها، وكانوا كالدبة التى قتلت صاحبها، وقدموه للمجتمع كمن يستجدى توقيعات الغلابة بكيلو لحمة أو شنطة سلع غذائية أو مجرد تى شيرت، ووصل الإسفاف ببعضهم لإرسال رسائل نصية قصيرة للمواطنين تقول "وقع لجمال واربح شنطة"!!
رغم أن الكثيرين كانوا ينظرون إلى هذه الحملات باحتقار منذ البداية إلا أننى شخصيا رحبت بفكرة الاحتكام إلى الشارع بعيدا عن النمط التقليدى لاستخدام وسائل وإمكانات الدولة وعلى رأسها الشرطة والقضاء والإعلام وأجهزة الحكم المحلى وحتى وسائل النقل والمواصلات الخ، لكن لأن كل إناء بالذى فيه ينضح فقد نضحت هذه الحملات بحقيقة الأمر الذى لم يكن حبا فى جمال ولا اقتناعا بضرورة ترشيحه، وإنما كان الهدف الحصول على هبرة مشبعة من الأموال، وقد ظهر ذلك بوضوح حين اختلف أعضاء الحملة على أنصبتهم من كعكة التبرعات التى يجود بها رجال أعمال ترتبط مصالحهم بتولى جمال السلطة.
حين فشلت الحملة الأولى فى تحقيق هدفها بجمع آلاف التوقيعات توطئة لجمع 5 ملايين توقيع دعما لترشيح جمال مبارك، بدأ البحث عن طرق جديدة للحصول على التوقيعات فقاموا بتوزيع التى شيرتات على فقراء المناطق الشعبية مثل الدويقة والجمالية ومنشية ناصر الذين يهمهم بالأساس قطعة قماش تغطى أجسادهم العارية، ولا يهمهم بعد ذلك أن يكون صاحب هذه القطعة من دعاة جمال مبارك أو البرادعى أو غيرهما، ولأن هذه التى شيرتات مكنت أصحاب الحملة من جمع بضع مئات من التوقيعات، فقد قرروا تطوير الأعطيات والمنح لتصبح شنطة رمضانية أو كيلو لحمة أو حتى حجز مكان على إحدى موائد الرحمن.
ولأن المتزعمين لحملات جمال مبارك ليسو من أصحاب المبادي، بل هم مجرد باحثين عن دور يمكنهم من تحقيق بعض الطموحات البسيطة التى عجزوا عن تحقيقها طوال حياتهم مثل إمتلاك شقة أو سيارة أو ربما يطمع بعضهم فيما هو أكثر من ذلك بترقية مهمة فى وظيفته أو حتى بموقع سياسى ولو صغير، فإنهم قد إختلفوا مبكرا على الغنائم، وتناقلت وسائل الإعلام خلافاتهم التى وصلت إلى أقسام الشرطة وكان آخرها تقديم المنسق العام لحملة الائتلاف الشعبى لدعم جمال مبارك فى شرق الدلتا، بلاغ إلى قسم شرطة ثان المنصورة ضد، المنسق السابق للائتلاف فى الدقهلية، التى أعلنت انشقاقها، وطالبها، برد المستندات والتوكيلات والتفويضات، واتهمها بالعمل لصالح أجندة معينة وتحقيق منافع شخصية و الحصول على دعم من رجال أعمال اعترف بتبرعهم بملصقات وصور لدعم الحملة.
خلافات كوادر الحملة، وسخونة الأموال المقدمة لها دفعت العديد منهم للانشقاق وتكوين حملات أو جمعيات منافسة لدعم جمال، فى تكرار لتجربة مراكز ومنظمات حقوق الإنسان التى تتلقى تمويلا خارجيا كان دوما سببا فى خلافات أعضائها، وكان سببا للانقسام والانشقاق، وهكذا انتقلت العدوى من تلك المراكز إلى جمعيات دعم جمال مبارك مع فارق هو أن التمويل لهذه الحملات من رجال أعمال محليين ترتبط مصالحهم بجمال مبارك، وقد عرفت كوادر تلك الحملات طرق الوصول إلى خزائنهم، وتتنافس لاقتناص أكبر جزء من تبرعاتهم.
على العموم وكما ذكرت فى بداية المقال فقد أراد هؤلاء الجماليون أن يكحلوها فأعموها، ووضعوا دعاة التوريث فى مأزق كبير، إذ أصبح الشعب يقارن بين مثل هذه الشخصيات الكاريكاتورية وبين الشخصيات التى تدعو لجمع توقيعات دعم مطالب التغيير السبعة التى أعلنها الدكتور البرادعى، وكيف أن الأولين مختلفين متناحرين على فتات، بينما الآخرون يدفعون من جيوبهم ثمنا لتحركاتهم ولملصقاتهم وبياناتهم، وكيف أن الأولين يتحركون فى حماية الشرطة بينما الآخرون يتحركون فى ظل ملاحقة أمنية مشددة، وكيف أن من يوقعون على بيان دعم جمال يوقعون دون وعى ( المهم الحصول على التى شيرت أو الشنطة) وبين الذين يوقعون على بيان مطالب الإصلاح بعد تفكير وحساب للعواقب التى قد يتعرضون لها.
الإحتكام إلى الشارع شىء إيجابى، لكن لابد أن يتم ذلك وفق قواعد العمل الشعبى الحقيقي، وقبل كل ذلك لابد أن يكون نابعا عن إيمان حقيقى وليس بغرض تحقيق مصالح شخصية.
• نقلاً عن جريدة "اليوم السابع" المصرية.