مع جمال سند السويدى: من القبيلة إلى الفيس بوك
مجدى خليل
وصلنى من الزميل والصديق العزيز د. أحمد الصفتى،من مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أخر مؤلفات رئيس المركز د. جمال سند السويدى وهما عبارة عن دراسة لذيذة بعنوان " من القبيلة إلى الفيس بوك: وسائل التواصل الاجتماعى ودورها فى التحولات المستقبلية"، أما الدراسة الأخرى فهى عمل موسوعى رفيع يقترب من ال 900 صفحة بعنوان " آفاق العصر الأمريكى: السيادة والنفوذ فى النظام العالمى الجديد". وفى هذا المقال سوف نتناول الكتاب الأول على أن تكون لنا وقفة مطولة مع الكتاب الثانى بأذن الله. وقبل أن نتكلم عن الكتاب وجب الحديث عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية،فهذا المركز المرموق يتصدر أهم مراكز الدراسات فى المنطقة العربية إن لم يكن أهمها جميعا،فهو يعمل بطريقة وبقواعد المراكز البحثية الكبيرة فى العالم، منفتحا على العالم المعاصر عبر أستضافة وتقبل دراسات من باحثين دوليين من مختلف الأتجاهات وفى موضوعات متنوعة وتقديمها للقارئ والباحث العربى، وذلك علاوة على الدراسات التى يقدمها باحثوا المركز من العرب.
فى دراسته عن وسائل التواصل الاجتماعى، أو الإعلام الجديد كما يسميه الكثيرون ،يأخذنا جمال سند السويدى فى جولة واسعة حول الثقافة الألكترونية العالمية الجديدة والتى هى أحدى ثمار العولمة مقدما شرحا مستفيضا حول هذا المجتمع الافتراضى الموازى للمجتمع الواقعى ولكنه ينمو بمعدل أسرع منه، مسلطا الضوء على هذه السلطة الخامسة التى ازاحت السلطة الرابعة للصحافة عن مقعدها وتبوأت هى المقدمة،وقد أسهب الكتاب فى تسليط الضوء على مزايا وعيوب هذه الحرية الألكترونية أو ما اطلق البعض عليها تكنولوجيا التحرر على وزن لآهوت التحرر،وقد نتج عن هذه التكنولوجيا عالما خاصا يقوده الإنسان الإنترنتى Digital Hummans،واصبح له ضحاياه أيضا من أرامل الأنترنت ومرضى الأدمان الألكترونى ومن جراء عولمة الجريمة وظهور الجهاد الألكترونى وتسارع الهجرة الألكترونية .ورغم كل المأخذ فقد أصبح هذا العالم يشكل ملآذا للأقليات وللمرأة وللمسنين وللشباب وكذلك للمرضى فى المنازل ومنبر من لا منبر له، وقد أسعدنى أشارة د. جمال إلى الأقباط كأقلية معرضة للظلم ولكنها لم تسكت فقد أنشئت كما هائلا من الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعى تعبر عنها ، فى ظل تخاذل الإعلام الرسمى وشبه الرسمى فى مصر فى التعبير عن أزمتهم ،حتى أن الدولة لم تمنح ترخيصا لصحيفة قبطية عامة إلا لجريدة وطنى التى تصدر كصوت وحيد معبر عن الأقباط منذ عام 1958.
وجب التنويه فى أن تركيز البعض على إظهار عيوب هذه الميديا الجديدة ،وقد أسهب المؤالف فى نقل مخاوفهم، هو أمر طبيعى وخاصة فى المجتمعات المنغلقة أو المجتمعات المتخلفة عن مواكبة هذا التطور،وغالبا ما تأتى رؤية الاجيال القديمة سلبية عند تقييم مثل هذه التغيرات الضخمة،وقد حدث ذلك بالفعل عند الأنتقال من دولة الأقطاع إلى دولة المواطنة، ومن مجتمع الآلة اليدوية إلى مجتمع الصناعة، ومن الدولة الصناعية إلى دولة الخدمات، وعند ظهور الحداثة والعولمة.. وحتى هذه اللحظة يجادل العرب عند الحديث عن المعاصرة معتبرين أنها تهدد الآصالة، ويتصدرون المشهد فى العداوة للعولمة بدعوى الخوف على الهوية والخصوصية الثقافية.
على أن ما يجب أن نقوله فى هذا الصدد ، أولا أن هذا التطور الحادث هو أمر حتمى وثانيا أنه تطور إيجابى لصالح الإنسان والإنسانية وللفردية،وثالثا أن هناك تسارع لحركة التاريخ و الاختراعات وخاصة فى العقود الثلاثة الأخيرة،ورابعا أننا كجيل أقدم لسنا مؤهلين لتقييم هذه الظواهر فى ذروة نموها فى الوقت الراهن وأنما يجب أن ننتظر حتى ينقضى جيل كامل (25 عاما) وليكن ذلك بعد تاريخ بدء الفيس بوك عام 2003،والأمر الأخير المؤكد أيضا أن كل ظاهرة تطور جديدة مع فؤائدها المتعددة تخلق عددا من التحديات يجب مواجهتها لتعظيم الأستفادة منها،وعلى سبيل المثال فأن سهولة الأقتباسات والسرقات العلمية من خلال الشبكة العنكبوتية جعلت الجامعات الأمريكية تفحص وتدقق فى مشروع الدراسات العلمية قبل الموافقة عليها وفى الدراسات بعد أنتهائها للتأكد من عدم سرقة الفكرة أو مجرد تشابه فى الكلمات والأفكار،وعند أكتشاف ذلك لا تلغى الرسالة فقط ولكن يلغى تسجيل الطالب فى الدراسات العليا، فى حين أن المنطقة العربية غرقت فى السرقات الصحفية والعلمية بعد ظهور الأنترنت ومحركات البحث.
لقد وصف الرئيس أوباما فى أحدى خطبه أمريكا بقوله نحن أمة الفيس بوك وجوجل ويسعدنى أن اضيف بأننا عالم الفيس بوك وتويتر وجوجل ويوتيوب،وعلينا أن نستفيد ونستمتع ونواكب هذا التطور المذهل الذى يدهشنا كل يوم بشئ جديد.
رئيس منتدى الشرق الأوسط للحريات-القاهرة-واشنطن