ق 1 ف 4 : :التعصب و كراهية الاخر عند الاخوان النجديين

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٥ - يوليو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

الفصل الرابع : ملامح البناء الايدولوجي فى سلوكيات الاخوان النجديين  

 التعصب و كراهية الاخر عند الاخوان النجديين:

بين التعصب الدينى والتطرف الدينى

يلتقي التعصب والتطرف في ان التعصب هو كراهية الاخر في كل الاحوال سواء كان المتعصب قويا او ضعيفا، فاذا كان قويا له السلطة علي من يكرهه ارتبط تعصبه ضد خصمه الضعيف بالتطرف ،يحاول به ارغامه علي تغيير معتقده وازالته باعتباره منكرا .ومن هنا يأتي معني التطرف وهو مجاوزة الحد الي اخر الطرف ،بالبغي علي حقوق الاخر وحريته في الاعتقاد .ومن هنا ايضا نقول ان الاخوان تعصبوا ضد الانجليز والاغراب الذين لا سلطان لهم عليهم ،ولكن الاخوان تطرفوا في التعامل مع من استطاعوا غزوهم واخضاعهم .

لمحة تاريخية

1 ـ والدولة الاموية كانت دولة متعصبة ولكنها لم تكن دولة متطرفة دينيا ،فالدولة الاموية سارت سياسيتها الداخلية علي اساس التعصب ،تعصبت للعرب ضد الاجناس الاخري من الموالي الفرس والاقباط والبربر والانباط ،ثم في داخل العرب كانت تتعصب للقبائل اليمنية القحطانية ضد القبائل العدنانية المضرية او يحدث العكس ،ثم كانت تتعصب لقريش ضد غيرها من قبائل مضر ،ثم كانت تتعصب (اجتماعيا )مع ابناء عمهم الهاشميين الذين يجمعهم عبد مناف مع الامويين ضد بقية قريش ،ثم يتعصبون داخل البيت الاموي حتي تضيق حلقة التعصب الي درجة ان يتعصب الخليفة لأبنه ضد اخيه، وفي النهاية قضي عليهم ذلك التعصب الجنسي والقبلي والعائلي والأُسرى .

2 ـ اما الدولة العباسية فقد تحول فيها التعصب الي تطرف ديني ،خصوصا منذ عهد المتوكل العباسي، واختلفت بذلك عن الدولة الاموية حيث كان الشاعر الاخطل النصراني العربي يدخل علي الخليفة والصليب علي صدره فيأخذ الجوائز ،بينما تأخذ الدولة الجزية من غير العربي حتي لو اسلم ..ثم جاء عهد المتوكل فتعصب ضد اهل الكتاب ،وضد الصوفية والشيعة .وقبل العباسيين فان الخوارج في العصر الاموي تعصبوا دينيا لمذهبهم ضد الاخرين في مقابل التعصب القبلي العنصري للامويين .

التعصب الدينى لدى الإخوان النجديين

1 ـ واهمية استرجاع الماضي هنا لدلالته علي بيئة الجزيرة العربية في عصر عبد العزيز ، فالذي كان سائدا هو التعصب القبلي في علاقات القبائل ،وفي علاقات الاسر الحاكمة ،ثم جاء عبد العزيز فتحول التعصب القبلي في دولته الي تعصب ديني يقوم علي اساس ما اكد عليه الشيخ ابن عبد الوهاب من موالاة المؤمن الوهابي وكراهية غيره ,وتلك العصبية الدينية لم تصادر العصبية القبلية  بل امتزجت معها في التعامل مع الاخر المختلف في الدين والمذهب وايضا في العرق والجنس والعنصر .والحياة في الصحراء خصوصا في نجد تجعل من التعصب نمط حياة، حيث العزلة والتوجس من الغريب والخبرة المحدودة ،ثم اضاف لها التعصب الديني الاختيار بين اثنين ،اما ابيض واما غير ابيض ،اما معنا واما علينا ،وليس هناك وسط ، هي نفس المعادلة الصفرية التي تنفي الاخر دائما .

2 ــ ومن هنا اشتهر الاخوان بعدم السلام او رد السلام علي الاخر ،وسبق ان امتنع ماجد بن خثيلة عن الرد بالسلام علي ابن سعود حين جاء برسالة إليه من ابن بجاد قبيل الصدام بينهم  في معركة السبلة وفهم ابن سعود المقصود ،وهو تكفيره ،ولذلك غضب وطرده .وكان من عاداتهم ايضا تحاشي اولئك الاخرين وتجنبهم ،بل وستر وجوههم بدلا من النظر للغريب الكافر مما يؤكد علي مقاطعته وعدم التعامل معه .

3 ــ وستر الوجه دليل الكراهية الشديدة التى تجعل المتعصب لا يطيق رؤية المخالف له فى الدين . وهذا كان يفعله الكفار من قوم نوح ، كانوا يضعون ثيابهم على وجوههم حتى لا يروه . أى ( يشتغشون ثيابهم ) أى يجعلونها غشاءا وسترا . وقد شكاهم نوح عليه السلام لربه جل وعلا فقال : (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7) ) نوح ). و فعلها كفار قريش مع النبى محمد عليه السلام ، يقول جل وعلا : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) هود  )

4 ـ وتواترت قصص عن الاخوان من هذا النوع .

يحكي محمد اسد انه كان في رحلة داخل الصحراء لصالح عبد العزيز فالتقي بمجموعة كبيرة من البدو، وكان مع محمد اسد خادمه العربي ،ومع ان اسد كان يرتدي الزي العربي الا ان شيخا من البدو شك فيه وحقق معه ،ثم تذكر الشيخ انه رأي محمد اسد عند عبد العزيز يوما فانتهت المشكلة [16].

وحكي الريحاني انه قابل في الطريق ثلاثة من البدو، فسلموا عليه ، ولكن بعد التعرف شكوا في الريحاني ورفضوا ادعاء مرافقه انه سوري جاء يتاجر في الابل ،واعتقدوا انه انجليزي (كافر ) وعليه اصروا ان يستردوا منه سلامهم ،وانتهت الازمة بان اعلن المرافق للريحاني لهم (سلامكم رد لكم ).

ولقي فيلبي من ذلك الكثير نظرا لأنه انجليزي يحتك كثيرا بالاخوان في عمله مع عبد العزيز، هذا مع إعلان إسلامه ، وأن عبد العزيز أسماه ( عبد الله فيلبى ) . ولكن أصله الانجليزى جعل إسلامه المُعلن والرسمى لا يغنى عنه شيئا ، لأنهم ( ليس منهم ) حتى لو أسلم وصار وهابيا مثلهم . وقد سمعهم فيلبي خارج خيمته يتناقشون في السلام عليه لأنه مشرك نجس ..وحين كان يتجول وحيدا كانوا يعبرون له عن ضيقهم بوجوده معهم ،فلا احد منهم يرد سلامه عليهم ،وبعضهم كان يغطي وجهه لكي لا يراه، واحدهم جز علي أسنانه قائلا له (اشهد الله علي كراهيتي لك ) وهذه الشهادة تطبيق لتعليمات ابن عبد الوهاب فى وجوب إعلان كراهية الآخر . بل حاول بعضهم قتله او علي الاقل ترويعه ،ودخل احدهم خيمته دون ان يعرفه ،فلما عرف انه دخل خيمة الانجليزي استدار وبصق في اتجاه فيلبي ،وكثيرا ما كانوا يراقبونه ليضبطوه وهو يدخن حتي يعاقبوه ،وبعضهم حذر عبد العزيز من فيلبي وقالوا (ان فيلبي سيجر علينا المصائب )

5 ــ وحتي تعرف اهمية المنهج الفكري في هذا التعصب نتذكر هذه القصة التي يرويها الريحاني عن (هذلول )احد الاخوان المرافقين للقافلة ،يقول (اخذ هذلول هذا يعلمنا دين التوحيد : يجب علي كل مسلم ان يكون عالما بثلاثة اصول :من اطاع الرسول دخل الجنة ،ومن عصاه دخل النار ،ان الله لا يرضي ان تشرك معه في عبادته احدا ،ان من اطاع الرسل ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله)[17].وهذا تحريف لمعنى قوله جل وعلا (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (22) المجادلة )، فالآية الكريمة  تحرم مودة الذى يعتدى على المؤمنين المسالمين ، وهذا المعتدى يكون عدوا لله جل وعلا ولرسوله وتحرم موالاته فى إعتدائه على المؤمنين . وفى حالة الوهابيين الاخوان فهم المعتدون والبادئون دائما بالعدوان على من لم يعتد عليهم ، وهم بذلك يجعلون أنفسهم فى خانة العداء لله جل وعلا الذى ( لا يحب المعتدين ). يقول جل وعلا : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)  ) البقرة ).

6 ــ  وفي الارطاوية تمثل التعصب بأشد ما يكون ، يذكر جون حبيب ان حاكم الارطاوية اخبره ان الزائرين القادمين من الكويت بصفة خاصة كانوا يوضعون في ( الحجر العقائدي ) لاستجوابهم قبل السماح بدخولهم الي البلد ،بل ان اهل الارطاوية اذا سافروا الي الكويت كانوا يوضعون في الحجر ايضا ليتأكدوا انهم لم يتلوثوا نتيجة زياراتهم للكويت .أى محاكم تفتيش مزدوجة . وكتب هاملتون المقيم السياسي في الكويت في ديسمبر 1918 ان الجميع كانوا ضد ذهابهم الي الارطاوية حيث كان كل الغرباء يوضعون في الحجر، لفترات مفاوتة لاختبار مدي تمسكهم بالوهابية ، وحتي فيلبي لم يسمح له بزيارة الارطاوية، وقال انه لم يشأ المخاطرة بحياته بالذهاب اليها ،وقد تحاشوها تحاشيهم للطاعون ،وقال ان الوهابيين العاديين كانوا يتحاشونها ايضا [18].

7 ــ وهذه العواطف المتعصبة لم تخلق فقط تصرفات متعصبة مع الجميع مثل اقامة الحجر الصحي العقائدي ،ولكن ادت ايضا الي المعارضة السياسية، بسبب تعصبهم ضد الانجليز وكراهيتهم المقيتة لهم . وانعكس هذا على موقفهم من عبد العزيز الذى تضطره السياسة للقفز فوق أشواك التعصب . فقد اختلف الاخوان مع عبد العزيز حول فتح حائل ،اراد الاخوان  فتح الحجاز لأن حاكمه الشريف حسين يعمل لدي الانجليز ورفضوا فتح  حائل الان لأن ذلك يتفق مع مصلحة الانجليز الذين كانوا يكرهون حكام شمر لتحالفهم مع العثمانيين . وخالفهم عبد العزيز طبقا لرؤيته السياسية ،وبدأ منذ ذلك الحين شعور الاخوان بأن تعاون عبد العزيز مع الانجليز يخرج به عن طريق الاسلام [19] . وكلما ازدادت  اتصالاته بالانجليز ازداد هذا الشعور لدي الاخوان حتي اصبح اتهاما ضمن اتهاماتهم له في الرياض 1927 ومنها انه ارسل ولديه سعود الي مصر وفيصل الي لندن . ثم تفاقم الامر بتخطيط الحدود مع الانجليز والمؤتمر الاسلامي ومجئ وفود من مصر وايران لتقرير مصير الحجاز الذي فتحوه ،وكون ملك مصر وحفيد محمد علي من الدعاة الي المؤتمر ،ثم دخول المحمل المصري الي الحرم ومنعهم من تحطيم ذلك المحمل .واثار ذلك كله كانت واضحة في مؤتمر الرياض السابق وما جري بعده من احداث .

8 ــ وامتد التعصب وكراهية الاجنبي الي كراهية المخترعات الحديثة التي تأتي عن طريق هذا الأجنبى ، ويشاهدها الاخوان لأول مرة ،ولذلك فلان الاخوان استعملوا البنادق وهم بدو قبل ان يكونوا اخوانا واستعملها آباؤهم من قبل مع انها ايضا وهي من صنع الاجنبي( الكافر ) فلم يعترض عليها الاخوان .

التعصب الدينى والخوف من المخترعات الحديثة

1 ـ وارتبط التعصب الدينى وكراهية الأجنبى بالخوف منه ومن مخترعاته الحديثة غير المألوفة للإخوان . إنه  الخوف من ذلك الجديد ؛ الخوف من عدم القدرة علي التعامل معه والتأقلم معه . وقد كان ذلك الخوف من الاسلحة الحديثة مما يدفع الاخوان الي تحديها والتهور في مواجهتها بالسيف وعقيدتهم الجهادية الوهابية . وقد كانت النتيجة ان ملأت جثثهم الوديان، كما حدث في حملتهم علي شرق الارن سنة 1924 .

2 ــ ويرى جلال كشك نوعا اخر من الخوف يتضمن فى رأيه إحساسا وطنيا ،فالبدوي في عزلته وتوجسه من الاجنبي الوافد وما يحمله هذا الاجنبي من مخترعات حديثة غير مفهومة تجعل البدوي  يخاف من هذه المخترعات التي تسهل للاجنبي غزو بلاده ، هذا الاجنبي هو الذي احتل البلاد الاخري من الرافدين الي النيل، ونشر فيها  مخترعاته، خصوصا وان شخصا مثل فيلبي كان وكيلا لتلك الاختراعات من اللاسلكي الي العربات والسلاح [20].وهذا شطط فى التحليل . فلم يحدث فى تاريخ ( نجد ) أن تعرضت لأى إحتلال ، بل هى التى كانت تغزو وتحتل غيرها ، ولم تكن ( نجد ) فى يوم من الأيام مطمعا مُغريا لأى مُستعمر أو غاز ، وليست لأهل نجد خبرة تاريخية فى مُعاناة أى إحتلال من الخارج ، وليست لديهم معرفة ثقافية وتاريخية بالاستعمار الأوربى فى مصر والرافدين. جلال كشك برأيه هذا يفرض ثقافته ( المصرية ) على أهل ( نجد )

3 ــ وهناك خوف اقتصادي بجانب الخوف السياسي السابق .فاستخدام السيارة يعطل دور الابل في النقل، واصحاب الابل يعتمدون عليها في مواسم الحج والنقل التجاري باعتبار ان الجمل هو سفينة الصحراء ، ان دخول (عربة الشيطان )سيطيح بما تعودوا عليه من رزق .هو نفس موقف ( العربجية ) فى القاهرة حين دخلها الترام .!

تحول التعصب الدينى الى معارضة سياسية

1 ــ ومن هنا ارتبط التعصب ضد المخترعات الحديثة بعوامل نفسية وثقافية واقتصادية وسياسية وبالتالي تحولت الي معارضة سياسية اخذت مأخذ الجد مع انها تبدو للقارئ هذه الايام مضحكة او مسلية .

وقد شارك في هذه المعارضة الشيوخ والعلماء و الاخوان المتشددون حتي الوهابيين العاديين ،ثم كان تقبلهم لها علي مضض علي حسب درجة التعصب ،وكان عبد العزيز اكثرهم تقبلا للجديد وحرصا علي الاستفادة منه مع مراعاة التدرج في استعمالها حرصا علي ان لا يصدم البدو والاخوان . الا انهم واجهوه بالاحتجاج ، وجرب معهم كل الوسائل من الاقناع الي الصبر الي عقوبة من يستحق العقوبة حين لا يكون للعقوبة رد فعل .فقد احضر الشيوخ وتكلم امامهم في التليفون ودعاهم الي ان يتكلموا في التليفون مثله، فقالوا يا عبد العزيز هذا من عمل الشيطان، هذا الشيطان تتكلم فيه ؟فقال لهم عبد العزيز أن الشيطان لا يتكلم بالقرآن اليس كذلك ؟قالوا بلى  فاوعز عبد العزيز الي من كان عنده طرف التليفون الاخر ان يتلوا شيئا من القرآن ، ثم اعطي السماعة للمعترضين، واندهشوا وهم يستمعون القرآن يتلي في التليفون [21].

2 ـــ وقد حكي محمد اسد انه كان في رحلة في الصحراء جنوب الرياض ومعه خادمه ودليل من الاخوان، وقد غضب ذلك الدليل حين اوضح له محمد اسد كيف تعمل الكاميرا ،واعتقد ان ذلك التصوير الوثني يعرض حياته للخطر ،وصمم الدليل علي ان يتركهم في الصحراء عرضة للضياع ،وحاول محمد اسد ان يقنعه بالمنطق ان يبقي معهم فلم يستطع ،وترجاه ان تركه لهم معناه موتهم، فصمم الاخواني علي رأيه ،فاضطر محمد اسد الي تهديده بالبندقية فوافق الاخواني علي شرط ان يوصلهم الي اقرب موطن تال وان يحتكم الي القاضي هناك . وبعد مسيرة ثلاثة ايام  ـــ  كان فيها محمد  اسد وخادمه  يتناوبان حراسة الدليل حتي لا يهرب ــ وصلوا الي القاضي الذي افتي بالطبع لصالح الدليل، فاطلعه عبد العزيز علي توصية عبد العزيز به ،وهو كتاب يقول :  ( الي جميع امراء البلاد والي كل من يراه) وعندما قرأ القاضي بداية الرسالة امتقع وجهه ثم قرأ باقي الرسالة  :( محمد اسد هو ضيفنا وصديقنا وعزيز علينا، وكل من يظهر له المودة فكأنما يظهرها لنا وكل من يناصبه العداء فكأنما يعادينا نحن )فرجع القاضي في حكمه [22] .

3 ــ والقصة السابقة توضح الارضية التاريخية التي كان يتحرك عليها عبد العزيز ،وهذا يفسر رفض الاخوان للتليفون ،وجعله علي قائمة بنود المعارضة الي درجة اجبرت الملك احيانا علي التريث في مواجهة عاصفة الاحتجاج ،يقول حافظ وهبة عن علاقة عبد العزيز بالتليفون : ( لأول مرة شاهده الملك عبد العزيز في  مكة ورأي الفائدة التي يؤديها التليفون في انجاز الاعمال وسرعة المواصلات ،ولما نقل معسكره من الزاهر( الشهداء) بقرب مكة الي حداء، اراد ان يمد سلكا تليفونيا بين مكة وحداء ،وسلكا اخر بين الرغامة وحداء حتي يكون علي اتصال دائم بين مكة ومقره وفي ميدان الحرب، وكنا نقطع المسافة بين مكة ومعسكره الخاص في اربع ساعات ذهابا ومثلها ايابا بالبغال او الابل السريعة ،وكانت الخيال تقطع المسافة ايضا في مثل هذه المدة من الرغامة الي حداء ولكنه عدل اخيرا عن هذه الفكرة لأن انشاء التليفون قد يهيج ثائرة الاخوان ،فأرجأ هذه المسألة.  وكثيرا ما كان الاخوان يقطعون اسلاك التليفون لأنه منكر يجب ازالته ،وكثيرا ما كانوا يتعمدون قطع الاسلاك الموصلة الي قصر عبد العزيز اثناء وجوده في مكة ،كل هذا كان يتحمله علي مضض معتمدا علي الزمن . وحدث مرة ان احد الاخوان اعتدي او ضرب خادما للملك يركب عجلة (بسكلتة)وتسمى بلغة نجد عربة الشيطان او حصان ابليس،  بدعوى انها بدعة ،وانها تسير بقوة السحر وعمل الشيطان ، بدليل ان الراكب اذا نزل لم تقف ،ولكن الملك ادب هذا المعتدي ادبا ارجعه الي رشده ) [23].

الهوامش

15- حبيب:نفس المرجع :113:112،71.

16- محمد اسد :الطريق الي مكة :33:32.

17- جلال كشك :المرجع السابق :701،588:585.

18- حبيب :المرجع السابق :104:103.،كشك: المرجع السابق 701.

19- جلال كشك :المرجع السابق :591:590.

20- جلال كشك :المرجع السابق :589،735.

21- ام القري :العدد 208،السنة الخامسة 18/12/1928.

22- محمد اسد :رحلة الي مكة :63:62.

23-وهبة :المرجع السابق :289.

اجمالي القراءات 10110