ملحق (2) لكتاب ( مصر فى القرآن الكريم )
ßÊÇÈ مصر فى القرآن الكريم
قصص القرآن الكريم ومكتشفات الآثار

في السبت ٢٣ - نوفمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

ملحق (2) لكتاب ( مصر فى القرآن الكريم )
قصص القرآن الكريم ومكتشفات الآثار

1 ـــ القصص القرآنى من حيث موضوعاته قسمان ، نوع ذكرته التوراة مع إختلاف فى المنهج وبعض التفصيلات ، وقد ناقشنا ذلك من قبل . ونوع إختص به القرآن الكريم ولم تذكره التوراة ، مثل قصص الأنبياء العرب وقبائل العرب البائدة . مثل النبى هود مع قومه عاد ، والنبى صالح مع قومه ثمود والنبى شعيب مع قومه مدين.
بعض الأمم البائدة التى أهلكها الله تعالى كانت آثارهم لا تزال باقية تشهد على صدق حديث الله تعالى عنهم ، وكان بعضها يقع فى طريق القوافل ، يمر عليها العرب فى سيرهم فاتخذ الله تعالى من رؤيتهم لتلك الآثار حجة عليهم .
وعموما فإن الله تعالى يأمر بالسير فى الأرض والتنقيب عن آثار الأمم السابقة التى أهلكها بسبب عصيانها ، ولتتحقق العظة والعبرة من سرد أخبارهم فى القرآن الكريم ، وهنا ننبه على التناقض بين الأمر القرآنى بالسير فى الأرض بحثا عن الآثار القديمة والثقافة السلفية الوهابية التى تعتبر تلك الآثار رجسا يجب تدميره ، وتعتبر الصور والرسوم التشكيلية والتماثيل عملا شيطانيا يجب الإبتعاد عنه.
هذه الأوامر الالهية لنا بالسير فى الأرض هو أمر بالبحث علميا عن آثار الأمم السابقة، والتقدم العلمى الراهن يجعل من السهل الكشف عما تخفيه الرمال والتراب من آثار فى الجزيرة العربية ، وانفرد القرآن الكريم بالحديث عنها وحكاية تاريخها ، مثل عاد وثمود ومدين ، وتلك أمم بادت وانتهت ولولا ذكر القرآن الكريم لما سمع عنها أحد ، ولقد ذكر القرآن الكريم الإزدهار الحضارى الذى عاش فيه قوما عاد وثمود ، وكيف كانت مناطقهم فى الجزيرة العربية الصحراوية جنات من البساتين والعيون المائية ومساكن وقصور ومصانع . كل ذلك إندثر تحت الرمال ، وكل ذلك يمكن كشفه بالأقمار الصناعية، وبالاستشعار عن بعد ، وأولئك العرب النفطيون إذا كانت فيهم بقية خير فعليهم تمويل برنامج بحثى للكشف عن آثار عاد وثمود ومدين تحت الرمال .

2 ـــ المشكلة هى تلك الفجوة بين قصص القرآن والتوراة ، وبين مكتشفات الآثار ، فمن يشكك فى القصص القرآنى يحلو له دائما أن يتسائل ، أين موسى ؟ وأين يوسف فى الآثار المكتشفة ؟ وأين هما فى الكتابات العلمية فى علم المصريات ؟ وحيث أنه لا وجود لهما - حتى الآن – فتلك حجة للمشككين فى وجودهما من الأساس .
حقيقة الأمر أن الكشف عن الآثار ـ عموما ـ والمصرية منها خصوصا ـ يخضع لثلاثة ملامح : العشوائية والتزوير والتدمير .
2 / 1ـــ العشوائية :-
أولئك الذين يشككون فى القصص القرآنى لأن مكتشفات الآثار ليس فيها موسى ولا يوسف ربما تكون حجتهم قاطعة لو أن عملية الكشف عن الآثار تمت بصورة منهجية منظمة مرتبة من بداية ما قبل التاريخ إلى التاريخ القديم ( الدولة المصرية القديمة فى مصر ) ثم الدولة الوسطى ثم الدولة الحديثة إلى عصرسقوط الحكم الفرعونى ، ودخول مصر تحت الإحتلال الفارسى واليونانى والبيزنطى والعصر القبطى ثم تنتهى الإكتشافات الأثرية بحصر كل هذه الآثار ومراجعتها بكل تفصيلاتها ، الصحيح منها والزائف ....
بعدها يمكن الحكم على وجود موسى ويوسف .
ولكن الذى حدث ويحدث أن عملية البحث عن الآثار المصرية القديمة مرت بمراحل متداخلة من البحث الفردى التخريبى، بدأ به اللصوص والأفراد العاديون والباحثون عن الثروات من المصريين و العرب القاطنين بمصر وغيرهم ممن اتخذ نهب الآثار حرفة للمعاش ، حيث لم تهتم السلطات الحاكمة وقتها بالعناية بتلك الآثار على اتساعها و امتلائها.
وعندما بدأت النهضة الأوربية وفدت بعثات لتتعرف على جغرافية الشرق الأوسط التى ورد ذكر بعض معالمها فى العهدين القديم و الحديث ، وبتوالى البعثات انبهر اولئك بثراء وغنى الآثار المصرية واحتواء الموميات على الذهب ،ووصلت أصداؤها الى اوربا فتكونت عصابات أوربية تخصصت فى سرقة ىلآثار خصوصا الموميات لتجريدها من الذهب ، وتأسست من وقتها تجارة وبيع الآثار المصرية للهواة فى الغرب ، ولم يكن ذلك يعد وقتها جريمة تهريب إذ أننا نتحدث عن العصر العثمانى والخلافة العثمانية حيث سادت الفوضى وعمّت، متسلحة بالتخلف الحضارى فى وقت بدأ فيه الغرب حضارته الحديثة.
ثم نبت على هامش هذا الجشع الأوربى إهتمام علمى ـ ليس دينيا يتحقق من جغرافية الكتاب المقدس ـ ولكنه اهتمام علمى علمانى وقع اسير الهيام بالحضارة الفرعونية ، حيث تطورت وسائل التنقيب وتسلحت بالعلم والمعلومات والخرائط والخبراء والمهندسين ،ونشأ علم ( المصريات ) ، وإن لم تنته التجارة بالآثار محليا وعالميا فلا يزال التهريب للآثار المسروقة قائما على قدم وساق ، يشارك فيها ولاة الأمور فى مصر الذين تخصصوا فى سرقة الأحياء والأموات على السواء.
ولكن تبقى الحقيقة ماثلة لا مراء فيها ، وهى ان مكتشفات الآثار لا يمكن أن تكون إلا عشوائية ، تخضع للحظ ، بحيث لا يعرف الباحثون ماذا سينتهى بهم الأمر وهم يحفرون تحت الأرض :هل الاكتشاف سيدخل بهم الى التاريخ أم الى خيبة الأمل . وهذه العشوائية تجعل البحث مشتتا هنا وهناك حسب الظروف .
2 / 2: التزوير :-
التاريخ المصرى أطول تاريخ ممتد فى العالم، تتابعت فيه الدول والأسر الحاكمة من قديمة لمتوسطة لحديثة ، وتعاقب فيه مئات الملوك والحكام والفراعين ، ومع تنوعهم وإختلافهم إلا أنه تجمعهم جميعا عادة سيئة واحدة وهى أنه مستبدون لايرون إلا أنفسهم ، وبالتالى يحلو لكل مستبد منهم أن يكون هو الأول الذى لم يسبقه أحد ، وتفسير هذا من ناحية الآثار يتجلى فى أن بعض الفراعنة إعتاد أن يضع بطاقتة – أى أسمه – على المنشئات التى أقامها أجداده وأسلافه ، وأن يمحو الكتابات السابقة ليضع مكانها ما يثبت ملكيته لذلك المعبد أو ذلك الهرم .
وكان العمران المصرى ترصعه عشرات الأهرام الصغيرة التى صمدت حتى العصر العثمانى ، وقد أمكن تفكيك معظمها ودخلت صخورها فى بناء القلعة فى عهد صلاح الدين الأيوبى وفى بناء المؤسسات الدينية فى العصر المملوكى ، وفى بناء القناطر الخيرية فى عهد محمد على ، ومن الممكن أن تجد كتابات فرعونية على قطعة صخرية تحولت إلى طوبة فى قلعة صلاح الدين الأيوبى أو فى بناء خانقاه صوفيه تنتمى للعصر المملوكى ، وربما تكون تلك الكتابة الفرعونية شهادة زور كتبها فرعون سابق أراد أن ينسب لنفسه مجدا يعود فى الأصل لفرعون أسبق .
لم يقتصر التزوير على الفراعنة القدماء ، لأنه عادة سيئة ترتبط بالإستبداد ، ولذلك فإن سرقة منشئات السابقين ظلت سياسة ثابتة لكل من يحكم مصر ، وحتى فى عصرنا الراهن ، فقد محى عبد الناصر كل منقبة لأسرة محمد على ،وجاء السادات فمحى إسم عبدالناصر من فوق السد العالى وبحيرة ناصر ومئات المدارس التى تحمل إسم ناصر قد تغيرت ووضع إسم السادات على أغلبها، ووضعوا إسم السادات على السد العالى ،وبحيرة ناصر أصبح أسمها بحيرة السد العالى .وجاء حسنى مبارك فمحى معظم هذا وذاك ووضع أسمه عليه .
2/ 3 : التدمير
توجد أغلب المكتشفات فى الصحراء المصرية غير المسكونة حيث يسهل الكشف عنها، ولا يزال القسم الأكبر من الآثار المصرية مدفونا فى طبقات رأسية أسفل العمران المصرى حول النيل ، ولكى نكتشفه لابد من إزالة مبانى مدن وقرى بأكملها .
فيما بين مدينتين فرعونتين لا تزالان تحملان نفس الاسم وهما ( بلبيس ) و ( فاقوس ) كانت تقع أشهر مدينة فرعونية فى شرق الدلتا ، كانت عاصمة لعبادة الالهة (بست ) أى (القطة )، ثم طمرتها الأتربة فتحولت الى خرائب بقى منها أطلالئه معبد ( بست ) . وقد أقيم فوقها عاصمة محافظة الشرقية فى مصر ( الزقازيق ) التى تم بناؤها كمركز حكومى لتجميع الفلاحين وإرسالهم لحفر قناة السويس فى منتصف القرن 19 تقريبا ، وكانت الخرابات الأثرية الواسعة تملؤها المستنقعات التى تحوى سمك الزقزوق فسميت بــ ( الزقازيق ) . وتم تجفيف تلك البرك والمستنقعات وإزالة الخرائب (الأثرية ) وتجميعها حول بقايا معبد بوبسطة ، ولأن تلك الخرائب كونت جبلا فقد أطلقوا عليها اسم (تل بسطة ) وظل (تل بسطة) مهجورا بينما تحولت الأرض التى مهدوها الى مدينة الزقازيق .
وحين عشت فى مدينة الزقازيق فى الستينيات من القرن الماضى كانت لا تزال هناك خرابات تفصل بين أحياء الزقازيق وبين ما تبقى من أعمدة (تل بسطة )، وظلت خرائب مهجورة الى عهد السادات الذى أرسى سياسة الانفتاح فارتفع ثمن الأرض،وتوسعت المدن و القرى على حساب الأراضى المزروعة و الخرائب، وخلال عشر سنوات فقط توسعت مدينة الزقازيق فوصلت إلى الآثار الظاهرة لمعبد ( تل بسطة ) فتضاءلت مساحتها وتناقص المعروف منها بزحف المساكن ،واكتفوا بإقامة سور حول ما بقى من تلك الآثار متجاهلين الآثار التى تحت التراب . ولا يشعر أحد ان مدينة الزقازيق بكل عمرانها وميادينها ترقد فوق آثار مدينة كانت أشهر منها منذ عشرت القرون .
ومن الزقازيق إنتقلت للعيش فى القاهرة ، فأقمت فى المطرية شرق القاهرة منذ عام 1974 وكانت منطقة المسلة أقرب ما يكون لمنزلى ، ومنطقة المسلة تحوى مسلة فرعونية وسط خرائب أثرية لا تقتصر شواهدها الظاهرة على قرى عزبة الحصن والخصوص بل تمتد منها إلى حى عين شمس والزيتون . وشهدت بعينى خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضى تحول خرائب منطقة المسلة الأثرية لعمارات سكنية ... مع أنه معروف أن التراب فى تلك المنطقة يغطى على مدن أثرية كاملة كانت موجودة حتى قبل النهب الكبير للآثار الفرعونية فى العصر العثمانى .
واقع الأمر ان الأثار المصرية من حيث الموضع تنقسم إلى نوعين ، نوع فى الصحراء يسهل إكتشافه ، إذ غطته الرمال ، وليست الصحراء من المناطق التى تشجع على السكنى فيها ، ولذلك يتركز التنقيب عن فى مناطق صحراء الهرم وسقارة بجوار القاهرة ، وليس فى داخل القاهرة .أما النوع الثانى فيقع تحت العمران المصرى الحالى .
ويعرف د. زاهى حواس ـ أشهر عالم آثار مصرى حاليا ـ أن مدينة " نزلة السمان " بالقرب من الهرم الأكبر تربض فوق طبقات من الآثار ، ولكنه يكتفى بالتنقيب فى الصحراء المحيطة بالأهرامات ، ولا يمكن أن يطلب إزالة نزلة السمان للتنقيب عما تحتها ،لأن مدينة نزلة السمان تمثل النوع الثانى من الآثار المصرية ، وهى الآثار المدفونة تحت العمران المصرى وتحت الحقول المصرية الخضراء على ضفاف النيل والدلتا .
وفى سنة 595 هـ زار مصر الطبيب الفيلسوف عبد اللطيف البغدادي وكتب عن رحلته كتابه " الإفادة والاعتبار" وكان أروع ما فيه وصفه الدقيق للآثار الفرعونية في ذلك الوقت وما كان يحدث فيها من تدمير وتخريب يومئذٍ, وحين نقرأ هذا الوصف في كتابه ونقارنه بما تبقى لدينا اليوم من آثار نتعجب من ذلك التدمير الذي لحق بآثارنا من عهد عبد اللطيف البغدادي وحتى الآن ..
* وطبقاً لما ذكره عبد اللطيف البغدادي كان للأهرام ومنطقة الأهرام وضع مختلف عنها اليوم كانت هناك مدينة كاملة للآثار بازاء الضفة الشرقية للآهرام الثلاثة . وقد امتلأت هذه المدينة بمغارات كثيرة العدد عميقة ومتداخلة الأغوار, وبعضها يرتفع إلى ثلاث طبقات ويمكن أن يسير فيها الانسان يوماً كاملاً ولا يراها كلها , وعلى أحجارها الكتابات الفرعونية التي تغطي أيضاً الأهرام الثلاثة, ويقول عبد اللطيف البغدادي إن هذه الكتابات كثيرة جداً حتى لو تم نقل ما على الهرمين فقط إلى صحف لكانت زهاء عشرة آلاف صفحة, ويقول عن هرم خوفو وهرم خفرع أنهما مبنيان بالحجارة البيضاء أما الثالث فهو مبني بحجارة الصوان الأحمر شديد الصلابة .
* ويتحدث عن أبي الهول ونعرف منه أن جسد أبي الهول كان مدفونا في الأرض ولا يظهر منه إلا الرأس والعين فقط وقد غطاهما دهان أحمر لامع , ومعنى ذلك أن التدمير الذي حدث بعد عصر عبد اللطيف البغدادي قد كشط سطح الأرض وأظهر المدفون من جسد أبي الهول وأظهر إلى جانبه آثار كثيرة تم نهبها و ضياعها .. !! وقد شهد عبد اللطيف البغدادي في رحلته جانباً من ذلك التدمير, إذ أن ملك مصر وقتها العزيز عثمان الأيوبي حاول هدم الأهرام وبدأ بالهرم الأصغر فحشر جيشاً من العمال والمهندسين والآلات وظلوا ثمانية أشهر يهدمون كل يوم حجراً واحداً, ثم وهنت قواهم فتركوا العمل يأساً ولكن بعد أن قاموا بتشويه جانب من الهرم الأصغر .
* ولكن التدمير لحق بعشرات الأهرام الأخرى , إذ كانت هناك كثير من الأهرام تبدأ من الجيزة وتمتد مسافة يومين سيراً على الأقدام, وكان معظمها صغير الحجم , وقد هدمها قراقوش وبنى منها سور القاهرة والقلعة وقناطر الجيزة وقد بقى من أنقاضها ردم كثير وصفه عبد اللطيف البغدادي الذي وصف ايضاً أهراماً كثيرة في منطقة أبي صير, وبعضها كان انهدم وكانت بقاياه تؤكد أنه كان في حجم الهرم الأكبر في الجيزة, وما بقى من أهرام أبي صير كان مختلف الأحجام والأشكال منه المدرج ومنه المخروطي .
* وذلك الفيلسوف الحكيم وصف آثار مدينة منف وصفاً يبعث فينا الحسرة حين نقارنه بالآثار الهزيلة الباقية في البدرشين, لقد أثارت مدينة منف القديمة وآثارها إعجاب ذلك الفيلسوف وجعلته ينسى أسلوبه العلمي الرصين المتزن الهاديء فانطلق يشيد بتلك الآثار في انبهار وحماس وكيف بقيت شامخة بعد آلاف السنين, وما كان يعلم أن التدمير سيفنيها بعد بضع مئات من السنين !!
وقد وصف من تلك الاثار ما أطلق عليه الناس وقتها بالبيت الأخضر وهو حجر ضخم قد حفر في وسطه بيت , وقد وصف تفصيلاته و ما لحقه من تدمير , ووصف التماثيل الضخمة في تلك المدينة وتوازنها وتصميمها ونقوشها ودقائقها, ووصف تمثالين لأسدين, ووصف سور المدينة وما لحقه من تدمير , وأسهمت في أعمال التخريب للبحث عن الكنوز والمطالب واستخراج الموميات وبعثرة أحشائها للعثور على ما قد يكون فيها من كنوز مخبأة .
* في تلك القرون الوسطى نظر الحكام والأجانب إلى الآثار على أنها أصنام لا مانع من إزالتها , وكان الذهب هو المقصود الأعظم من البحث والتدمير لتلك الآثار, وتلك مهمة تركها الحكام لكل من شاء وبدون رقيب , وصحيح أن المعابد الوثنية كانت تشكل الجزء الأكبر من الآثار الفرعونية إلا أنها أصبحت مهجورة وزالت عنها القداسة بعد أن انصرف عنها المصريون إلى المسيحية, والغريب أن العصور الوسطى كانت عصور تقديس الأضرحة والقبور المقدسة والأولياء الأحياء والأموات ومع ذلك احتقروا التماثيل والتصاوير الفرعونية التي لم تعد مقدسة ولم يعد أحد يحج إليها على سبيل التبرك , وفيما عدا عبد اللطيف البغدادي فإننا لا نشهد مؤرخاً اهتم بالآثار المصرية اهتماماً علمياً , والمقريزي – أعظم المؤرخين المصريين – تحدث عن الآثار المصرية بما يشبه قصص المصاطب وحكاوي القهاوي , مما يعكس إهمال المثقفين لتلك الحضارة الخالدة .
* إن تاريخ الانسانية مدفون في أرضنا , ونحن نعيش فوق متحف طبيعي لتطور الحضارة الانسانية , ولا يخلو مقرر دراسي في العالم كله من البدء بالحضارة الفرعونية, ولا يتحدث إثنان في أي مكان في العالم عن الآثار القديمة إلا و كانت آثارنا الفرعونية هىّ بيت القصيد .. ومع ذلك فقد توارثنا عن القرون الوسطى تلك العادة السيئة في عدم الإهتمام بالآثار الفرعونية التي تنال حظها من اهتمام الدنيا كلها إلا نحن فقط .. !!
* إن التدمير الذي لحق بالآثار المصرية في القرون الوسطى تبدو بعض ملامحه فيما نعثر عليه من أحجار فرعونية في العمائر الفاطمية والأيوبية والمملوكية ومن عملات ذهبية فرعونية في الكنوز التي ترجع للقرون الوسطى ، ثم حين فتحت مصر أبوابها للأجانب تركتهم ينهبون أهم الآثار والتحف إلى بلادهم , ولا تزال سرقات الآثار تجارة رابحة لها عصابات متخصصة في الداخل والخارج, ونخشى أن يأتي أحفادنا في المستقبل يعيبون علينا ما نعيبه الآن على أجدادنا في العصور الوسطى .. !!
3 ـ ونعود الى موضوعنا :
مع كل هذا التدمير للآثار الفرعونية تظل مناطق واسعة فى التاريخ الفرعونى ضائعة لا نعرف عنها شيئا . ويزيد جهلنا بالتاريخ المصرى ونحن لا يمكن أن نعرف حجم الآثار المدفونة التى لم نكتشفها بعد ،وحتى لا نعرف خريطة توزيعها فى القطر المصرى .
ومع كل ذلك التزييف فلايمكن الوثوق بأننا نعرف التاريخ الحقيقى نقلا عن تلك الآثار المكتشفة .
ومع الاضطرارللعشوائية فى البحث والتنقيب فإن ما نكتبه فى تاريخ المصريات يظل محاولات عشوائية لبعض المناطق ،أو لبعض الأماكن .
4 ـ وبتطبيق ما سبق على القصص القرآنى للأنبياء يوسف وأبيه وموسى وأخيه لا بد أن نتذكر الآتى :
4 /1 : إن أولئك الأنبياء ظهروا فى عصور لم تكن مبعث فخر للفراعنة اللاحقين ، أى كان لا بد من تدمير بقايا تلك العصور على يد الفراعنة اللاحقين .
يوسف عاش فى عهد الاحتلال الهكسوسى ، وقد أزاله الفراعنة المصريون ، وبالتالى كان لا بد من تدمير آثار ذلك المحتل الأجنبى ، ومنها آثار كان يمكن ان تعطى تاريخا ليوسف وأهله .
موسى ارتبط عهده بتدمير فرعون وملكه تحت سطح البحر ، وهى هزيمة اعتاد الفراعنة تجاهل هزائم أقل منها ، فكيف بزوال فرعون وجنده وقومه وآله فى لحظة تحت أمواج البحر الأحمر ، ثم وقوع مصر تحت سيطرة بنى اسرائيل وفقا لما ذكره القرآن الكريم .
4 / 2 : ثم إن القرآن الكريم سبق الجميع فأكّد أن الله جل وعلا قد دمّر كل ماكان قد بناه فرعون موسى ، أى من البداية لا توجد آثار لفرعون موسى ، وليس من مصدر تاريخى عنه سوى ما جاء فى القرآن الكريم والتوراة .
وفى الخاتمة :
نتدبر قوله جل وعلا: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) (الأعراف 136 ـ)
صدق الله العظيم .!!