كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
القسم الأول : المعارضة في عهد عبد العزيز آل سعود : الإخوان وعبد العزيز
الفصل الثالث : التكوين الأيديولوجي للإخوان أساس المعارضة السعودية في عهد عبد العزيز
مدخل عن : التعليم الفاسد
1 ـ التكوين الايدلوجى للأخوان الوهابيين ( الوهابية ) هو الذى حولهم من أعراب بدو الى ما أصبحوا عليه . هذا التكوين الايدلوجى تعلمه البدو على أشياخ الوهابية فى ( الهجر ) أو المستوطنات التى أقامها لهم عبد العزيز . البدوى العادى فى الأغلب ( أُمّى ) لا يقرأ ولا يكتب ، ، بالتعليم داخل الهجر تحوّل الى شخص متعلم يمارس ثقافة البدو فى الغارات والسلب والنهب باسم (الجهاد الاسلامى ) ويبالغ فيه بإقامة مذابح للآخر غير الوهابي ، لا ينجو منها الأطفال والعجائز والنساء .
2 ـ هنا يقوم التعليم بدور تدميرى . مع أن الأصل فى التعليم أن يكون فاعلا فى نشر التقدم والتحضر . وخصوصا إذا إرتبط هذا التعليم بدين الاسلام القائم على السلام والعدل والحرية الدينية والحرية السياسية والتسامح والرحمة وما نعرفه اليوم بحقوق الانسان . التكوين الايدلوجى للإخوان كان خيانة للدور الحضارى للتعليم وخيانة للاسلام وقيمه العليا . وبهذا التعليم الوهابى تحول البدو الأعراب الى وحزش بشرية نشرت المذابح فى الجزيرة العربية وما حولها . ثم ما لبثت أن حاولت أن تنهش عبد العزيز نفسه لولا أن قضى عليها قبل أن يفترسوه .
3 ـ فى المجتمعات التى يسيطر عليها التدين يوجد تعليم دينى فاسد ينتج شيوخا تحترف الجهل وتنشره عبر المعاهد والاعلام والمساجد ، ولا يستطيع أن يتنقدهم أحد ، فقد صارت لهم بالتدين السائد رهبة وقداسة تتيح لهم أن يقولوا ماشاءوا ، وهم عادة يشاءون النقل عما كتبه السابقون ، وإذا كان المجتمع يحاول النهوض و الالتحاق بركب الحضارة ومعايشة العصر فإنهم يبذلون جهدهم ليقعدوا بالمجتمع ويجعلونه يعيش الماضى ويعبد السلف باسم الاسلام. هذا هو السائد فى الأزهر حين سيطر عليه التصوف وخرافاته . ثم ما لبث ـــ بالنفوذ السعودى الذى استشرى فى مصر منذ عهد السادات ــ أن أصبح الأزهر شيئا فشيئا قلعة للوهابية ، وتسللت ثقافة الوهابية الى المواد الدينية فى التعليم المصرى العام ، تنشر التعصب والتطرف والتزمت واستباحة الدماء البريئة . والأخطر أن ينشر التعليم ثقافة الوهابية التى تستبيح الدماء للجميع .
4ــــ ــ فى مصر تقوم أجهزتها التعليمية والاعلامية بنشر الوهابية وحمايتها من النقد باعتبارها الاسلام نفسه ثم تطارد من يعتنق هذا الفكر الوهابى ويريد تطبيقه بالرصاص والارهاب . أى تريد من الشباب أن يكون وهابيا سلبيا صامتا طول حياته ، وهذا مستحيل ، فالوهابية تدفع معتنقها لاستحلال الدماء والمال تحت شعار الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . وإذا سكت الوهابى عن ممارسة جهاده فلأنه يتحين الفرصة المناسبة ـ
5 ـــ وقد نجحت الدولة المصرية فى خلق التيار السلفى الوهابى الساكن السلبى المؤيد للحكم ، ولكن تجربة التاريخ تثبت أن هذا التيار الساكن المنافق المخادع عندما تواتيه الفرصة فسيكون أفظع من التتار والمغول ، التيار السلفى يتسلل وينتشر باستمرار واضطراد مستخدما أجهزة الدولة الدعوية والاعلامية ، وفى المستقبل سيتحالف مع من تتهمهم الدولة بالارهاب و السعى لقلب نظام الحكم . السلفيون لن يتخلوا عن إخوانهم فى العقيدة الوهابية من أجل عيون النظام ، بل سيكونون أكبر عون فى هدم النظام ، ثم بعدها سينقسم الوهابيون وسيتقاتلون صراعا على السلطة ، بنفس ما فعل إخوان عبد العزيز مع عبد العزيز ، بل وربما أشد وأعنف لأنه لن يوجد فى مصر مثل شخصية عبد العزيز وظروفه الجغرافية والسياسية . الدولة المصرية تربى وترعى التيارات السلفية وتتيح لها الانتشار لتواجه بهم الاخوان والجناعات المتطرفة التى خرجبت من عباءة الاخوان كالجهاد و الجناعة الاسلامية وغيرها . ولكنه لعب بالنار سيحرق الوطن كله .
6 ــ وأصل المأساة قيام الدولة المصرية برعاية الفكر السّنّى أساس الوهابية وحمايته من الانتقاد ، وإضطهاد من يتصدى لمناقشته من داخل الاسلام وبالقرآن ، وهو ما نتعرض له الآن فى مصر.
7 ـــ وفى عام 1982 وفى خاتمة كتاب ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) دعوت الى تنقية المناهج التعليمية والتراثية مما يشوبها من ثقافة التطرف والارهاب التى تتمسح بالدين حتى لا يتحول تعليم الطلبة الى تربية جيل من المتطرفين ، وحذرت من أن تسيل الدماء فى مواجهة بين الشباب والأجهزة الأمنية للدولة . لم يستجب أحد ، وبعدها بعشر سنوات حدثت مواجهات بين الدولة وجماعات التطرف ، وأخمدتها الدولة بصعوبة . وكالعادة فإن المواجهة الأمنية لا تزيد المشكلة إلا تفاقما . لو قمت بقتل كل المتطرفين وأبقيت فكرهم الدينى دون مناقشة فسينتج هذا الفكر أجيالا أخرى .
8 ـــ وفى العامين الماضيين ( 1998 : 1999 ) كنت رائدا لفريق تبنى مشروع ( اصلاح التعليم فى مصر ) الذى حمل رايته مركز ابن خلدون . بدأت فكرة المشروع بمقال نشرته عام 1997 فى روز اليوسف أدعو فيه الى اصلاح الأزهر ومادة التربية الدينية فى التعليم العام المصرى ، ثم ناقشنا فى رواق ابن خلدون فى مركز ابن خلدون قضية طرحها بعض الأقباط وهو مشروع انشاء جامعة قبطية فى مصر ، ورفضنا هذا المشروع لأنه يزيد فى انقسام المجتمع المصرى وتحوله الى معسكرين متنفرين ، وقلنا أن الأجدى هو اصلاح التعليم المصرى القائم ليعزز ثقافة التسامح والحرية الدينية . ثم جاءت منحة اوربية لمركز ابن خلدون لمشروع اصلاح التعليم المصرى لنشر ثقافة التسامح بديلا عن التعصب . وأعددنا مقترحات بديلة للمواد الدينية والتاريخية ومادة القراءة ، ودعونا كل من يهمه الأمر لمناقشة مقترحاتنا ، وفوجئنا بهجوم من مجلس الشعب ومجلس الوزراء والأزهر والاعلام ، وتناولتنا الاتهامات بالخيانة والعمالة ، وتم وأد المشروع ، وبسببه تم إغلاق مركز ابن خلدون هذا العام 2000 ولا زلنا حتى الآن ندفع ثمن مشروعنا الاصلاحى نتوقع الاعتقال كل يوم . وهذا هو حالى الآن وأنا أكتب هذا البحث أتوقع عند ما يطرق الباب أن يأتى أمن الدولة لاعتقالى .
9 ـ فقبل إغلاق مركز ابن خلدون بدأ القبض على أفراد من أهل القرآن إعتادوا الحضور لرواق ابن خلدون ، وهو مؤتمر اسبوعى بدأت إقامته مساء كل ثلاثاء فى مركز ابن خلدون أستضيف فيه متحدثين من المفكرين والسياسيين والمثقفين من مصريين وعرب وأجانب ، من كل التيارات ، وفى كل ندوة تتم مناقشة موضوع معين تم إعداده سلفا . وفى هذا الرواق أُتيح لأول مرة فى مصر للشيعة أن يعبروا عن أنفسهم ، وكان من أعمدة الرواق شخصيات سياسية مشهورة كالصادق المهدى وأعضاء مجلس أمناء مركز ابن خلدون . وفيه نوقش الصراع العربى الاسرائيلى و مستقبل ( الحركة الاسلامية فى مصر ) و ( الشفافية ) ووسائل تطبيق الديمقراطية والانتخابات بين القانون والواقع الفعلى ومشروعات لاصلاح الدستور المصرى . وكانت جلسات الرواق تؤرق ( أمن الدولة ) خصوصا وقد كان يحضره مراسلون وصحفيون وبعض العاملين فى السفارات الغربية ليقيسوا من خلاله اتجاهات الرأى العام المثقف فى مصر . ولأننى قائد الرواق فقد كانت فرصة لأهل القرآن فى الحضور والاسهام بآرائهم الاسلامية ، ومن الرواق نبعت مشروعات أغضبت ( أمن الدولة ) منها مشروع الشفافية ومشروع اصلاح التعليم ومشروع تعليم المصريين حقوقهم السياسية . وكنت رائدا فى مشروعى التعليم والحقوق السياسية . وصدر الأمر باعتقال بعض الأحبة من أهل القرآن ، ثم كان بعدها القبض على سعد الدين ابراهيم وغلق مركز ابن خلدون فى 30 يونية الماضى ( 2000 ). وأنا الآن ( ديسمبر 2000 ) أتوقع دورى فى الاعتقال . وتصلنى معلومات عن تعذيب مستمر لأحبتى المعتقلين من أهل القرآن لاجبارهم على أقوال معينة ، وأتوقع أن تكون هذه الأقوال لتبرير إعتقالى . والله جل وعلا المستعان ..!
10 ـ وأكتب هذا البحث الآن ، لا أدرى هل أكمله أم لا .
ولهذا أحرص على كتابة هذه السطور أولا للتسجيل التاريخى لما أعانيه الآن ، وثانيا أكتب هذا مدخلا لهذا الفصل عن التكوين الايدولوجى للاخوان الوهابيين ، لأسجل رأيا مسبقا فيما يجرى فى مصر الآن ، فثقافة الاخوان المسلمين هى السائدة فى مصر ، وهى تكرار أمين لما ساد فى التعليم الوهابى فى المستوطنات ، وهذا يرجح أن يتكون فى مصر جيل لا يفترق كثيرا عن الاخوان الوهابيين الذى نبحث معارضتهم لسيدهم عبد العزيز.فكيف بالجيل الوهابى الذى يجرى الآن إعداده فى مصر بالتعليم الأزهرى والعام؟!