بعد أقل من أٍسبوع سيتم تنصيب المشير عبدالفتاح السيسي رئيساَ لجمهورية مصر العربية، ليكون الرئيس الثامن في عهد الجمهورية، ومعه تتحقق أحلام الجماهير التي تاقت إليه رئيساً وطالبته بالاستقالة من وزارة الدفاع، وقد لبى السيسي نداء الشعب واستجاب لإرادته، رغم خطورة ما قام به على نفسه أولاً وعلى وزارة الدفاع ثانيا، فبعد التطورات التي شهدتها مصر بعد ثورة يناير ثم ثورة يونيو لم يعد الشعب يقبل بتجارب فاشلة جديدة، بعدما أزاح الشعب جماعة الإخوان من السلطة وثبت أن من وثق فيه أمس كان من ألدّ أعدائه.
تحديات صعبة تواجه الرئيس المنتخب التي تشير التقارير الأولية أن نسبة نجاحه فاقت ال93% بمشاركة جماهيرية واسعة تخطت ال45% من جملة الناخبين، وهي نسبة كبيرة جعلت منه ظاهرة شعبية بما مثله من مفاتيح لحل الأزمة مع الإخوان ومع الإرهاب، لقد راهن السيسي على الشعب وكسب رهانه بما يبدو أنه منغمس في وجدان الشعب وضميره، وهذا ذكاء سياسي يُحسب للرجل.. أن علم كيف يعامل الشعب وكيف يعامل خصومه في ذات الوقت، لأن ما قام به الرجل في ثورة الثلاثين من يونيو هو في المحصلة عمل غير تقليدي يتطلب بشراً من ذوي نوعية خاصة تتسم بالصرامة والحكمة.
خطورة هذه التحديات أنها ككرة الثلج التي شُكلِت في عهد مبارك والاضطرابات التي أعقبت ثورتي يناير ويونيو، أصبح المجتمع المصري بعدها شبه منهار أو كان على وشك الانهيار بعد تجربة مريرة من الحكم الغير رشيد سواء في عهد المجلس العسكري أو في عهد الرئيس المعزول مرسي.
سنُقسّم هذه التحديات إلى فرعين الأول داخلي والثاني خارجي:
أولاً: التحدي الداخلي:
1-كيفية التعامل مع المعارضة المدنية منها والدينية، فتلك المعارضة هي التي شكلت الثورة في عهد المجلس العسكري وفي عهد الإخوان، وهي التي تتظاهر الآن في الشارع بعد تضررها من ثورة يونيو، قسم كبير منها انفصل ووافق الخط العام للشعب وانضم إلى خيار الجيش وللأغلبية الشعبية بدعم السيسي ، وهذا يعني أن تلك الجبهة انشقت إلى نصفين الأول في الشارع ويضم الجماعات الدينية- كالإخوان والسلفيين-والجماعات الفوضوية-كالاشتراكيين الثوريين و6 إبريل-وقد أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضعف هذه الجبهة شعبيا، حيث أعلنت عن مقاطعتها للانتخابات، ومع ذلك كان حجم المشاركة مساوياً للحجم الذي فاز به الرئيس المعزول مرسي، ومعلوم أن هذه الجبهة كانت صفاً واحداً مع مرسي ضد جبهة شفيق الذي كانت تؤيده شرائح مجتمعية مرتبطة بالدولة وبعض جهات اليسار، أو ما نسميه بحزب الكنبة صاحب أعلى الأصوات في الجمهورية، والأحزاب التي كانت لها موقف فكري وتاريخي من الإخوان وأغلبهم من اليسار.
أما النصف الثاني فهو الأكثر غموضاً في السياسة المصرية، لقد شارك في ثورتي يناير ويونيو..ومع ذلك بقي على موقفه من جماعة الإخوان ومن شباب الحركات الفوضوية سابقة الذكر، وفي تقديري أن غموض هذه الفئة يعكس محدودية العقل المصري في التعامل مع الأحداث، فقسم كبير منها تغيرت مواقفه بعدما رأى سلوك الإخوان في سوريا وليبيا، مما يعني أنه كان داعماً للثورات جميعها، ولكن بعد وضوح المشهد في سوريا قليلاً رأى أنه ليس من الحكمة أن يدعم حرباً أهلية يقتل فيها السوريون أنفسهم ، وتعزز هذا الموقف لديه بعد ردود أفعال الإخوان الإرهابية بعد ثورة يونيو، فاكتشف أن ما كان يحدث في تلك البلدان كان هو ما يعيشه الآن من مشروع إخواني فوضوي يهدف إلى تدمير المجتمعات وخلع ربقة المدنية من عُقابها.
2- التحدي الثاني الداخلي هو ترتيب جبهة يونيو وإعادة الاستقرار إليها بعد الأحداث الفوضوية والإرهابية الأخيرة، وأظن أن هذا التحدي ليس أساسياً بحيث يمكن تداركه بتحديات أخرى في مجالات أخرى، لأنه ليس من السهل إقناع المتمردين على الجبهة بخيارات الدولة والسيسي، لأن هؤلاء يقبع في نفوسهم خياراً واحدا وهو أن.."التغيير يجب أن يكون من الشارع"..وعليه فلن يكونوا ضمن أي مشروع سياسي مستقبلي، كذلك فالانتخابات كشفت حجم هؤلاء المتمردون الضئيل، وظهروا أنهم بجوار الجهاز الأمني وحلفائه من الشعب لايُذكرون، بل لن تجد لهم أي مشروع فكري أو سياسي مطروح على الطاولة ..وهذا يعني افتقارهم للحس السياسي الذي ربما يسارع بنهايتهم مع مرور الوقت.
ورغم ذلك يجب أن تكون الأيادي ممدودة إليهم بالتعاون، فهم يمثلون قطاعاً من الشباب يؤمن بفرضية التغيير ولكن يجهل الطريق إليه، وفي تقديري أن الأغلبية الكاسحة من الشباب المصري يعانون من هذه الأزمة، وما دفع الكثير منهم لدعم السيسي إلا بعد شعورهم-وسائر الشعب المصري-بالخطر على الدولة والمجتمع.
3-منظومة الفساد في الدولة وكيفية مواجهتها والقضاء عليها، فبعد عقود من ترسيخ قيم الفساد -خصوصاً بعد عصر الانفتاح-ظهرت الدولة بشكل مترهل يعاني من البيروقراطية وانعدام التواصل مع الشعب، وأظن أن هذا التحدي هو الأهم بالنسبة للسيسي، فمعه سيشعر بعض الشباب -الغير مؤيد -بأنه كان خاطئاً في وضع السيسي جنباً إلى جنب مع مظاهر الدولة المباركية القديمة، علاوة على ضرورة خوض هذا التحدي نظراً للتغيير الذي طرأ على وسائل الاتصال الحديثة، اليوم أصبح بإمكان المواطن أن يُدلي برأيه خارج إطار الدولة، بل أيضاً خارج إطار القانون وما يمثله من تبعات خطيرة على أمن وسلامة بل وثقافة المجتمع.
يجب أن تعود سلطة الدولة في التغيير الاجتماعي، سيُسهّل ذلك من أمور التواصل مع الشعب أكثر، وهذه ميزة كبيرة لو اكتسبتها دولة السيسي.
4-الإصلاحات البنيوية في الجسد المصري، بدءاً من إصلاح منظومة التعليم والاقتصاد والثقافة والدين والصحة وغيرها، وهذه إصلاحات لا غنى عنها لأي رئيس يبحث عن فرصة لتسجيل إسمه بحروف من ذهب داخل كتب التاريخ، من ينسى رائد التعليم المصري الحديث.."على باشا مبارك"..فبعد أكثر من 120 عاماً على وفاته إلا أن جهوده في إصلاح منظومة التعليم لا زلنا نجني ثمارها إلى الآن، حتى بعد القصور الذي شاب التعليم في العقود الأخيرة إلا أن البذرة الأولى للتعليم الحديث محفوظة للرجل، مع حفظ كونه ليس مواطناً عادياً أو مجرد مفكر ..بل كان وزيراً للتعليم..(ناظراً للمعارف حسب مفاهيم عصره)..كذلك في مجال الثقافة والفكر وهو الفرع عن التعليم ولكن يمكن اعتباره اليوم -مع تعدد وسائل الاتصال والمعلومات- أصبح فرعاً مستقلاً، بيد أنك يمكن أن تبني إنساناً مثقفاً دون الحاجة سوى لأساسيات التعليم كالقراءة.
5-الفقر والبطالة وهو التحدي الأبرز في تلك المرحلة، وقد اقترح السيسي في برنامجه مجموعة مشروعات قومية وتقسيمات إدارية تساهم في النهوض بالاقتصاد، أعجبني مشروعه لتقسيم المحافظات والفكرة من ورائه، كذلك أعجبتني فكرة البدائل لمواجهة التجار وغلاء الأسعار، هذه أفكار ثورية بالعموم تعطي دوراً كبيراً للدولة في الضبط والربط، وهذا يحتاج إليه المواطن المصري بشدة، علاوة على أنها افكار قابلة للتنفيذ، فما أسهل إنشاء النظريات والحلول ولكن تبقى في النهاية غير قابلة للتنفيذ، وهذه سوء إدارة ناجمة عن سوء قراءة الواقع، وأظن أن السيسي لديه حس الواقع وحُسن ارتباطه بالجماهير، ربما يساعده ذلك في جودة آدائه...هذا ما أتمناه.