ق1 ب 2 : مؤتمر الرياض العام قبيل الصدام العسكرى بين الاخوان وعبد العزيز

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٨ - مايو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الأول : القسم الأول : المعارضة في عهد عبد العزيز آل سعود : الإخوان وعبد العزيز

الفصل الثاني : معارضة الأخوان الوهابيين لعبد العزيز في تقرير تاريخي

 مؤتمر الرياض العام قبيل الصدام العسكرى بين الاخوان الوهابيين وعبد العزيز آل سعود

أولا : الجمعية العمومية :المؤتمر العام في الرياض 5/11/1928:

1 ـ   الموضوع الحقيقي كان هو الخصومة بين الأخوان وعبد العزيز. وقد بدأ المؤتمر في جو من الشك وانتهي  بتقوية القطيعة بين الجانبين .

2 ـ  وصل الي الرياض الآلاف من القرويين والحضريين والعلماء ومشايخ القبائل والأخوان ،ووصل عددهم الي ما بين 16:12 ألفا .ووضع عبد العزيز نظاما لتسكين الأعضاء ،فأقام البدو في خيام خارج الرياض ،وأقام أهل الحضر في منازل داخل المدينة نفسها،ووزعت عليهم الأسلحة لحماية أسوار المدينة ،وكانت تغلق أبواب المدينة عند الشفق، وتقوم فرق المدينة بحراسة أسوارها حتي طلوع الفجر .واحتجز عبد العزيز كبار المشايخ ورؤساء الأخوان في الرياض الي ما بعد انتهاء المراسلات التي حدثت بينه وبين الدويش وابن بجاد اذ لم يحضر مندوب الدويش وابن بجاد .

3 ـ وكان واضحا ان عبد العزيز يشك في ولاء البدو في ضوء الكراهية التي بثها الأخوان ،علاوة علي إمكانية تقلب البدوي في الولاء ،لذا أبقاهم عبد العزيز خارج المدينة بينما استضاف انصاره من أهل الحضر داخل المدينة . وقد خسر أهل الحضر الكثير نتيجة تمرد الأخوان ،ولم يكن يعجبهم تمرد الأخوان وفوضوية البدو .ثم كان الاحتفاظ بقادة الأخوان رهائن تحت ستار الضيافة والكرم ،وذلك يتناسب مع التقاليد  القبلية ،وأدى هذا الي عزل الأخوان عن رؤسائهم زعماء التمرد مثل الدويش وابن بجاد .

4 ـ وكان الموقف أشبه بما ساد قبل تأسيس حركة الأخوان ،من الصراع والتنافس والولاء القبلي ، وكان الحضر يبحثون عن حاكم قوي لفرض السيطرة علي البدو، وفي الوقت الذي تعهد فيه بعض ممثلي الأخوان بالولاء لابن سعود في الجمعية العمومية ،كان هناك أخوان آخرون قد التزموا بالقتال تحت رئاسة المتمردين، ومع ذلك كانت الأغلبيه  تخلص لعبد العزيز، وحضرت بدون التزام مسبق ، انتظارا منهم للوقوف مع الأقوى ، وتبين مدى قوة ابن سعود بما لديهم من حاسة قادرة علي استشعار نبض القوة بسرعة كبيرة .

5 ـ ولم يكن ممكنا ان يتحدث كل الحاضرين ،فأعد القائمون علي المؤتمر قائمة تضم حوالي ثمانمائة مندوب وعرضت علي عبد العزيز للموافقة عليها .واختيرت شرفة كبيرة من شرفات القصر الملكي لتكون مكانا للاجتماعات ،وتحدد موعد عقد الاجتماع بالساعة الثانية صباحا في 5/11/1928 وقد خصصت غرف انتظار خاصة لكل جماعة ،كان اهل الحضر في غرفة واحدة ،والزعماء الدينيون في قاعة أخرى ،والأخوان في قاعة ثالثة ،وبعد ان وافق عبد العزيز علي قائمة المتحدثين امر بتوجيه الدعوة الي كل منهم علي حدة .

6 ـ و قبل نصف ساعة فقط من بدأ أعمال المؤتمر جلس ابن سعود في المكان المخصص له يحيط به أفراد عائلته ، ثم استدعى المندوبين طبقا لمنازلهم :العلماء في  الصف الأمامي من ناحيتي الشمال واليمين ،وبعد ان جلس العلماء امر بإدخال الحضر والقرويين ،فجلسوا خلف العلماء وعلي جانبي الشرفة .ثم امر بعدها بإدخال الأخوان ورجال القبائل ،حيث جلسوا حسب ترتيب الهجرة والقبيلة صفا بعد صف في مواجهة الملك ،وقد استغرقت عملية الجلوس حوالي 15 دقيقة تقريبا .    

7 ـ  ثم تكلم ابن سعود فحكي كيف اخذ الرياض بأربعين من أصدقائه وبنصر الله له ،وكيف وفقه الله في تجميع أولئك الأربعين ،وكيف جمع الأخوان وحقق لهم المجد ،ثم عرض عليهم ان يستقيل من منصبه ليس خوفا منهم ولكنه لا يريد ان يحكم أناسا لا يريدونه حاكما عليهم ،و لا يريد ان يقع في الاستكبار ،بل يريد ان يتفرغ للعبادة ،واشار الي أفراد أسرته وطلب من الحاضرين ان يختاروا واحدا منهم ليكون حاكما بدلا منه ،واعلن انه سيوافق علي قرارهم .وكان عبد العزيز يعلم ان كلامه المفاجئ هذا لا يمكن ان يوافقوا عليه لأنهم لا يثق بعضهم ببعض ،ولو وافقوا علي عرضه بالتخلي عن الحكم فستعود بينهم الخلافات القديمة ،ومن هنا رفضوا رفضا قاطعا وبالإجماع تخلي عبد العزيز عن الحكم وصاحوا:لن نرضي بغيرك يحكمنا ،وعندها طلب من الحاضرين ان يتحدثوا بالترتيب ،ودعاهم للحديث بصراحة وحرية ،ووعد ألا يعاقب أحدا مطلقا علي ما سيقوله في هذه المؤتمر .( 15)

8 ـ ويحلل جلال كشك فى كتابه ( السعوديون والحل الاسلامى ) براعة عبد العزيز السياسية ، فيقول إن طرح الاستقالة جعل المجتمعين ينسون مطالب  الأخوان في حمى إعلان الولاء للملك ،وهي خطوة تدل علي البراعة السياسية لأنه لو سمح بمناقشة الاتهامات لسقطت هيبة القيادة ،وسيظل الملك متهما الي ان تثبت إدانته او براءته ،وهذا يعطي فرصة للانتهازيين في المزايدة وتخويف المترددين والقادة والملك، وهذا ما لا يقبله الملك، بل يطرح الثقة به أولا يقود او لا يقود ،فاذا رفضوا قيادته وتقرر خلعه عندها يمكن محاكمته كأي شخص عادي ،اما إذا قرروا استمرار الثقة في قيادته عندها يمكن مناقشة المعارضة ،وليس اتهامات المعارضة . علي ان عبد العزيز طرح الثقة بشخصه وليس بالبيت السعودي ،أي ان الملك في البيت السعودي قضية لا نقاش فيها ،اما الفرد الحاكم من هذا البيت فيمكن ان يخطئ او يحاسب او يعزل، ولذلك اشترط عبد العزيز اختيار بديل من البيت السعودي [16]  ـ  رفض الحاضرون إختيار بديل لعبد العزيز من البيت السعودى فانتقل المؤتمر الي مناقشة المطالب .

9 ـ وفى البداية تكلم ممثلو العلماء ،فأقسموا انهم لم يكتشفوا قط أي فتور في غيرة ابن سعود علي الدين ،وإذا كان قد ارتكب بعض الأخطاء فذلك شئ طبيعي لأن النبي محمدا هو وحده المعصوم من الخطأ ،واخطاء عبد العزيز لا تتيح لشعبه ان يدير له ظهره ،او ان يدير هو ظهره للشعب ،وقالوا انهم لم يتحدثوا خوفا من عبد العزيز ولكن واجبهم كعلماء يحتم عليهم النصح والإرشاد.

10 ـ وتكلم المتحدثون عن الأخوان نواب فيصل الدويش عن قبيلة مطير ،وتكلم عن قبيلة حرب كل من البحيماح والفرم والطويبي وابن بخيت ،وتكلم من قبيلة عتيبة ابن الربيعان ،وعن قبيلة قحطان تكلم ابن عمار وابن خسر .واقر الجميع بفضل ابن سعود واحترام قيادته والجهاد في سبيله ،وان سيوفهم ودماءهم هي التي جلبت له النصر ،وبعد ان قطع بهم هذه المسافة من الطريق فانهم يريدون ان يستوضحوا منه بعض النقاط قبل ان يتبعوه بدون قيد او شرط، وانهم يخشون غضب الله اكثر من غضب ابن سعود ،وسبق الرد علي بعض الأسئلة واقتنع بعضهم بالرد ،ولم يقتنع البعض الاخر ، وهم الان يريدون طرح هذه الأسئلة أمام ابن سعود والعلماء ، واقسموا علي ان يتبعوا ما يقوله العلماء ، وهذه المسائل هي :

1-التلغراف وهي نوع من الشعوذة والسحر، ولما كان الإسلام يحرم السحر فهل يجوز للمسلم الحقيقي ان يستعمل التلغراف دون ان يضر بالدين .

2-حض القرآن على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،هل كان ابن سعود يرسل الدعاة لهداية أولئك الذين يزعمون انهم مسلمون .أم انه كان متساهلا في ذلك.

3-مسألة الحصون التي أنشأها الإنجليز علي التخوم بين نجد والعراق والتي نفذ صبر الاخوان بشأنها ،هل من الإسلام ان يعطيهم ابن سعود الحق في ترسيم الحدود في هذه المناطق التي كانت ملكا لقبائل نجد علي مر الأجيال؟ وبعد ان تعهد ابن سعود علي عمل تلك الحدود مع النصارى كيف له ان يسمح لهم بخرق المعاهدة التي أبرمها معهم وتحكم إنشاء القلاع في مناطق الآبار ؟ان مسألة الحصون لا يمكن السكوت عليها اكثر من ذلك ،وهم علي استعداد لقبول حكمه بشرطين الأول :ان يحصلوا علي حكم شرعي من العلماء يؤكد براءة الأخوان أمام الله اذا سكتوا عن هذا الأمر وكان فيه إضرار بالدين او بالمسلمين، والشرط الثاني :ان يضمن لهم ابن سعود شخصيا ان لن يحدث لهم او لدينهم او لبلدهم أي أذى نتيجة إنشاء تلك القلاع ،وإذا لم يستطع ان يضمن ذلك فانهم يقسمون بالله انهم لن يسمحوا بإنشاء تلك القلاع .

4-وقف الناس عن القيام بالجهاد؟لماذا فعل ذلك واوقف نشر كلمة الله .

11 ـ وبعد ان انتهي المندوبون من إلقاء كلماتهم طلب عبد العزيز المزيد فلم يرد أحد ،فنادي مرتين فلم يرد أحد .واكد الحاضرون انهم قالوا كل ما في قلوبهم ، فأخذ عبد العزيز يرد علي تلك المشكلات:.

طلب فتوى العلماء في موضوع التلغراف والاختراعات الحديثة الأخرى ،فأفتوا بأنه طالما لم يجدوا سابقة لذلك في القرآن او الحديث ولا حتي عند علماء الإسلام المتخصصين فانهم يكونوا قد برءوا أنفسهم من هذه المشكلة أمام الله .ومع ذلك فطالما لا يستطيع المعارض ان يقدم دليلا شرعيا علي حرمة استعمال المخترعات الحديثة فانهم لا يرون حرجا في استعمالها .وفيما يتعلق بالمسلمين المنحرفين أوضح عبد العزيز انه أرسل دعاة الي كل بلد ،وانه أرسل دعاة مؤخرا الي قبيلة بني مالك ،وإذا  كان مشايخ القبائل لا يقومون بواجبهم فانه يجب إبلاغه بذلك وسيتعرف بناء علي التوصيات التي سينقلونها إليه .وعن موضوع الحصون قال أنها أنشئت مؤخرا بسبب غزوات الأخوان ،إذ اتهم الإنجليز فيصل الدويش بقتل رجال الشرطة ( وقال ابن سعود:أنا لم افعل ذلك ،والبريطانيون يقولون انهم أقاموا تلك القلاع خوفا منكم ) ورد الأخوان أننا بريئون فعلا من أفعال فيصل الدويش ،ونحن علي استعداد لمقاتلته بشرطين الأول: ان تقوم أنت بتدمير القلاع التي أنشئت مؤخرا والتي يعد وجودها مسألة حياة او موت بالنسبة لنا ،وان يعد البريطانيون بألا يحولوا بيننا وبين أولئك الذين نريد معاقبتهم مثل يوسف السعدون الزعيم العراقي ،وقال الأخوان ان القلاع يجري تقويتها كل يوم وديننا وحياتنا في خطر ،والبريطانيون هم الذين بدءوا في الشر . وأفتي العلماء برأيهم في مسألة القلاع مؤيدين الأخوان ،فقالوا انها تشكل خطرا علي العرب والمسلمين خصوصا أهل نجد ،ولا بد ان يفعل عبد العزيز كل ما في وسعه لإزالة تلك القلاع ،وهذا لا يدخل فقط في الجهاد ولكن في الدفاع عن الدين ،وابتهج الأخوان برأي العلماء وطلبوا من عبد العزيز ان يقول رأيه في تلك القلاع فقال: أنا أقول ان ما قاله العلماء صحيح ،واقسم بأنني سوف أبت في الموضوع ،وفيما يتعلق بمسألة الجهاد فأنا أريد التحدث عنها في مكان أخر وعلي انفراد .ثم طلب منهم خمسين شخصا يمثلونهم ويكتفون بهم ،وعندئذ سيقول لهم رأيه في موضوع الجهاد وسيتوصلون الي بعض القرارات في البت في الموضوع .وفي ختام المؤتمر قال للحاضرين ( أقول لكم جميعا كبارا وصغارا ان حياتنا لن تكتمل الا بالسلام الذي يضمن لنا حقوقنا كاملة في الدفاع عن حقوقنا وتحقيقها ،فإما الانتصار واما الاحتضار دفاعا عن مقدساتنا وامتنا وانا اقطع عهدا علي نفسي بذلك امام الله )

وانتهي المؤتمر بأن وقف سعود الابن الأكبر لعبد العزيز وقدم له الحاضرين ،ليقوم كلا منهم بتقديم قسم الطاعة والولاء من جديد للملك،وبعد تناول العشاء اجتمع مع الملك عبد العزيز خمسون شخصا من الساعة الثانية حتي الساعة السادسة .ولم تذع محاضر هذا الاجتماع الخاص ،ولا المحاضر الخاصة بالجهاد ،سوي انهم توصلوا مع الملك الي قرارات جماعية عن كيفية تناول موضوع الجهاد .

12 ـ وحصل الملك بهذا المؤتمر علي تأييد العلماء والأخوان في مواجهة فيصل الدويش وابن بجاد ، ومع ذلك فقد خفف ابن سعود من تحديد إقامتهما بشروط قبلها هو شخصيا ، وهي تخليص الحدود من القلاع عن طريق المفاوضات الناجحة او بالقوى العسكرية ،وان يلبي طلب الأخوان للجهاد [17].

ثانيا : التحليل

1 ـ شيوخ الوهابية يفهمون ( الشريعة ) على أنها الجهاد الحربى بقتل المخالف لهم فى المذهب وإكراهه فى الدين وتطبيق الحدود بالمفهوم السّنى خصوصا قتل المرتد ورجم الزانى والزانية وقطع يد السارق . وما عدا ذلك من تعاملات تجارية واقتصادية يرفضون فيها اى قوانين عصرية ، ويعطون لأنفسهم اختكار الحكم فيها ، بحجة اتباع ( الشرع ) ، أى هم ( الشرع ).

2 ـ  أئمة السّنة والفقه والحديث فى العصر العباسى ـ فى عصر الاجتهاد ـ إبتدعوا القياس ، وتحرجوا عن وصف أجتهادهم بأنه ( الشرع الشريف ) أو أن إجتهادهم هو شرع الله جل وعلا . أما شيوخ الوهابية فى عصر عبد العزيز فقد وصفوا جهلهم بأنه الشرع الشريف والشريعة الالهية ( الغرّاء ) ، وفى سبيلها رفضوا القوانين العصرية التى تنظم التعاملات الاقتصادية والتجارية والتى بدأ الحجاز فى تطيبيقها بحكم إنفتاحه على العالم واستقباله الحجاج من كل فجّ عميق .

3 ـ  الذى يهمنا هنا فى موضوع المعارضة الاخوانية لعبد العزيز هو وحدة العقلية المنغلقة بين الاخوان وشيوخ الوهابية ، لا فارق نوعيا بين الشيوخ الكبار الموالين بعبد العزيز والمحيطين به وشيوخ الوهابية المحليين فى المستوطنات الاخوانية الملتصقين بالاخوان والموالين لهم ضد عبد العزيز . هذا ملاحظة كاشفة ننبه عليها مقدما لفهم الأحداث التالية ، ومنها فشل الجمعية العمومية أو المؤتمر العام الذى عقده عبد العزيز كمحاولة أخيرة لراب الصدع بينه وبين الاخوان .

4 ـ بغض النظر عن أحداث هذا المؤتمر وما دار فى تنظيمه وحواراته وحتى مع عقد العشرات من المؤتمرات فإن الفشل هو النتيجة الحتمية لنفس السبب ، وهو عجز فقهاء الوهابية عن التعامل مع مستجدات العصر سياسيا وتكنولوجيا .

5 ـ حتى نفهم أبعاد المشكلة نقول : إن المسلمين انقسموا الى سّنّة وشيعة وصوفية فى الأساس . السنيون هم الأكثر تعصبا والصوفية الأكثر تسامحا ، مع اشتراك الجميع فى الخرافات الدينية والايمان بالأحاديث المزورة . وداخل السّنة المتعصبة أكثر من غيرها توجد المذاهب الأربعة ( أحناف ، مالكية ، شافعية ، وحنبلية ) والأكثر تشددا منها هم الحنابلة . ثم ظهر ابن تيمية ومدرسته فى العصر المملوكى أكثر الحنابلة تشددا . ثم فى العصر الحديث ( عصر الديمقراطية والانفتاح وحقوق الانسان ) ظهرت الوهابية أكثر تزمتا وتطرفا وتعصبا من مدرسة ابن تيمية فى العصور الوسطى ، ولأن مدرسة ابن تيمية زادت فى تطرفها عن التطرف المعتاد وقتها فقد تعرضت للاضطهاد وقاسى ابن تيمية السجن والمحاكمات والتكفير مع علو مكانته فى عصره . وقد ظلت فتاوى ابن تيمية الدموية مجرد سطور فى رسائله لم تحظ بالتطبيق ، فجاء ابن عبد الوهاب والسعوديون  فطبقوها بالحديد والنار فى الدولة السعودية الأولى فى العصر الحديث. ومهما يكن من أمر فإن الدولة السعودية الأولى تختلف ظروفها عن الدولة السعودية الثالثة الراهنة والتى أسسها عبد العزيز بسيوف الاخوان الوهابيين . الدولة  السعودية الراهنة تعين عليها أن تعايش الثقافة العالمية ومستجداتها . ولكن عبد العزيز قام بتربية الاخوان فى المستوطنات على الوهابية المتعصبة ، فحولهم الى وحوش آدمية تفتك بالآخر ، وتعتبر فتكها به جهادا دينيا يدخلون به الجنة . وحين أشرف بهم عبد العزيز على مواجهة العالم بغزو الحجاز قاموا بمذبحة الطائف ، فأدرك حتمية إرجاعهم الى نجد ، وأحالهم الى التقاعد . لم يدرك أنهم لن يرضوا بالتقاعد فقد أدمنوا الفتك ، وعاشوا به وعليه ، وبالتالى فإذا كان عبد العزيز قد منعهم من الفتك بالآخرين فلا بد أن يفتكوا به هو . يعزّز هذا أن شريعة الفتك الوهابية ـ  التى تعلموها على بأوامر من عبد العزيز ــ تؤيدهم فى معارضتهم لعبد العزيز ، وتؤيدهم فى ثورتهم على عبد العزيز . وأن شيوخ الوهابية الموالين لعبد العزيز سياسيا لا يستطيعون إعلان كفرهم بالوهابية من أجل عبد العزيز . وربما أدرك عبد العزيز فيما بعد خطأه فى عدم ( تحديث ) الوهابية و( أقلمتها ) لتتلاءم ـ ولو جزئيا ـ مع إنفتاحه على العصر سياسيا وتكنولوجيا .

6 ـ ترك عبد العزيز هذه الأزمة لخلفائه من أبنائه . قاموا بالتصالح مع التكنولوجيا فلم يعد حراما استعمال اللاسيلكى وما تلاه ، ولم يعد محرما استعمال الموتوسيكل والسيارة والطائرة ، بل أصبح الوهابيون المعاصرون الأكثر استعمالا لها فى نشر وهابيتهم . وقام خلفاء عبد العزيز بتسويغ القوانين الوضعية ليسهل عليهم التعامل مع الغرب والشرق فى تسويق البترول والتعامل مع المستجدات التى جاء بها عصر البترول . ولكن بقى جوهر الوهابية فى جهادها وشريعتها متأصلا  بعد خروج المعارضة الاخوانية من الساحة ودخولها متحف التاريخ . لذا تكررت المعارضة الوهابية للسعودية الوهابية ، وظهر و يظهر معارضون وهابيون للسعودية ، أبرزهم من الاخوان المسلمين ( المصريين ) الذين أسسهم أعوان عبد العزيز  فى مصر . وطالما لم يتم ( تحديث ) الوهابية لتلائم ثقافة العصر الحديث فستظل شوكة  فى حلق أى نظام سياسى يتأسس على الوهابية ، وستظل شوكة فى حلق أى نظام علمانى فى بلاد المسلمين . ليس فقط فى أنها معارضة مسلحة  تؤمن بنفى الآخر وتستبيح قتله ، ولكن الأخطر أنها تحتكر لنفسها الاسلام ، وتزعم أنها  تمثل الاسلام .

7 ـ وقد دفع عبد العزيز الثمن حين أسس عقلية الاخوان على هذه الوهابية المتوحشة المفترسة دون تهذيب ، فثاروا عليه . ودفع ابنه الملك فيصل الثمن حين نشر الوهابية المفترسة فى شتى أرجاء العالم وحتى فى الغرب ، مستعينا بأموال الطفرة البترولية ، وكان يجب أن ينقيها وأن يقوم بتحديثها و إصلاحها قبل أن يقوم بتصديرها . وكانت النتيجة أن لقى فيصل حتفه على يد ابن أخيه الوهابى المتعصب ، ووصل الارهاب الوهابى الى شتى بقاع العالم ، والمؤسف أن يتم نسبة هذا الارهاب ليس للوهابية وليس للسنة ، ولكن للاسلام . أصبح بهم الاسلام متهما بالارهاب ، ونسى الجميع أن الله جل وعلا قد أرسل رسوله رحمة للعالمين وليس لارهاب العالمين وقتل العالمين .

الطريف أن الاخوان فى مناقشتهم لعبد العزيز يجعلون أنفسهم مسئولين أمام الله إن هم فرطوا فى الجهاد . جهادهم الوهابى هو إقامة مذابح للمسالمين المسلمين . وهم يخشون من أن يسائلهم الله جل وعلا لماذا قصّروا فى قتل العالمين . أى إن دينهم ليس هو الاسلام  الذى هو رحمة للعالمين ، بل الوهابية التى تتخصص فى قتل وارهاب العالمين . وهذا أساس البلاء الذى لا يزال مستمرا .

الهوامش

15-وهبة :المرجع السابق ،294.

      المختار :المرجع السابق ،2/439.

     محمد أسد،المرجع السابق 263

أم القري :العدد 198. السنة الرابعة   10/10/1928.

                العدد 224.السنة الخامسة    12/4/1929.

               العدد 208.السنه الخامسة    18/12/1928.

               العدد 212 السنة الخامسة    18/10/1929.

  الزركلي :المرجع السابق   ،  485.

16-كشك :السعوديون والحل الاسلامي  649.

17- وهبة :المرجع السابق ،294.

       المختار :المرجع السابق ،2/242:240.

       محمد أسد: المرجع السابق ، 263.

       أم القري :العدد 208  السنة الخامسة 18/12/1928.

      كشك :المرجع السابق .   650 .

      جون حبيب: المرجع السابق .   222:213.

اجمالي القراءات 8714