ق1 ب 2 : أول مؤتمر للمعارضة الوهابية لعبد العزيز آل سعود

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٢ - مايو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الأول : القسم الأول : المعارضة في عهد عبد العزيز آل سعود : الإخوان وعبد العزيز

الفصل الثاني : معارضة الأخوان الوهابيين لعبد العزيز في تقرير تاريخي

 أول مؤتمر للمعارضة الوهابية لعبد العزيز آل سعود  ( مؤتمر الارطاوية :في ديسمبر 1926   )

أولا : قبيل مؤتمر الارطاوية

1 ـ حافظ وهبة كان من تلامذة الامام محمد عبده ، ثم تنكب طريقه ، وعمل مستشارا لعبد العزيز آل سعود ، وكان أقرب مستشاريه اليه ، وهو مع رشيد رضا فى مصر أهم ركيزتين فى نشر الوهابية فى مصر تحت مسمى السُّنة والسلف  ، وقد تجنبا اسم الوهابية لأنه كان إسما ممقوتا فى مصر فى ذلك الوقت ، حين كان التصوف السًنّى هو المسيطر على مصر . وأرّخ حافظ وهبة كتابين عن الدولة السعودية ( الثالثة ) وعبد العزيز ، وكان يؤرّخ فيهما من واقع المعايشة والمشاركة فى صناعة القرار مع عبد العزيز آل سعود .

2 ـ وبسبب قربه من عبد العزيز آل سعود فقد انتهز فيصل الدويش ( زعيم الاخوان والذى قاد المعارضة السعودة ضد عبد العزيز ) حضور حافظ وهبة مناسبة فى بيت الشريف خالد بن لؤى ، فخطب خطبة تهديد لعبد العزيز ، موقنا بأن حافظ وهبة سيحملها لعبد العزيز . ذكر حافظ وهبة انه في أول عيد الفطر في مكة 1343(25/4/1925) زار  الشريف خالد بن لؤي فوجد عنده فيصل الدويش وجماعة من الأخوان ،فقام الدويش وخطب وقال : "نحمد الله يا خالد ويا الأخوان علي نعمته ،فقد دخلنا البلد الحرام وطردنا الشريف من هذا البيت ،إننا جند الله وخدم دينه لا نريد إلا ان تكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر ،ولا نريد إلا رفع المظالم وإزالة البدع والمنكرات .وان هذا السيف سيعمل هذا العمل في كل من يسير في طريق الشريف ويعمل عمله ".  ( يقصد عبد العزيز ) . ويروى حافظ وهبة ك ( وقد أيد الأخوان كلامه ). ورأي حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز ان ذلك أول إنذار منهم الي عبد العزيز [11].

3 ـ ويبدو ان فيصل الدويش اعد للأمر عدته ، إذ عقد فى مستوطنة الارطاوية أول مؤتمر لمعارضة عبد العزيز فى غياب عبد العزيز ، ودون إذن من عبد العزيز ، وللهجوم الوهابىّ على عبد العزيز . هو مؤتمر الارطاوية .

ثانيا : مؤتمر الارطاوية :في ديسمبر 1926:

حضرة مشايخ مطير وعتيبة والعجمان ،ووجهوا لعبد العزيز الانتقادات الآتية :

1-إرسال ولده سعود الي مصر و ولده فيصل الي لندن وهما من بلاد الشرك .

2-دخول المحمل المصري الي مكة مسلحا .

3- استخدام التليفون والسيارات والتلغرافات وهي من أعمال السحر .

4-طلب تفسير لمنع التجارة مع الكويت .فان كانوا مسلمين تعاملنا معهم وان كانوا مشركين حاربناهم .      

5-المكوس والضرائب في نجد والتشريعات الوضعية .

6-لماذا السكوت عن شيعة الاحساء والقطيف والتغاضي عن إدخالهم في دين الجماعة .

7- لماذا السماح لبادية العراق وشرق الأردن بالرعي في مراعي المسلمين .

8-هدم القبور.( 12 )

ثالثا : تحليل الانتقادات الوهابية الاخوانية :

1 ـ وضوح النبرة الفقهية فى صياغة المطالب بما يشير الى أن واضعيها هم من شيوخ الوهابية المتعاونين مع الآخوان ، والناقمين على عبد العزيز. فيصل الدويش ومشايخ القبائل المشاركين فى المؤتمر هم ممثلون للقوة العسكرية ، ولكن الصياغة الفقهية ليست من إختصاصهم ، و هذا دليل على وقوف الفقهاء الوهابيين فى المستوطنات خلف المعارضة .

2 ـ عقيدة الاستبعاد الوهابية ( نفى الآخر غير الوهابى وقتله ومحاربته الى ان يدخل الوهابية ) تغلف هذه المطالب . فلا مجال هنا للتوسط ، والمناطق الرمادية ، والحلول الوسط ، وهى لُبُّ السياسة . بل هنا أمور عقيدية تفرض نفسها على السياسة ، وهذا هو الملمح الأصيل للدولة الدينية المتطرفة المُغالية التى تحتكر لنفسها الحقيقة المطلقة ،وتريد تطبيقها فى الواقع السياسى فى تعاملها مع الداخل ومع الخارج ومع المخالف لها فى مذهبها الدينى . فهى لا ترى سوى نفسها . هى  سياسة المعادلة الصفرية ، وحتمية الاختيار بين واحد من إثنين ( إما وإما ) . وهذا هو جوهر الوهابية الذى يتمسك به أتباعها  المخلصون حتى الآن ، والذين يرون أنفسهم أنهم وحدهم المسلمون ، وغيرهم كفار مشركون . يتضح هذا من نقمتهم على عبد العزيز إرسال ولده سعود الى مصر وولده فيصل الى انجلترة ، ( وهما من بلاد الشرك ) ، وقولهم عن أهل الكويت (فان كانوا مسلمين تعاملنا معهم وان كانوا مشركين حاربناهم ) يعنى لا سبيل إلا أن يكونوا وهابيين مثلنا وإلا نحاربهم ، وإجبار شيعة الاحساء والقطيف على دخول ( دين الجماعة )، وعدم السماح لبدو العراق والأردن بالرعى فى ( مراعى المسلمين ) أى الوهابيين.

فالمسلمون فى العقيدة الوهابية هم الوهابيون فقط ، وفى كل الحوارات الوهابية كان التعبير بالمسلمين مقصودا به الوهابيون فقط ، تأكيدا على نفى الآخر سواء كان سنيا عاديا أوصوفيا أو شيعيا ، أو عاميا أو علمانيا أو بدون إنتماء مذهبى . وهذا الغير وهابى لا بد من قتله أو قتاله إن لم يدخل الوهابية .

وهذا يفسر نقدهم لعبد العزيز أنه ترك المحمل المصرى يدخل مكة مسلحا . هم يتناسون أن العادة السائدة من العصر العباسى أن يصحب القوافل فى الحج حراسة مسلحة للدفاع ضد غارات البدو ، وأن هذه الغارات كانت أحيانا تقتحم الحرم المكى ، وأكثر من هذا فقد كان يحدث أن يقوم أهل مكة بالهجوم على القوافل وأن يشارك فى الهجوم أو يقوده شريف مكة . وهذا متواتر تاريخيا . لذا جرت العادة بالتسليح الدفاعى لقوافل الحج ، وخصوصا المحمل وما ( يحمله ) من عطايا نقدية وعينية للفقراء والموظفين المصريين فى الحجاز . رأى الإخوان فى هذا التسليح خطرا ، لأنه يمنعهم من سلب القافلة المصرية وقتل أهلها . الأساس هنا أن غير الوهابيين يجب قتلهم وقتالهم لأنهم غير مسلمين ، حتى لو أتوا لأداء فريضة الحج ويحملون معهم الصدقات . ويجب منعهم من حمل السلاح ليصبحوا غنيمة سهلة ( للمسلمين الوهابيين )

واستمر حتى الآن هذا الاعتقاد الوهابى باحتكار الاسلام لهم ، وباعتبار الوهابية ( دين الجماعة ) . وعندما أسّس أعوان عبد العزيز له فى مصر تنظيما سياسيا كان إسمه ( الاخوان المسلمون ) لتأكيد هذه العقيدة الوهابية فى إحتكار الاسلام لأنفسهم ونفيه عن غيرهم ، فهم وحدهم المسلمون وبهذا يكونون إخوة ، وما عداهم ليسوا بمسلمين مستحقين للقتل وفق شريعة الجهاد الوهابية .

3 ـ تمتد عقيدة الاستبعاد لتشمل القوانين الوضعية حتى لو إتفقت مع العدل وهو أساس التشريع الاسلامى ، لأن التشريع عند الوهابية يتوقف عند ما قرره أئمة السلف ، وآخرهم ابن تيمية ومدرسته فى العصر المملوكى . ويلاحظ أن ابن عبد الوهاب نقل عقيدة الوهابية من رسائل ابن تيمية ، وسمى مؤلفاته ( رسائل ) على نسق رسائل ابن تيمية . وكانت لابن تيمية رسائل كثيرة فقهية ، وكانت لابن القيم مؤلفات فقهية أيضا ، ولكن ابن عبد الوهاب لم ينقل عنهما الفقه مكتفيا بالعقائد . وبالتالى توقف الاجتهاد الوهابى  الفقهى عند النقل عما قاله السابقون حتى العصر المملوكى . وما لم يرد من آراء للسلف فى أى موضوع فهو مرفوض مقدما . وكل المستجدات التى تستلزم الاجتهاد بشأنها هى مرفوضة مقدما لأنها لم تكن معروفة فى عصر السلف . يشمل ذلك ما جاء فى البند الخاص بالمكوس والضرائب والتشريعات الوضعية فى نجد . وبالتالى كان الحظر والتحريم أسهل طريق فى الفقه السلفى الوهابى ، ولهذا أعلوا من القاعدة الفقهية التى سادت فى عصور التقليد ، وهى ( سد الذرائع ) والتى تعنى بالعامية المصرية ( الباب اللى ييجى لك منه الريح ..سِدُّه ..واستريح )

4 ـ يمتد هذا الاستبعاد الى المخترعات الحديثة ن فهى حرام ويؤاخذ عبد العزيز على استعمالها ، وطبقا للذهنية الوهابية فإن لذلك سببين : أنها من منتجات الغرب الكافر ، وأنها لم تكن معروفة لدى السلف ، وكان تفسيرهم للسيارات واللاسلكى والتليفون تفسيرا من القرون الوسطى ؛ أنها من أعمال السحر . وحتى الآن تعاقب القوانين السعودية السّحرة بالقتل ، ومن السهل تفسير أى عمل ترفضه الدولة السعودية بالسحر ، بنفس عقلية الاخوان الوهابيين الذين إعتبروا السيارة والتليفون واللاسلكى من أعمال السحر .

5 ـ مفهوم ان يمتد الاستبعاد الوهابى للتعامل مع القبور بهدمها ، سواء كانت قبورا عادية أم مقدسة . وهذا تطرف وهابى ، يتناقض مع شريعة الرحمن ، فالله جل وعلا أمر بإجتناب الأوثان والأنصاب ، والاجتناب يعنى تركها دون هدمها ، أى يعنى أنها مجرد مواد بناء فى حد ذاتها ليس العيب فيها ولكن العيب فى تقديسها ، ليس العلاج بهدمها ولكن بهدم الاعتقاد القلبى فى تقديسها ، أى بالتوعية العقلية التى تجعل الانسان يراها مجرد احجار ، لا يصح عبادتها ، لأن عبادتها تنافى ليس فقط الاسلام ولكن تنافى العقل السليم . وكم من معابد وتماثيل كانت مقدسة معبودة ثم انحسرت عبادتها وأصبحت مجرد آثار يسير عليه السياح وغيرهم بأقدامهم . العبرة ليست فى القبر أو التمثال ، بل فى العقلية ذاتها والتى يجب توعيتها ، والتوعية جاءت فى الدعوة القرآنية العقلية والتى أقنعت العرب فى عصر الرسالة بحُمق عبادة الأحجار . الوهابية فى تطرفها طالبت بهدم جميع القبور . وهو ما لم يقله ابن تيمية نفسه .

أخيرا

النتيجة الحتمية لهذه العقيدة تتمثل فى الحقيقة التاريخية الآتية : أن الأغلبية الساحقة من ضحايا الوهابيين هم من المسلمين ( غير الوهابيين ) سواء بالقتل فى الحروب أو القتل العشوائى للمدنيين ، وفى الحالتين يشمل الضحايا النساء والأطفال والعجائز . وباستمرار العقيدة الوهابية فى انتشارها ينتشر ضحاياها بين المسلمين . ويتحمل المسئولية عبد العزيز آل سعود .

فماذا فعل عبد العزيز للرد على مؤتمر الارطاوية ؟

الهوامش

11-وهبة   :الجزيرة العربية في القرن العشرين   ،291:290.

12-وهبة :المرجع السابق ،291،

  ناصر السعيد :تاريخ آل سعود، 307:306، منشورات شعب الجزيرة .

ARMSTRONG   .  OP. CIT  .,   P. 205 

اجمالي القراءات 10712