هل يغفر الله جل وعلا لمن يشرك أو يكفر..؟؟
مقدمة:
أولاً: وقبل الإجابة على هذا التساؤل يجب أن نوضح بالآيات القرآنية من هو المشرك ومن هو الكافر ، كما يجب أن نوضح أن هذه التسمية ، وهذا التصنيف (مشرك وكافر) بالطبع ليست متاحة لنا نحن البشر ، بمعنى لا يجوز لأي إنسان أن يتهم إنسان ( إنساناً) بالكفر أو الشرك بالله ، وليس من حق أي بشر أن ينادي إنسان ( إنساناً) بقوله (يا كافر ، ويا مشرك) وإلا يكون قد وضع نفسه مكان الله جل وعلا ، ولكن هذا هو كلام الله وحكم الله على فئة بعينها من الناس نتيجة شركهم بالله آلهة أخرى ، أو كفرهم بالله وتكذيبهم لآياته ورسله ، لأنه جل وعلا يعلم السر وأخفى.
ونأت لتوضيح معنى المشرك والكافر من خلال آيات القرآن الكريم.
1ـ المشرك حسب السياق القرآني:
هو من لا يكتفي بالله جل وعلا ربا ( رباً) ، ويشرك معه آلهة أخرى ظنا ( ظناً) منه أنهم سيقربونه إلى الله زلفى مثل قول الله جل وعلا (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)الزمر: 3 ، ويحدد المولى جل وعلا ويبين أن التقرب إليه لا يكون إلا بالإيمان والعمل الصالح يقول تعالى(وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ )سبأ:37.
وعلى الرغم أن العزة لله جميعا ( جميعاً) في قوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ) فاطر:10 ، ويقول تعالى (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ )الصافات:180 ، ولكن المشركين يتخذون من دون الله آلهةً ليكونوا لهم عزاً يقول تعالى(وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا)مريم:81 ، ويتخذ المشركون شركاء مع الله ليشفعوا لهم يوم الحساب يقول تعالى(وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ)القصص:64 ، الشركاء يوم الحساب لن يشفعوا لمن أشركوا فحسب ، ولكنهم لن يستجيبوا لهم عندما يروا العذاب ، يقول تعالى(وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا) الكهف:52 ، وهذه الآية تبين أن هؤلاء الشركاء لن يستجيبوا لمن أشركوا بهم في الدنيا فحسب ، ولكن سيجعل الله بينهم حاجزاً من العذاب يهلكهم جميعاً.
المشرك يدعو مع الله إلهاً آخر طلباً للنفع ، وهو لا ينفع ولا يضر يقول تعالى (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ)يونس:106.
معظم المشركين يظنون أنهم على الحق وأنهم من المؤمنين ، ولا يعترفون بشركهم إطلاقا ( إطلاقاً) ، ظنناً (ظناً) منهم أنهم على صواب كما في قصة يوسف حيث بـيـَّـن ذلك رب العزة جل وعلا في قوله تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ{103} ثم يقول جل شأنه (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)يوسف:106.
المشرك يؤمن بوجود الله ، لكنه يشرك مع الله آلهة أخرى أو يدعو مع الله إلهاً آخر ، مثل التقرب إلى الله عن طريق الأضرحة والأولياء ، أو البشر و الحجر والشجر والبقر ، المشرك يسلك طريقا ( طريقاً) في العبادة مستخدما بينه وبين الخالق جل وعلا واسطة ، وهذا ما يجعله يظلم ويخسر ، يظلم نفسه ، ويخسر في الآخرة ، ويتحول من مؤمن موحد بالله إلى مشرك ظالم خاسر ، لأن الإيمان الحقيقي يعتمد في الأساس على التوحيد الخالص لله وحده بلا شريك أو وسيط بين العبد وربه ، يقول تعالى(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)غارف:60، وقال تعالى(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)البقرة:186، ومن هذه الآيات يتضح عدم وجود أيّة ( آية ) واسطة بين الإنسان وربه فيما يخص العبادة أو الدعاء أو علاقة الإنسان بربه عموماً.
إذن قضية الشرك هي أن يجعل الإنسان مع الله إلهاً آخر يقول تعالى(الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)الحجر:96، ويقول تعالى( لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولا )الإسراء:22، ويقول تعالى(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ )المؤمنون:117.
من أهم صفات المشركين حب الدنيا وحرصهم على البقاء فيها يقول تعالى(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ(البقرة:96.
وهناك من الأفعال إذا وقع فيها الإنسان سيكون مشركاً بالله يقول تعالى(وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)الأنعام:121.
وفي هذه الآيات يوضح جل وعلا وحدانيته وقدرته سبحانه وتعالى في ( على ) خلق وتدبير كل شيء ، وهو وحده لا شريك له يبدأ الخلق ثم يعيده ، وجاءت هذه الآيات بعد إهلاك قوم لوط يقول تعالى(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (64)النمل، ورغم قدرة الله جل وعلا التي وسعت كل شيء ، ولكنهم يشركون.
يقول تعالى يبين إحدى صفات المشركين والكافرين باليوم الآخر ، الذين يولون الأدبار عندما يذكر الله وحده ، يقول تعالى( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46))الإسراء ، هنا يشترك الكافر والمشرك في أن الله يجعل على قلوبهم أكنة ، وأنهم لا يفقهون القرآن ، وهذه الآية تنطبق على بعض المسلمين عندما يسمعون اسم الله جل وعلا في القرآن أو في أي خطاب لا يحرك فيهم ساكناً ، وعلى العكس تماماً إذا ذكر اسم النبي عليه السلام فيسارعون بالقول عليه الصلاة والسلام.
وفيما يخص الصلاة كفرض أمرنا المولى عز وجل أن نقيم الصلاة لذكر الله وحده، كما أوحى لنبيه موسى يقول تعالى(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)طــه ، والآيات فيها تأكيد واضح على وحدانية الله وعبادته وإقامة الصلاة لذكر الله ، وهذا ما لا يفعله معظم المسلمين، وهناك آية واضحة تخص الصلاة أيضاً وتؤكد على وحدانية الله جل وعلا يقول تعالى(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20)الجــن ، وهنا توضيح لما كان يفعله خاتم النبيين عندما يدعو الله كان لا يشرك به أحداً ، وهو قدوتنا ومعلمنا الأول فهل نقتد ( نقتدى) به.؟.
المشركون لا يؤمنون بالآخرة ، وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم ، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون يقول تعالى(وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)الزمر:45.
2ـ الكافر من خلال السياق القرآني:
الكافر هو من يكفر بالله جل وعلا أصلا ( أصلاً) ويكذب آياته ، ويقتل الرسل والنبيين بغير الحق ويحاربهم في نشر دعوتهم ، ويفعل هذا علنا ، مع الاستهزاء بما جاء به أي رسول من الرسل ويحارب ويقتل من يأمرون بالحق والقسط من الناس ، مع محاولة إرهابهم وترويعهم وتهديدهم وقض مضاجعهم ، الكافر يود لو يكفر المؤمن مع الإساءة إليه بالقول ، الكافر يتهم الرسل بالسحر والكذب يقول تعالى (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ )ص:4 ، ويقول تعالى )أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ )يونس:2 ، الكافر إذا سمع آيات الله لا يفهما ( يفهمها ) لأن على قلبه حجاب ( حجاباً) ، يقول على آيات الله أساطير الأولين يقول تعالى(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ )الأنعام:25 ، ويقول تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْـزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ )النحل:24 ، الكافر يسخر ويستهزئ برسل الله ويكفر بالقرآن أو ذكر الرحمن يقول تعالى (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ)الأنبياء:36، الكافر يكفر برسل الله البشر ، ويريد أن يـُنـَزل الله رسلاً ملائكة من السماء يقول تعالى(إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْـزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)فصلت:14، الكافر يستكبر و يكذب آيات الله )بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ)الزمر:59 ، كما وصفوا القرآن بأنه أضغاث أحلام ، وأن الرسول افتراه من عنده ، وطلبوا منه معجزة ووصفوا الرسول بأنه شاعر يقول تعالى (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ)الأنبياء:5 ، وهنا شيء هام يجب توضيحه إذا كان الكفار يكذبون القرآن الكتاب المعجز في القول واللفظ والمعنى و الوضوح مع البيان والمكفول بحفظ الله إلى يوم يبعثون ، وعندما سمعوا الرسول يقرأه قالوا عليه ساحر ومجنون وكذاب وشاعر ، كما وصفوا القرآن بأنه أساطير الأولين ، فماذا هم قائلون (أي الكفار في عصر الرسول) لو حدثهم الرسول ببعض ما نسب إليه كذباً في كتب الحديث.؟ لقد اتهموه بالساحر والمجنون ، وهو يتلو عليهم آيات الله البيـِّـنات المعجزات ، فماذا هم فاعلون لو حدثهم بأحاديث البخاري ومسلم كما يدعي البعض أنها أحاديث رسول الله.
وفي أول آيات سورة محمد توضيح لمعنى الكفر مع مقارنة واضحة بين الذين أمنوا ( آمنوا) والذين كفروا ، والفرق بينهما أن الذين كفروا اتبعوا الباطل والذين أمنوا اتبعوا الحق الذي نـُـزَّلَ على محمد ، لأنه الحق من ربهم يقول تعالى(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)محمد ، إذن ( إذاً) الذين أمنوا ( آمنوا) اتبعوا الحق أو ما نـُـزِّلَ على محمد وهو القرآن الكريم ، الذين كفروا اتبعوا الباطل وهو أي شيء غير الحق الذي نـُـزِّلَ على محمد عليه السلام.
الكافرون يريدون دينا يتماشى مع أهواءهم ( أهوائهم) وأمزجتهم ، ويريدون أن يؤمنوا ببعض آيات الله ويكفرون ببعضها يقول تعالى(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا (150) أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً(151)النساء.
والآيات كثيرة توضح صفات وأفعال متعددة للكفار نذكر منها على سبيل المثال: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ(غافر:28.
)إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)الممتحنة:2.
ــ وهنا نوضح أمراً هاماً أن من كفر بعد إيمانه دون أن يكره على الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم )مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )النحل:106.
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا )النساء:155.
الكافر لا يطيع أمراً من أوامر الله جل وعلا مثلما فعل إبليس ولم يسجد لآدم عليه السلام يقول تعالى(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)البقرة:34 ، ويوضح جل وعلا نفس الأمر بالنسبة لرفض الطاعة من البشر قوله تعالى (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)آل عمران:32.
ــ هناك بعض المرادفات لمعنى المشركين والكافرين ، وهذه المرادفات ذكرت في العديد من الآيات في السياق القرآني ، ومن هذه المرادفات ( الظالمين ، الفاسقين ، الخاسرين ، المعذبين ....إلخ) وكل من وصفهم الله جل وعلا بهذه الصفات قد فعلوا نفس أفعال المشركين والكافرين ، لهم نفس العقاب من الله جل وعلا ، وهو دخولهم جميعاً النار في الآخرة ، يقول تعالى يوضح أن الكافرين والمشركين هم (الفاسقين) ( الفاسقون) أيضاً (وَلَقَدْ أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ (البقرة:99 ، ويوضح رب العزة أن هؤلاء لن يغفر الله لهم حتى لو استغفر لهم خاتم النبيين يقول تعالى(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)المنافقون:6 ، ويتكرر نفس المعنى في آية أكثر وضوحا تبين أن الرسول حتى لو استغفر لهؤلاء الكافرين الفاسقين سبعين مرة فلن يغفر الله لهم يقول تعالى(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)التوبة:80.
ــ (الظالمين) ( الظالمون) أيضا جاءت في السياق القرآني تشير إلى القوم الكافرين يقول تعالى )كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)آل عمران:86 ، ومرة أخرى جاءت تشير إلى المشركين يقول تعالى()سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)آل عمران:151، ويقول جل شأنه(وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ)يونس:106 ، وهذه آية توضح أن الكافرون ( الكافرين) يوم القيامة هم الظالمون(يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ)البقرة:254 ، ومن الآيات التي تثبت وتوضح أن مصير الظالمين يوم الحساب سيكون البقاء في النار قول الله جل وعلا)ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا )مريم :72.
ــ (الخاسرين) ( الخاسرون) جاءت أيضاً تشير إلى الكافرين الذين يكفرون بدين الإسلام يقول تعالى )وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)آل عمران:85 ، وكذلك الذين يكذبون بآيات الله )وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)يونس:95 ، و يبين رب العزة جل وعلا أن تلاوة القرآن حق تلاوته قد تفرق بين الإيمان والكفر أو الفوز والخسران في الآخرة ، يقول سبحانه وتعالى (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(البقرة:121، ويقول تعالى ) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلا خَسَارًا )فاطر:39.
ــ (الخاسرين) ( الخاسرون) جاءت تفيد أيضاً معنى المشركين يقول تعالى )وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)الزمر:85.
ــ (المعذبين) ( المعذبون) من المرادفات التي جاءت تشير إلى معنى الكفر والشرك في القرآن ، يقول جل وعلا)فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)الشعراء:213.
ــ (أعداء الله) يخسرون يوم الحساب يقول تعالى (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(19) فصلت ، وتوضح وتبين الآيات التالية من نفس السورة ماذا فعل أعداء الله ليكون جزاءهم ( جزاؤهم ) الخلود في النار يقول تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27( (ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ )فصلت:28.
ــ (أصحاب الجحيم) وصف القرآن الكريم من يكفر بآيات الله ويكذب بها بأنهم أصحاب الجحيم يقول تعالى(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )المائدة:10 ، و(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ(المائدة:86 ، يقول تعالى (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)الحج:51.
ــ (أصحاب النار) يقول تعالى عن اللذين كفروا(وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) غافر:6 ، يقول تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )التغابن:10.
ــ (أصحاب الشمال) يقول تعالى(وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ )الواقعة:41.
ــ ( أصحاب المشأمة ) يقول تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ )البلد:19، يقول تعالى (وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ )الواقعة:9.
ــ وبعد هذا العرض يجب أن نوضح أوامر الله جل وعلا لخاتم النبيين عليهم جميعا السلام يحذره من الوقوع في الشرك بالله أوالكفر به ، ويبين له عدم مسئوليته عن هؤلاء الكفار والمشركين.
جاءت أوامر الله جل وعلا للأنبياء والمرسلين فيما يخص العبادات وتؤكد على وجوب قيامهم على شرع الله ، أن يعبدوا الله بلا شريك ويتبعوا وحي الله المـُنـَزل إليهم وينذروا قومهم به ، يقول تعالى (وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ)الذاريات:51 ، يؤكد المولى تبارك وتعالى أنه ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته وحده بلا شريك ، والآية التالية تحذر خاتم النبيين من الشرك بالله يقول تعالى (َوَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا)الإسراء:39 ، هذه الآية فيها تحذير واضح لخاتم النبيين ألّا يجعل مع الله إلهاً آخر ، وإلّا سَـيـُـلقى في جهنم ، وهذا كلام الله وقول الله حق وما هو بالهزل ، فإذا كان هذا هو حال خاتم النبيين عليهم جميعا السلام لو فكر أن يشرك بالله إلهاً آخر فكيف بنا نحن.؟ ، وتأكيد على معنى آية سورة الجن يقول تعالى (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)الشعراء:213 ،( وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)القصص:88 ، ويقول جل وعلا يخاطب خاتم النبيين(وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ)الزخرف:45.
ــ أمر آخر موجه للرسول أن يجعل الله شهيدا ( شهيداً) بينه وبين قومه متبعاً وحي الله القرآن لينذرهم به ، وأنه ليس مسئولاً عن شركهم بالله يقول تعالى(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ)الأنعام:19، وهنا توضيح هام لحرية العقيدة ، وأن الرسول نفسه كان يتبرأ من المشركين ولا يحاسبهم ، وإنما يـُشـْهد الله على أفعالهم وشركهم ثم يتبرأ مما يشركون ، يقول تعالى يبين عدم مسئولية خاتم النبيين عن أصحاب الجحيم يقول تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ )البقرة:119 ، ويؤكد المولى عز وجل للرسول أن الله قادر بمشيئته ألا يكون هؤلاء مشركون ، وأن الله جل وعلا لم يجعله عليهم حفيظا ( حفيظاً) أو وكيلاً يقول تعالى(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ( الأنعام:107 ، ويبين له المولى عز وجل قائلا (إِنَّا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)الزمر:41، فيقول عليه السلام للناس ما أمره به رب العزة في قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)يونس:108، ويقول جل وعلا يبين موقف الرسول عليه السلام ممن كذبوا بالقرآن الكريم (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)الأنعام:66.
والأكثر من هذا أنه ليس من حق النبي والذين أمنوا ( آمنوا) أن يستغفروا للمشركين حتى لو كانوا أقاربهم يقول تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ )التوبة:113، واعتقد ( أعتقد) أن قول الله جل وعلا في آخر الآية (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) أي من بعد ما تبين لهم أنهم مشركين ( مشركون) من خلال أفعالهم وإعلانهم الشرك بالله وعبادة الأصنام ، ثم يبين المولى عز وجل للرسول بطريقة أكثر وضوحاً أنه لن ينقذ من حقت عليه كلمة العذاب يقول تعالى(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ)الزمر:19.
ويوضح جل وعلا للرسول عليه السلام كيف يتعامل مع المشركين حيث أنهم كانوا يعيشون معه في نفس الدولة يقول تعالى (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(التوبة: (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ(6) التوبة.
وأخيراً الأمر بطاعة الوالدين إلا في الشرك بالله جل وعلا:
وفي هذه الآية الكريمة يأمرنا المولى عز وجل بطاعة الوالدين في جميع الأمور ماعدا الشرك بالله ، مع الحفاظ على معاملة الوالدين معاملة حسنة في الدنيا يقول تعالى(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{15}لقمان ، فبالرغم من خطورة ما طلبه الوالدين ( الوالدان) من أبنائهم وهو الشرك بالله ، لكن رغم ذلك يجب على الأبناء معاملتهم معاملة حسنة بالمعروف والله جل وعلا يحكم بينهم يوم القيامة ، وسينبئهم ( سينبؤهم) جميعاً بما كانوا يعملون.
وكما أن الرسل و بعض البشر يأمرون بطاعة الله وتنفيذ أوامر الله والإيمان بالله وحده لا شريك له والإيمان برسله ورسالاته ، فعلى النقيض يوجد من البشر من يدعو الناس للشرك والكفر والضلال والعصيان ، ويصف القرآن الصنف الثاني بالتابع والمتبوع ، ويوم الحساب سيكون هناك حوار بين الطرفين بعد أن رأوا العذاب ، يحمل كل منهما الآخر تبعة كفره وضلاله ودخوله النار ، ولكن المولى عز وجل قد حسم الأمر يقول تعالى(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ )إبراهيم :21.
يقول تعالى(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) سبأ:31،32،33 ، حتى بعد دخولهما النار هناك حوار يقول تعالى(وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (غافر:47.
ــ ونأت لأمر هام يخص قبول التوبة من عدمه:
وللتوبة درجات
1ـ كل إنسان يمكن أن يخطئ ويقع في الذنوب ، لكن الإنسان المؤمن الذي سينجو من عذاب النار هو الذي يبادر بالتوبة الخالصة لله جل وعلا مع العمل الصالح يقول تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا " ( الفرفان : 68 ، 71 ).
2ـ وهناك أمر لا يقل أهمية عن صدق التوبة (هو توقيت التوبة) ، فأحسن التائبين هو من يبادر بالتوبة إلى الله والاعتراف بذنوبه في سن الشباب أو النضوج العقلي الكامل يقول تعالى(إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً " ( النساء : 17.
3ـ ويوضح رب العزة جل وعلا مثالاً حياً يشير إلى سنٍ معينٍ تقبل فيه التوبة إلى الله ويتجاوز الله عن سيئاتهم ويتقبل الله أحسن ما عملوا من أعمال ، يقول تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ." (الأحقاف : 15 ـ 16
4ـ وقد تتأخر التوبة عند البعض بعد هذا السن (سن الأربعين) فيتوب بعد المشيب بعد أن وجد العمر قد مضى ، وقد خلط عملاً صالحاً بأخر طيباً ، ولكنه اعترف بذنبه لدرجة البكاء على حاله مع توبة صادقة ، والتكفير عن ذنوبه بالصدقة ، وأولئك يتوب الله عليهم يقول تعالى(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا "( التوبة : 102 ـ 103 .
5ـ وهناك من يضطر للتوبة في سن الشيخوخة بعد أن مرض وضعف جسده وهلكت صحته فأمره إلى الله جل وعلا إما أن يتوب عليه ويدخله الجنة ، وإما أن يعذبه فيدخله النار يقول تعالى(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة : 106 .
6ــ ونصل للصنف الأخير وهو من أدمن المعاصي حتى وصلت لحظة الاحتضار فلا تقبل التوبة هنا شأنه شأن من مات كافراً بلا توبة صادقة في الدنيا ، كما قال رب العزة جل وعلا يقول تعالى()وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )النساء:18، هذا فيما يخص تشريعات التوبة في حياة الإنسان.
ــ أما من مات وهو كافر مصراً على الكفر أي بلا توبة حقيقية في حياته وهو في كامل صحته وكامل قواه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين كما قال رب العزة جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) البقرة:161، وهؤلاء الكفار الذين ماتوا على الكفر لن يـُقبل ( تقبل) منهم أية ( أى ) فدية يفتدوا بها من عذاب الآخرة مهما كانت ولن ينصرهم أحد يقول تعالى) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ )آل عمران:91.
ولذلك يكون مصير هذا الصنف الأخير الذي أدمن المعاصي والكفر والشرك بالله جلا وعلا كالآتي:
أولا : سيكون يوم الحساب عسيراً على الكافرين يقول تعالى )الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا)الفرقان:23 ، ويقول تعالى (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ )المدثر:1.
ثانياً: يوضح القرآن أن النار أو السعير في الأساس أعدت للكافرين يقول تعالى (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ )آل عمران:131، ويقول تعالى) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا )الأحزاب:64.
ثالثاُ : هناك وصف للكافرين والمشركين أو الخاسرين يوم الحساب يختلف تماماً عن وصف الفائزين المؤمنين الموحدين بالله يقول تعالى(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ )آل عمران:106.
رابعاً: من ناحية العقاب يدخلون النار خالدين فيها يقول تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )البقرة:257 ، لن يغفر الله لمن كفر ومات كافراً يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ )محمد:34 ، وفي سورة ق يبين رب العزة جل وعلا ماذا فعل هذا الكافر المشرك بالله في الدنيا ، حتى يستحق أن يـُلقى في نار جهنم في الآخرة يقول تعالى (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (29) ق ، والآية 29 توضح أنه لا تبديل لقول الله ، وأن الله جل وعلا لا يظلم عباده.
عاقبة الكافرين دخول النار ، وهي عكس المتقين تماماً وليست هناك مرحلة وسطى بينهما يقول تعالى(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ )الرعد:35 ، وهنا حوار بين أصحاب الجنة وأصحاب النار يوضح تحريم أي شيء في الجنة على الكافرين ، بمعنى أنهم لن يدخلوا الجنة فقط ، ولكن العقوبة أكبر من ذلك لقد حرم الله جل وعلا كل ما في الجنة على الكافرين يقول تعالى )وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ)الأعراف:50 ، والآيات التالية من السورة توضح موقف هؤلاء الكفار يوم القيامة متسائلين عن الشفعاء ، أو يريدون الرجوع إلى الحياة الدنيا حتى يعملوا أعمالاً تنجيهم من عذاب النار ، وهنا توضيح أن التوبة لابد أن تكون من الشخص نفسه ، تكون في الدنيا ومصحوبة بأعمال صالحة ، ولذلك لم يطلب هؤلاء الكفار الرجوع للحياة فقط ، ولكن قالوا ( نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل) والآيات توضح ذلك بالتفصيل يقول تعالى (الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [51] وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [52] هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [53]الأعراف .
ويقول تعالى عن الكافرين المشركين معاً (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)آل عمران:151، ويقول تعالى (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ )التوبة:17، يقول تعالى (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ )ق:26.
)وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ)غافر:6.
)وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )البقرة:39.
)وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )الأعراف:36.
وهناك حوار سيحدث بين المشركين وشركائهم يوم الحساب توضحه الآيات القرآنية يقول تعالى
(وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ )النحل:86 ، ويقول تعالى (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ )يونس:28.
ونأت للإجابة على السؤال المعنون به هذا البحث (هل يغفر الله لمن يشرك أو يكفر).؟
من خلال عرض معنى الشرك والكفر في القرآن الكريم يتضح أنهما شيئاً ( شىء) واحداً ( واحد) في العديد من آيات القرآن الكريم ، كما يتضح أيضاً أن عقوبة الشرك والكفر واحدة يوم القيامة ، وهي الخلود في النار ، هناك آيات أعتقد أنها آيات محكمات تؤكد أن الله جل وعلا لن يغفر لمن يشرك بالله إلهاً آخر يقول تعالى(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء:48 ، ويقول جل شأنه (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا )النساء:116، وهناك آية قرآنية محكمة تساوي بين المشرك والكافر في العقاب ، وتوضح أن الله جل وعلا قد حدد عقابهم بدخول النار وعدم الفلاح في الآخرة يقول تعالى (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)المؤمنون:171، ، ويقول تعالى (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ)غافر:6 ، وهناك آيات عديدة توضح أن الله جل وعلا لن يغفر للكافرين المكذبين بآيات الله يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ )محمد:34.
آيات قرآنية توضح خلود الكافرين في النار يقول تعالى)وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )البقرة:39، ويقول تعالى )وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )الأعراف:36، وأعتقد أن معنى خلود إنسان في النار أنه لم ولن يحظى بمغفرة الله جل وعلا.
ــ خلاصة القول في بحث هذا السياق القرآني عن المشركين والكافرين:
1ـ إن تصنيف البشر من حيث الدين أو العقيدة ، ومن حيث الكفر أو الشرك أمراً ( أمر) خاصاً ( خاص) بالله جل وعلا ، وليس من شأن الأنبياء والرسل أو جميع البشر من بعدهم ، لأنهم لن يستطيعوا معرفته أو الحكم فيه أصلاً لأنه غيب ، ولا يعلم الغيب إلا الله ، وأن المرجع في أي خلاف فكري أو عقيدي حتى لو وصل لدرجة الشرك بالله وإعلان الكفر فما ( فليس) على الرسل والأنبياء فمرجعه إلى الله ، و الإعراض عن الكفار والمشركين ، والله جل وعلا يحكم بينهم يوم القيامة ، لأنه كما قال المولى عز وجل لخاتم النبيين وما أنت عليهم بوكيل ، وبالتالي علينا أن نلتزم بما أمر به المولى عز وجل أنبياءه ورسله عليهم جميعاً السلام في التعامل مع أصحاب العقائد والديانات الأخرى إذا لم يبدؤوا بالاعتداء علينا في عقر دارنا ، وهنا يكون من حقنا رد الاعتداء ( الإعتداء) فقط و دون الاعتداء( الإعتداء) .
2ـ الشرك هو أن يعبد الإنسان إلهاً آخر مع الله أو أن يدعو إلهاً آخر مع الله ، أو أن يطلب العون والمساعدة من غير الله ، المشرك يتخذ مع الله آلهة أخرى ليقربوه إلى الله زلفى ، أو ظناً منه أنهم سيشفعوا ( سيشفعون) له عند الله ، معظم المشركين يظنون أنهم على الإيمان ، مع حرصهم الشديد على الحياة.
3ـ الكفر هو تكذيب آيات الله ومحاربة الأنبياء والرسل والاستهزاء بهم وقتلهم ووصف آيات الله بأنها أساطير وأكاذيب ، ووصف الرسل بأنهم سحرة أو مجانين ، ومحاربتهم في نشر دعوتهم والتعجيز في آيات الله ، كما يريد الكافر أن ينزل الله ملائكة رسلاً من السماء ، وإذا جاءته الرسل يستكبر، والكفر هو الإصرار على هذه المواقف من رسل الله ورسالاته و بلا توبة حتى الموت.
4ـ من خلال قراءة السياق القرآني عن الكافرين والمشركين اتضح أن لهما العديد من المرادفات منها ( الفاسقين ، الخاسرين ، المعذبين ، الظالمين ، أعداء الله ، أهل النار ، أصحاب الجحيم .....إلخ) وكلها تعني من سيـُحكم عليهم في الآخرة بالخلود في النار ، ولكن عند بحث الأسباب سنجد أنها إما شرك بالله جل وعلا ما لم ينزل به سلطاناً أو كفر بالله وكتبه ورسله وتكذيبهم ومحاربتهم في نشر دعوتهم وقتلهم عمداً.
5ـ فرصة التوبة بالنسبة لهؤلاء متاحة في الدنيا ، بحيث يتوب الإنسان وهو في كامل قواه الجسدية والعقلية ولها مراحل كما وضحنا أعلاه من خلال آيات القرآن التي توضح أن التوبة لكي يقبلها الله جل وعلى لابد لها من شروط ، لكن من يفكر في التوبة متأخراً عندما تأت لحظة الاحتضار فلا توبة له إن تاب لحظة الاحتضار، ولن يقبل الله توبته كما وضحت الآيات القرآنية.
6ـ مصير هؤلاء : بداية يكون يوم الحساب عسيراً عليهم ، وتكون وجوههم مسوده ، ثم الخلود في نار جهنم كما وضحت الآيات أيضاً ، ويحرم عليهم كل ما في الجنة ، سيدخلون النار خالدين فيها ، ولن تنفعهم شفاعة الشافعين.
هذا ما هداني الله جل وعلا إليه من خلال قراءة القرآن ، وهو عمل بشري يقبل الخطأ قبل الصواب ، وينسب لصاحبه ، ولا أفرضه على أحد ، وأنا على استعداد تام لتقبل كل نقد وكل رأي يصحح لي ما أخطأت فيه ، أرجو من السادة القراء التركيز على الأخطاء الموجودة في البحث.
(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)صدق الله العظيم
رضا عبد الرحمن على
باحث قاعة بحث أهل القرآن