كيف يفكر الإرهابي ؟

سامح عسكر في الجمعة ٠٢ - مايو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

مبدئياً فالإرهابي عندما يحارب هو يحرص على أن تكون معركته ليست على النفوذ أو على السلطة، لأنها في ظنه صراعاً دنيوياً وهو لا يريد هذا النوع من الصراع..

إذن فما الحل؟

الحل أن يكون صراعه مع الآخر دينياً، لأنه بذلك يُرضي غروره أنه لا يحارب من أجل الدنيا بل من أجل الآخرة، وبعد تكوين هذا الدافع لديه يشرع في وضع الخطط والمراحل ..كمثال.."الدفاع عن الإسلام محلياً، ثم نشره محلياً، والدفاع عنه دولياً، ثم نشره دوليا..وهكذا"..

كافة جماعات الإرهاب والإسلام السياسي قامت على هذه المبادئ بما فيها جماعة الإخوان، فهم وضعوا لأنفسهم الخطط والمراحل ثم أسموها.."خطط التمكين"..بأن يُمكنوا لأنفسهم على مستويات متصاعدة..."الفرد – الأسرة – المجتمع –ثم أخيراً العاَلم وهو ما يسمونه بأستاذية العالَم"..والمقصود من هذا الترتيب هو تمكين فكرة الجماعة لتشمل العالَم ككل، فيتساوون بذلك مع كافة التيارات العنصرية والفاشية البائدة منها والحاضرة.

أيضاً فهم يحرصون على اختزال المفاهيم كنتيجة طبيعية لجهلهم المدقع والمركّب، فهم يختزلون الإسلام في الشريعة، ويختزلون الشريعة في الحدود، لذلك خرجت قوانينهم مشابهة لقوانين اليهود في عصور ما قبل الإسلام والعصور الوسطى، فاليهود كانت لديهم نفس الحاسّة والغريزة الاختزالية إلى أن نهضوا في مطلع عصر التنوير وخرج منهم تيارات علمانية تنويرية ساهمت في حصار هذه الغريزة إلى أن قضوا عليها تماماً، ولولا الحركة الصهيونية التراثية الآن لقلنا أن اليهود نجحوا في معركة التنوير، ولكن على ما يبدو أنهم لا زالوا يعانون من مشكلة التراث التي تُحيي نفسها مع أول إطلالة لهم على مشاكل العصر.

نتيجة هذا الاختزال أنهم تجاهلوا العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المسئولة عن أي مشكلة على ظهر الكوكب، فيردون بحماقة أصل هذه المشكلات إلى الدين، فشاع بينهم مصطلحات.."الحرب على الإسلام- والمؤامرة الكونية من الصليبيين والعلمانيين والملاحدة"..وهذا شعور وهمي ناتج عن تفشي ظاهرة الأمية في العالَم العربي المُصاحب للاختزال، حتى ظهرت شريحة أمية لم تكن موجودة من قبل وهي.."الأمية المقنّعة"..وتعني استكمال المرحلة التعليمية ولكن دون تأثيرِ يُذكر في القُدرة الذهنية والسلوكية.

هذه القدرة التي عجزت عن اكتشاف خديعة  أصل الحرب في أفغانستان وسوريا وليبيا باسم الجهاد، رغم أن بعضهم يقرأ تاريخ.."ثوار الكونترا"..النيكاراجويين الذين دعمتهم أمريكا لإسقاط الحُكم الشيوعي، هذا الدعم الذي أزهق أرواح 100 ألف من شعب نيكاراجوا دون أن تُبالي أمريكا بدم أحدٍ منهم، واعتبرت أمريكا أن معارك ثوار الكونترا هي معركة أمريكية ضمن الحرب الباردة.

كذلك فهذه القدرة عجزت عن كشف خديعة الترابي وسلطة السودان في حربها مع الجنوب، حيث أوهمتهم سلطة الترابي والبشير بأن معاركهم مع شعب الجنوب هي معارك دينية مقدسة ، ونشروا مزاعم عن معجزات تحدث في أرض المعارك وعن دلائل لتأييد الله لجيش الشمال ، مثال ما نشره الكاتب السوداني د. منصور خالد بأن الجيش السوداني زعم إزاحة الطيور للتراب الذي يغطي الألغام المزروعة من قِبَل الجنوب، حتى صرح الترابي لمجلة الوطن العربي أن حربه مع الجنوب.."مقدسة"..المقصود منها ليس فقط نشر الإسلام في الجنوب بل أيضاً نشر الإسلام في الدول المجاورة.

ولن نُطيل في سرد كرامات العريفي والعرعور بزعمهم أن الملائكة يحاربون في سوريا مع المعارضة، وهو سلوك مقصود منه دعم فكرة.."تأييد الله"..لهم ضد أعدائهم ، وهو خداع باسم الدين ونصب ودجل أخطر مما يفعله المشعوذون، فالمشعوذ قد لايؤذي أحداً بعمله، ولكن هؤلاء يتسببون في هدر الدماء وزهق أرواح الملايين التي يمكن استثمارها في بناء وتعمير الأرض.

أخيراً فقضية الإرهابي قائمة على أصول وهمية خيالية يتدخل فيها المنتفعون والجبناء والفاسدون بشدة، حتى أن حروب الإرهاب -وأي حرب تحدث باسم الدين- باتت هي أخطر أنواع الحروب هَلَكة في التاريخ، لأن دوامها وطبيعتها قائمة على الحق المطلق وحياة ما بعد الموت، ومثل هذه الطبيعة تخلق دافعاً قوياً للتضحية بالنفس من أجل هذه الحياة الأخروية، ولو لم تكن هذه الحياة ما دفع هؤلاء أرواحهم ثمناً لها، أو أن يحاربوا أنفسهم بنفس هذا الدافع الذي جعل من الإرهابي مشروع حاكم يثور عليه حلفائه ويقتلونه بعد ذلك لخلاف وجهات النظر.!!

اجمالي القراءات 15954