كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم
( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )
الباب الثالث : ( قل ) فى تشريع الحرية الدينية
أولا :القاعدة الأساس فى تشريع الحرية الدينية : تأجيل الحكم لله جل وعلا فى الدين الى يوم الدين .
1 ـ نحن فى يوم ( الدنيا ) دار الاختبار والحرية والاختيار ، نموت ، وبعد فناء العالم يأتى يوم ( الدين ) بيوم الحساب على ما عمله كل فرد فى حياته الدنيا . وهناك نوعان من الحقوق : حقوق الانسان ، أو بتعبير الفقهاء ( حقوق العباد ) فى النفس والمال والعِرض ، وهذه لها جزاءات أوعقوبات دنيوية لردع الظالم ، وهى تسقط بالتوبة الظاهرية ، هى خصومات بين الأفراد . أما حقّ الله جل وعلا من الايمان به وحده وعبادته وحده وتقديسه وحده فالحكم فيه مؤجل ليوم الدين ، لرب العالمين . لأن الخصومات الدينية فيها تتعلق بالله جل وعلا ، فالحكم فيها بين المختلفين المتخاصمين يجب أن تكون لله جل وعلا وحده يوم الدين ، وهو وحده صاحب الشأن ، وقد أعدّ لهذا يوما ثقيلا ، هو يوم الدين . والعادة أن أغلبية البشر لاهون عن الاستعداد لهذا اليوم الثقيل الآت بلا ريب ،هم مشغولون عنه بالدنيا العاجلة الفانية ، ويذرون وراءهم يوما ثقيلا، يقول جل وعلا:( إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27)الانسان )
2 ـ ولأن الحكم بين البشر فى خلافاتهم الدينية حق لله جل وعده ، فهذا يأتى ضمن الصفات الخاصة بالله جل وعلا وحده ، فلأنه جل وعلا هو وحده فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ، إذن فهو وحده الذى يحكم بين البشر يوم القيامة فيما هم فيه يختلفون ، يقول جل وعلا : ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) الزمر ) ، ولأنه جل وعلا هو وحده الربّ لكل شىء فاليه وحده مرجعنا يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) الانعام). وقد جاء هذا بكلمة ( قل ).
وبدون ( قل ) ، يقول جل وعلا فى خطاب مباشر للناس جميعا : ( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)المؤمنون ) ، أى ليس لأحد من البشر أن يحاسب أحدا من البشر إختار أن يُشرك بالله جل وعلا ، لأن حساب هذا المشرك عند ربه جل وعلا ،ووقتها لن يفلح الكافرون المشركون . وبدون ( قل ) أيضا يقول جل وعلا أيضا فى خطاب مباشر للناس جميعا : ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) الزمر ) . ما أروع قوله جل وعلا فى هذه الآية الكريمة ، فى تقرير حرية البشر فى كفرهم به جل وعلا ، وهو لا يرضاه ، ولكن يتركهم أحرارا فى كفرهم ومسئولين عن كفرهم يوم مرجعهم اليه يوم الدين .
ثانيا : سريان هذه القاعدة العامة على الاختلافات بين طوائف البشر :
ومن القاعدة العامة فى مرجعية الحكم له جل وعلا وحده على البشر جميعا يوم الدين ، نأتى الى تفصيلات لسريان هذه القاعدة على طوائف البشر وأديانهم وإختلافاتهم الدينية .
1 : فالاختلافات الدينية بين بنى اسرائيل مرجع الحكم فيها لله جل وعلا يوم القيامة ، يقول الله جل وعلا : ( وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمْ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) يونس) ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل )( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة )( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنْ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية).
2 : وعن تأجيل الحكم لله جل وعلا فى الاختلافات بين اليهود والنصارى، يقول جل وعلا : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة ).
3 : وعن تأجيل الحكم لله جل وعلا فى الاختلافات بين المسيحيين يقول جل وعلا يخاطب عيسى عليه السلام : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)آل عمران )
4 : وعن تأجيل الحكم لله جل وعلا فى الخلافات بين المؤمنين بالقرآن وأهل الكتاب يأمر جل وعلا الفريقين بالتسابق فى الخيرات وليس التنافس فى التعصب و الموبقات، و يقول جل وعلا : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة )
5 : وعن تأجيل الحكم لله جل وعلا فى الخلافات بين أهل القرآن والمشركين الذين يعبدون القبور والأولياء يقول جل وعلا : ( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3 الزمر) .
6 : وعن تأجيل الحكم لله جل وعلا فى الخلافات بين خاتم المرسلين والمشركين فى عهده، يقول له جل وعلا بدون ( قل ):( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31 الزمر ) ، وبكلمة ( قل ) ( وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) الحج)
ثالثا : تفريعات تشريعية لتأجيل الحكم لله جل وعلا يوم الدين :
الحرية الدينية والمسئولية الشخصية الفردية
لأن حسابنا سيكون يوم القيامة فقط أمام رب العزة فقط فلا سلطة لأى بشر فى إلزام بشر آخر فى الدين ، ولا إكراه فى الدين . وبالتالى فإن الهداية مسئولية فردية ، وكل عمل للفرد يتم تسجيله ومؤاخذته به يوم الدين ، ومن إهتدى فقد إهتدى لنفسه وصالح نفسه ، ومن ضلّ فقد ضلّ على نفسه وضد صالح نفسه ، يقول جل وعلا : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الاسراء ). أى من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعلى نفسه ، واليه جل وعلا مرجعنا يوم الدين ، يقول جل وعلا : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15 الجاثية ) ولا يوجد ظلم فى يوم الحساب فى هذا الحساب الفردى ، يقول جل وعلا:( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (46) فصلت )
النبى ليس وكيلا عن أحد
مع مرجعية الحكم لله جل وعلا وحده ، ومع المسئولية الشخصية الفردية فى مجال الايمان والهداية والكفر والضلالة فإن النبى محمدا عليه السلام نفسه ليس وكيلا عن أحد وليس حفيظا على أحد وليس له سيطرة على أحد ، وليس مسئولا عن أحد . يقول جل وعلا بكلمة ( قل ) :( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109 يونس ) ، وبخطاب مباشر للناس يقول جل وعلا :( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104 الانعام )، وبخطاب مباشر للنبى عليه السلام يقول جل وعلا ( إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) الزمر)
إنحصار دور النبى فى الدعوة فقط وباسلوب القصر :
وبالتالى فإن دوره عليه السلام هومجرد الإنذار والتبليغ، وهنا استعمال (قل ) ، يقول جل وعلا: ( فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ (92) وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) النمل ). فوظيفته هى الانذار وليس أن يكون وكيلا مسئولا عن أحد ، يقول جل وعلا فى خطاب مباشر له عليه السلام : ( إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) هود )، والانذار يعنى التذكير بالكلمة وليس بالاستطالة على الناس وفرض السيطرة عليهم ، ففى النهاية مرجعهم للخالق جل وعلا ، وهو وحده الذى سيحاسبهم، يقول جل وعلا له فى خطاب مباشر : ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) الغاشية )
الاعتراف بحريتهم فى الكفر قلبيا وتعبديا
هذا يعنى الاعتراف بحريتهم فى الكفر ، والسماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية فى تقديس القبور والأولياء والموالد والحج الى الأنصاب وتقديم القرابين لها ، وهو نفس تقرير الحق للمؤمنين فى عبادة الله جل وعلا وحده . هنا المساواة المطلقة فى الحرية الدينية للجميع ، المساواة بين حرية الايمان وحرية الكفر ، ونزل هذا باسلوب بالغ الروعة ، يقول جل وعلا : ( وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود ) وباستعمال (قل ) أيضا : ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) الانعام ) ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) الزمر )
وبنفس المساواة فى الحرية الدينية جاء الاعتراف بمشيئتهم فى الضلال وفى عبادة البشر والحجر ، مع تحذيرهم من الخسران يوم القيامة ، يقول جل وعلا باستعمال ( قل ) : ( قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) الزمر) ، وجاء هذا أيضا مصحوبا باعلان البراءة منهم طالما يكذبون بالحق القرآنى ، يقول جل وعلا باستعمال ( قل ) :( وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41 يونس ) فيكفى أن الله جل وعلا سيجمعنا جميعا يوم القيامة ويحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون، يقول جل وعلا :( لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) الشورى)، ونزلت سورة ( الكافرون ) تؤكد حرية الدين لنا ولهم بأروع اسلوب فى المساواة ، يقول جل وعلا: (بسماللهالرحمنالرحيم) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) الكافرون )
رابعا :الاعراض عن الكافرين الذين لا أمل فيهم :
1 ـ يرتبط هذا الاعراض عنهم بالقاعدة الأساس ، وهى مرجعية الحكم علينا وعليهم لله جل وعلا يوم الدين ( يوم الفتح ) . باستعمال ( قل ) يقول جل وعلا : ( قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ (30 السجدة ) ويأتى تحذيرهم مقدما من هذا اليوم مع التأكيد بأنه عليه السلام ليس حفيظا ولا وكيلا ولا مسئولا عنهم ، فليس عليه سوى البلاغ ، يقول جل وعلا : ( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ ) (48) الشورى )، ونفس المعنى جاء فى قوله جل وعلا فى خطاب مباشر للنبى عليه السلام : ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107 الانعام )، وأيضا: ( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) النجم )
2 ـ وأمره ربالعزة بالاعراض عن المنافقين مع تقديم النصيحة لهم مسبقا : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63)، وكان منهم من يخدع النبى بمزاعم الطاعة ثم يقوم بالتآمر عليه ، فقال جل وعلا يأمر بالاعراض عنهم :(وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) النساء ). كما أمره ربه بالاعراض عن مجالس المشركين إذا أخذوا فى الخوض فى آيات القرآن يكذبون بها ، فإذا سكتوا عن هذا الخوض فلا حرج فى العودة لمجالستهم ، يقول جل وعلا : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68 الانعام )
3 ـ ويأتى الاعراض عنهم بالرد عليهم بجميل القول ، كالسلام فى مواجهى لغوهم وهذيانهم ، يقول جل وعلا عن صفات المؤمنين من أعل الكتاب : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) القصص )، يقول جل وعلا من ضمن صفات المؤمنين المفلحين أنهم عن اللغو معرضون : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) المؤمنون ) ومن صفات عباد الرحمن يقول جل وعلا : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72) الفرقان ) و (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) الفرقان ) .
ارتباط الاعراض عنهم بالجهر بالحق كاملا :
على أن هذا الاعراض لا يعنى الاعراض عن قول الحق ، ولا يعنى عدم التعرض لآلهتهم بما هو حق ، بل قول الحق جهرا وصدعا مع الاعراض عن الجاهلين المشركين، يقول جل وعلا :( خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ (199) الاعراف ) ويقول جل وعلا : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (94) الحجر ) .
خامسا : تشريعات الدعوة الاسلامية فى هذا الإطار
1 ـ توضيح الحق القرآنى هو الدعوة بالتى هى أحسن ، وهى الجدال بالتى هى أحسن ، يقول جل وعلا : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(125) النحل ) هذا التوضيح ليس عيبّا وشتما . حين تؤكد للمحمديين بشرية النبى وأنه كان جسدا كأجساد البشر ، وأنه كان يأكل الطعام ويمشى فى الاسواق وأنه مات وتحلل جسده كبقية البشر ـ فأنت تقرر حقائق قرآنية. ولكنهم يعدون هذه الحقائق القرآنية عيبا فى الذات الالهية التى زعموها للنبى عليه السلام . نفس الحال حين تؤكد بشرية المسيح ، وتقرأ ما قاله جل وعلا فى بشرية المسيح وأمّه . نفس الحال مع المحمديين الشيعة الذين يقدسون عليا بن أبى طالب ، إذا تعرضت لتاريخه المكتوب بالنقد والتحليل ، ونفس الحال مع المحمديين السنيين حين تتعرض للصحابة ، وللمحمديين الصوفية حين تحلل أقوال وتاريخ الأولياء الصوفية . هم يعتبرون ذلك سبّا فى آلهتهم ، لأنها عندهم فوق مستوى البشر ، ولا يجوز أن تتعامل معها إلا بالتقديس والتبجيل والتاويل . هنا يكون الجهر بالحق مهما كان مؤلما للمشركين ، وفى نفس الوقت الاعراض عنهم ، بل رد أو ( دفع ) سيئاتهم بالتى هى أحسن . يقول جل وعلا : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) المؤمنون )( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت) . هذا يستلزم صبرا هائلا لا يتحلّى به إلّا صاحب الحظ العظيم ، لذا يقول جل وعلا لخاتم المرسلين يأمره بالصبر وعدم الضيق من كيد المشركين: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128 النحل ).
2 ـ وأعطى رب العزة نموذجين : فى جدال أهل الكتاب بالتى هى أحسن ، وما يجب قوله لهم : (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) العنكبوت ). والنموذج الآخر فى الحوار مع الكافرين :( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) سبأ )
سادسا ـ الصفح عن الخصوم فى الدين :
ليس مجرد الصفح ، بل الصفح الجميل . يقول جل وعلا : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) الحجر ) فطالما أن الساعة قادمة بالويل والخلود فى الجحيم فعلينا أن نصفح عنهم إكتفاء بما سيحدث لهم . يقول جل وعلا فى الصفح عنهم وقول السلام لهم : ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89غافر )
وفى أمر بكلمة ( قل ) يأتى التشريع للمؤمنين بالغفران للمشركين ، يقول جل وعلا : ا( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) الجاثية)
أخيرا :
باختصار ، وبدون وجع قلب ، فإن الدين السّنى يتناقض مع كل ما سبق جملة وتفصيلا ، والسعودية أكبر دليل على ذلك . أليس كذلك ؟ السبب : إنهم لا يؤمنون باليوم الآخر .