التراجع الأمريكي في مصر

سامح عسكر في السبت ٢٦ - أبريل - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

حرصت أمريكا-كعادتها- على استعمال القيم لمصلحتها في مصر، فانتقدت السلطات الجديدة بحُجة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي حجة فاشلة بعد كثرة تناقضات أمريكا وافتضاح أمرها بأن حقوق الإنسان والحريات لديها هي حصان طروادة للسيطرة على الشعوب وتفكيك الدول، فبعد أن كانت مظاهرات المعارضة الأوكرانية ضد يانكوفيتش مشروعة بحُجة الحريات..رغم أن التظاهرات لم تكن سياسية حقوقية أكثر منها دينية عرقية ..انقلب الموقف الأمريكي الآن بعد نجاح المعارضة في السيطرة على الحُكم، فقامت مظاهرات في شرق وجنوب البلاد طالبت أمريكا على إثرها في التصدي للمظاهرات بحُجة بسط السيطرة والتحكم في زمام الأمور..

عندما يتعلق الأمر بالخصوم تسقط القيم عند الأمريكان، ومن ينسى هذا الموقف الأمريكي في انفصال كوسوفو عن صربيا بحُجة.."حق الشعوب في تقرير المصير"..والآن تعارض أمريكا انفصال القرم عن أوكرانيا بحُجة.."وحدة البلاد"..!!...رغم أن الانفصال تم بإرادة شعبية واستفتاء جماهيري ديمقراطي عبّر عن إرادة سكان القرم في التخلي عن أي علاقة تربطهم بأوكرانيا..يالها من دراما مُضحكة فضحت النفاق الأمريكي وتجارته بالقيم.

ذلك النفاق الذي حمل الأمريكان على دعم المعارضة السورية المتطرفة بحُجة.."اسبتداد ودكتاتوية الأسد"..بينما دعّمت سلطات أوكرانيا الجديدة في حربها ضد المحتجين وأطلقت على هذه الحرب مسمى.."مواجهة الإرهاب"..فظهر من سلوكهم أن تدمير سوريا وشعبها هو هدف استراتيجي لإخراج سوريا من معادلة الصراع الإقليمي مع إسرائيل والدولي مع روسيا، ولكن بعد صمود بشار الأسد في وجه هذه الحملة الأمريكية الإرهابية سارعت أمريكا في فتح جبهة جديدة ضد روسيا في أوكرانيا، فدعمت المحتجين المتطرفين ذوي النزعات العنصرية والفوضوية، حتى نجحوا في الانقلاب على الرئيس يانكوفيتش، هكذا بدون تحقيق أغلبية جماهيرية تضمن لهم ولاء بقية الشعب الأوكراني الذي انتفض ضدهم بعدها حتى وصل لدرجة الانفصال التام عن الدولة.

كان لِزاماً على أمريكا بعد ذلك أن ترضخ للإرادة الشعبية المصرية في إزاحة حُكم الإخوان، وتُطلق تعبيرات التنصل من الجماعة الإرهابية وسلوكياتها في محاولة لكسب ود السلطات الجديدة والرئيس القادم المنتخب، وظهر ذلك في تصريحات جون كيري الأخيرة والتي أصفها بالعدوانية تجاة جماعة الإخوان، وهو موقف أمريكي انقلابي يساوق النجاح المصري في خارطة الطريق وصد هجمات جماعة الإخوان الشعبية والعسكرية،

هذا الموقف الأمريكي الجديد يبدو أنه ضروري للإدارة الأمريكية بعد توقعات بالتصعيد في شرق أوروبا والميول الانفصالية للشعوب الروسية في جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق، وأيضاً بعد مؤشرات جديدة تُظهر قوة الرئيس السوري بشار الأسد شعبياً وعسكريا، وقيامة بضربة دبلوماسية عنيفة ضد الغرب عبر إجراءه انتخابات رئاسية هي الأهم في تاريخ سوريا المعاصر، وبالتالي تحافظ أمريكا على ما تبقى لها من رصيد في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، وكذلك بعد فشلها في مواجهة إيران دبلوماسياً ونجاح طهران في تحقيق مصالحها النووية ، كل ذلك كان مؤشراً على ضياع هيبة أمريكا وتصميم الشعوب على مواجهتها مهما بلغت التضحيات..وبالتالي ظهر لنا أن القطب الثاني الغائب منذ عقود وهو الاتحاد الروسي ظهر بقوة وشكل كتلة سياسية واقتصادية قوية مع دول البريكس كالصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.

يبقى أن التراجع الأمريكي في مصر كان مرهوناً بنجاح خارطة الطريق، وهو ما ظهر في صعود هذا التراجع مرحلياً كلما قاربت الخارطة على الانتهاء والنجاح، وبالتالي تصدق رؤية من قال بعد ثورة يونيو المصرية أن الموقف الأمريكي سيتغير بعد نجاح خارطة الطريق، فيجب الانشغال بهذه الخارطة وحمايتها لضمان الموقف الأمريكي، ولكن في تقديري أن الموقف الأمريكي مثلما اعتاد على النفاق والذرائعية لن يتخلى عن اعتياده لمصلحة أحد، وعليه أطالب بحماية الشعب المصري من أمريكا باتخاذ موقف سياسي واضح وقوي منها ا يضعها في حجمها الطبيعي بالنسبة للشعب المصري الذي يكرهها، وفي نفس الوقت يحافظ على علاقة جيدة مع الشعب الأمريكي كي نخلق توازن شعبي وسياسي يُجبر الإدارات الأمريكية على احترام العرب أكثر من ذلك.

اجمالي القراءات 9658