فرعون (فرعا, فرعه) برعو :
كان عالم المصريات " برستيد" هو من (رجّح) - في كتابه "تاريخ مصر" -من قبيل الاجتهاد والتخمين بلا دليل أو سند ,أن كلمة فرعون هي (برعو) بمعنى البيت الكبير والتي جرى استخدامها بعد ذلك ككناية عن حاكم البلاد .كان ذلك مجرد تخمين شاع بين الجميع بعد ذلك ,إلا أن كتاب تاريخ مصر هذا ( قد أصبح قديما من نواح كثيرة بحسب وصف عالم المصريات الشهير سير ألن جاردنر (المرجع :ألن جاردنر :مصر الفراعنة -ترجمة دكتور نجيب ميخائيل -ص 5 ),ومن الناحية التاريخية لم تُعرف بلاد وادي النيل قط باسم "مصر" إلا في مرحلة زمنية تقع بعد زمن مولد السيد المسيح بوقت طويل . ولم يطلق قط على حاكمها لقب"فرعون" , بل كان لقبه "ملك الأرضين" أو "ملك الوجهين" أو "ملك الوادي" . وذِكْر الاسم "فرعون" في القرآن خاصا بقصة موسى ,ولو كان المقصود به أي ملك لمصر ,فالأَوْلى أن نجده أيضا في قصة النبي يوسف , المزعوم أنه عاش في بلاد القبط . وزمن خروج بني إسرائيل من مصر هو سنة 1260 قبل الميلاد تقريبا , وفي هذا الوقت كان الرعامسة يحكمون مصر(بلاد وادي النيل)- الأسرة التاسعة عشرة- وتحديدا كان رمسيس الثاني هو حاكم مصر , وبمراجعة جميع النقوش على الآثار والأبنية التي بناها-وما أكثرها- فلن تجد ذكرا للقب"فرعون"ولو مرة واحدة . وفرعون شخصية حجازية وليس ملك مصر القبط كما تروج ذلك مزاعم وقوع حوادث الخروج وقصة بني إسرائيل في مصر بلاد القبط (هناك ما لا يقل عن 28 قرية في غرب شبه الجزيرة العربية ما زالت تحمل اسم فرعه (فرعون) , وأن كون هذا الاسم كان اسم معبود هو أمر واضح من اسم قرية آل فِراعة (ءل فرعه)في منطقة بلسمر ,وهناك قريتان تسميان الفرعة بالقرب من أبها ,حيث توجد قرية المصرمة – ذلك ما يراه الدكتور كمال الصليبي في كتابه التوراة جاءت من جزيرة العرب (ص 240 ) , وهو أيضا ما يراه الدكتور أحمد داوود في كتابه : تاريخ سورية القديم - تصحيح وتحرير (ص 601) فيقول :إنه لا تزال هناك قرى تسمى "فرعة" تنتشر في غرب الجزيرة العربية من منطقة مكة إلى سراة زهران إلى وادي بيشة . وقد ملك على بني إسرائيل أحد سكان قرية فرعة هذه التابعة لقرى المصريين التي كانت تنتشر في منطقة الشعف من بلاد زهران ) . وكلمة فرعون تصغير (فرعو) في العربية القديمة و(فارع)في العربية الحديثة وتعني وكيل الملك وكيل السلطان وليست لقبا لملك مصر وادي النيل , والواو والنون للتصغير , ....أي أن كلمة فرعون كانت تستخدم استخداما عاما غير شخصي ,غير أنها استخدمت لوصف شخص فرعون موسى بشكل خاص وأصبحت علما عليه "( المرجع : د.أحمد داود - العرب والساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل واليهود - ص 86) , ويعامل لغويا معاملة اسم العلم , ويلاحظ أن كلمة فرعون في القرآن وردت بمعنى اسم علم , ولو كانت لقبا لألحق بها الألف واللام فتصبح "الفرعون" ,عِلما بأن في التوراة أكثر من فرعون , إذ لا يمنع استخدام اسم فرعون فيما بعد كوصف لكل مستبد . وفرعون ليس لقبا للتفخيم , فما كان الله ليثني بالتفخيم على فرعون بذكره لقبا لا اسما, وكثيرا ما ورد ذكر فرعون معطوفا على اسميْ هامان وقارون , وما كان يصح العطف لو لم يكن اسم علم - كنا ممن يظنون خلاف ذلك شأننا في ذلك شأن الجميع - وهامان ليس اسما قبطيا ولكنه اسم بابلي ,مما يرجح ما ذهبنا إليه من أن مسرح الأحداث في شبه الجزيرة العربية .. يقول المسعودي :" وسألتُ جماعة من أقباط مصر بالصعيد وغيره من بلاد مصر من أهل الخبرة عن تفسير كلمة "فرعون" فلم يخبروني عن معنى ذلك ولا تحصل لي في لغتهم " ( المرجع: أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي - مروج الذهب ومعادن الجوهر – تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ."وفرعون هي تسمية كنعانية محلية قديمة لكلمة (فرعه) وكانت تعني ملك قرية في غرب شبه الجزيرة كواحد من أعوان الملك ولم تطلق على أي حاكم أو ملك في مصر وادي النيل ,وهؤلاء "الفراعين" كان يتم تعيينهم من قبل الجهة التي تسيطر على مناطق خطوط التجارة في تلك المنطقة ,وتجعلهم وكلاء لها وحراسا عليها , ولما كان بنو إسرائيل قد عاشوا بين ظهراني الكنعانيين فقد اقتبسوا هذه الكلمة واستخدموها في مدوناتهم ,ومنها انتقلت إلى كتب التاريخ بعد الانتشار الكبير لترجمات التوراة إلى عشرات اللغات عن (السبعونية ) اليونانية ". وجاء في القرآن الكريم :" {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ }القصص38 , ففرعون يطلب من هامان أن يبني له صرحا من طين ,وما كان فرعون ليطلب ذلك لو كان في مصر وادي النيل -بلاد القبط- فما حاجته لبناء صرح عال ينظر منه إلى إله موسى وقد كان بمصر أعلى بناء عرفته الدنيا وقتها وهو الهرم الأكبر بالجيزة ,إذ بُني في القرن السابع والعشرين قبل الميلاد , وحوادث فرعون وموسى كانت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ,كما كان بوسع فرعون اعتلاء أي صرح عال من صروح المعابد المنتشرة في طول البلاد وعرضها بدل تجشم مشقة بناء صرح جديد . وكان بناء الأبراج مألوفا لدى الآشوريين على غرار برج بابل الشهير وكان من الطبيعي أن ينصرف فكر فرعون إلى ما انصرف إليه فكر آشور وفارس . هذه واحدة , أما الثانية فهي أن أهل مصر كانوا يبنون بالحجر وهاهي آثارهم في طول مصر(القبط) وعرضها تشهد بذلك وما كان مَلِكهم يطلب بناء صرح من طين . وحرق الطين (فأوقد لي على الطين) كانت طريقة أهل بابل وفارس في آسيا (حيث تقع قرية مصرايم) . انتهى المقال الثالث عشر ويتبعه المقال الرابع عشر إن شاء الله تعالى _ بتصرف من كتابنا :....بين القرآن والتراث -نبيل هلال هلال