غالباً ما يعكس الإنسان صورة ذاته على الآخر. هكذا نرى نحن العالم الحر ذئاباً وشياطين مصاصي دماء، ويروننا هم ملائكة وضحايا نظم ديكتاتورية. لتكون النتيجة أن يقع كل من الطرفين ضحية لجهله بحقيقة الطرف الآخر. قد تكون أزمتي الشخصية، أنني لم أعد على ثقة بانتصار الحضارة على أعداء الحياة. أظن أن التحضر قد أفقد شعوباً كثيرة القدرة على صد هؤلاء القادمين من غابر العصور، لهدم الحضارة على رؤوس أهلها. هناك فرق بين تطبيق المبادئ على أرض الواقع، وبين إقحامها تجاهلاً لحقائق الواقع. المبادئ ليست نصوصاً مقدسة لذاتها، لكنها إشارات طريق، لتحقيق رقي الإنسانية والإنسان. . الحل مع السلفيين والإخوان المسلمين، هو استئصال الفكر، وليس الأشخاص الذين لم يرتكبوا جرائم. الحل هو تحريم هذا الفكر من التداول، ومنع معتنقيه من المشاركة السياسية، باعتباره فكراً إجرامياً. الأشخاص الحل أمامهم إن أرادوا المشاركة السياسية، أن يطلقوا هذا الفكر طلاقاً بائناً، وإن لم يفعلوا، فليظلوا منكفئين على أنفسهم وأفكارهم، يتداولونها سراً في الأقبية المظلمة، حتى لا تطالهم يد القانون. فارق فلكي المسافة، بين صاحب الفكر الذي قد ينزلق للعنف، دفاعاً وحماساً لفكرته، وبين هؤلاء الذين يشكل استخدام العنف محوراً رئيسياً في فكرهم، والذين يعتبرون العنف "فريضة غائبة"، آن أوان أدائها. . هؤلاء الذين يتخذون من السيوف ابتداء شعاراً لهم، ثم نجد سلماء يتحدثون عن كونهم فصيلاً وطنياً، وعن الترحيب بهم في ظل دولة القانون والديموقراطية، وأن لهم آراء يجب احترامها مثل سائر الآراء. أراء إيه بس؟. . دول قتلة بتكوينهم!!
• حمدين صباحي لا يشكل كمرشح رئاسي أي خطر على مصر، تتركز خطورته فيمن يجمع حوله من شباب، يتحولون إلى صخور في طريق التحول لمصر الحرة الحديثة المتصالحة مع العالم ومع نفسها، كما يعملون كطليعة وخدماً، يمهدون الأرض أمام الإخوان المسلمين، ويجملون وجههم وحقيقتهم البشعة. كان المفترض أن تزيح الثورة المصرية مع نظام مبارك، فلول ومرتزقة الطغاة العرب، عبد الناصر وصدام والقذافي والأسد وما شابه، لكن ويا للعجب، يعتبرهم بعض الشباب رموزاً للثورة. . هي الثورة المهزلة إذن يا سادة. لذا أنا أوافق على الاستبداد، جبناً وبخلاً بدفع الثمن المطلوب لعملية إصلاح حقيقي، والذي لابد وأن يمر عبر "الفوضى الخلاقة"!!
• لا أظن أن الإعلاميين يرسخون البلاهة لدى الشعب المصري، فالأغلب أن بلاهتنا هي ما أوصلت هؤلاء الإعلاميين إلى الحالة التي هم عليها الآن!!. . الإعلام المصري يمارس بكل الهمة، رسالته إلإجرامية في حشد الجماهير، عن طريق التخويف ونظرية المؤامرة، مستغلاً عادة مصرية أصيلة، هي "تلقيح الجتة" أو "رمي البلاء على الآخرين"!!. . قطعان الإعلاميين كانوا في عهد الإخوان أحراراً في مهاجمة الإخوان. الآن هم أيضاً أحرار، في مهاجمة الإخوان. . في بلدي، إذا أردت أن تمرر مصيبة، فعليك بالإعلام، لإقناع الناس، أن هناك مؤامرة خارجية لإفشالها!!. . رغم أن حزب الكنبة يكاد يكون هو الحزب الوحيد المستقيم في التوجه لتحقيق مصالحه ومصالح الوطن، إلا أنه إذا وصل مستوى السذاجة لديه حد الهطل، فإنه عندها يتساوى التيه، مع فريق "حلق حوش"، الذي يرفع شعار "الفوضى مستمرة"!!
• على مستوى السلوكيات اليومية، نحن شعب يستشعر ذاته في تحدي القانون وانتهاكه. وعلى مستوى الخطاب، نطالب صارخين بسيادة القانون، فقط حين يصيبنا الضرر، ونصرخ ونولول إذا ما طبقت علينا القوانين، مطالبين بإسقاطها، أو بما نسمية "الرحمة". . يحدث هذا حين يتفشى سرطان العبث والاستهتار في جسد أمة!!. . علينا احترام قانون التظاهر مثلاً، لمجرد صفته القانونية، ويمكننا الاعتراض عليه والمطالبة بتعديله وفقاً للإجراءات القانونية، ومن يتحدى القانون بكسره، عليه أن يتحمل تبعات هذا، وأي كلام غير هذا، دخول بالبلاد في جحيم الفوضى. الذين خرجوا ودفعوا الشباب للتظاهر تحدياً للدولة والقانون، لغرض واحد هو كسر هيبة الدولة في ظروف غاية في الصعوبة والحرج. من يتضامن مع هؤلاء، عصفاً بسيادة القانون، يؤذن لنهاية مأساوية للدولة المصرية. وليس مبالغة القول أنهم أخطر علينا من الإرهاب، الذي يستهدف الجسد. أخرج الإخوان الإرهابيين من السجون، وبتوع "الثورة مستمرة" يريدون الآن إخراج الفوضويين. . أخرجوا الجميع إذن، لتتحول مصر إلى خرابة رسمية، تمرح فيها مختلف صنوف الحشرات والزواحف بكامل حريتها!!. . لا للفوضويين ولا للإرهاب. . فلننتظر لنرى ما ستسفر عنه المواجهة بين الدولة والفوضويين. الفارق بين "الثائر" و"الفوضوي"، هو ذات الفرق بين "المفكر" و"البلطجي". . أرجو ألا تتطور النحنحة لدواعي الانتخابات، لتصل إلى التساهل مع الفوضويين ولا الإرهابيين، الذين يستهدفون هدم الدولة المصرية!!
• لا بأس أن نشهد الآن جدلاً قبطياً أرثوذكسياً، حول جواز تحديث طريقة طبخ زيت الميرون. فقد يكون هذا مقدمة، لأن نشهد بعد سنوات جدلاً، حول جدوى ذلك الزيت، ومدى ارتباطه أو أهميته للإيمان المسيحي. . لن تفلح محاولات التنوير، ما لم يسبقها معجزة، تعيد للعقل مكانته ووظيفته لدى الإنسان المصري، فما أشهده من مناقشات يشير إلى نجاح ساحق لنظام التعليم والمسجد والكنيسة، في إلغاء العقل تماماً، والاعتماد على ما تم حشو الرؤوس به من صخور مقدسة، غير قابلة للتعامل معها، بأي من التفاعلات المنطقية. إذا وجدت أن الدين قد تحول إلى مجموعة طقوس، وتحولت الأخلاق إلى نفاق. يبقى أنت أكيد في مصر!!