1-فاز حزب العدالة والتنمية التركي في الانتخابات المحلية بنسبة 46%، وهو فوز هام جاء لأردوجان وزعماء حزبه في الوقت المناسب، فبعدما اشتدت الضغوط عليهم ولاحقتهم قضايا الفساد والمؤامرة والسقوط الأخلاقي الذريع في التسجيل المنشور عن سوريا..جاءت نتيجة الانتخاب كقشة النجاة في بحرٍ هائج كان يقذفهم خارج تركيا وخارج التاريخ..
2-بعد فوز أردوجان فرح الإخوان لأول مرة بعد هزيمتهم القاسية في يونيو وامتلأت مواقعهم وقنواتهم بكلام الرجل وعِظاته المقدسة، وانتشى السلفيون بهذا النصر العظيم للإسلام..!!...وزادت قناعاتهم بأن أردوجان هو خليفة المسلمين وأمير المؤمنين في هذا العصر..!
صورة أقرب إلى الانتصار في المعارك الفاصلة بين الكفر والإيمان، ورددتها الآلة الإعلامية الإخوانية مُضخّمةً في نجاح الحزب وعبوره عنق الزجاجة ونجاته من الفخ المنصوب له من أعداء الإسلام في تركيا وخارجها..هو نجاح مهم بكل تأكيد والديمقراطية وآلياتها تفرض علينا احترام خيارات الشعب، هذا لو اعتبرنا أن الانتخابات البلدية هي المقياس الوحيد لشعبية حزب العدالة والتنمية ، ولكن علينا الانتظار إلى ما بعد انتخاب البرلمان والرئيس كي تظهر الصورة أكثر.
3-من المفترض أن تهدأ الأوضاع بعد كل انتخابات، لكن على عكس هؤلاء... أرى أن شخصية الرجل العنيدة والانتقامية قد تُدخل تركيا في صراعات سياسية وعرقية في الفترة المقبلة.
4-أما بالنسبة للحرب السورية فالجمود على ما يبدو قد أصاب الأتراك ، فهم عاجزون عن إعلان الحرب على سوريا بشكل علني في حين يمارسونها بشكل خفي، وفي ذات الوقت لا يستطيعون تفادي خطر الجماعات الإرهابية عن تركيا ،لأن الحدود السورية التركية أصبحت موطناً هاماً لمافيا السلاح وتهريب المخدرات وتسلل الإرهابيين، وهذه السياسة تضر البلدين معاً، وربما نجد مستقبلاً حرباً بين الجيش التركي وأقرب الفصائل المسلحة عداوة للأتراك وهي .."داعش"..التي تسيطر عملياً على محافظة الرقة وتخوض حرباً ضد الأكراد في الحسكة، وهذا يعني أن نطاق عملياتها مجاور لنطاق عمليات الجيش التركي.
من هنا استشعر أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي الحرج، وصرح في مقابلة صحفية أن داعش هي صنيعة النظام السوري، في محاولة منه لاستباق الأحداث إذا ما حدث صدام عسكري بين تركيا وداعش..حتمياً ستخوض تركيا حرباً ضد الجماعات الإرهابية وخصوصاً داعش، الوضع السياسي والعسكري يتجه إلى هذه المعركة، وهي –إذا حدثت-ربما تدخل تركيا معها في أزمات سياسية وعسكرية وعرقية ودينية لم تشهدها من قبل.
فالأكراد استقلوا بمناطقهم في تركيا شعبياً وقد يأتي في الطريق استقلالهم الإداري، فقد أظهرت نتائج انتخابات المحليات الأخيرة أن الأكراد صوتوا لأنفسهم ضد أردوجان ، كذلك فالعلويين على انتشارهم في تركيا إلا أنهم لم ينتفضوا ضد أردوجان إلا بعد اندلاع الحرب السورية، كانوا قبل ذلك يرونه ويرون حزبه الصديق الأمين للعلويين، ذهب ذلك كله بعد أن كشف أردوجان عن وجهه الطائفي البغيض.
5-ربما لا يعلم البعض أن الصحف التركية تتناول الموضوع السوري برؤية طائفية، فالإعلام التركي في معظمه يتناول الحرب السورية كأنها حرب بين السنة والشيعة، وبما أن الأتراك سنة فالواجب منهم أن يدعموا المعارضة السنية مهما كان الثمن..
أردوجان يلعب على هذا الحبل، وربما كان سبباً في بقاء شعبيته وشعبية حزبه بهذا الحجم حتى الآن، فالشعب التركي رغم قلة نسبة الأمية فيه إلا أن العصبية الطائفية تنخر في أوصاله منذ الحرب التركية الإيرانية في منتصف القرن السادس عشر، أي منذ 600 عام كان العثمانيون بقيادة أشهر وأقوى سلاطينهم.."سليمان القانوني".. يحاربون الصفويين الشيعة بقيادة الشاة.."طهماسب الأول"..واستمرت الحرب أكثر من 20 عاماً تحت عنوان.."الحرب السنية الشيعية".
من هذا المدخل يُحيي أردوجان نزعات أجداده الطائفية ويستغلها أبشع استغلال بهدف التمدد وكسب عاطفة العرب السنية.
6-عندما جاء أتاتورك وفرض العلمانية في البلاد كان سلوكه قهرياً يوازي فعل من نشروا أفكارهم وأديانهم بالقوة، وعلى ما يبدو أن حجته في ذلك هي حجة بورقيبة أنه لا يسعى لإقناع شعب جاهل بالتنوير، لأن الثمن سيكون انقلابهم عليه وحربهم الضروس ضده، بينما البديل جاهز وهو أن يُفرض التنوير على البلاد ليعلم من يعلم عن بينة ويجهل من يجهل على شهادة.
وقد بدئوا بخطوة لم أكن أريد أن تُصبح هي الأولى على أجندتهم، لقد بدئوا بالسياسة وفصلوا بين أنظمة الحكم والإدارة وبين الدين ورؤية كهنته وشيوخه وأحبارهم وقساوستهم، ورغم ضرورة هذا الخيار لاستقرار ونماء الدولة إلا أنني كنت أفضل أن يكون التراث هو الشغل الشاغل لأتاتورك وأنصاره.
فقد دارت الأيام ومرت ثم جاء من يكشف هذا التراث مرة أخرى ويزيح عنه غبار العلمانية وينشره بين الأتراك بحُجة السنة، فانتشرت دعاوى الشيوخ بضرورة تقليد السلف الصالح وإعادة مجد الدولة العثمانية، ولكن في ظل قانون صارم يمنع تجاوز العلمانية ومبادئها زعموا أن الإسلام السياسي لا يتعارض مع العلمانية، وأن غاية الدين في الحريات، وأن ما يريده الله من الإنسان هو أن يعدل ويبني هذه الأرض.
ورغم جودة بعض هذه الأفكار إلا أنها كانت عسلاً في سم أردوجان ومن سبقه في حزب الرفاة وزعيمه السابق .."نجم الدين أربكان"..فقد صنعوا مدخلاً فكرياً لنقض العلمانية وإعادة إحياء الخلافة الإسلامية في ثوب علماني، وهذا الثوب بالنسبة لهم مهم جداً في التواصل مع الغرب والشرق، ولكن حين اتجهوا للعرب قدموا أنفسهم بصورة أخرى أقرب لمن يريد وحدة العرب والمسلمين.
لذلك لم أكن أستغرب يوماً أن يجلس أردوجان في أول قمة عربية بعد الربيع العربي في ليبيا عام 2011، وقدم الرجل نفسه بصورة الزعيم العربي والإسلامي التي رأت في الثورات العربية حصان طروادة لتمرير الثقافة العثمانية وإعادة إحياء دولتهم المنكوبة..
7-العرب لا يعلمون عن تركيا كثيراً ومعلوماتهم عنها مثل معلوماتهم عن إيران، لِذا فالعرب لا يطمئنون لتركيا مثلما لا يطمئنون لإيران، والسبب واضح هو اختلاف اللغة والثقافة والأعراق..كانت تركيا في الماضي تتحدث العربية بجانب التركية، ولكن حينما جاء أتاتورك ومنع تدريس اللغة العربية بقيت هذه اللغة في ضمير الأتراك يرون بها العرب أنهم شعب شقيق وأصحاب دين واحد ودم واحد..
8-قضايا الفساد التي لاحقت أردوجان وابنه ربما تتطور إذا عجز الرجل عن تهدئة الأوضاع في تركيا وعقد مصالحات سياسية عامة مع اليسار .. وبخلاف ذلك يجب أن يتصالح مع جماعة فتح الله كولن..فالنسبة التي فاز بها في الانتخابات ليست مطمئنة لأن هناك كتلة تصويتية للدولة استفاد منها أردوجان وهي لن تقل عن 15 % من عدد الأصوات، فلو كانت نسبة نجاحه 46% فهذا يعني أن شعبية حزب العدالة والتنمية في الشارع التركي لا تزيد عن 30%، وهي نسبة لا تحقق له الأغلبية إذا ما فاز بها في انتخابات البرلمان.
2-بعد فوز أردوجان فرح الإخوان لأول مرة بعد هزيمتهم القاسية في يونيو وامتلأت مواقعهم وقنواتهم بكلام الرجل وعِظاته المقدسة، وانتشى السلفيون بهذا النصر العظيم للإسلام..!!...وزادت قناعاتهم بأن أردوجان هو خليفة المسلمين وأمير المؤمنين في هذا العصر..!
صورة أقرب إلى الانتصار في المعارك الفاصلة بين الكفر والإيمان، ورددتها الآلة الإعلامية الإخوانية مُضخّمةً في نجاح الحزب وعبوره عنق الزجاجة ونجاته من الفخ المنصوب له من أعداء الإسلام في تركيا وخارجها..هو نجاح مهم بكل تأكيد والديمقراطية وآلياتها تفرض علينا احترام خيارات الشعب، هذا لو اعتبرنا أن الانتخابات البلدية هي المقياس الوحيد لشعبية حزب العدالة والتنمية ، ولكن علينا الانتظار إلى ما بعد انتخاب البرلمان والرئيس كي تظهر الصورة أكثر.
3-من المفترض أن تهدأ الأوضاع بعد كل انتخابات، لكن على عكس هؤلاء... أرى أن شخصية الرجل العنيدة والانتقامية قد تُدخل تركيا في صراعات سياسية وعرقية في الفترة المقبلة.
4-أما بالنسبة للحرب السورية فالجمود على ما يبدو قد أصاب الأتراك ، فهم عاجزون عن إعلان الحرب على سوريا بشكل علني في حين يمارسونها بشكل خفي، وفي ذات الوقت لا يستطيعون تفادي خطر الجماعات الإرهابية عن تركيا ،لأن الحدود السورية التركية أصبحت موطناً هاماً لمافيا السلاح وتهريب المخدرات وتسلل الإرهابيين، وهذه السياسة تضر البلدين معاً، وربما نجد مستقبلاً حرباً بين الجيش التركي وأقرب الفصائل المسلحة عداوة للأتراك وهي .."داعش"..التي تسيطر عملياً على محافظة الرقة وتخوض حرباً ضد الأكراد في الحسكة، وهذا يعني أن نطاق عملياتها مجاور لنطاق عمليات الجيش التركي.
من هنا استشعر أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي الحرج، وصرح في مقابلة صحفية أن داعش هي صنيعة النظام السوري، في محاولة منه لاستباق الأحداث إذا ما حدث صدام عسكري بين تركيا وداعش..حتمياً ستخوض تركيا حرباً ضد الجماعات الإرهابية وخصوصاً داعش، الوضع السياسي والعسكري يتجه إلى هذه المعركة، وهي –إذا حدثت-ربما تدخل تركيا معها في أزمات سياسية وعسكرية وعرقية ودينية لم تشهدها من قبل.
فالأكراد استقلوا بمناطقهم في تركيا شعبياً وقد يأتي في الطريق استقلالهم الإداري، فقد أظهرت نتائج انتخابات المحليات الأخيرة أن الأكراد صوتوا لأنفسهم ضد أردوجان ، كذلك فالعلويين على انتشارهم في تركيا إلا أنهم لم ينتفضوا ضد أردوجان إلا بعد اندلاع الحرب السورية، كانوا قبل ذلك يرونه ويرون حزبه الصديق الأمين للعلويين، ذهب ذلك كله بعد أن كشف أردوجان عن وجهه الطائفي البغيض.
5-ربما لا يعلم البعض أن الصحف التركية تتناول الموضوع السوري برؤية طائفية، فالإعلام التركي في معظمه يتناول الحرب السورية كأنها حرب بين السنة والشيعة، وبما أن الأتراك سنة فالواجب منهم أن يدعموا المعارضة السنية مهما كان الثمن..
أردوجان يلعب على هذا الحبل، وربما كان سبباً في بقاء شعبيته وشعبية حزبه بهذا الحجم حتى الآن، فالشعب التركي رغم قلة نسبة الأمية فيه إلا أن العصبية الطائفية تنخر في أوصاله منذ الحرب التركية الإيرانية في منتصف القرن السادس عشر، أي منذ 600 عام كان العثمانيون بقيادة أشهر وأقوى سلاطينهم.."سليمان القانوني".. يحاربون الصفويين الشيعة بقيادة الشاة.."طهماسب الأول"..واستمرت الحرب أكثر من 20 عاماً تحت عنوان.."الحرب السنية الشيعية".
من هذا المدخل يُحيي أردوجان نزعات أجداده الطائفية ويستغلها أبشع استغلال بهدف التمدد وكسب عاطفة العرب السنية.
6-عندما جاء أتاتورك وفرض العلمانية في البلاد كان سلوكه قهرياً يوازي فعل من نشروا أفكارهم وأديانهم بالقوة، وعلى ما يبدو أن حجته في ذلك هي حجة بورقيبة أنه لا يسعى لإقناع شعب جاهل بالتنوير، لأن الثمن سيكون انقلابهم عليه وحربهم الضروس ضده، بينما البديل جاهز وهو أن يُفرض التنوير على البلاد ليعلم من يعلم عن بينة ويجهل من يجهل على شهادة.
وقد بدئوا بخطوة لم أكن أريد أن تُصبح هي الأولى على أجندتهم، لقد بدئوا بالسياسة وفصلوا بين أنظمة الحكم والإدارة وبين الدين ورؤية كهنته وشيوخه وأحبارهم وقساوستهم، ورغم ضرورة هذا الخيار لاستقرار ونماء الدولة إلا أنني كنت أفضل أن يكون التراث هو الشغل الشاغل لأتاتورك وأنصاره.
فقد دارت الأيام ومرت ثم جاء من يكشف هذا التراث مرة أخرى ويزيح عنه غبار العلمانية وينشره بين الأتراك بحُجة السنة، فانتشرت دعاوى الشيوخ بضرورة تقليد السلف الصالح وإعادة مجد الدولة العثمانية، ولكن في ظل قانون صارم يمنع تجاوز العلمانية ومبادئها زعموا أن الإسلام السياسي لا يتعارض مع العلمانية، وأن غاية الدين في الحريات، وأن ما يريده الله من الإنسان هو أن يعدل ويبني هذه الأرض.
ورغم جودة بعض هذه الأفكار إلا أنها كانت عسلاً في سم أردوجان ومن سبقه في حزب الرفاة وزعيمه السابق .."نجم الدين أربكان"..فقد صنعوا مدخلاً فكرياً لنقض العلمانية وإعادة إحياء الخلافة الإسلامية في ثوب علماني، وهذا الثوب بالنسبة لهم مهم جداً في التواصل مع الغرب والشرق، ولكن حين اتجهوا للعرب قدموا أنفسهم بصورة أخرى أقرب لمن يريد وحدة العرب والمسلمين.
لذلك لم أكن أستغرب يوماً أن يجلس أردوجان في أول قمة عربية بعد الربيع العربي في ليبيا عام 2011، وقدم الرجل نفسه بصورة الزعيم العربي والإسلامي التي رأت في الثورات العربية حصان طروادة لتمرير الثقافة العثمانية وإعادة إحياء دولتهم المنكوبة..
7-العرب لا يعلمون عن تركيا كثيراً ومعلوماتهم عنها مثل معلوماتهم عن إيران، لِذا فالعرب لا يطمئنون لتركيا مثلما لا يطمئنون لإيران، والسبب واضح هو اختلاف اللغة والثقافة والأعراق..كانت تركيا في الماضي تتحدث العربية بجانب التركية، ولكن حينما جاء أتاتورك ومنع تدريس اللغة العربية بقيت هذه اللغة في ضمير الأتراك يرون بها العرب أنهم شعب شقيق وأصحاب دين واحد ودم واحد..
8-قضايا الفساد التي لاحقت أردوجان وابنه ربما تتطور إذا عجز الرجل عن تهدئة الأوضاع في تركيا وعقد مصالحات سياسية عامة مع اليسار .. وبخلاف ذلك يجب أن يتصالح مع جماعة فتح الله كولن..فالنسبة التي فاز بها في الانتخابات ليست مطمئنة لأن هناك كتلة تصويتية للدولة استفاد منها أردوجان وهي لن تقل عن 15 % من عدد الأصوات، فلو كانت نسبة نجاحه 46% فهذا يعني أن شعبية حزب العدالة والتنمية في الشارع التركي لا تزيد عن 30%، وهي نسبة لا تحقق له الأغلبية إذا ما فاز بها في انتخابات البرلمان.