العبعاطية تجتاح مصر..!!

كمال غبريال في الثلاثاء ٢٥ - مارس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 
الحقيقة أن "عبعاطي" ليس مجرد شخص، ولكنه ظاهرة مصرية. وهو ليس فضيحة بجلاجل للمؤسسة العسكرية وحدها. هو فضيحة شعب بكامله. فضيحة ثقافة مشبعة بالتخلف والخرافة، وتستعصي حتى الآن على اختراق نور العلم والحداثة لها. فالشعب والدولة المصرية، تمر الآن بحالة انفلات سلوكي وتشوش عقلي.
تعريف "العبعاطية": هي مزيج من الدجل والتهريج والعلم بالإيمان، وليس الإيمان بالعلم. هي منهج وفلسفة حياة، تصنع من الهلاوس الفكرية والبصرية عالماً موازياً، نكفن فيه أنفسنا، هروباً من عالم لا نمتلك مقومات العيش فيه. تعتمد العبعاطية تكتيك، كن كذاباً بجرأة وجسارة، ولا تكف عن ترديد أكاذيبك، حتى يصدقك الناس، فعندها ستتحول الأكاذيب إلى حقيقة يعيشونها، لتصير أنت عندها زعيماً أو قديساً. . استخراعات "عبعاطي" الطبية، ذكرتني بانتصارات "عبناصر" العسكرية وإنجازاته الاقتصادية!!
العقل الإنساني بصورته الأولية الخام، التي يولد بها الطفل، لا يكون مؤهلاً لقراءة الواقع، وإدراك علاقاته. يحتاج العقل إلى التدريب على التفكير المنتظم، الذي نسميه الآن التفكير العلمي. يحصل الإنسان على جزء مهم من هذا التدريب، عبر الممارسات العملية في الحياة، عن طريق التجربة والخطأ. لكن في عالمنا الراهن المتشابك والمعقد العلاقات، يحتاج الإنسان لتدريب ممنهج، على التفكير العلمي المنظم. افتقاد العقل للقدرة على هذ النوعية من التفكير، يؤدي إلى تشوش الرؤية، فيبدو حتى الحاصلون على أعلى الشهادات العلمية، كما لو بهيمة تتخبط في طريقها، الذي تسير فيه للمرة الأولى. . هل يبدو الشعب المصري الآن، كما لو قطعان من الجاموس الوحشي، تتصادم أجسادها، وهي تعدو مذعورة؟!!
مع الأسف "عبعاطي واحد مننا". . أظن مثلاً أن كثيرين من كهنة الأقباط الأرثوذكس، يستحقون لقب "عبعاطي" بعد اسم كل منهم!!. . في دفاع أتقياء الأقباط الأصم عن فساد قادة الكنيسة الأرثوذكسية، كنت أشتم رائحة تبعث على الكآبة، وتدفع لليأس من الإصلاح والتنوير، تصورتها "رائحة قبطية". الآن أشتم نفس تلك الرائحة، عند جميع الفرق، وأصحاب جميع التوجهات الفكرية والسياسية والدينية. هي حقاً أمة مصرية واحدة!!
سيكون أكثر فائدة لو تم استبدال الـ 529 المحكوم عليهم بالإعدام، بواحد فقط هو فضيلة الشيخ د. ياسر برهامي!!. . أتعشم أن تصل مصر يوماً للمستوى الحضاري، الذي يسمح لها بإلغاء عقوبة الإعدام من قانون العقوبات المصري. . ليس من شأني البحث عن استحقاق هذا العدد الكبير من الناس حكم الإعدام من الناحية القانونية من عدمه. المحزن هو أن يكون لدينا مثل هذا العدد، وربما أضعاف أضعافه، ممن يستحقون قانونياً حكم الإعدام، لما ارتكبوه من جرائم. الأمة المصرية في أسوأ فترات تاريخها الحديث!!
نعم فاق إجرام الإخوان المسلمين ووحشيتهم كل الحدود. وإذا لم نجد في مواجهتهم إلا دولة جاهلة وعمياء تتخبط، تتلاعب وتتراجع وتتخاذل تارة، وتندفع بحماقة تارة أخرى، فإننا هكذا ندخل بأرجلنا إلى مرحلة ضياع وفوضى وحشية، لم تعرفها مصر في تاريخها الحديث.
بعد 3 يوليو 2013 سقطت عن الإخوان المسلمين قشرة الرياء والخداع الرقيقة، وظهروا على حقيقتهم. جماعة إرهابية دنيئة وعديمة الأخلاق، لا تراعي حرمة وطن أو إنسانية. يقتضي هذا أن تواجهها الدولة بقوة القانون، سواء القانون العادي أو قانون الطوارئ أو حتى الأحكام العرفية. هذا يجب أن يتم بمنهج يليق بدولة قوية وحازمة، لكن لا لمنهج "عبعاطي" في إدارة الدولة المصرية!!
أخيراً آمنت بوجود "اللهو الخفي"، الذي يجعل الدولة المصرية تصدر عنها قرارات وأحكام وتوجهات، غاية في الغرابة والشذوذ!!. . سأفترض معكم أن هناك من يتربص بنا ويتآمر علينا. لكن أستحلفكم إن كان أي من هؤلاء يستطيع أن يفعل بنا، مثلما نفعل بأنفسنا، وببيانات وقرارات وأحكام نصدرها نحن بكامل إرادتنا!!
على مدى العقود الستة الماضية، تعفنت التربة المصرية، وصارت تنفث أبخرة كريهة، وتنتج ديداناً وحشرات بشعة، تسرح منها على الجوار، وعلى العالم كله. . قضيتنا الآن ليست الأمل في مستقبل أفضل. إذا علينا في البداية البحث في كيفية تجفيف هذه التربة، ليضربها نور الشمس، القاتل والمطهر لما بها من أوبئة ومصادر تلوث. بعدها إن نجحنا في هذا، يمكن أن ندخل لمرحلة الأمل فيما هو أفضل.
 
 
 
Kamal Ghobrial
اجمالي القراءات 11467