الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن: «النظام» الحالي يشبه سيدنا سليمان.. يحكم البلاد بعد موته
الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن: «النظام» الحالي يشبه سيدنا سليمان.. يحكم البلاد بعد موته

في الجمعة ٢١ - ديسمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن: «النظام» الحالي يشبه سيدنا سليمان.. يحكم البلاد بعد موته

ما يعرفه القارئ والجمهور المصري من إبداعات محفوظ عبدالرحمن مازال قليلاً، فما عرض من أعماله الدرامية في مصر قليل مثل «أم كلثوم» و«بوابة الحلواني» و«ناصر ٥٦» و«حليم» في حين أن ما قدمه محفوظ عبدالرحمن للشاشة الكبيرة والدراما التليفزيونية كثير، ومعظم هذه الأعمال أنتجته شركات خليجية وعرض في بلدان عربية أخري دون مصر، ومن أشهرها «ليلة سقوط غرناطة» و«المرشدي عنتر» و«عنترة» و«الفرسان يغمدون سيوفهم» و«سليمان الحلبي» و«الكتابة علي لحم يحترق»، فضلاً عن فيلم «القادسية».

ولـ«محفوظ عبدالرحمن» مجموعتان قصصيتان هما «البحث عن المجهول» و«أربعة فصول شتاء»، ورواية «اليوم الثالث».

أما المسرح فهو الأكثر تميزاً في مسيرة محفوظ عبدالرحمن، ويشكل إغواءً للمخرجين في مصر والعالم العربي، ومن أعماله «ما أجملنا» و«كوكب الفئران» و«حفل علي الخازوق» و«بلقيس» و«عريس لبنت السلطان» و«السلطان يلهو»، غير أن حظ محفوظ في التسجيل التليفزيوني لما تم تنفيذه من هذه الأعمال كان عاثراً.. وإلي نص الحوار:

كتبت القصة القصيرة والرواية والمسرح، وكتبت للسينما والتليفزيون، غير* أننا لا نقف علي «قسمة العدل» بين هذه المجالات في مسيرتك، وقد تميز عطاؤك في مجالات دون أخري؟

- لأنك حينما تكتب في مجالين أو أكثر لابد أن يحظي أحدهم باهتمام أكثر من الآخر، وأنا لسوء الحظ، أو لحسن الحظ، أكتب في أكثر من مجال، وهذا سلاح ذو حدين، فلا أحد يكتب في أكثر من مجال ويتوقع أن يكون جيداً علي المستوي نفسه في كل هذه المجالات، ولا يستطيع أن يحقق «قسمة العدل» بين كل هذه المجالات إذ لابد أن يطغي مجال علي آخر، والمسرح في مسيرتي يحتل المكانة الأقرب، وهو الأحب إلي قلبي، رغم أنني بدأت حياتي قاصاً.

* إذن فلماذا لم يحظ مسرحك بالمزيد من اهتمامك؟

- لأن حالة الإبداع خارج نطاق التخطيط والنوايا المسبقة، فهناك ظروف أخري تفرض عليك العطاء في مجال أكثر من آخر.

* لماذا لم يتم تسجيل ما تم تنفيذه من أعمالك المسرحية؟

- بصراحة، لأنه مسرح «مايتسجلش».

* وماذا عن عملك الرائع والتعيس في نفس الوقت «السلطان يلهو»، الذي تعثر تنفيذه في مصر والدول العربية؟

- بدأت بروفات لهذا العمل في مصر، وفي أكثر من بلد عربي، ثم توقفت.. أو أوقفت لا أدري.

* لك رصيد هائل من الأعمال الدرامية التي تم إنتاجها وعرضها في الخليج ودول عربية أخري، لماذا لم ينتجها التليفزيون المصري، ولماذا لم يشاهدها الجمهور المصري؟

- في عام ١٩٧١ انقطعت علاقتي بالإعلام المصري، وهذه القطيعة كانت من جهة الجهاز الإعلامي المصري وليس من جهتي، بمعني أنهم «قفلوا السكة في وشي»، لأنهم تصوروا أنني معارض، وهذه التهمة الجاهزة كانت شائعة آنذاك، حتي إنها طالت بهاء طاهر وإبراهيم الصحن وصلاح زكي وسميرة الكيلاني، وغيرهم كثيرون، وأشاح الإعلام المصري عني بوجهه وأغلق الباب في وجهي، باعتباري كاتباً غير مرغوب فيه، فكان من الطبيعي أن أبحث عن مكان آخر لكي أعيش، واستمر هذا الوضع ١١ عاماً، فأنجزت الكثير من الأعمال لدول الخليج، وقد عرض مسلسل «عنترة» في مصر لمرة واحدة، إذ نظروا إليه علي أنه عمل تعليمي وكانت قصة عنترة مقررة علي المدارس آنذاك.

* أعتقد أن لك أعمالاً عرضت مرة واحدة أيضاً في مصر؟

- نعم «الكتابة علي لحم يحترق» و«المرشدي عنتر» وتم عرضهما لمرة واحدة بعد عرضهما في الخليج ٨ سنوات.

* عملك الدرامي «الكبرياء يليق بالفرسان» أنجزته لتليفزيون العراق، هل عرض هذا العمل هناك في عهد صدام حسين؟

- نعم طبعاً.

* وهل شاهده صدام؟

- ما اعرفش.

* هل أعجب العراقيين؟

- برضه ما اعرفش.

* أكيد أنه كانت هناك مؤشرات لنسبة المشاهدة؟

- أكيد أعجبهم.

* وهل أعجب السلطة العراقية، ألم تكن لهم أي تحفظات؟

- أنا أكتب فقط.

* أنجزت أعمالاً أخري لدول عربية أخري مثل «الزير سالم» لتليفزيون الكويت و«الكتابة علي لحم يحترق» لتليفزيون تونس و«مصرع المتنبي» و«الفرسان يغمدون سيوفهم» لتليفزيون قطر.. ألم يحن الوقت لعرض هذه الأعمال في مصر؟

- الإعلام المصري لم يمانع في هذا، بل تلقيت ترحيباً بعرض هذه الأعمال من الوزير، غير أنني قلق بشأن عرض عمل من أعمالي ويراه الجمهور المصري لأول مرة، في حين أن نصف نجوم العمل رحلوا عن دنيانا.

* لكن توثيقها بعرضها في مصر مطلوب، فهي الأولي بهذا، كما أن هذا سيجنبها السطو الذي قد تتعرض له؟

- النهب حدث بالفعل، وهو نهب سوري، فمثلاً مسلسل «ليلة سقوط غرناطة» عرض في كل تليفزيونات العالم العربي إلا مصر، وعقدت حوله ندوات كثيرة، وكتب عنه الكثير من المقالات.. ورغم شهرته هذه علي المستوي العربي، فإنه يجري الآن تصوير مسلسل بعنوان «آخر أيام غرناطة» بل هناك مسلسل سوري آخر بعنوان «عنترة» يجري تنفيذه أيضاً، وهذا يقلقني جداً.

* لكن لماذا التاريخ تحديداً، هل لأن التاريخ العربي كثيراً ما يعيد نفسه، أم لأن مساحات الدراما في التاريخ أكثر ثراءً وإثارة، وقماشته أكثر اتساعاً؟

- أولاً لماذا؟.. أقول لأن التاريخ يتلبسني بشكل غريب، وثانياً لأن التاريخ العربي ثري وموثق وموجود ومتوفر، وليس كتاريخ إنجلترا مثلاً المليء بالمساحات المجهولة، هذا فضلاً عن أن التاريخ العربي غني بالصراعات، وصعود عهود واضمحلال أخري.. وهكذا.

* أي شيء من هذا التاريخ يشكل جذباً لك؟

- جوهر التاريخ وفلسفته وما ينطوي عليه من قيم وعبر.

* وهل يتعلم العرب من دروس التاريخ.. هل يتعلمون من ماضيه وآلية تكراره؟

- عدم تأمل تجارب الماضي والتعلم منها لا يقتصر علي العرب، وإنما الغرب أيضاً لا يتعلم من تجارب الماضي ولا يتعظون منها، لكن هذه الظاهرة لدينا «فظيعة» فكثيراً ما تتكرر الأحداث والوقائع بالتفاصيل نفسها وأبطالها يعرفون هذا جيداً وأنهم يعيدون لعب نفس الأدوار القديمة التي ستؤدي بهم إلي الهلاك، لكنهم يلعبونها.. للأسف الشديد استفادتنا من دروس التاريخ منعدمة.

* باعتبار أن الشخصية المحورية في «بوابة الحلواني» كان الخديو إسماعيل ألا تلاحظ أنه حينما تراكمت الديون علي مصر بعد حفر قناة السويس كان إسماعيل يبيع أملاكه لسداد ديون مصر، وأننا الآن نبيع أملاك ومقدرات الشعب المصري للنهوض باقتصاد الدولة فيما يسمي بالخصخصة.. يعني عكس ما كان يفعله إسماعيل؟

- «شوف».. أولاً الحالة التي نحن فيها الآن مرت علي معظم بلدان العالم لكن غالباً ما كانت الأنظمة تضطلع بحل هذه المشكلة لأن النظام هو المستفيد الأول من حل مشكلات البلد لأنها ستصب في مصلحة الناس، إلا «النظام اللي احنا فيه دلوقت» فهو إذا سعي لحل مشكلة ما فإنه يحلها بحيث تصب في صالحه هو. والغريب جداً أن هناك أمراً ما سيقف عنده التاريخ كثيراً ويتأمله، أنه ليست هناك أي محاولة لعمل شيء صحيح.


* أليس من المفارقة أيضاً أنه في ظل هذا النظام وفي مصر هبة النيل أن تندلع ثورات للعطش في مصر؟

- هذا لم يحدث في تاريخ البشرية إلي الآن، أن تقوم مظاهرات تطالب بحقها في مياه نظيفة إلا في مصر، وحين اندلعت الثورة في فرنسا كانت تطالب بالخبز والعدل والحرية، وحتي إن لم يكن لدينا نهر النيل فإن هذا لا يحدث في أي بقعة من العالم، والمدهش أن تفاجأ بأن الوزير المسؤول عن الكارثة بدلاً من أن يقدم استقالته، نجده يصرح قائلاً: «إن مفيش دولة في العالم مسؤولة عن توفير مياه الشرب لشعبها»... هل هذا معقول؟!.. هذا كلام غريب جداً، في حين تجد في الأردن وقبل اندلاع مظاهرات العطشي عندنا بأسبوع، أن حدث تلوث في المياه في إحدي المناطق الأردنية، فاستقال الوزير المسؤول ولم يقل «وأنا مالي».

المرعب، أنك إذا سألت أحد المتخصصين في المياه، فيقول إنه ليس في مصر مياه صالحة للشرب علي الإطلاق، بما في ذلك المياه المعدنية «طيب نعمل إيه؟»... بل «الحكومة دي بتعمل إيه؟» إذا كان لزاماً عليك لكي تشرب مياهاً نظيفة أن تقوم بغليها لتشرب ماءً هو أشبه بالدواء.

* هل شاخ هذا النظام؟

- لا... بل مات.. لكنه أشبه بسيدنا سليمان.. الذي ظل يحكم حتي بعد موته.


* لم تحدثنا عن الخصخصة؟

- هم يتكلمون عن البيع لدعم البنية الأساسية، وهذه نكتة في حد ذاتها وأسأل: أين البنية الأساسية إذا كان الشارع الذي يمشي عليه رئيس الوزراء «بايظ» باعترافه.

* ارتبطت القروض بنهايات غير سعيدة فقديماً اقترض الخديو إسماعيل وتراكمت الديون وفوائدها وانتهي الأمر بوصاية فرنسية إنجليزية علي اقتصاد مصر ثم خلع إسماعيل وفي عهد عبدالناصر بعد فشل مساندة البنك الدولي لبناء السد أمم جمال القناة، وكان العدوان الثلاثي... فهل هذان الدرسان ماثلان أمام النظام الحالي لذلك يذعن تماماً لأوامر البنك الدولي؟

- المال دائماً مرتبط بالسياسة، وقديماً قالوا إن السفن التجارية تتبعها الجيوش، والحقيقة أن مصر كانت دائماً مستهدفة منذ ضعف الدولة العثمانية، وكان إسماعيل طموحاً في بناء دولة قوية وكان جائزاً له الاقتراض لبناء دولته الحديثة وانتهي الأمر بأن المليون الذي كان يقترضه كانت عليه فائدة ثمانية ملايين، وكان هذا مخططاً غربياً.. مما استتبع وجود الوزيرين الفرنسي والإنجليزي.

* وماذا عن عبدالناصر؟

- الاقتراض من البنك الدولي حق مكفول لكل الدول النامية، والناهضة، وقد رفض البنك الدولي منح قرض لعبدالناصر ليس لأسباب متعلقة بالمشروع، وإنما لأسباب متعلقة بالسياسة، إذ كانوا يشترطون بوضوح تحسين علاقة مصر بإسرائيل والدخول في أحلاف، وأدرك عبدالناصر أن القضية (لا هي تحسين علاقة بإسرائيل ولا هي أحلاف)، ولكنه أدرك ما هو أبعد من ذلك وهو أن الصندوق (أو الغرب عموماً)، لم يكن يريد لمصر أن تعتمد علي نفسها وكان ناصر في مايو ١٩٥٦م، قد فاجأ الجميع بقبول شروط البنك الدولي فيما يعد كشفاً لنوايا البنك الحقيقية فأسقط في يد البنك، وسارع برفض التمويل، وقالوا إن الاقتصاد المصري غير مؤهل لتحمل هذا المشروع.

* وكيف تري علاقة النظام الحالي بالبنك الدولي؟

- أنا لا أعرف معلومات كثيرة لكنني أحياناً أفاجأ بحجم وطبيعة الإذعان المصري له، وفي واقع الأمر فإن النظام المصري «إتفك وما عادتش فيه صامولة راكبة مع صامولة تانية، وكل واحد بيعمل اللي هو عايزه بحيث يصب في مصلحته هو، للأسف النظام ده ماعدش عنده دم»، إن هذا الإذعان مثلاً يصل لحد التدخل في مناهج الدراسة في المدارس... وأسأل: «يعني إيه رجل وابنتاه انتحروا عشان مش لاقيين ياكلوا ولا تحدث هزة في النظام.. ولا المجتمع»؟!

* دعنا من النظام.. فماذا عن المجتمع؟ لماذا لم يهتز هو أو يتحرك؟

- أصابته العدوي من النظام، فمثلما يفعل النظام كل ما يريد دون أن يراجعه أحد، ومثلما هو متبلد إزاء كل ما يحدث من انتهاكات إنسانية، فكل واحد من هذا المجتمع يسلك نفس المسلك، وأسألك هل تستطيع إنجاز أي أمر يخصك من أي مصلحة دون أن تدفع رشوة؟ لا يمكن.

* وماذا عن الخصخصة هل هي شرط داخلي أم خارجي، هل حتمته ظروف الداخل أم فرضته وصاية الخارج؟

- لا أعتقد أنه شرط فرضته الظروف الداخلية، ولكنه شرط من الشروط بفرض الطابع الرأسمالي، لكي نكون نظاماً رأسمالياً، والحقيقة أنه ليست لدينا الفرصة لنكون نظاماً رأسمالياً فالنظام الرأسمالي يعني مصانع والمصانع الآن يتم تفكيكها وبيعها، والنظام الرأسمالي يعني أننا بصدد بناء مشاريع كبري، لكننا نفكك كل المشاريع الكبري، ومشاريعنا الكبري هي «الشيكولاتة والبيبسي والشيبسي والبونبون»، وليست لدينا صناعات ثقيلة، وهذا هدف من أهداف - «إخواننا إياهم اللي في الخارج».

* تناولت تاريخ قناة السويس في عملين من أعمالك وهما «بوابة الحلواني» و«ناصر ٥٦»، ألا تخشي أن تعود القناة لسنوات الامتياز في «هوجة الخصخصة» أو يتم بيعها أيضاً؟ ونحن بصدد هذا الإذعان؟

- حتي في سنوات الامتياز، كانت القناة ملكاً لمصر، والمخيف فعلاً أن هناك شائعات قد سرت عن خصخصة القناة، رغم نفي النظام، وأخشي أن يحدث هذا.

* أصبح باديا للعيان تراجع الدور الريادي المصري علي جميع المستويات فهل مرد هذا التراجع سياسي أيضًا، إذ غاب تأثير مصر السياسي في محيطها العربي والإقليمي؟

- أولاً الدور السياسي غاب ولم يعد له وجود، وقد أصبحنا الآن في آخر الصف العربي، والدور المصري الآن تابع للسعودية، وحينما يكون دورنا السياسي رديفًا للدور السعودي فإننا بالتبعية سنتعاطي الثقافة السعودية التي فرضت شروطها وتبدي تأثيرها الطاغي علي الشارع المصري، وعلي الذهنية المصرية التي كانت خلاقة علي مدي التاريخ، والدور الثقافي والمعرفي والسياسي والفني الرائد لمصر لم يعد له وجود، وقل لي بربك هل يمكن أن يكون لشعب ما في العالم دور ريادي وهو يصدر مائة ألف خادمة لدول أقل شأنًا من دولته؟! عن أي دور تتكلم ياعزيزي.. و«الكلام» تليفزيونات وصحف رسمية.

* المهم أننا نصدر شيئًا والسلام؟

- بعدما كنا نصدر الأطباء والمدرسين والمهندسين والعلماء نصدر خادمات هل عدنا لعهود الاتجار في الرقيق.. يا سيدي من هانت عليه نفسه هان، لقد تقاعسنا ولا يتعين علينا أن نلوم من تلقف الدور منا.

* لماذا قل إنتاجك من الدراما التليفزيونية في السنوات الأخيرة؟

- لأن الإعلان أصبح يسيطر علي التليفزيون، وأول ما تسأل عنه هو من معك من النجوم ولأن الأعمال الدرامية أصبحت «فاترينة» إعلانات.

* بعد فيلم «ناصر ٥٦» تم تصنيفك من الناصريين، فهل أنت ناصري؟ وإذا كنت ناصريا فهل كان ذلك طوال عهد عبد الناصر أم منذ التأميم أم بعد وفاة عبد الناصر؟ أم بعد مقارنة عهد عبد الناصر بعهد الرئيسين السادات ومبارك؟

- أنا لم أعترض علي وصف البعض لي بعد فيلم «ناصر ٥٦» بأنني ناصري فهذا شرف لا أدعيه، وأنا محب لعبد الناصر، وفي تصوري أنه يختلف عن كل الزعماء، وربما كان في عهده أشياء لم أكن راضيا عنها، لكن حين تكون في موقع السلطة، فإن هذه السلطة تدفعك للقيام بأشياء لست راضيا عنها بالضرورة، أنا محب لعبد الناصر لكنني مثلما قال عبد الناصر نفسه «لست ناصريا» وهي عبارة قالها حينما عرضوا فكرة تأسيس حزب، والناصريون الموجودون في مصر الآن «مخلصين وغير مخلصين» يسببون لي إزعاجًا شديدًا، لأنهم تقوقعوا في خندق الدفاع عن عبد الناصر وعن أفكارهم الناصرية، والخندق يضيق بهم يومًا بعد يوم.

لقد ثبتوا الناصرية عند عام ١٩٧٠ علي أكثر تقدير، وهناك متغيرات تفرض عليهم أن يفكروا مثلما كان يفكر عبد الناصر، وعليهم أن يطوروا أفكارهم الناصرية فالزمن تغير، وعبد الناصر إذا كان موجودًا إلي الآن، لتوافق مع معطيات زمننا هذا.

* لماذا ترفع بعض جماهير النخبة صور عبد الناصر الآن؟ ألا يعني هذا أن أشواقًا ناصرية تلح عليهم، ومازالت تلوح في الأفق؟

- كما قلت لك إن المبادئ الرئيسية لا خلاف عليها بل هي المطلوبة الآن، علي أن يتم تحديثها.

* وأي المبادئ أولي بأن نتبناها في هذه المرحلة.. مبادئ عبدالناصر أم مبادئ عهد مبارك؟

- أنت «بتهزر».. ؟ نحن نعيش نظامًا لا مبادئ له علي الإطلاق، والفكرة الوحيدة التي يعلي من شأنها هذا النظام.. هي التعاون مع أمريكا، وإسرائيل، والخصخصة وفكرة أن يهتم كل بشأنه الخاص «ويشوف حاله».

* هل هذه الانتعاشة الإخوانية التي شهدناها بدءًا من الانتخابات البرلمانية الماضية.. قادرة علي مواجهة المأزق الراهن.. بفضل فلسفة شعار «الإسلام هو الحل»؟

- هذا شعار مخادع، وإذا كان لهذا الشعار منهج فليطرحوه، وأنا أري التجربة السياسية للإخوان غير ناضجة بدليل تجربتهم في غزة التي كانت من التجارب القصيرة، ولعلني أذكر أنه حينما أتت «حماس» علي رأس الحكومة الفلسطينية أن أول خطاب لوزير الثقافة الحماسي قال فيه: «إن هذا المسرح لن تقف عليه أنوشكا بعد الآن»، و«أنا مش فاهم هي أنوشكا عملت له إيه»؟ هل باعت الأرض الفلسطينية أم تاجرت بالقضية أم قامت بحملات مناهضة لحماس؟ ألم يكن من الأولي بهذا الوزير أن يقول: إن هذا المسرح لن يقف عليه أولمرت مثلا أو جندي إسرائيلي مثلاً!!

* كانت لك اعتراضات علي فيلم «حليم» بعد خروجه للنور، ما أهم هذه الاعتراضات، وما هي النسبة التي تم تصويرها مما كتبته أنت؟

- جزء كبير جدًا مما كتبته تم تصويره ولكن هناك خلطًا مثل تقديم مشاهد وتأخير أخري وإضافة حوارات.

* هل أنت راض عن الفيلم؟

- لا.

* لم تقل شيئًا عن المساحة التي سيكتبها التاريخ عن ربع القرن الأخير ومن حيث طبيعة ما سيكتبه؟

- المساحة ستكون كبيرة لكثرة المتغيرات، والتحولات السيئة التي طرأت وأزعم أنني لو كنت ذلك المؤرخ الذي سيؤرخ لهذه الفترة فإنني سأتبع أسلوب المقارنة كأن أقول إن الأوضاع كانت علي النحو الفلاني. وأصبحت بعد ٢٥ سنة علي النحو العلاني.

* ولو كتبت مسلسلاً عن الفترة من ١٩٨٠ إلي الآن؟

- الدراما فن جاذب، والناس تحب مشاهدة الدراما لأنها غنية بالفواجع والمتناقضات والهبوطات التراجيدية، وربما أجسده كالآتي: «أن شخصًا مات أو رحل أو هاجر منذ ثلاثين عامًا ثم عاد إلي الحياة أو إلي مصر بعد هذه الفترة فسيصدم وسيقول إنها ليست مصر التي كان يعرفها، ولظن أنه في بلد آخر».

* كانت هناك بعض المآخذ علي مسلسل أم كلثوم، فبرغم ما تحتله منيرة المهدية «سلطانة الطرب» من مكانة مهمة في تاريخ الغناء العربي فقد ظهرت كمتآمرة علي أم كلثوم؟

- أولاً لم يتم المساس بمكانة منيرة المهدية ولا بموقعها ودورها علي خريطة الغناء العربي بل علي العكس، ولكننا كنا بإزاء مدرستين غنائيتين، وهي مدرسة بمبة كشر «التي تنتمي إليها منيرة المهدية»، ومدرسة الغناء الطالعة من فن الإنشاد الديني، التي تنتمي إليها مدرسة أم كلثوم، والتي كانت تري أن الله يدعمها وسيحميها من كيد الكائدين،

أما منيرة المهدية فقد كانت تفكر بطريقة مختلفة جداً، فقامت بتدبير «المقالب» لأم كلثوم، ثانيا المسلسل تعرض لهذه الشخصيات عبر عين أم كلثوم، وليس وفق تاريخ أم كلثوم، وفي سياق المعركة الدائرة بين أم كلثوم ومنيرة كتب محمد حمدي بهجت في مجلة المسرح آنذاك بإيعاذ من منيرة، وأنا عرضت للجانب الشرير في منيرة المهدية مع أم كلثوم، لأن هذا ما حدث بالفعل ومنيرة كانت ضدها،

لكن ممن لاموني علي هذا محمد الدسوقي ابن شقيقتها الذي قال لي إن أم كلثوم اصطحبته لزيارة منيرة المهدية في مرضها الأخير وقدمت لنا زجاجة كوكاكولا وفتحتها وشربت منها وقدمتها لأم كلثوم، وقال لها «عشان ما يخطرش علي بالك إني حطيت سم» وليس مطلوباً مني «إني أطبطب علي الشخصيات وأتغاضي عن أفعالها في الواقع».

اجمالي القراءات 6033