حلم مصري بحياة أفضل
كمال غبريال
من الصعب في ظل ما ترتب على ما سمي "الربيع العربي"، الحلم بحياة أفضل. فأقصى ما تطمح إليه الشعوب التي طالتها آثاره الآن، هو العودة إلى الاستقرار والأمان الذي كان. رغم أن ما كان هو أبعد ما يكون عن الحياة التي يمكن أن ترتجى. مع ذلك يبقى دوماً للحلم مكاناً ومكانة في النفوس. ويبقى قوة تعيننا على احتمال معاناة الحياة. هذا بالطبع ما لم يكن منقطع الصلة تماماً عن مقومات الواقع، وأقرب لأن يكون ما يسمى أضغاث أحلام.
تحتاج مصر في المرحلة القادمة، إلى إنهاء حالة العداء والسلام البارد مع إسرائيل، بإقامة علاقات طبيعية وتعاون أمني واقتصادي وعلمي معها، بما يحقق مصالح الشعبين المصري والإسرائيلي، ما لابد وأن ينعكس إيجابياً على سائر شعوب المنطقة، وفي طليعتها الشعب الفلسطيني، الذي كان الضحية الأولى والمأساوية لهذا الصراع. فلابد من تجفيف مستنقع الصراع والعداء في الشرق الأوسط، لنبدأ في بناء مستقبل مختلف كل الاختلاف. فالسلام الحقيقي مع إسرائيل، والذي لا ينفصل عن تصالح هذه الشعوب مع نفسها، ومع سائر مكوناتها، هو بوابة شعوب الشرق الأوسط، للخروج من النفق المظلم، إلى رحابة عصر العولمة وحضارته.
مطلوب لنا أيضاً في المرحلة القادمة، تحريض الناس على الثقة بالعلم، واعتماده منهجاً وهادياً في الطريق نحو حياة أفضل. وأن ننحي جانباً بكل توقير واحترام ميراثنا الخرافي. نغلفه بورق السوليفان، ونضعه على رف في غرفة مغلقة إلى الأبد!!. . لعل أهم ما يعوق تطور الشعب المصري وتحديث البلاد، هو صعوبة اكتشاف حجم الأكاذيب التي نعيش في ظلها، في جميع نواحي حياتنا. ثم صعوبة تطهير عقولنا وسيكولوجياتنا من تأثيرات هذه الأكاذيب.
مطلوب حكام ومعهم صفوة سياسية وثقافية، تشجع الشعب المصري على الانفتاح على العالم بشعوبه وثقافاته، لا أن تخيفهم بدعاوى المؤامرات التي يدبرها العالم لنا. . نريد العصر القادم أن يكون عهد الانفتاح، لا عهد الانغلاق والانكفاء على الذات. فالحقيقة أن روح العداء والكراهية التي يتسم بها تنظيم القاعدة، هي ذات الروح التي تسود منطقة الشرق الأوسط تجاه العالم الحر والمتحضر، والفارق الوحيد بين أسامة بن لادن وأصحابه، وبين النخب المثقفة في سائر الشعوب العربية، هو أن تنظيم القاعدة يمارس بالقتل والتفجير ما يؤمن به أيديولوجياً، وسائر النخب تكتفي بالممارسات الميكروفونية، لبث ذات أفكار العداء للعالم، وإن بمفردات واصطلاحات مختلفة. الآن علينا أن نتطهر من فكر الكراهية والعداء للعالم تحت أي مسميات أو أيديولوجيات، لكي نترك الفرصة لشعوبنا لتبدأ مرحلة البناء الحضاري، علها تستطيع أن تعوض ما فاتها من مسيرة الحضارة الإنسانية.
نظرتنا لأنفسنا أو هويتنا، هي نقطة البداية لأي مسيرة حضارية. فقد نعتبر أنفسنا جزءاً مما نسميه الأمة العربية والإسلامية، مع ما أثبتته العقود الماضية، من ارتباط هذا المفهوم بالعداء للعالم وللحضارة المعاصرة، وانعدام أي محاولات جادة لترجمته إلى إنجازات عملية، تحقق مصالح الشعوب. وقد نعتبر أنفسنا جزءاً من القبيلة الإنسانية، بما يترتب على ذلك من انفتاح على العالم وحضارته، ما لم يتناف مع خصوصية أي من الشعوب التي التحقت بركب الإنسانية، مثل شعوب أمريكا اللاتينية، وشعوب شرق وجنوب شرق آسيا. هو خيار حاسم، لا أظن أنه يقبل أنصاف الحلول.
بغض النظر عما تطلقه تيارات الإسلام السياسي من قنابل دخان، تعمي العيون عن متطلبات الواقع، وتذهب إلى عودة لمجاهل الماضي، بقيمه ونظمه السياسية والقانونية والاجتماعية. فإن الأهداف الوطنية يكاد يكون هناك اتفاق وإجماع عليها، لينحصر الخلاف في الطرق والسياسات التي ستتبع لتحقيقها، ومدى الجدية والجدارة للقيام بهذه المهمة. لذا فإن الأحاديث المكرورة عن أهداف مثل الرفاهية وتحسين مستوى المعيشة وما شابه، دون توضيح الخطوط العريضة للسياسات، سيكون مجرد قصيدة عصماء من قصائد العرب، في الفخر والحماسة والهجاء والرثاء. أو يكون تشكيلة أكاذيب عن مشاريع وهمية، كتلك التي قدمتها عصابة الإخوان المسلمين الإرهابية باسم "مشروع النهضة"، وتلك التي نراها تتشكل الآن أمام أعيننا، بهلاوس الاختراعات الطبية للقوات المسلحة، ومشروع ربط نهر الكونغو بنهر النيل. وهذا نموذج لبرنامج انتخابي رئاسي، نظنه كاف لتوجيه مسيرة مصرية نحو الحداثة:
• السياسة الخارجية في خدمة السياسة الداخليةـ تحقيقاً للأهداف الاقتصادية والأمنية والثقافية المحددة بالخطط الوطنية. وتسير السياسة الخارجية على نهج الانفتاح على سائر دول العالم، مع اعطاء المزيد من الاهتمام لدول المحيط الإقليمي والإفريقي. وأن يتم حل جميع المشكلات مع دول العالم بالحوار، توصلاً للصالح المشترك. حيث تكون المنافسة الشريفة لا الصراع، هي سمة المقاربة في عالم تتشابك وتتعقد علاقاته. وفقاً لرؤية أن مصالح الشعوب لا تتناقض، لكنها إساءة إدارة الحكومات للعلاقات بين الدول، هي التي ينتج عنها الصراعات التي تضر وتدمر مصالح الشعوب.
• لا يمكن الحصول على حياة سياسية ديموقراطية وفق المواصفات العالمية، بمعزل عن منظومة اقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية، على ذات المستوى من الحداثة، وهذا ما سنعمل جميعاً على تحقيقه، وفق خطط تفصيلية، سنكلف بها كافة مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، كل في تخصصه.
• المجتمع المدني في عصرنا هذا، يلعب دوراً رئيسياً في كافة مجالات الحياة المعاصرة، ومنها الرقابة الشعبية على أداء المؤسسات العامة والخاصة. وسوف نقوم ببحث كيفية تشجيع المجتمع المدني على النهوض بدوره، وإزالة سائر المعوقات عن طريقه، ومن بينها المعوقات القانونية.
• مشاعر الانتماء الوطني، تكون مجرد لغو أو نفاق، ما لم تنبع من تمثل واستيعاب المواطن لارتباط مصالحه الشخصية، بسائر أجزاء الوطن ومواطنية. ما يتطلب خططاً قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، لتوصيل فرص العمل والمرافق والخدمات الحكومية بمختلف أنواعها، وبجودة عالية، لجميع المواطنين في سائر أنحاء البلاد، مع إعطاء المزيد من الأولوية والرعاية للمناطق المحرومة والمهملة.
• لن تكون القرارات في أي من شئون الدولة فردية، مصدرها الرئيس أو صاحب الوظيفة الأعلى في أي مؤسسة، بل ستعتمد صناعة القرارات في كل المجالات على العمل المؤسسي ومراكز الأبحاث المتخصصة، لتعرض هذه بدائل القرارات وفق أولوياتها على متخذ القرار، الذي يتحمل المسئولية السياسية بعدها عن خياره.
• "تمكين الشباب" لا يصح أن يكون مجرد شعار خاو المضمون، أو رشوة لبعض النشطاء بوظائف حقيقية أو شرفية، لكن سنعمل باتجاهه على أكثر من محور. أولها إتاحة فرص التعليم والتدريب الجيد للشباب، لتأهيله للعمل وفق المواصفات العالمية. وإتاحة قروض ميسرة للشباب، لبدء مشاريعهم الخاصة، الصغيرة والمتوسطة الحجم، ومساهمة الجامعات ومراكز الأبحاث الحكومية في مساندتهم بالجهد العلمي ودراسات الجدوى والمعرفة التكنولوجية. تطوير لوائح العمل بجميع المؤسسات الحكومية، لتكون الترقية والعلاوات وفقاً للجدارة الوظيفية والمهنية، وليست وقفاً على الأقدمية.
• إعادة هيكلة وتأهيل الاقتصاد المصري على أسس علمية، ليتوافق مع ظروف البلاد، ومع المعايير العالمية الراهنة للنظم الاقتصادية الحديثة، بما يكفل انخراط مصر وتكاملها اقتصادياً، مع التكتلات الاقتصادية الإقليمية والعالمية. وبما يؤدي لاستفادة جميع شرائح المجتمع وقطاعاته الجغرافية بعوائد التنمية. وسيتم وضع خطط عاجلة، وأخرى متوسطة المدي، لتحقيق ذلك خلال أربعة أعوام على أكثر تقدير.
• الثروة البشرية تكاد تكون المورد الوحيد المتاح بوفرة في مصر، إذا تم تحويل الكتلة السكانية إلى ثروة من أصحاب المهارات والمعارف. هذا لن يتحقق إلا بثورة شاملة في نظم التعليم والتدريب المصرية. وسوف يتم عمل خطط قصيرة ومتوسطة المدى لتحقيق ذلك.
• الرعاية الاجتماعية والصحية من قبل الدولة للمعوقين وكبار السن. والقضاء على الفقر بالبلاد، عن طريق التأهيل المهني لمن لم تتح له الفرصة لتلقي تعليم وتدريب عال المستوى. بحيث نمكن الطبقات المهمشة من المجتمع، لتكون قادرة على الإنتاج وبذل الجهد الذي يكفل عائده لها حياة كريمة.
• التنوع الثقافي والسياسي والعقائدي وحريته مصدر ثراء لا فرقة، والأفكار والجماعات المعادية لهذا التنوع وتلك الحرية، لن يكون لها مكان في مصر، ومهمة الدولة الأولى في المرحلة القادمة، القضاء النهائي على النوازع التي تستهدف الوطن وحرية أبنائه ووحدة جميع مكوناته. ونعتزم تحقيق ذلك فورياً، بكل حسم وجدية وجهد.
kghobrial@yahoo.com
ايلاف