أفكـــار للتأمــــل
XV
* التفكير الناقد المفسر نوع من الرؤية البعيدة الجارحة المكتشفة لما وراء الأقنعة الكثيفة المختلفة ولما تحت الظلام، المقتحمة لأبعاد الحدود والحواجز. إن الفاسدين والضالين من الحكام والزعماء والمعلمين ليرتجفون أمام الفكر الفاحص كما يرتجف البدن المتحول إلى هدف لأقوى الضربات القاتلة المسددة بغضب وحقد. النظرات الفاحصة قد تغضب أو تحرج أو تخجل، أما التفكير الفاحص فقد يقتل. والناس يتقون النظرات الفاحصة بالملابس والبيوت وأمثال ذلك، ويتقون الأفكار الفاحصة بالمذاهب والعقائد وبكل أساليب الخداع والكذب والدعايات، وبتحريم التفكير والمعاقبة عليه وبالقوانين المختلفة.
***
* إن أية جماعة لا بد أن تتمرد على هوانها وشقائها لو أنها استطاعت أن تتحول من مصدقة إلى مفكرة ناقدة، فالتفكير الناقد هو النبي والقائد والصديق والرؤية البعيدة المخترقة لكل الحجب، وهو كذلك الغضب الفعال.
* ولكن كلا ، فالخروج من الهوان والشقاء ليس حالة فكرية بل حالة سلوكية وتعبيرية. وقد يكون أكثر الناس وأعمقهم تفكيرا هو أكثرهم استسلاما للهوان والشقاء، أو أعجزهم عن التخطي لهما، وقد يحول المفكر العظيم تفكيره إلى نبوة يشرع بها ما يلقى من تعاسة ومهانة وما يفعل من نفاق وخنوع - قد يكون التفكير سلاح استلام لا سلاح مقاومة أو رفض.
***
* الحركة القوية أجدى من الفكرة الصحيحة. إن الفكر بلا حركة ضلال وضياع، وإن الحركة هي صانعة الفكر في جميع مستوياته. إن الذين يتحركون بقوة قد يخطئون خطأ قاتلا، وقد يصيبون أعظم الإنتصارات والتقدم، أما الذين لا يتحركون فهم مخطئون دائما. ما أكثر الذين انتصروا بالحركات القوية الطائشة، ولكن هل انتصر أحد بالتفكير الصائب العميق؟
***
* العجز يتحول أحيانا إلى تفكير، والتفكير في بعض حالاته نوع من الفرار، فالذي لا يستطيع أن يكون قوة ضاربة منتصرة قد يتحول إلى مشاعر وأفكار ناقدة محتجة.
***
* المغامرون لا يحتاجون إلى تلقي النصيحة من أحد لكي يتقدموا. إن النصيحة هي عملية تعويق وتخويف، وإنه لا يقبل النصيحة إلا الجاهل أو العاجز، ولا يسديها إلا الموظف والمتعب والعارض لذاته.
***
* حماقات القادة تتحول إلى أفكار، ولكن أفكار المفكرين لا تتحول إلى قادة.
***
* عجباً !إن قائدا واحدا مصابا بالجنون أو بالتوتر أو بالحماقة يستطيع أن يحوّل عشرات الملايين بل مئات الملايين إلى مجانين أو حمقى أو متوترين، يموتون باستبسال في معارك الجنون والحماقات بلا إيمان ولا فضيلة، بل بخضوع للمجانين الحمقى المتوترين، بل بخضوع للمجنون الواحد الأحمق المتوتر !
***