كما أساءت القوى الرجعية إلى الإسلام، فأظهرته دين تخلف وجمود، يعادى العلم، ويقف حاجزا دون تقدم الشعوب ورقيها،
مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ 8

محمد صادق في السبت ٠١ - مارس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ  8

الجزء الثامن

الإسلام دين المساواة والديمقراطية

كما أساءت القوى الرجعية إلى الإسلام، فأظهرته دين تخلف وجمود، يعادى العلم، ويقف حاجزا دون تقدم الشعوب ورقيها، فإنها شوهت صورتها المضيئة بممارسات منحرفة مستندة فى ذلك على تفسيرات مزاجية لكتاب الله، تبرر بها الوصول إلى غاياتها ولو كان ذلك على حساب الناس ومصالحهم.

فصار الدين الإسلامى فى عرف الكثيرين دين إقطاع وإستغلال وإستعباد. فالحاكم متحرر من كل قيد، فيستغل ويظلم وينهى ويأمر، مدعيا أن الإرادة الإلهية هى التى ساءت له أن يكون على رأس السلطة، فقبول حكمه واجب، وعصيان أمره جريمة، والإنقلاب عليه خطيئة تعادل الكفر والإشراك بالله.

ولأن الشعوب تقَّلد فى ثير من ألأحيان حكامها، ولأن الظلم والإستعباد لا يوَّلدان عند الكثيرين إلا ظلما وإستعبادا آخرين، فقد إنتقلت عدوى الإستغلال والإحتكار إلى المجتمع، فشاع الفساد وسادت شريعة الغاب. فرب العمل مثلا يستغل عرق الكادحين ويسرق جهدهم فيبنى القصور وهم معدمون فى أكواخ حقيرة، ثم يدعى بعد كل ذلك أن الإرادة الإلهية قد شاءت أن يغتنى واحد ويُعدم آخر متجاهلا أن السنة الإلهية تقضى بالمساواة والعدالة، فلا فضل لإنسان على آخر إلا بما ينتجه من جهده الخاص دون إستغلال لجهد الآخرين، ودون التعدى على حقوقهم وثروتهم.

وهكذا فإن الدين الإسلامى، منذ ولادته، قد وضع أسس العدالة والمساواة، ووجه كل الإهتمام على يد النبى محمد عليه السلام، لردم الهوة الواسعة بين الفقراء والأغنياء بين المستغَلين والمستغِلين، فلم يكن غريبا إذ ذاك أن يكون الأغنياء هم أول من واجه الدعوة الإسلامية ووقف فى طريقها، وأن يكون ضعفاء مكة ومضطهدوها أول المؤمنين المناصرين، فكان صراع طويل لم تنته فصوله حتى تمت الغلبة لفقراء مكة ومظلوميها على المحتكرين والمستغلين، وتساوى بلال المعدم وأمية المترف.

ولعل القصة التى أوردها القرءان الكريم خير شاهد على ذلك... إذ جاء رجل أعمى إلى النبى محمد عليه السلام، وهويدعوا أكابر قريش إلى الإسلام، وقد لاح له بارقة رجاء فى إيمانهم وهم يتحدثون معه، فظن النبى  عليه السلام، أن إقبال الرجل الأعمى ينفرهم ويقطع عليه طريق دعوتهم. فتولى عنه، ولم يكن يعلم قبل إعلام الله سبحانه أن سنته فى النشر، أن يكون أول من يتبع الأنبياء فقراء الأمم دون أكابر مجرميها المترفين. ففى هذا أنزل الله سبحانه هذه الآيات من سورة الأعمى.

"  عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) } (سورة عبس 1 – 11

من هنا فإن المسلم الحقيقى لا يستغل أحدا، ولا يكنز الذهب والفضة على حساب أحد، ولا يعتمد أى أسلوب من أساليب الربح غير المشروع، ذلك أن الفئة المتسلطة قد أوجدت لنفسها أنماطا من التعامل الإقتصادى، لعل أخطرها الربا وسيلة سريعة من وسائل الإستغلال لفئة مقهورة تضطر إلى طلب القرض لمواجه الحاجة المُرة، وقد كان القرءان الكريم، صريحا فى تحريم الرباوتوعد من يسلك سبيله عذابا شديدا فقال:

" وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " النساء 161

ويبدو واضحا أن هذه الآية الكريمة، وهى تنهى عن إستغلال حاجة الناس بالربا، تحث فى المقابل على أن يكون الكسب نتيجة لتبادل إقتصادى يقوم على أساس العدالة، وتحض على الكد والعمل والإنتاج بعيدا عن الإحتكار والتسلط، فتضع بذلك قاعدة أخلاقية إقتصادية سبقت جميع القواعد الإشتراكية بقرون طويلة.

وإذا كان الدين الإسلامى أول شريعة سماوية تضع قواعد ثابتة فى التعامل الإقتصادى القئم على أساس أخلاقى واضح، فإنه أيضا كان أول من وضع قواعد الشورى الشعبية الحقة ليسبق كل النظريات ىالحديثة التى أوجدت ما سمى بالديمقراطية، ذلك النظام الذى زيفته أكثر أدوات ااحكم المعتمدة فى العالم، فصار القرار فيها حكرا على مجلس نيابى هنا، وحزب سياسى أو طائفة أو جماعة أو عائلة هناك.

وهكذا، فإذا كانت الإشتراكية تعنى نظريا وعمليا محاربة الترف والبذخ والإسراف، وإقامة العدالة والمساواة، وتحرير الإنسان من ربقة التبعية الإقتصادية، فإنها لا تتعارض مع الإسلام، لأنه دين حارب منذ ظهوره التبذير ودعا إلى الإعتدال، وقاتل الظلم والظالمين، فساوى بين الناس، فلا فضل لإنسان على آخر إلا بالتقوى، وحرَّم الإستغلالوالإحتكار وحض على التحرر السياسى والإقتصادى والإجتماعى ضمن قواعد ثابتة وعادلة وإنسانية صالحة لكل المجتمعات الإنسانية فى كل زمان ومكان.

وإذا كان الإسلام قد حارب الترف والمترفين، فلأن الترف يرتبط إرتباطا حتميا بالفساد، ويفقد صاحبه الصفات الإنسانية المثلى، فيعيث فى مجتمعه إستهتارا وظلما، ولعل الآية الكريمة التى تقول:

" وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا " الإسراء 16

تؤكد بوضوح العلاقة الموضوعية بين حالة الغنى الفاحش وفعل ىالفسوق، غذ إن فئة المترفين، أو ما نسميها اليوم الرأسمالية المستغلة، تتصدى دائما للحق، ولحركة التغيير الإجتماعى، وتمارس الفساد والفجور مستغلة نقاط الضعف فى المجتمع المعدم، فتغوى بسلطان المال إغواءَيحقق مآربها ويشبع رغباتها، حتى إذا ما تم لها ذلك، إنهارت أركان المجتمع وتلاشت القوى الفاعلة فيه، فيكون الفساد وتكون النهاية.

ولكى تتأكد فكرة التلازم بين الترف والإنحراف السوكى،أورد القرءان الكريم فى كثير من آياتة نماذج لرموز مترفة كان غناها الفاحش سببا رئيسيا فى تسلطها وعنَتِها، ولعل أبرز هذه الرموز التى عاثت فى الأرض فسادا: قارون وأبولهب، الأول عاصر النبى موسى عليه السلام، وآتاه الله من فضله كنوزا لا تحصى، لكنه بغى وإستبد وتعالى على قومه، فيقول القرءان الكريم:

" قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ " القصص 76

أما أبو لهب فقد كان عم النبى محمد عليه السلام، لكن ماله أعمى بصيرته عن الحق، فواجه مع إمرأته الدعوة الإسلامية بحقد وتكبر، فنزلت فيه الآية الكريمة:

" تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) } (سورة المسد 1 – 2

ولأن من " يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره "، فقد كانت نهاية قارون وأبى لهب على قدر ما إرتكبا من مفاسد وشرور، أما نهاية قارون فقد صورها الله السميع العليم فى كتابه العزيز فقال:

" فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ " القصص 81

وصور نهاية أبى لهب فقال تعالى : " سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ " المسد 3

وإذا كان الإسلام يعتبر الترف محرِّضا على الفسادوالإنحراف، فلا يعنى ذلك أن هذا الدين العظيم يُحبِّذ الفقر سبيلا إلى السلوك القويم، فما أُرسل النبى محمد عليه السلام إلا ليقيم العدل ويحقق المساواة فى مجتمع إستبدت به القيم الجاهلية، وشاعت فيه كل أسباب الخوف، ولعل فى قول على بن أبى طالب أحد خلفاء المسلمين " لو كان الفقر رجلا لقتلته" ما يؤكد أن المسلمين الحقيقيين لم يوفروا جهدا فى مواجهة الفقر بإعتباره طريقا إلى السقوط فى متاهات الشرور والمفاسد.

 

نكتفى بهذا القدر وموعدنا بإذن الله تعالى مع الحلقة التاسعة إن كان فى العمر بقية.

المراجع:

القرءان الكريم،

1-مذكرات الدكتور أحمد صبحى منصور،

2-معالم فى الطريق .. سيد قطب،

3- مذكرات الدعوة والداعية.. حسن البنا،

4-دعوتنا... حسن البنا،

5- تفسيرات الفقهاء وأئمة المذاهب والفرق.

 

 

اجمالي القراءات 12016