بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يكون الله عز وجل هو الطرف في صفقة تجارية
صفقة التجار العافين عن الناس
أطلعتنا الأخبارأن الإمام أكو عبد الصمد، يقطن ولاية إيوا بالولايات المتحدة الأمركية، وهو مسلم ، من أصول إفريقية. وأن المثير المشرف هو أن نعلم أن هذا الإنسان المسلم هو أب لابن وحيد ، وأنه إنسان جاد في حياته وملتزم بتعاليم الله سبحانه وتعالى، وناشط في بذل الجهود المخلصة لتوعية الغير، وفعل الخيرات في شتى المجالات الإنسانية ، لاسيما لإظهار الوجه الحقيقي للإنسان المسلم حسب تعاليم الله وتعليماته لا غير. وتعرف مؤسسته ( بالرؤية الخلاقة )
ولأمر ما، أنه قد سبق له أن فاز بأربع ولايات كعضو في الكونغرس المحلي ، وأنه يطمح لولاة خامسة. وقد وفق أيما توفيق في تقربه إلى الشباب ، بل وإلى مختلف العصابات ، وتحسيسها متعة ومذاق السلم والسلام وكل ما له علاقة ما بالكلمة الطيبة والعمل الصالح وخدمة الآخر، وذلك من خلال قدوته المؤثرة المشعة ، ويكفي أن نعلم بأن مؤسسته ، وفي زمن يعتبر قياسيا، تمكنت من إقناع عدد كبير من الشباب للتخلص والتخلي من أسلحتهم النارية حيث جمعت كمية هائلة منها.
وهكذا فبينما كان الإنسان منطلقا في مساعيه الإنسانية بدون هوادة وبدون ملل، أراد الله العلي العظيم أن يبتليه ، حيث دعي في يوم للحضور إلى المستشفى على جناح السرعة لأمر يهمه. وهناك بالمستشفى فوجئ الرجل بان الشاب المسجى أمامه الذي قتل برصاصة لم يكن سوى ابنه هو الوحيد وفلذة كبده.
وأمام هذه المصيبة وهذا الحدث الجلل لم يعدمها إمامنا هذا، حيث أنه تمكن بفضل الله من أن يعتصر ويجمع كل ما أمكن له من صبر وجلد ورباطة جأش، لاسيما عندما بلغه اسم الفاعل، إسم ذلك الذي قتل ابنه . بل لقد حافظ على صبره ذلك، ورباطة جأشه وجلده وهو يستمع إلى زمرة من أولئك المتعاطفين معه، أولئك الذين حباهم باهتمامه وحبه ونصحه ، أولئك الذين لم يكن معهم فظا غليظا ، وهم يتوسلون منه ويتسولون بإلحاح بأن يكتفي - فقط - بإيماءة موافقة خفيفة برأسه ليهرعوا إلى تصفية القاتل المعروف لديهم.
إلا أنه استعصم وتمسك وتشبث بتلك المنزلة العليا الممتازة الواردة في تعليمات الله العفو الرحمان الرحيم ، تلك الدرجة العليا التي لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم. ومن يدري ؟ لعل الرجل كان يحدث نفسه - ولم لا أكون أنا ذلك المحظوظ ؟ - أولعله كان ردد في قرارة نفسه قائلا : " ما دام الله تفضل وساق لي، إلى بين يدي هذه الصفقة ، التي هي ليست كأية صفقة في مثل هذا السوق التي هي ليست كأي سوق تجارية ، وما أدراك ما هي ، فلماذا لا أثق في الله العلي العظيم وأتوكل عليه ، وهو الحاثّ والمادّ يده لمن يستجيب لعرضه المغري فيقرضه هذا القرض الحسن ، ويعقد معه هذه الصفقة التجارية مقابل ربح مضمون ومضاعف ؟ .
نعم لعل هذا الوالد المصاب في فلذة كبده " ابنه الوحيد " تمكن - في لحظة – من إزاحة كل العروض الأخرى، من المطالبة بحقه في الثأر ، والتعويض، والدية ، والقصاص، تمكن من أن يدير لها ظهره ولسان حاله يقول: " غــري غيري " أما أنا فقد وفقني الله إلى عدم تفويت هذه الفرصة وإلى عدم التردد لحظة واحدة إلى إبرام صفقة العمر معه سبحانه وتعالى، ما دام الربح مضمونا ، وما دامت المادة المتاجر بها معه سبحانه وتعالى تتمثل في : " ... والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس... ". نعم إن الرجل تمكن بفضل الله تعالى من أن يحتفظ بتوازنه وهو واقف أمام جثة فلذة كبده التي نزعته منه وحرمته منه رصاصة قاتل معروف، فلم يستجب لشر أي وسواس، بل سارع وبدون تردد ، وبكل ثقة واطمئنان إلى التصريح بأنه عفا العفو التام عن قاتل ابنه ، وزاد فصرح للجميع بأنه لا يسمح لأي كان بأن يتدخل في قراره المتميز بالعفو التام عن القاتل ، بل لقد التقى به وبأفراد أسرته وزادهم اطمئنانا .
ومن بين الإيجابيات التي تنبئ عن نوعية معدن هذا الإنسان المسلم تصريحه بأنه في الأخير مرتاح وسعيد بأن وفق إلى بلوغ هذا الإحسان الذي يجلب إليه حب الله العلي الودود العفو، لاسيما وأن القاتل حي يرزق ، ومع الأيام فقد استكمل دراسته وتخرج وكوّن أسرة .
وإن موقف هذا الرجل المسلم حقا ينبئ إلى أن صفقته التجارة التي أبرمها مع الله الكريم تكون من نوع روح الآيتين الكريمتين في سورة آل عمران (133/134) : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين . ).
ألا يكون هذا المسلم المتقي ذا ذكاء وقاد وبصيرة وبصر نافذ في حقل التجارة وإبرام الصفقات ؟
ألا يكون أولا وأخيرا ذا حظ عظيم ؟
ألا تكون صفقته تلك قد أتت أكلها بإشعاعها ونورها هنا في الأولى وقبل الآخرة ؟