الباب الأول : المنهج القرآنى فى إستعمال ( قل )
الفصل الرابع : الهدف من إستعمال (قل ): شفاء الأحياء المرضى بالكفر

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٤ - فبراير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم  

( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )

 الباب الأول : المنهج القرآنى فى إستعمال ( قل )

الفصل الرابع   : الهدف من إستعمال (قل ):  شفاء الأحياء المرضى بالكفر  

أولا : المرض الجسدى والمرض العقيدى القلبى ( الكُفر ):

1 ـ  لا يذهب الموتى للطبيب طلبا للشفاء . يذهب الأحياء فقط . لا يذهب كل الأحياء للطبيب ، يذهب المرضى منهم فقط . الطبيب لا يعالج الأصحّاء ، وحين يكشف على المريض بالكلى لا يهتم باسنانه القوية اللامعة بل بكليته الكليلة . الطبيب يهتم فقط بالمرض ، وعنده شخص المريض ( مجرد حالة ) . الطبيب يقول للمريض : أنت مريض . لو قال للمريض : أنت صحتك عال العال ولا تحتاج لدواء فهو ليس طبيبا بل هو مُحتال . لا بد من التصريح بالمرض ومصارحة المريض بحاله وتوصيف المرض وأعراضه بدقة حتى يمكن علاجه بنجاح . هذا عن المرض الجسدى .فماذا عن مرض ( الكفر )؟

2 ـ ( الكُفر ) يُسمّيه رب العزة مرضا فى القلب ، والقلب فى المصطلح القرآنى يعنى النفس والفؤاد. يقول جل وعلا :( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً )(10) ( البقرة ). هم مرضى بالكفر ، وهو مرض من نوع جديد ، يفخر به المريض ويناضل فى سبيله متمسّكا به ، لذا يزداد مرضا .  هذا عكس المريض بجسده الذى يسعى للطبيب وللشفاء.

3 ـ والقرآن الكريم هو الشفاء للمريض بالكفر ، ولكن هذا الشفاء مرفوض من المريض بالكفر ، ومقبول ممّن لديه إستعداد إيمانى ، أو المريض الباحث عن الهداية وعن الشفاء . يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) يونس)، أى هو شفاء للمؤمنين وليس للمُعاندين الرافضين . الذى يسعى من الناس للشفاء ويتقبل العلاج والاصلاح ينجح معه الشفاء القرآنى ، بينما لا يُجدى الشفاء القرآنى مع المتمسكين بمرض الكفر ، بل يزيدهم كفرا وضلالا . يقول جل وعلا :( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82)( الاسراء )( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى )(44 )( فصلت ). (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً  ) ( المائدة 64 ، 68 ) . هذا عكس المؤمن الذى يزداد بالقرآن إيمانا : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الانفال ) (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة )

ثانيا : لمحة عن منهج الشفاء القرآنى من مرض الكفر

1 ـ  قلنا إن الطبيب البشرى يركّز فقط على علاج العضو المريض  فى الجسد ولا يلتفت للأعضاء الصحيحة ، وهكذا الحال فى الشفاء القرآنى ، يتم التركيز فيه على أعراض المرض ( الكفر ) ،أى النواحى السلبية والفاسدة والعفنة ، وليس الايجابية والصحيحة . كان كفار الجاهلية يؤمنون بالله جل  وعلا  خالق السماوات والأرض ولكن يعبدون الأولياء لكى تقربهم لله زلفى ولتشفع فيهم يوم القيامة ، وكانوا يتمسكون بملة ابراهيم فى ( تأدية ) الصلاة والصيام والصدقة والحج ورعاية الأشهر الحُرُم ، ولكن مع التمسك بعبادة الأولياء وقبورهم المقدسة ، وتقديم القرابين لها ، والحج اليها بمثل الحج الى الكعبة ، كانوا يؤدون الصلاة ولكن لا يقيمون الصلاة فى سلوكهم تقوى وتزكية للنفس ، ولا يقيمونها فى قلوبهم  خشوعا للرحمن جل وعلا ، كانوا يتقاتلون بسبب وبدون سبب ، وفى قتالهم يمارسوم السلب والنهب والسبى والظلم و البغى والعدوان وإستغلال الدين فى سبل الحُطام الدنيوى كما كانت تفعل قريش بإستغلالها البيت الحرام . نزل القرآن الكريم علاجا لهذا الكفر ، لا يقول لهم ( الله هو الاله ) ولكن يقول لهم ( لا اله إلا الله ) . يقول لهم ( أإله مع الله ؟ ) ، يقول جل وعلا لهم فى خطاب مباشر بدون ( قُل ) : ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) النمل )

2 ـ هذا الشفاء القرآنى هو للناس كافة ، وبه صار رسول الله رحمة للعالمين ونذيرا للعالمين ، يشمل هذا أهل الكتاب كما يشمل ( المحمديين ) الذين يزعمون أنهم يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر وما هم فى الحقيقة بالمؤمنين ، فهم بتاريخهم وأديانهم الأرضية وشرائعهم وحروبهم وظلمهم أكثر ضلالا من عرب الجاهلية . ولأن الشفاء القرآنى لمرض الكفر جاء للبشر جميعا الى قيام الساعة ، فإن الله جل وعلا لم يقل يا كفار قريش أو يا مشركى العرب ، ولكن جعل الخطاب عاما ينطبق على مرض الكفر أو الشرك فى كل زمان ومكان الى قيام الساعة .

3 ـ. ومثل تعامل الطبيب مع الجسد البشرى ، أى مع المريض ليس كشخص بل كحالة  ومرض ووصف ، نجد نفس التعامل فى الشفاء القرآنى . هو أيضا علاج للمرض  أى الكُفر ، اى للحالة ، بأعراض مرضها . وإذا تم الشفاء بالتوبة والعمل الصالح وتصحيح الايمان إنتهى المرض ، وأصبح الشخص مؤمنا وقد تخلّص من ( حالة ) الكفر . وهذا يؤكد أن رب العزة عندما يخاطب ( الذين كفروا) فإنما يخاطب صفات وليس اشخاصا . هم أشخاص يعتريهم مرض الكفر ، وقد يزداد بهم المرض ، وقد يتم شفاؤهم منه حسب مشيئتهم هم . يقول جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء ) . هنا شخص آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر ثم إزداد كفرا . هو نفس الشخص ولكن تقلب فى (حالات ) من الايمان والكفر . وفى  النهاية إستعصى علاجه . وهناك من يتوب فينجو من الخلود فى النار . يقول جل وعلا فى صفات ( عباد الرحمن ) : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) الفرقان ) بالتوبة وهم أحياء تتبدل أعمال الكفار السيئة لتكون حسنات ، ويصبحون من عباد الرحمن المفلحين . وكلما كانت التوبة مبكّرة أعطت فرصة ووقتا أطول للعمل الصالح الذى يُغطى أو ( يُكفّر ) أو ( يغفر ) للكفر السابق والعصيان السابق . يقول جل وعلا فى التوبة المبكرة : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء ). ويأمر جل وعلا رسوله أن (يقول  ) للكافرين المعتدين ( أى أصحاب الكفر السلوكى ) يدعوهم للكفّ عن الاعتداء ، وأن ينتهوا حتى يغفر الله جل وعلا ما سبق ، إما إن إستمروا فى إعتدائهم فلا سبيل إلّا القتال الدفاعى حتى ينتهى الاضطهاد الدينى أو تنتهى الفتنة فى الدين : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الانفال ) أى إذا كفُّوا عن العدوان وأصبحوا ( مسالمين ) فهم ( مسلمون ) حسب السلوك الظاهرى . ولو قرنوا إسلامهم الظاهرى بإسلام قلوبهم لله جل وعلا إخلاصا فى الايمان وإخلاصا فى العبادة فسينعمون يوم القيامة بالسلام فى الجنة، وتدخل عليهم الملائكة تُحييهم بالسلام  : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) ( الرعد ).

 

4 ـ يتم تقديم العلاج القرآن للمرضى ( المصابين بالكفر ) من الأحياء وهم فى سعيهم فى الحياة الدنيا ، أملا فى أن يتوبوا قبل الموت . لأن الذى يموت كافرا يخلدُ فى النار ، أى لديه فرصة هذه الحياة لينجو من عذاب الآخرة . وينبّه رب العزة محذرا بما ينتظر الكافر إذا ظل متمسكا بكفره جدون توبة حتى الموت ، يقول جل وعلا :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (162) البقرة ). أى عليهم اللعنة والخلود فى النار بلا تخفيف وبلا إمهال . وعلى فرض أنهم فى النار يملكون خزائن الأرض ذهبا فليس مقبولا منهم أن يفتدوا أنفسهم من الخلود فى النار بملء الآرض ذهبا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَباً وَلَوْ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) آل عمران ). أى هى فرصة للأحياء الذين يخاطبهم رب العزة بالقرآن جيلا بعد جيل . والعادة أن أغلبية البشر تضيع هذه الفرصة ، وتموت مريضة بكفرها ، تتمسك بما وجدوا عليه آباءهم : ( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)(الصافات ).  إن الموت هو الفيصل ، والله جل وعلا لا يقبل توبة الكافر أو العاصى ، إذا تذكر أحدهما التوبة عند الاحتضار : (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (18)( النساء )

5 ـ وفى وعظ الأحياء إنقاذا لهم من مرض الكفر يستعمل رب العزة كلمة ( قل ) وقصص الأنبياء السابقين والأمم البائدة ، وطبقا للمنهج القرآن فى الدعوة يكون التكرار فى هذا القصص ، وفى الوعظ وفى الحوار والردّ عليهم ، وتكرار القول بكلمة (قل ) وبدون (قل ) .

 

 ثالثا : منهج القرآن فى إستعمال ( قل ) فى الشفاء القرآنى

يأتى إستعمال ( قل ) فى محاولة إصلاح الكافرين الأحياء ، وإثبات الحُجة عليهم فى هذه الدنيا وفى الآخرة أيضا . ويأتى مكررا باستعمال ( قل ) و بدون ( قل ) . وسبق لنا فى الفصل السابق الاستشهاد بآيات تكررت فى دعاء الأنبياء ، وجاء التكرار فى صور مختلفة ، فللتكرار فى القرآن منهج لا محل للحديث عنه الآن . ولكن التكرار يأتى أحيانا بكلمة ( قل ) وبدون ( قل ) .

وهنا نكتفى بمثلين :  

1 ـ فى محاولة لشفاء أهل الكتاب يخاطبهم رب العزة خطابا مباشرا ، يقول لهم : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) آل عمران ) . ونفس المضمون جاء مسبوقا بكلمة (قل ) أى يقول الله جل وعلا لأهل الكتاب : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) آل عمران )

2 ـ كما يتكرر دعوة الكافرين الأحياء فى كل زمان ومكان للسير فى الأرض وبحث آثار الموتى السابقين للإتّعاظ والعبرة .

2/ 1  : يأتى هذا بدون ( قل ) . ويتكرر بدونها ، أمرا مباشرا . ونورد الآيات . يقول جل وعلا :

( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) آل عمران )

 ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِوَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) فاطر )(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) يوسف )( فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) الحج )( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) الروم ) ( أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) غافر )( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) غافر )( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) محمد ) ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) النحل ).

2 / 2 : وكانت قريش فى رحلتها التجارية للشام تمرّ على الأردن حيث آثار تدمير قوم لوط ، يقول جل وعلا عن تدمير قرية قوم لوط : ( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إالحجر ) أى هى فى طريقهم قائمة باقية . ويقول جل وعلا ( وَإِنَّ لُوطاً لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (136) ثم يقول لقريش التى تمر قوافلها على آثار التدمير : ( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138) الصافات ) ، ويقول جل وعلا عن عدم إتعاظهم بآثار قوم لوط وهم يمشون فى مساكنهم ( أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى (128) طه ) ( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) السجدة ).

2 / 3 : ومع هذا التوضيح والتكرار تأتى كلمة ( قل ) فى نفس الدعوة للسير فى الأرض : ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) النمل ) ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) العنكبوت ) ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) الروم ) ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(11) الانعام ).

أخيرا

ومع كل هذا التوضيح والتكرار لا يزال المحمديون الوهابيون يحرّمون السير فى الأرض بحثا عن آثار السابقين .!

ومع كل هذا التوضيح والتكرار لا يزال المحمديون يؤمنون بأن القرآن الكريم لا يكفى وأنه ( غامض غير مُبين ) يحتاج الى بيان و( تفسير ) البشر ، وأنه ( ناقص ) يحتاج للبشر ليُكملوه .

ومع كل هذا التوضيح والتكرار لا يزال المحمديون يسعون فى آيات الله معاجزين : (  وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) الحج ) (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) سبأ  ) .

وموعدنا معهم يوم الحساب .

أحسن الحديث :

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) محمد )  

اجمالي القراءات 11191