لم يخرج نبي الله موسى ببني إسرائيل من مصر- بلاد النيل-لأنه لم يدخلها أصلا ولم يعش فيها قط , وإنما عاش وخرج ببني إسرائيل من"مصر" المذكورة في القرآن وهي قرية"مصريم"التوراتية ببلاد الحجاز "وتقع في جبل غامد وتعني بلغة الكنعانيين:(المصريين) أو عشيرة المصريين ,"وبلغة الكلدانيين أي بلغة أهل المشرق: (مصري), وتقع على طريق القوافل في منطقة غامد , وهناك عشرات المواضع في التوراة التي تؤكد أن مصر المقصودة إنما هي قرية أو بلدة عشيرة المصريين من أبناء حام , وهي نفسها القرية التي عاش فيها نبي الله يوسف . وكل المعروف عن موسى وبني إسرائيل ونبي الله يوسف مما يذكره التاريخ على أنه كان بمصر بلاد النيل , فغير حقيقي-كما سنثبت لاحقا- وإنما هو من التزييف اليهودي الذي استقر في التاريخ والوجدان الإنساني على أنه علم وحق . وليس ثمة دليل واحد في القرآن يشير ولو من طرف خفي على أية علاقة بين مصر بلاد النيل وبين موسى ويوسف وبني إسرائيل وغير ذلك مما ورد في التاريخ المزيف . وليس ثمة أي ذكر في التاريخ القديم لمصر بلاد النيل أو أي إشارة أثرية على مثل تلك العلاقة . كذلك لم يذكر لنا الأدب المصري القديم شيئا ولو يسيرا عن موسى والخروج , وما يسجله الأدب غير ما يسجله المؤرخ الذي يكون رهن محاذير مليكه وسياسته , ويحدث أن يعثر الأثريون على أعمال أدبية يرِد بها ذكر للحوادث المهمة في وقتها , ولكن لم يُعثر حتى الآن على أي بردية مكتوبة أو حجر منقوش أو أثر تحت الأرض- أو فوقها- يشير إلى أية علاقة بين موسى ويوسف وبين مصر بلاد النيل , ولا يمكن أن يكون ذلك هو الحال ما لم تكن هذه الحوادث قد وقعت خارج وادي النيل , وهذا ما يؤيده القرآن الكريم كما سيتم بيانه في موضعه . والتنقيب الأثري في أرض فلسطين طوال مئة سنة لم يسفر عن أي دليل على أن جغرافية التوراة كانت في فلسطين . ولما كانت القراءة الواعية للتاريخ لا تقل أهمية - في نظري - عن كتابته , لذا يجب نبذ الطرح التاريخي الموروث وعرضه على ميزان العقل مستخدمين الأدوات الضرورية لذلك وهي المكتشفات الأثرية وعلوم اللغات القديمة . وقد يصيح بنا صائح :"هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين", وله نقول :"سمعا وطاعة", ولكن رويدك , اصبر علينا قليلا ريثما نعرض أدلتنا, فهي كثيرة . أمَا وقد طلبنا الحقيقة , فعلينا التريث قبل قبول ما ليس له دليل مادي إذا كان يفنده الدليل والأثر والبرهان , فالمخادعون يروجون القول بأن غياب الدليل المادي ليس بقاطع على نفي ما يحتاجه الدليل لإثباته . إن الأدلة الأثرية لا تؤيد رواية الخروج الجماعي من مصر بالشكل والأعداد والطريقة التي تذكرها الرواية التوراتية العبرية , ولا على كل قصة التجول في البرية , والصعود إلى سينا, وغياب أي دليل أثري على العلاقة بين موسى ومصر وادي النيل والقول بالخروج منها ببني إسرائيل , جعل البعض يظن أنه من الأسهل إنكار شخصية موسى الموصوفة في التوراة العبرية من التماس الدليل المادي على وجودها . ومن علماء اليهود المعاصرين من ينتقد بحدة القصص التوراتي ويشهد بأن ماورد به من التفاصيل العددية والتاريخية والجغرافية أو أسماء الأشخاص لا تتناسب مع الزمن المفترض فيه أنها ألفت فيه , ولا مع الحقائق التاريخية التي أثبتها علم الآثار..... فكل إشارات قصة الخروج الجماعي بحسب الرواية التوراتية توحي أنها أخذت شكلها النهائي في عهد الأسرة السادسة والعشرين أي في النصف الثاني من القرن السابع والنصف الأول من القرن السادس ق.م , فالعديد من الأماكن والحوادث المذكورة في القصة التوراتية لم توجد إلا في تلك المدة الزمنية ,كما يتضح أن مؤلفيها أقحموا العديد من التفاصيل المعاصرة في تلك القصة . في حين أن المؤكد هو خروج موسى ببني إسرائيل كان في حوالي سنة1260 قبل الميلاد. والخروج ببني إسرائيل من مصر مع نبي الله موسى بحسب رواية التوراة كان خروج 650 ألف نسمة , وهو عدد مستحيل , لأن من خرجوا هم آل نبي الله يعقوب ويوسف وإخوته الذين استقدمهم إلى مصر , وكان عددهم لما جاءوها أول مرة هو سبعين نفسا بحسب رواية التوراة نفسها. فالجد الرابع لموسى هو (لاوي) أخو يوسف وأحد الأسباط الاثنى عشر, وبذا يكون عدد بني إسرائيل وقت الخروج حوالي 650 نسمة فقط , وليس 650 ألف نسمة بحسب الرواية التوراتية المزيفة ."ومسألة عدد من هاجر من مصر من بني إسرائيل غامضة غموضا شديدا , سواء لمن ألفوا النص الأصلي للتوراة بالعبرية , أو للمترجمين الذين جاءوا بعدهم . وسبب هذا الغموض هو استعمال كلمة (ألف) وهي لفظة مشتركة بين مدلولين : (العائلة) والعدد (ألْف) , غير أنه لابد أن يكون المقصود منها في النص الأصلي معنى العائلة ,لأنه كان من الممكن لستمئة عائلة أن تهاجر من مصر , في حين لم يكن ذلك ممكنا لستمئة ألف رجل محارب هم وزوجاتهم وأولادهم وآبائهم. وقد وردت كلمة (ألف) بمعنى عائلة في المخطوطات البابلية التي ترجع إلى عصر موسى والتي تخص آسيا الغربية" (المرجع : ويليام ويلكوكس – من جنة عدن إلى عبور نهر الأردن- ترجمة د. محمد الهاشمي – ص 132-133), "كما تعني كلمة (ألف):الجماعة , والفصيل ,والرئيس , والعميد والعائلة ( المرجع : - أحمد عيد –جغرافية التوراة في جزيرة الفراعنة ) , ". وإذا كنا نقدر عدد جميع بني إسرائيل وقت الخروج بستمئة وخمسين فردا,فإن بعضهم فقط -وليس كلهم- من آمن بموسى وخرج معه .انتهى المقال السابع ويتبعه الثامن بمشيئة الله .بتصرف من كتابنا ...بين القرآن والتراث - نبيل هلال هلال