قلت منذ شهور في مقال.."الإمبريالية والسلفية تشابه عسكري"..أن عقيدة السلفيين القتالية هي عقيدة استعمارية توسعية، ستنتصر يوم أن يكون الخصم ضعيفاً، أما لو كان قوياً فسيخافون وترتعد فرائسهم، ويهربون من المعركة، وقلت أن الفارق بينهم هو أن الاستعمار امتلك القدرة على البقاء، فلو لم يفز في الحرب لن يخسر، على خلاف ذلك فالسلفيون يمتلكون العقيدة ولكن لا يمتلكون القدرة، فظهر من سلوكهم الحماقة والغرور، وما يحدث في اليمن يُثبت ذلك، فالسلفيين في اليمن لقوا هزيمة مذلة وماحقة على يد الحوثيين الشيعة أتباع الزيدية، وتبعهم في ذلك المقاتلين الأجانب التابعين للقاعدة، حتى تم تهجير سلفيين اليمن من معقلهم الرئيسي في دماج .
متى يفهم السلفيون أن رقابهم قد تحكّم بها الغُلاة وأمراء الحرب، وهذا مصير كل من يُفرط في الكراهية للطوائف والأديان، فقد خسروا يوم أن استخدمهم الإخوان ليصعدوا للسلطة، كان تطرفهم من جانب واحد وهو الفكر، أما بعد تحالفهم مع الإخوان أصبح تطرفهم مركباً، وقد جمعوا بين تطرف الفكر وتطرف السلوك، فوقعوا في الفتنة والحرب مع الحوثيين الشيعة، وانتصر الحوثيون وأصبحت قواتهم على مشارف صنعاء..
ما لا يعرفه الكثيرون عن اليمن أن اليمن في إطار تكوين دولة اتحادية جديدة، وما يفعله الحوثيون يساهم في توسيع نفوذهم الإقليمي، وبعد إقرار الدولة يكون للحوثيين اليد العليا في إدارة شئون البلاد، ومن مفارقات القدر أن السلفيين واليهود في اليمن يسكنون في مكانٍ واحد الآن بعد تهجيرهم من صعدة معاً، وهو القرية السياحية في صنعاء ، فقد رفض أهالي وعشائر بعض المناطق في اليمن .."كالحديدة ووادي مور"..استقبال السلفيين، وقد أدى ذلك إلى إجبارهم على العيش بجوار اليهود المُهجّرين أيضاً ..
سبحان الله تهجير السلفيين واليهود حدث من مكانٍ واحد وإلى مكانٍ واحدٍ..!
وبعد هجرة اليهود والسلفيين من صعدة أصبحت محافظة صعدة بالكامل تحت سيطرة الحوثيين، وهذا يعني أن اليمن تم تقسيمه مذهبيا..الآن من المسئول عن وصول الوضع في اليمن لهذا التقسيم الديني ؟..هذا التقسيم يعيد إلى الأذهان تجربة الحُكم الإمامي لدولة المتوكل الشيعية الزيدية في القرن الماضي، وربما لو تمكن الحوثيون من اليمن يُعيدوا إنتاج الحرب اليمنية السعودية التي حدثت عام 1934، ولكن هذه المرة بنكهة مذهبية أخطر مما كانت عليه إبان نشأة الدولة السعودية الثالثة.
أخيراً لقد أثبت الصراع في صعدة اليمنية كذب مقولة.."أن الحديث هو من عند الله"..فقد كذب علينا هؤلاء طيلة قرون وأوهموا العوام بأن الحديث هو وحي من الله لرسوله...وكأنهم شاهدوا الرسول يتحدث رأي العين...!..أقول ذلك لأن الصراع في صعدة هو بين الحوثيين من جهة والسلفيين أتباع الشيخ مقبل الوادعي من جهة أخرى، وهؤلاء هم من أسسوا .."دار الحديث"..المشهورة في دماج، واختصت طوال تاريخها بتدريس علم الحديث، وقدم إليها آلاف الطلاب الراغبين من حول العالم.
حتى أن عدد الطلاب الذي يدرس الحديث في هذه الدار تخطى 15 ألف طالب، وهو رقم مخيف يكشف أن هذه الدار تعتبر هي أكبر دار علم عربية مختصة بشئون الحديث.، وأقول بربكم، هل لو كان الحديث من عند الله وعمل به هؤلاء وفهموه كما كان يدرسه علمائهم...هل كانوا سيُهزمون هذه الهزيمة، ويطردهم الحوثيين بهذه الطريقة المهينة؟
إنه الوهم الذي انشغل به المسلمون إبان غزو الاستعمار لبلاد العرب، وظنوا أن قراءة البخاري في وجه الإفرنج والإنجليز سيزرع في قلوبهم القوة والبأس، وجهلوا أن ما قبل قوة القلب ورباطة جأشه توجد قوة عليا وهي العقل، تلك القوة الغير محدودة في أفق المخلوقات لا تعجز عن استخراج القوة الكامنة في القلوب، وتوظيفها لصالح العدل والبناء، سوى ذلك فالنصوص لا تفعل شيئاً وتبقى فوق أدراج المتاحف بحاجة لمن ينقلها من الإهمال إلى العمل، وهذا ما عجز عنه سلفيو اليمن وظنوا أن دراسة الحديث تكفي لفهم الدين، فدفعوا ثمن غبائهم وحماقتهم، واستولى الحوثيون بقوة عاطفتهم الشيعية ، وتميّزهم بتراث سياسي ضخم يمتلكه الشيعة من عرفان وفلسفات يفتقر إليها التراث السني، حتى نجحوا في إعادة إحياء دولة الإمامة في إقليم صعدة، وسينضم إليهم الزيدية بعد ذلك ليزدادوا قوةً فوق قوتهم، بينما السلفيون لا زالوا يعانون من أمراض الوهم والخرافة والإرهاب.
نعم الحديث ليس من عند الله لا عند السنة ولا عند الشيعة، بل هو أقوال واجتهادات بشرية أصابت وأخطأت، ونسبوها لرسول الله زوراً وبهتانا، وكان سبباً في فُرقة المسلمين وتشيعهم لأحزاب وفرق ما أنزل الله بها من سلطان، القليل من الحديث فقط الذي يدخل في عداد الأحاديث الصحيحة والمتواترة، عدا ذلك فأغلب الحديث لا يجري الاحتكام إليه دون الرجوع للقرآن ودون تحكيم العقل، فلا تشغلوا الشباب بالوهم ودعوهم ينطلقون في فهم دينهم ودنياهم دون قيود، وليكن انتصار الحوثيين وطردهم للسلفيين من صعدة درساً لمن يريد إعادة النظر في دينه، ومحاولة البحث من جديد، فالإنسان بأصله باحث عن الحقيقة وسيظل كذلك، ومن يخالف هذه الطبيعة يجمد إلى الوهم والخرافة ، ومصيره الفشل أينما كان.