مجرد سيناريو

كمال غبريال في الخميس ٣٠ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

مجرد سيناريو    

مشهد (1):الزمان: بعد الانتخابات البرلمانية في 2010
صار من الواضح أن مبارك يذهب بالفعل لتوريث السلطة إلى ابنه. في سابقة لم تعرفها مصر منذ ستة عقود، توارث خلالها الرجال ذوو النشأة العسكري السلطة واحداً بعد الآخر. وظل طوالها للمؤسسة العسكرية وضعها المتميز، الذي يعلو على سائر مؤسسات الدولة. وكانت خلالها هي الضامن الأساسي لاستقرار البلاد، واستمرارية الحكم، دون أن تتدخل خلالها فعلياً في عملية الحكم. وصار للمؤسسة العسكرية كيانها الاقتصادي الخاص، بمميزات تضمن لها التفوق، على سائر المؤسسات الاقتصادية، من قطاع عام أو خاص.
الآن ونحن في طريقنا لتولي رئيس خارج نطاق رجال الجيش، سيحدث هذا في الواقع تحت حماية وضمان القوات المسلحة، لكنه ظاهرياً سيستند لحزبه الكرتوني، ولانتخابات ديموقراطية هيكلية. فهل من الواجب في هذه الحالة استمرارية مساندة المؤسسة العسكرية له، فتلعب هكذا دور الجندي المجهول، الذي لا يذكره أحد إلا في الاحتفالات والتشريفات، مع الأخذ في الاعتبار أن تطور أمور البلاد بعد هذا، يمكن أن يذهب إلى تحجيم قوة المؤسسة العسكرية الاقتصادية، أم أن الأفضل هو وقوفها في حالة حياد وترقب، لنرى إلى أين يستطيع مبارك وابنه أن يذهبا؟
مشهد (2):
الزمان: بعد 25 يناير 2011
خلال الثلاثة أيام الأولى من قيام الثورة، انهارت وزارة الداخلية كما تنهار قصور الرمال، التي يبنيها المصطافون على شاطئ البحر. ولم يظهر لحزب مبارك وابنه الوريث أية وجود أو فعاليه، وكأنه حزب من ملايين الأرانب، التي سارعت للبحث عن جحور لها من أول هتاف أو طلقة صوت. هنا تكرر سؤال المشهد الأول، لكن في ظروف مختلفة دراماتيكياً. هل تتقدم المؤسسة العسكرية الآن لحماية نظام مبارك من السقوط، أن تلتزم حدود دورها في الحفاظ على أمن الوطن، وتترك مبارك وابنه لمصيرهما، الذي اختاراه لنفسيهما؟
كانت الإجابة جاهزة في عقول السادة أعضاء المجلس العسكري برئاسة طنطاوي، لكن ما تم إعلانه بعدها، وهو أن الجيش قد قرر الانحياز للشعب وثورته، لم يكن بأي حال حقيقياً. فقد كان القرار هو الحياد التام بين الجميع، والالتزام حصرياً بحماية الوطن. خاصة وقد خرج عملاق الإخوان المسلمين من القمقم، وبدأ من فوره في العمل على تحقيق ما استغرق عقود في التمهيد له. هكذا أيضاً كانت في أيام الثورة الأولى، حالة الحياد إزاء حملة حماس وحزب الله على مصر، وتركها تغزو مصر من أقصى شرق البلاد، وتتوغل حتى القاهرة ووادي النطرون، لتجهز على هيبة وسيطرة وزارة الداخلية أداة حماية النظام، وتطلق سراح قادة العهد الجديد، ثم تنسحب في سلام وأمان، دون أن تلحق ضرراً بالأمن الوطني المصري، يتجاوز تلك الحدود.
مشهد (3):
الزمان: منتصف عام 2012
كانت الانتخابات الرئاسية تحمل للمجلس العسكري واحداً من خيارين، إما أن يُنتخب رئيس مدني، ويقع ضمن هذا الخيار أيضاً أحمد شفيق، أولاً لانفصاله عن المؤسسة العسكرية منذ زمن، وثانياً لأن وصوله للكرسي سيكون بواسطة انتخابات ديموقراطية حقيقية، وليس استناداً لمظاهرة المؤسسة العسكرية له. أو خيار سيطرة الإخوان على رئاسة الجمهورية، علاوة على سيطرتهم على المجالس النيابية. الخيار الأول وهو رئيس مدني، كان يعني نهاية حقبة تميز المؤسسة العسكرية، لتأخذ الوضع الطبيعي لمثل هذه المؤسسات في الدول الديموقراطية. أما الخيار الثاني وهو سيطرة الإخوان، فقد تضمن احتمالين لا ثالث لهما. أولهما أن توفر الظروف الحرجة المصاحبة لاعتلاء الإخوان السلطة، إمكانية حصول المؤسسة العسكرية على وضع متميز، يفوق من حيث دستوريته، الوضع الذي تحقق عملياً وفي صمت، طوال العهود الماضية منذ انقلاب يوليو 1952، وهذا ما تحقق بالفعل. والاحتمال الثاني هو تولي الإخوان للسلطة، وفشلهم فيها فشلاً ذريعاً، وهو ما كنت تشير إليه قدراتهم، المنحصرة في العمل السري، والتي لا تستطيع الوصول إلى التمكن من إدارة شئون بلاد وشعب، صارت حياته بكاملها عبارة عن إشكالية. وهذا يعني أنه لن يمر وقت طويل، حتى يسقط الإخوان، لتعود ثمرة السلطة إلى مكانها الطبيعي والوحيد المهيأ لتلقيها، ألا وهو المؤسسة العسكرية، وقد اتضح جلياً هزال الجانب الآخر، المسمى بالتيار المدني.
هكذا كان لابد بالنسبة للمؤسسة العسكرية استبعاد أحمد شفيق وما يمثله من احتمالات سلبية بالنسبة لها، لتفضل اعتلاء الإخوان للسلطة، بما يمثلونه من احتمالات إيجابية. وهذا ما تحقق بالفعل، سواء بنتيجة طبيعية لانتخابات الرئاسة، أو نتيجة معدلة، دفعت إليها الكتلة الحرجة المناهضة لأحمد شفيق في الميادين، علاوة على تحبيذ الإدارة الأمريكية، إضافة لموقف المؤسسة العسكرية، وهنا ربما يظهر دور سامي عنان.
مشهد (4):
الزمان: ما بعد منتصف عام 2012
تحقق في ظل سلطة الإخوان وعبر دستورهم، ما أرادته المؤسسة العسكرية من تميز، ولم يكن في استمرارية حكم الإخوان في حالة نجاحهم في إدارة البلاد، ما يضير المؤسسة العسكرية، وقد صارت سنداً للحاكم بأكثر وأقوى مما كان الحال طوال الستة عقود الماضية.
حين ظهر فشل حكم الإخوان جلياً، نتيجة لتردي كفاءات رجالهم، ولوقوف قوى المجتمع التقليدية ومؤسسات الدولة وقطاعاً هائلاً من الجماهير، في موقف العداء لهم. وحين تسبب عناد الإخوان وغرورهم، في فشل توظيف المؤسسة العسكرية لموقفها القوي، في القيام بدور الوساطة بين الإخوان والتيارات المعارضة لهم. بدأت البوصلة المصرية تتجه إلى الإطاحة بحكم الإخوان، لتسقط الثمرة بين يدي الجهة الوحيدة المتماسكة والمؤهلة لحكم البلاد، وهي المؤسسة العسكرية.
هكذا كانت استجابة المؤسسة العسكرية – وليس السيسي وحده – لهبة الشعب في 30 يونيو 2013، وكان أن تم إنقاذ البلاد والعباد من حكم الإخوان المسلمين، تمهيداً لعودة مصر إلى قواعدها سالمة، أو بالأصح شبه سالمة، لتستقر بين أحضان وفي عيون المؤسسة العسكرية.
مشهد (5):
الزمان: يناير 2014
هكذا بما طالعنا في المشاهد الأربعة السابقة، نستطيع أن نتبين لماذا لم يلتزم الفريق أول/ عبد الفتاح السيسي بمنصبه كوزير للدفاع، حماية للبلاد ولنفسه ومجموعة المجلس العسكري من خطر عودة الإخوان، بحيث يتيح الفرصة لرئيس جمهورية مدني، يأتي مستنداً فقط وحصرياً للجماهير التي ستدلي بأصواتها لصالحه في انتخابات تنافسية شفافة. فهذا الخيار كان سيعود بنا إلى ذات وضعية انتخابات الإعادة بين أحمد شفيق ومحمد مرسي، لكن هذه المرة سيكون الخيار مدنياً/ مدنياً، وليس مدنياً/ دينياً كما كانت الحالة الأولى.
كان هذا الخيار سينأى بالمؤسسة العسكرية المصرية، ومصر كلها، عن شبهة الانقلاب والحكم العسكري، مع تحقيق ذات درجة الضمان المطلوبة، لحماية البلاد من الفوضى ومن عودة الإخوان المسلمين.
أكبر الظن أنه ليس طموح الفريق أول/ عبد الفتاح السيسي في السلطة، ما جعله يتراجع عما سبق وأكده، من عدم نيته الترشح للرئاسة. هي فقط مصلحة المؤسسة العسكرية، في تولي رئيس ينتسب ويستند إليها. وهكذا نفهم البيان الأخير المحير في أهدافه، الذي اصدرته المؤسسة العسكرية، ويحوي رؤى سياسية لم يكن يجدر بالمؤسسة العسكرية أن تتطرق إليها. هي الرغبة في تأكيد أن رئيس جمهورية مصر القادم، ليس مجرد المواطن/ عبد الفتاح السيسي، لكنه رجل المؤسسة العسكرية، الذي وهبته للدولة المصرية، ليكون سيدها الجديد. وهكذا تستمر المسيرة المصرية في ذات الاتجاه، الذي بدأ في 23 يوليو 1952.
 
 
 
Kamal Ghobrial
Alexandria- Egypt
+201223864061
اجمالي القراءات 12017