كتاب الميراث: ب2 ف 2 (هجص فى موانع الارث )
الباب الثانى: الهجص السّنى فى الميراث
الفصل الثانى : (هجص فى موانع الارث )
أولا : الهجص السنى أسوأ أنواع الهجص
1 ـ هناك هجص علمانى فكاهى ينزع الابتسامة ويشرح الصدر ، ونتعامل معه على أنه هجص فنضحك ونتسلى . ولكن الهجص الدينى يتنكر ويأتينا بصورة جادة وحادة ، يزعم انه دين الاهى ووحى سماوى وشريعة الاهية تتطلب التقديس والتطبيق . وبذلك تستلزم من البشر التخلى عن عقولهم ليستقبلوا ذلك الهجص بالتقديس . على أن الهجص الدينى ليس كله سواء فى الظلم . هناك هجص صوفى يتخصص فى الخرافات يفترى على الله جل وعلا كذبا ليقتات منهم النذور ولكنه هجص مُسالم . إلا أن الهجص السُّنى سنيا يفترى على الله جل وعلا كذبا ليقتل باسمه جل وعلا الأبرياء ويصادر أموالهم ويسترق نساءهم وذراريهم ويحتل بلادهم . هذا الهجص الظالم السّام هو جوهر الدين السّنّى وأساس شريعته ، ومنها شريعته فى الميراث .
2 ـ وفى الفصل السابق عرضنا لهجصهم الذى يزعم أن المسلم لا يرث الكافر وأن الكافر لا يرث المسلم ، وقد صاغوا ذلك فى أحاديث ، وقام الشافعى بتفصيلها والتوسع فيها . وقد يرى البعض فى هذا نوعا من اللّغو النظرى الذى لا يقبل التطبيق فى عصرنا . ولكن نُنبّه الى أن دستور الاخوان المسلمين الذى حاولوا فرضه على مصر كانت المادة 219 منه تحدّد الشريعة بأنه شريعة ( أهل السنة والجماعة ) ، وبالتالى فعند التمكين ـ لو إستمروا فى الحكم ـ فسيطبقون هذه الشريعة بحذافيرها ، وهذا ما نبهنا عليه فى كتاب ضم مقالات فى تحليل دستور مرسى وخطورة تطبيقه . وبالتالى فإن تطبيق هذا الهجص ـ الذى يحرم الوارث من حقه عند إختلاف الدين ـ سيكون فادحا فى ظلمه وفى مصادرته لحق الورثة ، وسيكون سلاحا فى يد الإخوان يهددون به خصومهم وينتقمون به منهم ، وبه ينهبون التركات بسيف الشريعة السُّنّية . ونعطى أمثلة :
2 / 1 : يرى أئمة الفقه السلفى المعاصرين كأبى بكر الجزائرى فى كتابه ( منهاج المسلم ) وسيد سابق مُفتى الاخوان فى كتابه ( فقه السّنة ) والجزرى فى ( موسوعة الفقه على المذاهب الأربعة ) أن الزنديق هو من يؤمن بالكتاب والسنة ولكن يعترض على متن أو إسناد بعض الأحاديث ، ويرون أن حكمه هو القتل بلا محاكمة وعند العثور عليه وأنه يُقتل حتى لو تاب . هذا التطرف قال به ابن تيمية فى العصر المملوكى فى القرن الثامن الهجرى ، وربما لم يخطر على بال الشافعى وروّاد الشريعة السنية فى القرن الثالث الهجرى . فإذا كان هذا حال الزنديق فلن يسمحوا له بأن يرث والده أو زوجته أو إبنه أو أخاه . أى إن كل من يختلف مع الاخوان ـ حتى لو كان متمسكا بالسُّنة مثلهم ـ ولكن له بعض أتجاهات مستنيرة وليس مثلهم فى التشدّد ، مصيره الاتهام بالزندقة والقتل الفورى ، ومصادرة حقه فى أن يرث أباه أو زوجته أو إبنه أو أخاه .
2/ 2 : إذا كان هذا هو مصير المثقف السّنى فكيف بمن يتهمهم الوهابيون والسلفيون والاخوان بالكفر علنا مثل الماركسيين والعلمانيين والشيعة والصوفية وأهل القرآن ؟
2/ 3 : ولن ينجو الأقباط والمسيحيون من هذا الهجص السّام القائل :( لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم ) . نتصور أن الاستاذ جرجس عازر مات و( تنيّح ) وصعد للسماء .!، وترك سلسلة من محلات الجواهر والذهب يسيل لها لُعاب الاخوان . الأمر غاية فى البساطة . طبقا للنظام القضائى الاخوانى وشريعتهم ، يأتى إثنان من الشهود ( العدول ) الى القاضى يشهدان بأن الاستاذ جرجس عازر قد أفضى لهما بأنه اسلم ، أو أنه أعلن أمامهما وعلى أيديهما إسلامه ، وأراد كتم الأمر خوفا من عائلته . وبناء على هذه الشهادة يحكم القاضى باسلامه ، ويمنع أن يرثه أبناؤه ( الكفرة ).! وتتم مصادرة تركته لصالح الدولة الدينية الاخوانية وجيوب أربابها التى لا قاع لها.! . بل ربما لا ينتظر زبانية الاخوان موت الاستاذ جرجس عازر ، فيبتزونه وهو حى ّ يُرزق ليدفع لهم حتى لا يشهدوا ضده أنه أسلم ، ويترتب على هذا التفريق بينه وبين زوجته ، وحرمان ورثته بعد موته ..وأمثلة كثيرة من هذا ذكرته فى ذلك الكتاب عن دستور مرسى ، وهو منشور هنا .
ثانيا : بقية الهجص فى موانع الارث :
1 ـ فى عصرنا نقل أئمة التشريع السلفى السّنى والوهابى ما ردّده فقهاء السّنة فى العصور الوسطى فى موانع الإرث ، وقد إتّفقوا على ( إختلاف الدين ) وأضافوا أسبابا أخرى ومظاليم آخرين الى قائمة الضحايا ، مع إختلاف بينهم .
2 ـ يذكر سيد سابق فى ( فقه السُّنّة ) أن موانع الارث أربعة ، وهى : الرق : سواء أكان تاما أم ناقصا ، والقتل العمد المحرم ، واختلاف الدين : فلا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم ، واختلاف الدارين أي الوطن. وإنّ المرتد المرتد لا يرث من غيره ولا يرثه غيره، وإنما ميراثه يكون لبيت مال المسلمين . أى للإخوان المسلمين .! لو تحكموا فى المسلمين . ويمنع سيد سابق من الميراث ( ابن الزنا ) و( ابن الملاعنة ) ، ويقول : ( ابن الزنا هو المولود من غير زواج شرعي وابن الملاعنة هو الذي نفى الزوج الشرعي نسبه منه . وابن الزنا وابن الملاعنة لا توارث بينهما وبين أبويهما باجماع المسلمين لانتفاء النسب الشرعي . وإنما التوارث بينهما وبين أميهما .).يقول سيد سابق بكل جُرأة ( باجماع المسلمين ) لأنه يرى أن السلفيين السنيين الوهابيين هم كل المسلمين .ومن عداهم ليسوا مسلمين !
3 ـ ويجعل أبو بكر الجزائرى فى ( منهاج المسلم ) موانع الارث ستة ، وهى الكفر والقتل و الرقّ و الزنا ، أى لا يرث الولد من الزنا ، وابن اللعان ، إذا لاعن الزوج زوجته ونفى ابنه منها . وأن يولد الجنين ميتا .
4 ـ وفى ( موسوعة الفقه ) يذكر الفقيه السعودى ( التويجرى ) أنّ موانع الإرث ثلاث فقط وهى : الرقّ ، والقتل بغير الحق فلا يرث القاتل المقتول عمداً أو خطأ . واختلاف الدين: فلا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم . وفى موضع آخر يمنع ميراث ابن الزنا وابن الملاعنة مكررا بالنص ما قاله شيخه سيد سابق .
ثالثا : أصل هذا الهجص والرد عليه :
1 ـ قال الشافعى : ( وَلَمْ أَسْمَعْ اخْتِلاَفًا فِي أَنَّ قَاتِلَ الرَّجُلِ عَمْدًا لاَ يَرِثُ مَنْ قَتَلَ مِنْ دِيَةٍ، وَلاَ مَالٍ شَيْئًا.) هو لم يسمع إختلافا فى هذا الموضوع ، فهل سمع كل الناس ؟ وهل إذا قال كل الناس رأيا اصبح دينا سماويا ؟ وهل الناس مصدر الدين أم هو رب العالمين ؟ كلام الشافعى يؤكد ما نقوله عن السُّنة أنها دين أرضى صنعه ويصنعه الناس . ثم يذكر الاختلاف فى توريث القاتل بالخطأ : ( ثُمَّ افْتَرَقَ النَّاسُ فِي الْقَاتِلِ خَطَأً، فَقَالَ: بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَرِثُ مِنْ الْمَالِ، وَلاَ يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ لاَ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: لاَ يَرِثُ قَاتِلُ الْخَطَأِ مِنْ دِيَةٍ، وَلاَ مَالٍ، وَهُوَ كَقَاتِلِ الْعَمْدِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ فَلاَ يَرِثُ قَاتِلُ عَمْدٍ، وَلاَ خَطَأٍ شَيْئًا أَشْبَهَ بِعُمُومِ أَنْ لاَ يَرِثَ قَاتِلٌ مِمَّنْ قَتَلَ. ) هنا يعترف الشافعى بأن بعضهم صنع حديثا نسبه للنبى ليثبت به وجهة نظره . وهذا ما يفعله الشافعى وشيخه مالك . ولكن لأن الشافعى يخالف هذا الرأى فهو يشكّك فى الحديث .
ونقول : أن عقوبة القتل الخطأ والقتل العمد مذكورة فى القرآن الكريم ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) البقرة ) . اى القصاص أو الدية . ويقول جل وعلا فى قتل مؤمن بطريق الخطأ : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) النساء ) أما عن القتل المتعمد للضحية المؤمن: ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) النساء ) . إذنليس فى عقوبة القاتل بالخطأ أو التعمد حرمان للقاتل من الميراث إذا كان القتيل أباه أو امه أو أخاه أو زوجه . وعليه فهذا تشريع يناقض القرآن ، فلم يقل رب العزة أن القاتل لا يرث القتيل .
2 ـ يقول مالك فى ( الموطا ) فى ( باب مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا ) : ( 1092 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا إِنَّهُ إِذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِخْوَتُهُ لأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مَوْلاَةً وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إِخْوَتُهُ لأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ .) هذا رأى منسوب لعروة بن الزبير وليس لكبار الصحابة وليس للنبى ، ولكن إتّبعه أهل المدينة . يقول مالك : ( 1093 – قالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، مِثْلُ ذَلِكَ . قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا . ).
ويقول الشافعى فى ( الأمّ ) : ( مِيرَاثُ وَلَدِ الْمُلاَعَنَةِ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَقُلْنَا إذَا مَاتَ وَلَدُ الْمُلاَعَنَةِ وَوَلَدُ الزِّنَا وَرَّثْت أُمَّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِخْوَتَهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَنَظَرْنَا مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلاَةَ عَتَاقَةٍ كَانَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِمَوَالِي أُمِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَوْ لاَ، وَلاَءَ لَهَا كَانَ مَا بَقِيَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ: بَعْضُ النَّاسِ بِقَوْلِنَا فِيهَا إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ عَرَبِيَّةً أَوْ لاَ وَلاَءَ لَهَا رَدُّوا مَا بَقِيَ مِنْ مِيرَاثِهِ عَلَى عَصَبَةِ أُمِّهِ وَكَانَ عَصَبَةُ أُمِّهِ عَصَبَتَهُ وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِرِوَايَةٍ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ وَأُخْرَى لَيْسَتْ مِمَّا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ وَقَالُوا كَيْفَ لَمْ تَجْعَلُوا عَصَبَتَهُ عَصَبَةَ أُمِّهِ كَمَا جَعَلْتُمْ مَوَالِيَهُ مَوَالِيَ أُمِّهِ؟ قُلْنَا بِالْأَمْرِ الَّذِي لَمْ نَخْتَلِفْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي أَصْلِهِ ثُمَّ تَرَكْتُمْ قَوْلَكُمْ فِيهِ قُلْت: أَرَأَيْتُمْ الْمَوْلاَةَ الْعَتِيقَةَ تَلِدُ مِنْ مَمْلُوكٍ، أَوْ مِمَّنْ لاَ يُعْرَفُ أَلَيْسَ يَكُونُ وَلاَءُ وَلَدِهَا تَبَعًا لِوَلاَئِهَا حَتَّى يَكُونُوا كَأَنَّهُمْ أُعْتِقُوا مَعًا مَا لَمْ يَجُرَّ أَبٌ وَلاَءَهُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قُلْنَا: أَوْ يَعْقِلُ عَنْهُمْ مَوَالِيَ أُمِّهِمْ وَيَكُونُونَ أَوْلِيَاءَ فِي التَّزْوِيجِ لَهُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قُلْنَا: فَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً فَتَكُونُ عَصَبَتُهَا عَصَبَةَ وَلَدِهَا فَيَعْقِلُونَ عَنْهُمْ وَيُزَوِّجُونَ بَنَاتِهِمْ قَالُوا: لاَ، قُلْنَا: فَإِذَا كَانَ مَوَالِي الْأُمِّ يَقُومُونَ مَقَامَ الْعَصَبَةِ فِي وَلَدِ مَوْلاَتِهِمْ وَكَانَ الْأَخْوَالُ لاَ يَقُومُونَ ذَلِكَ الْمَقَامَ فِي بَنِي أُخْتِهِمْ فَكَيْفَ أَنْكَرْت مَا قُلْنَا وَالْأَصْلُ الَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَاحِدٌ؟. ) خلاصة هذا الهجص أن الأم الزانية والتى تعرضت للملاعنة ترث ولدها المطعون فى نسبه لأبيه . أما الولد الضحية الذى يحمل وزر أمه ووالده فهو محروم من الميراث . الأم الخاطئة ترث ابنها ، اما الابن الضحية فلا يرث أباه .
والقاعدة العامة فى التشريع السّنى فى التعامل مع ابن الزنا هى حرمانه وعقابه كما لو كان مسئولا عن إجرام أبويه . وهذا يخالف تشريع الاسلام والقاعدة الأساس فيه والتى تكررت فى القرآن الكرﯾم خمس مرات ، وھى "أﻻ تزر وازرة وزر أخرى " أى ﻻ ﯾتحمل برىء مسئولﯾة ذنب لم ﯾقع فﯾھ :( اﻻنعام 164 اﻻسراء 15 فاطر 18 الزمر 7 النجم 38 ) . وبالتالى فليس فى الاسلام حرمان لابن الزنا من ميراث أبيه طالما كان أبوه معروفا . ويمكن الآن تحديد أب الطفل باختبار الحمض النووى . فإذا ثبت النسب فلا عبرة إن كان الولد قد جاء بالزواج الشرعى أو بغيره . فطالما هو ( ولد ) فهو أو ( هى ) وارث .
رابعا ـ حرمان الرقيق وملك اليمين من الميراث :
1 ـ تشريعات الاسلام فى موضوع ملك اليمين كانت بالعلاج الجذرى للمشكلة ، بمنع الاسترقاق إبتداءا ، والتعامل مع الرقيق الموجود فعلا بسبل شتى من تحريره ، مع الرعاية وحّسن المعاملة ، وكل ذلك فى إطار المقصد التشريعى فى الاسلام وهو العدل والقسط ومنع الظلم . والذى يهمنا هنا فى موضوع الميراث أن الوارث يأخذ حقه سواء كان حُرّا أو رقيقا ، فلم يأت إستثناء فى مستحقى الميراث عن الحرية أو الدين أو غير ذلك . بل إن إ‘طاء الرقيق حقه فى الارث يساعده على التحرر . الأهم فى موضوعنا هو تشريع قرآنى تمسّك الدين السّنى بتجاهله ، وهو أن للرقيق ذمّة مالية مستقلا عن مالكه . فالمرأة المملوكة لا يضاجعها مالكها إلا بعقد زواج ، ولا يعقد عليها إلا بمهر يدفعه لها هى ، يقول جل وعلا : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )(25)النساء). وإذا طلب المملوك الحرية بثمن يدفعه كوتب على ذلك ، ووجب إعطاؤه مالا لمساعدته ، جاء هذا فى حِزمة من التشريعات تحثّ على الزواج وتزويج ملك اليمين بالتساوى مع الأحرار ، يقول جل وعلا : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ )(33) النور ) . اكثر من هذا ، فالمملوك شريك بالمساواة فى مال سيده ، مهما بلغ التفاضل بينهما فى الرزق ، يقول جل وعلا : ( وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) النحل ).
2 ـ روعة التشريع الاسلامى هذه فى ظلام الغصور الوسطى دمرها الخلفاء الراشدون والأمويون القرشيون بالفتوحات ، حيث تحول الاسترقاق الفردى الى إسترقاق لشعوب وأمم بأكملها وإعتبار سكانها ( موالى ) وسبى نسائهم وذرياتهم وسلب أموالهم . وفى هذا الظلم المركب تمت صياغة الدين السُّنّى ليسوّغه بأحاديث مفتراة وبتجاهل التشريعات الاسلامية فى القرآن . ومنها ما يخص موضوعنا : حرمان الوريث إذا وقع ضحية فى الاسترقاق . أى بدلا من تحريره نمنعه حقه فى إرث أبيه ..
3 ـ والشافعى فى ثرثرته يدخل فى موصوعات مختلفة فى نوعية هابطة من الهجص ، ومثال ذلك أن يتحدث عن إختلاف الدين كمانع من الإرث فيخرج منه الى موضوع منع الرقيق من الارث: ( قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَنَّ الدِّينَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا بِالشِّرْكِ وَالْإِسْلاَمِ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ سُمِّيَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ». قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ مَالَ الْعَبْدِ إذَا بِيعَ لِسَيِّدِهِ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا، وَأَنَّ اسْمَ مَالِهِ إنَّمَا هُوَ إضَافَةُ الْمَالِ إلَيْهِ، كَمَا يَجُوزُ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِأَجِيرٍ فِي غَنَمِهِ وَدَارِهِ وَأَرْضِهِ هَذِهِ أَرْضُك وَهَذِهِ غَنَمُك عَلَى الْإِضَافَةِ لاَ الْمِلْكِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ، وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِلْكًا لَهُ؟ قِيلَ: لَهُ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مَالَهُ لِلْبَائِعِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْمَالِ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ وَأَنَّ الْمَمْلُوكَ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا، وَلَمْ أَسْمَعْ اخْتِلاَفًا فِي أَنَّ قَاتِلَ الرَّجُلِ عَمْدًا لاَ يَرِثُ مَنْ قَتَلَ مِنْ دِيَةٍ، وَلاَ مَالٍ شَيْئًا.) . بهذا الهجص يؤكد الشافعى أن الرقيق مملوك لا يصح أن يكون مالكا ، وبالتالى فما يملكه هو للسيد المالك .
4 ـ وليس هذا غريبا عن الشافعى لأنها ثقافة عصره ، وقد جعلها دينا تحت إسم السُّنّة . الغريب فى فقهاء السلفية الوهابية فى عصرنا . ثقافة عصرنا ترفض الاسترقاق ومع ذلك يجترّ أئمة الفقه السلفى اليوم ما قاله سلفهم غير الصالح من قرون مضت . فالشيخ سيد سابق يجعل الرق أول موانع الإرث الأربعة ، سواء أكان تاما أم ناقصا . والتويجرى السعودى يتابعه فيجعل الرق أول موانع الارث الثلاثة عنده ويقول :( الرق: فلا يرث الرقيق ولا يورث؛ لأنه مملوك لسيده . ) ويكرر ذلك فى موضوع الحجب فيقول : ( هو أن يتصف الوارث بمانع من موانع الإرث، وهو الرق، أو القتل، أو اختلاف الدين.وهو يدخل على جميع الورثة، فمن اتصف بأحد هذه الأوصاف لم يرث، ووجوده كعدمه.) وأبو بكر الجزائرى فى ( منهاج المسلم ) يجعل الرق ضمن موانع الارث الستة .
5 ـ هم يعيشون مع سلفهم الطالح الظالم ، بدليل أن هذا السلف يمنع الرقيق من الارث فى الوقت الذى يجعل صاحب الولاء يرث مولاه ، أو التابع له من أهل البلاد المفتوحة . أى أنهم حرموا ورثة حقيقيين ، واضافوا للورثة من لا يستحق . وهذا ما سنعرض اليه فى نوعية أخرى من نوعيات الهجص السُّنى .