حين نقرأ القرآن ونتدبر معانيه.. نرى أن ثمة قطع إلهي بأن حرية العقيدة في الإسلام هي حرية مطلقة لا سلطان لأحد بها على أحد..وأن العقوبة على العقائد ليست في الدنيا، وأن النبي ليس إلا مُبلّغاً عن الله.
فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب [الرعد : 40]
ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون [المؤمنون : 117]
فالحساب حق أخروى لله، وأن مافي الدنيا هو بلاغ للناس كي يتذكروا ويتفكروا في الله.
فهل على الرسل إلا البلاغ المبين [النحل : 35]
فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر [الغاشية : 22:21]
سؤال استنكاري على من يعتقد في رسالة الأنبياء أنها موجهة لفرض عقائد على الناس، أو إجبارهم على أن يقولوا أشياءً لا يقنعون بها..فكيف يزعم البعض أن الحرية في الدين ليست مُطلقة، وما هي وظيفة .."البرهان"... الذي اعتبره القرآن حُجة افتراضية للمنكرين.."لا برهان له به".
فهل لديكم برهان من الله على أن الإسلام ليس به حرية؟!
ستقولون قال رسول الله ...وهو كذب..فلم يكن الرسول ليُخالف أمراً إلهياً ولو لساعة، فما بالكم وأنتم تلصقون به حدوداً ما أنزل الله بها من سلطان، تخدمون بها أنفسكم وسلطانكم في الدنيا.
ليست هناك رؤية أوضح لحرية العقائد المطلقة في الإسلام من قوله تعالى:
لا إكراه في الدين [البقرة : 256]
لكم دينكم ولي دين [الكافرون : 6]
ولا أوضح من أن الدنيا ليست دار حساب بل دار عمل، ومن يظن أنها دار حساب هو مُخطئ وقد ارتكب في حق الدين جُرماً عظيما:
1-إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [البقرة : 62]
2-إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون [المائدة : 69]
3-إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد [الحج : 17]
ثلاث آيات مُحكمات نزلت في أواخر عهد الرسول ترد على كل من زعم بأن حق العقاب للبشر في الدنيا، بل العقاب لله وحده، فكيف يقتل هؤلاء من يُغيّر دينه بدعوى الردة، أو يجلدون من يتخلّف عن الصلاة..؟!
اسألوهم ما مصادركم..سيقولون .."قال رسول الله وقال فلان وعلان"..وبربي هذا هو التحريف الذي طال أديانهم، وما بين أيديهم ثبت أنه ليس من عند الله بل من عند أنفسهم..
هؤلاء يتبعون بشراً ما أنزل الله لهم من سلطان، ويتركون أوامر رب العالمين الذي هو أعلم بهم من أنفسهم، ولكن زادوا على الدين فضلّوا عن الحق وأضلوا أمثالهم وتاهو في ظلمات الدنيا فأصبحوا من الظالمين.
إن التضييق على عقائد الناس وأفكارهم هو ثمة للمجرمين والطُغاة في القرآن وعبر التاريخ، فلم يشهد القرآن مقارعة عقلية وفكرية بين المؤمنين والكفار أبداً، بل الغالب على أعمالهم العُنف سواءً كان لفظياً بالتكفير والتخوين، أو بدنياً بالإيذاء والقتل.
قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم [يس : 18]
قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين [الأعراف : 88]
قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز [هود : 91]
أما منهج المؤمنين العارفين فهو منهج الحوار والسلام والبرهان العقلي :
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن [النحل : 125]
وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله [الأنفال : 61]
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى [طه : 44]
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن [العنكبوت : 46]
هكذا فالدين يُسر لا عُسر، واعلم أنه وكلما كانت الفكرة واضحة وبسيطة يفهمها الجميع ..فهي فكرة دينية متجانسة عقلياً، وأن التقعير والتحوير والتدوير في الكلام ثمة من لا يعرف شيئاً ويتعالَم على الناس دون هدىً أو بينة، لأن التكليف على سائر الناس وما كان الله ليشرع لهم ديناً لا تفهمه عقولهم.