وشريعة المجتمعات الإسلامية هى الدين الإسلامى متجسدا فى القرءان الكريم مصدرا للتشريع لأنه إستوعب العرف من خلال الإستدلالات القرءانية المتعددة.
مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ 3

محمد صادق في الجمعة ١٠ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الجزءالثالث

شريعة المجتمع

إن شريعة المجتمع، أى مجتمع، هى الدين أو العرف أو المصدران معا، وشريعة المجتمعات الإسلامية هى الدين الإسلامى متجسدا فى القرءان الكريم مصدرا للتشريع لأنه إستوعب العرف من خلال الإستدلالات القرءانية المتعددة.

سؤال تكرر كثيرا فى هذا المجال، هل تجوز أن تكون السُنة النبوية مصدرا لشريعة المجتمع؟

وللإجابة على هذا السؤال لا بد قبل ذلك من سؤال آخر وهو ما هى السُنة النبوية ؟ وما الفرق بينها وبين الحديث النبوى؟ وما هو معنى السُنة؟

لقد إختلط الأمر على كثير من المحدثين فساووا بين الحديث والسُنة، بوضع أحدهما مكان الآخر، ففى كل منهما ، حسب تفسير هؤلاء، إضافة قول أو فعل أو صفة إلى النبى  عليه السلام، بيد أن رد هذين اللفظين إلى أصولهما يؤكد وجود فروق دقيقة بين الإستعمالين لغة وإصطلاحا.

فالحديث هو إسم من التحديث، وهو الإخبار، ثم ما سمى به من قول أو فعل أو تقرير نسب إلى النبى عليه السلام. ومعنى الإخبار فى وصف الحديث كان معروفا للعرب فى الجاهلية، إذ كانوا يطلقون على " أيامهم المشهورة  إسم   "ألأحاديث " للإستشهاد بها والإتعاظ من أحداثها.

وكيفما قلَّبت كلمة " الحديث " تجد أنها ترادف " الإخبار " وفى القرءان الكريم ما يؤكد هذا المعنى إذ يقول سبحانه:

فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ " (سورة الطور34 ) وأيضا:

 " اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ... "  (سورة الزمر 23

أما السُنة فإنها تبعا لمعناها اللغوى، كانت تطلق على الطريقة الدينية التى سلكها النبى عليه السلام، لأن معنى السُنة هى الطريقة أوالمنهاج أو الفرض. وهكذا نلاحظ أن الحديث قد يشمل معناه قول النبى وفعله أما السنة فخاصة بأعمال النبى عليه السلام.

وإذا كان فى القرءان ما يوضح معنى الحديث، ففيه أيضا ما يوضح معنى كلمة " السُنة "، يقول تعالى:

 " سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا " (سورة الفتح 23)

إذن فمصطلح السنة النبوية يعنى نهج أو طريقة الرسول فى تطبيق ما أمر به الله سبحانه وتعالى. 

الإسلام يلغى المذاهب ...

مسألة المذاهب والفرق والتى كان ظهورها بداية إحتكار المعرفة الدينية ونشوء طبقة ممن يسمون برجال الدين، إحتكروا وحدهم شرح المسائل الدينية والإفتاء فيها من دون غيرهم من سائر المسلمبن. وقد دعَّمت هذه الطبقة مركزها وموقفها عن طريق الأحاديث المنسوبة إلى النبى وغير المؤكدة فى مصدرها.

وقد كان ظهور المذاهب الدينية والفرق مثل السُنة والشيعة والمعتزلة والخوارج ....الخ وغيرها بداية التحزب والتعصب، والإبتعاد عن القرءان وجوهر الدين، والتسمك بالقشور والجمود الفكرى. حيث أن الإنسان المسلم يتهرب من البحث والنقد والتفكير خوفا من أن ىُيتهم بالزندقة والضلال، بعد أن أصبحت المعرفة الدينية والإفتاء فى مختلف الإشكاليات حِكرا على زعماء المذاهب والفرق الإسلامية.

ومما لا شك فيه أن ظهور المذاهب والفرق الإسلامية كان نتاجا من نتائج الفتنة الكبرى، حيث جائت تلك المذاهب فى إطار التفاعلات السياسية آنذاك لتلبى أغراضا سياسية، حتى وإن كانت بصورة خفية غير منظورة لخدمة هذا الفريق أو ذاك، أو لتدعيم موقف خليفة أو آخر.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن تلك المذاهب والفرق جائت من جانب آخر تقليدا وتأثيرا فى نشوئها ومراحل تطورها بالمسيحية واليهودية. بل إن بعض اليهود إندسوا وسط المسلمين وساعدوا على قيام تلك المذاهب لتدمير الإسلام من الداخل بعد أن فشلوا قبل ذلك فى زرع بذور الشك والريبة فى قلوب المسلمين لدفعهم إلى الإرتدادعن دينهم.

ومن المؤكد أن المذاهب والفرق هى بِدَعْ دخلت الإسلام بعد وفاة الرسول عليه السلام. فليس فى القرءان أى ذكر لما يسمى الآن بالسنة أو الشيعة أو المالكية أو الشافعية أو القدرية أو المعتزلة أو المرجئة وما إلى ذلك.

فقد أرسل الله سبحانه جبريل عليه السلام إلى النبى محمد ليبلغ الناس الرسالة:

"  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا " (سورة سبأ 28

والرسالة هى القرءان الكريم فقط وليس شيئا آخر.وعندما تم القرءان قال تعالى:

" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " (سورة المائدة 3

وبعد إكتماله توفى النبى وقد أتم مهمته، ولم يوص بمن يخلفه ولا بمن يجب إتباعه خلافا لله وللقرءان لأن محمدا رسول وليس للرسول خليفة.

ولقد حذر القرءان الكريم، وهو لا يزال فى مراحل نزوله من مغبة ظهور أى شكل من أشكال المذهبية والحزبية، لأن ذلك من أعمال المشركين حيث قال الله تعالى: "  وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ " (سورة الروم 31 – 32

وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ " (سورة الأَنعام 159

وبالرغم من هذا التحذير فقد ظهرت المذاهب والفرق بعد وفاة الرسول وحدوث الفتنة الكبرى لتُمَزِّقْ وحدة المسلمين وتفرِقهم وتجعلهم شيعا يتنازعون ويتنابذون ويتحاربون ويكفر بعضهم بعضا. ولعل أوضح دليل على ذلك تفسير كل مذهب وكل فرقة للحديث المزعوم والمنسوب إلى الرسول والذى قال فيه: " ستفترق أمتى ثلاثا وسبعون فرقة كلها فى النار إلا واحدة. قيل ومن هم؟ قال: الذين هم على ما أنا عليه وأصحابى".

فقد أخذ أصحاب كل مذهب وفرقة يزعمون بأنهم الفرقة الناجية من النار، ومصير بقية المذاهب والفرق فى نار جهنم وأتوا لذلك بما زعموه أنه الأدلة والبراهين ولم يتورعوا من إلتماس الأدلة فى بعض آيات القرءان ىبتأويلها بالطريقة التى تخدم أغراضهم.

وذهب أصحاب تلك المذاهب والفرق أبعد من ذلك، بأن قاموا بوضع بعض الأحاديث ونسبوها إلى الرسول عليه السلام، وذلك فى إطار صراعهم من أجل السيطرة على الجوانب السياسية والإقتصادية والروحية لدى المسلمين. وسعى كل واحد منهم  إلى تدعيم موقفه بحديث من الأحاديث، ومن ذلك ما رُوى عن النبى أنه ذم القدرية وقال: إنهم مجوس هذه الأمة ... وما رُوى عنه أنه  ذم الخوارج وهكذا.

والغريب فى الأمر أن هذه الفرق والمذاهب كلها تكونت بعد وفاة الرسول ، ولا يخجل أتباع هذه الفرق والمذاهب من الإفتراء والكذب على رسول الله مستغلين جهل الناس وعجزهم عن تجميع أقوال النبى وتوثيقها بطريقة علمية بعيدة عن الشك.

ولكن الإسلام برئ من هذه المذاهب والفرق والطوائف حيث يقول رب العزة:

" وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ " (سورة آل عمران 105

ويقول : " أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ " (سورة المؤمنون 53

ويتوعد اللله سبحانه هؤلاء المتمذهبين المتحزبين الذين يشيعون الفُرْقة بين المسلمين بعذاب أليم.

وقد يتمذهب البعض ويدخل فى طريقة من الطرق، ظنا منه أن صاحب المذهب أو صاحب الطريقة يملك عند الله مكانة تسمح له بالتشفع يوم القيامة لمريديه والسائرين  على مذهبه. وهذا بالطبع إعتقاد خاطئ لأن آيات القرءان الكريم المعنية تتحدث بوضوح وبدون لبس. إن كل إنسان مسؤول عن نفسه يوم القيامة. وإن الله سبحانه سيحاسبه مباشرة وليس عن طريق أى إنسان آخر مهما علا شأنه. يقول القرءان الكريم: " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " (سورة الإسراء 15 ) ويقول أيضا: " كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ " (سورة المدثر 38

ويقول: "  وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا " (سورة الإسراء 13

ويبدو جليا أن هذه الآيات الكريمات تضع الإنسان يوم القيامة أمام ذاته، فيكافأ أو يعاقب تبعا لما تحمله هذه الذات من فضائل أو خطايا من دون إعتبار لإيمانه بفرقة دنيوية أو مناصرته لمذهب وإعتناقه لأفكاره.

ويعتقد البعض أن المذاهب والفرق والطرق أفادت الإسلام، لأن أئمتها قد فسروا وأوضحوا معانى كانت خفية فى القرءان، ويسروا للناس فهم التعاليم الإسلامية وإشكالياتها من دون غموض أو لبس. وهذا قول مردود لأن أئمة المذاهب والطرق قد فعلوا العكس، حيث إنهم عقدوا البسيط وعسَّروا اليسير، وأصبح الإنسان المسلم فى حيرة من أمره. وبالرغم من أن القرءان واحد، فإن هؤلاء الأئمة قد ألفوا مئات الكتب حول مختلف القضايا الإسلامية لتوضيحها، حتى أن ما ألفوه بقى غامضا صعبا، لأنهم إبتعدوا عن الفطرة الإنسانية السليمة وإعتمدوا على الصنعة اللغوية وعلم الكلام والمنطق وما إلى ذلك.

فلكى تفهم ما قال مالك بن أنس أو أحمد بن حنبل على سبيل المثال، تحتاج إلى قراءة عدد من الكتب المتعلقة باللغة والبلاغة، فتصوَّر كم من الوقت يحتاج المسلم العادى كى يقرأ هذه الكتب ويفهم أطروحات كل مذهب من المذاهب المعروفة !!..

ولعل من المفارقة أن السواد الأعظم من المسلمين ينتمى إلى هذا المذهب أو ذاك، ثم يتحمس لمذهبه ويتعصب وهو لا يدرى الفروق بين هذه المذاهب. وقد إختلف أئمة المذاهب فى أمور دينية كثيرة لم يرد فى القرءان إختلاف حولها، الصلاة والزكاة والحج والزواج والنفقة والميراث، وجعلوا فهمها أكثر صعوبة وتعقيدا، مع أن بعضها كان واضحا وميسرا فى القرءان الكريم ولا يحتاج إلى كل تلك السنوات من الجهد لشرحه وتوضيحه.

ولعل من المفارقات، أنه بالرغم من هذه الإختلافات وهذه التفاسير المتباينة للقضية الواحدة، فإن المسلمين بصورة عامة يطلقون على كلام أئمة المذاهب وأفكارهم المدونة فى كتبهم ، تعبير " الشريعة الإسلامية " ويعتبرونها جزء لا يتجزء من الدين الإسلامى علما بأنها ليست من الدين فى شيئ، هى مجرد إجتهادات فكرية من قِبلهم.

فالشريعة الإسلامية التى يطلقونها على إجتهادات ما يسمى بالأئمة وتفسيراتهم هى شريعة فقهية دنيوية شأنها شأن القوانين التى وضعها الفقهاء الفرنسيون والإنجليز والعرب ...الخ. وبالرغم من أن ما جاء به أئمة المذاهب دليل على ما قدمه المسلمون من موسوعة فقهية تضاهى القوانين الرومانية مثلا، إلا أنها ليست من الدين. ولا تعدوا كونها قوانين وضعية، وما هو غير وضعى هو القرءان الكريم.

والمسلم الصحيح لا يعتبر غير القرءان شريعة له ولا يعرف غير القرءان مصدرا لمعرفة أمور دينه. ولا يلجأ إلى تلك المذاهب والفرق والطرق ومؤلفاتها لفهم قضايا الدين الإسلامى. خاصة وأن القرءان مبين بذاته بقوله تعالى: "وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ .." (سورة الحج 16 ) ويقول أيضا: " قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ " (المائدة 15)

هذا فى الوقت الذى يُحذِّر فيه من تفرق المسلمين إلى شيع وأحزاب حيث يقول: ".. وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ " (سورة الروم 31 - 32

أكتفى بهذا القدر ونلتقى بإذن الله تعالى مع الجزء الرابع إن شاء الله السميع العليم.

والسلام على من إتبع الهدى.....

مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ

اجمالي القراءات 14407