الحملة العسكرية لاسترجاع حلب
براميل الموت والسياسة القذرة

محمد مهند مراد ايهم في الثلاثاء ٢٤ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

اضغط هنا لظهور الصورة

كتب محمد النسر في كلنا شركاء

تتوالى براميل الموت بالسقوط منذ عدّة أيام في سماء محافظة حلب مع التركيز الشديد على الأحياء الشرقية لمدينة حلب حيث سقط بحسب تقديرات النشطاء أكثر من 150 برميلاً خلال العشر أيام الماضية ، حصدت ما يزيد عن 547 شخصاً بينهم 133  طفلاً.

المشهد العام في حلب الآن هو حالة ذعر شديدة بين السكان ترى فيها الأهالي يحدقون في سماء المدينة علّهم يواجهون برميلاً يمارس سقوطه الحر وهوايته في القتل كل ذلك يترافق مع مزيج غريب من الإصرار في الاستمرار بالحياة رغم النقص الشديد في الحاجيات الأساسية، فكيف لا وهم يعيشون هذه الحالة منذ سنتين وهي الأشد الآن من حيث الكثافة التدميرية ولولا تمرس الناس واعتيادهم واكتسابهم تكتيكات حماية تعلموها بالممارسة في السنتين الماضيتين لارتفعت حصيلة الضحايا بين المدنيين أضعاف الأرقام الحالية. قبل الخوض في أهداف الأسد من براميل الموت لا بد من استقراء لبعض الأمور التي سبقت هطول البراميل وكيف وصل الحال بالأسد للجوء لهذا التكتيك.

 

الحملة العسكرية لاسترجاع حلب

بدأ الأسد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حملة عسكرية ضخمة لاسترداد مدينة حلب وذلك بعد إعادة سيطرته على مدينة السفيرة فاستطاع فيها استعادة اللواء 80 ومبنى المواصلات كما حرّك بعض الخلايا النائمة المتسترة بعباءة الثورة التي انشغلت بحماية بعض الجبهات لصالح الأسد وتهريب السلاح إلى داخل المناطق “المحررة” وتم احتواء هذا الموضوع بسرعة كبيرة، فخسر الأسد بذلك ورقة قوية في مخططه لاقتحام حلب. كما تمّ إيقاف تقدم القوات البرية في حي النقارين شرقي المدينة ومحاصرتها هناك فشلّت الحملة البرية تماماً وأُجبرت على التحصن هناك خوفاً من المزيد من الخسائر ولم يستطع أيضا الأسد بالرغم من استعانته بالميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية من تغيير هذه المعادلة أيضاً.

ظهرت ردة الفعل الأولى بإعلان غير مباشر عن فشل الحملة وذلك بحملة تنظيف كبيرة في صفوف الأفرع الأمنية في مدينة حلب وتمثّل ذلك باعتقال عدداً من الضباط والأفراد المشكوك بولائهم.

 

حلب الشرقية وحلب الغربية

لا بد الآن للأسد التعويض عن فشل خطته وخاصة بعد الشحن الكبير وبث روح “خلصت” بين المؤيدين له المتواجدين في الأحياء الغربية من حلب الخاضعة تحت سيطرته فدأب عناصر الأمن في تلك المناطق على نشر أخبار الحملة العسكرية حتى قبل أن تبدأ وتفاخروا كثيراً بوجود خلايا نائمة ستكون بمثابة المفاجأة الكبرى هناك. لتغطية هذا الفشل كان لا بد من ممارسة لتكتيك جديد لتكريس مفهوم حلب الشرقية وحلب الغربية. حلب الشرقية والتي يسيطر عليها الفصائل بمختلف توجهاتهم وحلب الغربية التي ما زالت خاضعة لسيطرة الأسد فكانت البداية دعم أسعار المحروقات وبعض السلع الأساسية وتخفيض أسعارها و تخفيض صرف الليرة السورية مقارنة بالدولار هذين العاملين سيؤديان حتماً إلى إعادة الثقة نوعاً ما للمناطق الخاضعة له في دمشق وحلب والمنطقة الساحلية والوسطى كما أنها ستتيح للأسد صرف بعضاً من مخزون الدولار إلى الليرة السورية ليستطيع سداد رواتب الموظفين المسجلين لدى الدولة بقيمة مالية أدنى لا تشكل عليه عبئاً إضافياً. السيطرة على الأسعار لم يدم طويلاً في حلب وذلك نتيجة الحصار الخانق لحلب الغربية وطريق الإمداد الوحيد (طريق خناصر) عرضة بشكل دائم لعمليات عسكرية متلاحقة من الفصائل المختلفة.

هنا لجأ الأسد لقصف المناطق الخاضعة لسيطرته (الشق الغربي من مدينة حلب) ببعض القذائف “مجهولة المصدر” فسقط بعض القتلى. كل ذلك كان يهدف بالأساس إلى قسم المدينة إلى طرفين متنازعين حتى على المستوى الشعبي. فيزرع بذلك الحقد بين شقّي المدينة فيقف معه من تبقى هناك حتى لو كانوا ضد الأسد وذلك خوفاً من تغّول الفصائل عليهم. وفي الشق الشرقي من المدينة ساهم أيضاً بعض الخلايا النائمة وبعض الثوار نتيجة قلة الوعي لتلك الخطط والمخاطر في ذلك ونتيجة ضعف الوسائل في إيصال رسائل الثورة للمناطق الخاضعة لسيطرة الأسد وانعزالها التام عن مجريات الثورة ونشاطاتها.

 

براميل الموت

يقدر بعض النشطاء أن عدد البراميل التي سقطت في الأيام الماضية تفوق الـ 150 برميلاً والذي هو عبارة عن مستوعب حديدي مزوّد بمروحة في مؤخرته يتم إلقاؤه من علو شاهق من المروحيات واستهدف حتى الآن مناطق سكنية مأهولة. في النظر لمحتوى البرميل من مواد متفجرة ومواد نفطية و قطع حديدية يتبيّن الهدف المنشود منها وهو تحقيق أكبر تدمير ممكن في المنطقة. كما تعتمد البراميل على صاعق ميكانيكي وذلك لصعوبة تقدير الزمن اللازم لوصولها للأرض. ولا تحوي البراميل أي تقنية توجيهية ونتيجة رميها من علو شاهق جداً (حتى لا تطالها نيران المضادات الأرضية التي هي بحوزة الفصائل) وبسبب صناعتها البدائية والتوزيع الغير متجانس للحشوة نجدها تتأثر بالرياح فتدور بشكل عشوائي في الهواء وليس حول محور شاقولي أو عامودي معيّن ولا تملك سوى مروحة في مؤخرة البرميل تؤمن قدر الإمكان سقوط البرميل بشكل شاقولي بحيث يكون الصاعق نحو الأسفل وتؤمن أيضاً سرعة أعلى في السقوط في حال كان السقوط شاقولياً وبشكل مثالي.

 

تكتيك عسكري أم سياسي؟

ما هي الفائدة العسكرية من استخدام البراميل؟ وخاصة عندما تسقط على مناطق سكانية مأهولة بعضها بعيد عن خطوط المواجهة؟ هذا السؤال محيّر فعلاً خاصةً عندما نقارنها بالتكتيكات العسكرية الاعتيادية والتي تشير إلى استحالة حسم معركة بدون قوات برية وقوات الأسد تم شلّها في الحملة العسكرية الشهر الماضي. إن كان هناك غاية عسكرية ما فهي لن تتجاوز استعادة مناطق محدودة جداً ذات قيمة ثورية وليست استراتيجية (حي صلاح الدين مثلاً) وذلك لتكون نصراً معنوياً تماماً كما كان الحال في تدمير القصير والتي تم تصويرها كنصر الفاتحين بعد تسويتها بالأرض فكان النصر معنوياً أكثر منه استراتيجياً.

إن هناك وجه آخر في براميل الموت يحمل طابعاً سياسياً وخاصة عندما نعيش أجواء تحضيرات مؤتمر “جنيف 2″ فبعد “جنيف 1″ بات جليّاً للأسد بأنه لن يكون جزءاً من سوريا الجديدة وأنه بقاءه بات مستحيلاً وخاصة بعد كل الفظائع والجرائم التي أقدم عليها، رغم ذلك فإن تصريحات وزير الإعلام عن قبول الذهاب إلى جنيف 2 وإن نتج عنه مرحلة إنتقالية فهي لا بد أن تكون بقيادة الأسد وكانت هذه رسالة مهمة لم يتم قراءتها بشكل جيد فهناك اعتراف للمرة الأولى من نظام الأسد بما يسمى “مرحلة إنتقالية” ولكن بأن تكون مشروطة. بعدها لم يبدي النظام الأسدي أي تعنت أو رفض لجنيف 2.

ولكن الأسد يعلم تماماً أنه لم يعد جزءاً من الحل في سوريا فلا بد من وسيلة تدفع المعارضة على رفض الذهاب إلى جنيف 2 فتكون براميل الموت المتساقطة في حلب حجة كبيرة لهم لرفض الذهاب للمؤتمر وخاصة أنهم يخضعون لضغط شعبي شديد بالرفض يقابله ضغط دولي أشد بضرورة الذهاب.

يريد الأسد أيضاً إظهار المعارضة والفصائل بمظهر العاجز عن حماية المناطق الخاضعة لسيطرتها. وكل ذلك يدفعه لتحسين موقعه في المفاوضات بحيث يظهر منتصراً فيها وخاصة بعد قبوله بالفكرة من حيث المبدأ وليس المضمون ورسم خط جديد للمشاركة بالسلطة مع الفصائل المسلحة وجزء من المعارضة بما يضمن وجوده لفترة من الزمن على سدة الحكم تحفظ بها ماء وجهه ومكتسباته الإقتصادية وتقيه من المحاكمة والملاحقة القانونية.

 

المجتمع الدولي و جنيف 2

إن عجز المجتمع الدولي أمام هول المجازر في سوريا يدفعهم للتمسك أكثر بالحل السياسي يضاف له تغير الوضع في سوريا من ثورة إلى نزاع مسلح مقعد جداً وخاصة بعد دخول الميليشيات الطائفية المساندة للأسد ودخول القاعدة التي تحارب قوات الاسد. كما أن تفجر الوضع الإنساني في سوريا والنزوح الجماعي يضع المجتمع الدولي أمام حالة مستعجلة لا بد من الإسراع لإيجاد حل لها.

تم التلويح سابقاً بعمل عسكري ما ومن ثم تم العودة للدفع نحو حل سياسي في جنيف 2. ولكن براميل الموت تضع المجتمع الدولي الآن أمام امتحان جديد وسؤال تطرحه المعارضة بقوة: إن كان المجتمع الدولي غير قادر على ردع الأسد بقصف المدنيين ببراميل الموت فكيف يكون قادراً على إلزامه بالمقررات التي قد تنتج عن المفاوضات؟

اجمالي القراءات 16587