تابلت الشيخ وتطبيع الكابتن

خالد منتصر في الجمعة ٢٠ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

حسناً فعل وزير الأوقاف برفع شعار «تابلت لكل شيخ» كخطوة لدمج الدعاة والأئمة فى الحداثة والتطور ومواكبة العصر. ولكن السؤال هل بالتابلت وحده يدخل الشيخ زمن الحداثة؟ نعم نوافق على أن يكون التابلت فى قفطان الشيخ والآى باد فى جبته، ولكن لا بد أن يكون منهج التفكير العلمى الذى أفرز التابلت وصنع الآى باد موجوداً فى عقل ووجدان الشيخ أولاً، نحن قد استهلكنا التابلت فى نشر الخرافات واستعملنا الإنترنت فى ترسيخ التخلف فأنشأنا مواقع زواج الجن من الإنس وعلاج الكبد ببول الابل! فالفضاء العنكبوتى سوبر ماركت من الممكن جداً والوارد بشدة أن تحتوى رفوفه على منتجات منتهية الصلاحية، المهم أن نرسخ فى ذهن الشيخ والداعية والإمام أن منهج التساؤل وجرأة التمرد على المألوف والبديهى هى التى كانت وراء اختراع التابلت والإنترنت والموبايل وسفينة الفضاء، لا يمكن لمن يؤمن بأن المرأة شيطان أن يصنع تقدماً، لا يمكن لمن يقتنع بأن المسيحى عدو وأن اليهودى حفيد قرد وخنزير أن يستفيد من تابلت أو حتى من مفاعل نووى! المهم ليس الأصبع التى تضغط على التابلت ولكن المهم العقل الذى يبحث وينقد وينقب ويبدع مع وبواسطة التابلت. وصلت إلىّ رسالة من د. يحيى طراف، أستاذ جراحة عظام الأطفال، يقول فيها: «جاء بصفحة الرياضة بأهرام 18/12 أن قرعة دور الـ٣٢ لمسابقة الدورى الأوروبى لكرة القدم قد أسفرت عن مأزق حقيقى لمحمد صلاح، مهاجم بازل السويسرى والمنتخب الوطنى، بعدما أوقعته فى مواجهة جديدة مع فريق مكابى تل أبيب الإسرائيلى، ليتجدد الجدل حول ما سيفعله اللاعب فى مواجهة الفريق الإسرائيلى هذه المرة. وكان الفريقان قد التقيا العام الماضى فى الدور التأهيلى الثالث لمسابقة دورى الأبطال، فقاد المتألق (صلاح) فريقه بازل للفوز على ملعبه ١/صفر ذهاباً، وتعادل ٣/٣ فى تل أبيب إياباً. ولجأ صلاح -حسب ما جاء بالخبر- لربط الحذاء هرباً من مصافحة لاعبى الفريق الإسرائيلى فى مباراة الذهاب، ثم فى مباراة الإياب سلك اللاعب منهجاً علمياً -كقول الخبر- فرافق الفريق إلى تل أبيب وقام بتحية لاعبى مكابى بقبضة يده تجنباً للمصافحة، ثم قام بهز شباك مكابى، وسجد فى أرضية الملعب، بعدما أسهم بشكل رائع فى الإطاحة به من منافسات دورى أبطال أوروبا.

ولست أدرى أين يقع مثل هذا الكلام من المنافسات الرياضية، وهل سفر لاعب مصرى مع فريقه السويسرى لإسرائيل لتأدية عمله وواجبه والتزامه تجاه فريقه يتطلب تبريراً ودفاعاً ودفعاً لتهمة التطبيع؟ وهل مصافحة لاعبى الفريق المنافس تكون تطبيعاً إذا كانوا إسرائيليين، فيتوجب على اللاعب المصرى التحايل للتهرب منها بكل الطرق، وإلا كان مطبعاً؟ إن سفر محمد صلاح مع فريقه إلى إسرائيل هو واجب وعمل يلتزم به نحو ناديه، فهو لم يذهب إلى هناك ليسترخى فى أحد منتجعاتها دون سائر منتجعات العالم حتى يخشى اتهامه بالتطبيع، ومصافحته لاعبى الفريق المنافس قبل المباراة هو تقليد عالمى رياضى حميد، لم يكن من حسن الخلق الرياضى ولا من حسن مظهره أمام العالم التهرب منه. وإحرازه هدفاً فى مرمى مكابى تل أبيب، وسجوده شكراً لله بعده لا يجب تحميلهما ما لا يحتملان من معانٍ، لا لشىء إلا لأنهما حدثا فى إسرائيل؛ فيتم التسويق لهما وكأن اللاعب قد أغار على مفاعل ديمونة أمام نواظر الإسرائيليين، أو أنه سجد سجود القائد الفاتح فى بيت المقدس.

إننا معشر الأطباء كثيراً ما نسافر للخارج للمشاركة فى كبريات المؤتمرات الدولية فى تخصصاتنا، ونلقى فيها بأبحاثنا ونشارك فى المناقشات، وهذه المؤتمرات العالمية يؤمها الأطباء الإسرائيليون، وقد نجلس معاً على منصة رئاسة الجلسات، وقد يناقشنا أحدهم فيما نلقيه من أبحاث أو يطرح علينا بعض التساؤلات بشأنها؛ فهل لو أجبناه عُدّ ذلك تطبيعاً، أو ربما تخابراً؟ وإذا بسط أحدهم يده نحو أحدنا فى أى من فعاليات المؤتمر ليصافحه فهل يتوجب علينا أن نهوى إلى الأرض متظاهرين بربط أحذيتنا، أم علينا أن نلقاه بتلويح قبضات أيدينا فى وجهه لئلا نتهم بالتطبيع؟ كيف بعد خمسة وثلاثين عاماً من توقيعنا اتفاقية السلام مع إسرائيل، وكيف فى الألفية الثالثة ما زال مثل هذا المنطق يسود فينا، حيث يعلم الجميع أنه لا يسمن ولا يغنى من جوع، ولا ينفع إلا فى دغدغة مشاعر البسطاء وخداعهم؟ ألم يأن لنا أن نعلم أنه بالعلم والعمل والقوة نتحدى إسرائيل وننافسها ونحوز احترام العالم، وليس بالترهات والتفاهات ومبارزة طواحين الهواء؟

اجمالي القراءات 10318