الإسلام ليس فيه سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة
وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ

محمد صادق في الخميس ١٩ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ

الجزء الأول

وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " (سورة الزمر 67

الإسلام الحق بُنى على أسس ثلاثة:

- الله وحده من يأمر ويُطاع.

- الله وحده من يبين للناس حدود أوامره ونواهيه.

- الله وحده من يشرع وشريعته هى التى تُطاع وحدها دون غيرها.

الإسلام ليس فيه سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة، وهى ركن من أركان الإسلام، وليس فى الإسلام لأحد بعد الله ورسوله سلطان على عقيدة أحد ولا سيطرة على إيمانه. إذ أن الرسول محمد عليه السلام كان مبلغا ومذكرا لا مهيمنا ومسيطرا :

فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) (سورة الغاشية 21 - 22

لذلك فإن المؤمن الصادق لا يمكن أن يرضى أن يكون عبدا لبشر مثله مهما علا شأنه، فالخضوع لله  سبحانه وحده دون سواه، أما الناس فإن أمرهم شورة بينهم.

إن الإنسان العربى المسلم الذى يعيش خيبات أمل متلاحقة تنهك قواه وتشتت فكره وتعبث بآماله وأحلامه، وتشعره بإنعدام الوزن، وهو تائه فى البحث عن الذات الضائعة فى هذا الخضم من التفكك السياسى والإجتماعى. ثم إنه ليس عسيرا على أى إنسان من هذه الأمة أن يدرك أن علة هذا التخلف الذى يسود حاضرنا، ما هو إلا نتيجة حتمية لعدم فهم الدين الإسلامى على حقيقته .

لعل الصراع السياسى الدينى الذى نشأ فى السنة الأربعين للهجرة، كان أول فتنة تنازع فيها المسلمون وتفرقوا شيعا وأحزابا، فكان الإنتصار للمذاهب منذ أول الأمر أهم السباب الداعية إلى إختلاق الأحاديث المنسوبة إلى الرسول وإستثمار الدين فى تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية بهدف الإستئثار بالزعامة السياسية على المسلمين.

ولقد دأب أصحاب الأهواء فى مختلف العصور على الإفتراء على رسول الله عليه السلام، حتى قال عبد الله بن يزيد المقرئ " إن رجلا من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول" أنظروا هذا الحديث عمن تأخذونه، فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا ".

ومن أصحاب الأهواء أولئك الفقهاء الذين كانوا يتصدون للدفاع عن مذاهبهم زورا وبهتانا، فيشحنون كتبهم بالأحاديث الموضوعة، سواء إختلقوها بأنفسهم أم إختلقها الوضاعون خدمة لهم وتأيدا لهواهم.

وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ

وأدهى من ذلك ما يضعه بعض علماء السلطة فى كل جيل تقربا إلى الطبقة الحاكمة وكسبا للحظوة عندها، لكن الغريب حقا أن بعض الزهاد والمتصوفين طوعت لهم أنفسهم وضع أحاديث على رسول الله عليه السلام، أو تفسير آيات القرءان تفسيرات تتلائم مع ثقافتهم المنحازة والمتأثرة بالتيارات المذهبية المتعددة. على أن إشتغال هؤلاء بالعبادة، وإشتهارهم بالزهد والعفة، يحمل الكثير من المسلمين على الإغترار بما يختلقونه، فالخطر الذى يشكلونه على المسلمينمن هذه الناحية أشد هولا من أى خطر آخر.

ولقد شوهوآ بجهلهم صورة الإسلام، وأدخلوا فى تعاليمه ما ليس منه، الأمر الذى أدى إلى تمسك أتباعهم من المسلمين بالقشور والإبتعاد عن جوهر الدين، كما أدى إلى الجمود الفكرى والإنحطاط بعد أن توقفوا عن التفكير والتدبر ظنا منهم أنه لا زيادة لمستزيد بعد هذا الذى تركه المفسرونوالمجتهدون الأوائل.

ولم يكن مختلقوا الأحاديث النبوية أو المتعرضون لآيات القرءان الكريم بالإجتهادات السطحية والتفاسير المتسرعة وحدهم المفترين على الإسلام، لكن سلوك المترفين من المسلمين ذوى الشأن من ملوك وخلفاء وأمراء فى التاريخ القديم والحديث، كان سببا فى إتهام الإسلام الحق بأنه دين الجوارى والحريم تارة، ودين الترف والبذخ والإستغلال والإستعباد تارة أخرى، مما أدى إلى إرتداد الكثيرين عن الإسلام وإقبالهم على ما شاع من مبادئ الغرب ومعتقداته وفى ظنهم أنها أساس التقدم والرقى. وأن الإسلام هو دين التخلف والجمود.

وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ

القرءان شريعة المجتمع

لذا تجد فى السطور القادمة بإذن الله تعالى، ما يؤكد للعالم والمسلمين خاصة أن بعض ما ألفوه عن الإسلام ليس سوى القشور وأن الدين وكل الدين فى القرءان الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

الدين الإسلامى بطبيعته ومبادئه دين شمولى عالمى إلى الناس كافة. يقول سبحانه وتعالى:

  تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا " سورة الفرقان 1

وفى القرءان الكريم، ما يؤكد أن عالمية الإسلام قد سبقت ظهور محمد عليه السلام بقرون طويلة، حيث تشير بعض الآيات الكريمات إلى أن المسلمين ليسوا فقط أتباع الرسول محمد عليه السلام وإنما هناك أمم أخرى جاءت قبلهم فآمنت وأسلمت لله العلى القدير. يذكر القرءان عن إبراهيم عليه السلام أول الأنبياء والمرسلين:

" إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " سورة البقرة 131

ويحدثنا القرءان الكريم، أن إبراهيم قد أوصى أبناءه بأن يموتوا وهم مسلمون:

وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " سورة البقرة 132

ونقرأ ايضا دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " سورة البقرة 128

وفى موضع آخر فى القرءان الكريم من سورة البقرة الآية 136 :

قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ "

من هذه الآيات الكريمات وغيرها الكثير، نستنتج أن جميع الأنبياء والرسل السابقين، من آمن بهم هم مسلمون

وأن الإسلام فى القرءان الكريم ينطبق على كل الرسالات التى تنادى بالوحدانية، فكان دور الرسول محمد عليه السلام، أنه أكمل رسالة الإسلام التى بدأها لإبراهيم عليه السلام وأتمها بأمر من الله السميع العليم الذى قال: "

 الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " سورة المائدة 3

فى القرءان الكريم نقطتان:

نقطتان تؤيد بشكل جازم أن المقصود بكلمة المسلمين ليس فقط أتباع محمد عليه السلام، ولكن كل الرسل السابقين ومن تبعهم:

الأولى: إن القرءان االكريم يجعل من الإيمان بكل الأنبياء والرسل السابقين ورسالاتهم شرطا للإيمان بنبوة محمد عليه السلام ورسالته وفى ذلك يقول سبحانه:

  قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " سورة البقرة 136

الثانية: إن كلمة إنسان أينما وردت فى القرءان كانت مطلقة، فقد تحدث القرءان بصورة عامة، فلم يحدده ولم يصنفه ولم ينسبه إلى جنس أو لون أو رسول أو دين، بل تحدث عنه بحيث يكون النص أبديا، ينطبق على الناس فى كل زمان ومكان.

" وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا " الأَحقاف 15

ففى هذه الآية الكريمة، لا يحدد إنسانا بعينه ولكن الإنسان بصورة مطلقة وهو الأمر الذى يؤكد أن الإسلام دين إنسانى عالمى.

وهكذا يتبين أن عالمية الإسلام قد سبقت بقرون طويلة ظهور محمد عليه السلام، وأن الإسلام يحتوى كل الأديان والرسالات السابقة فيقول: " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عليه " سورة المائدة 48

والإسلام فى معالجاته إنما هو البديل المستقبلى لكل النظريات والمبادئ الحديثة، وما ذلك إلا لأنه يضع الإنسان من داخله أخلاقا وتقوى ويهيئه لتحمل المسؤوليات والإنفتاح على الحياة لإقامة المجتمع الأصلح والقضاء على الطبقات الإجتماعية، وإلغاء الحواجز القائمة بين الأغنياء والفقراء عن طريق التشريع الإسلامى العادل فى الحق المعلوم بزكاة الأموال وإلغاء فروقات الجنس واللون بالمساواة فى التشريع، فلا أسود ولا أبيض، ولا إمرأة أو رجل فى العقوبات والجزاء .

وهكذا فإن الإسلام بشموليته عندما يُقدَّم بصورته الصحيحة يلقى قبولا فى كل المجتمعات الإنسانية. والدين الإسلامى، يقدم للبشرية أكمل قانون لما يعرف اليوم بالعلاقات الدولية، فالقرءان كان أول من دعا إلى نبذ العنف والعدوان حيث يقول:  " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ " المائدة 2

وينادى القرءان بالحوار الهادئ لفض الخلافات "  وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " سورة النحل 125

ولكنه فى نفس الوقت، يبيح القتال والجهاد من أجل الدفاع عن النفس وحماية الأرض والعرض وإعلاء كلمة الله السميع العليم. وإزالة العوائق المادية التى تفرض على المسلمين لمنعهم من التقدم فتسهل السيطرة عليهم.

وينادى القرءان بعدم خرق العهود والمواثيق مهما كانت طبيعة الطرف الآخر.

ويدعوا الإسلام إلى أن تحترم الأمم بعضها البعض حيث يقول سبحانه: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ " (سورة الحجرات 11

ولا شك أن التعصب والعنصرية هما من أكبر الآفات التى تعانى منها البشرية حيث أدت إلى فناء الملايين. والدين الإسلامى يقدم للبشرية الدواء لهذه الآفة فهو يحض الشعوب على عدم العيش منغلقة على نفسها، داعيا إياها إلى التعاون والتواصل، يقول القرءان: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " سورة الحجرات 13

ويبدو واضحا أن هذه الآية الكريمة، توضح معيار الأفضلية وهذا المعيار ليس اللون أوالجنس أو القومية أو الوضع الإجتماعى، ولكن التقوى والعمل الصالح....

وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ

أكتفى بهذا القدر ونلتقى بإذن الله تعالى مع الجزء الثانى قريبا بإذن الله السميع العليم.

اجمالي القراءات 16021