لماذا سأصوت بنعم لدستور ثورة 30 يونية

مجدي خليل في الأربعاء ١١ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

لماذا سأصوت بنعم لدستور ثورة 30 يونيه؟

مجدى خليل

أخيرا خرجت المسودة النهائية للدستور إلى النور، وجاءت المسودة جيدة ومعقولة ومتوازنة فى حدود الظروف،ليست مثالية ، وليست كما كنا نحلم بالضبط، ولا توصل لدولة مدنية حقيقية ولن تنحدر فى نفس الوقت بالجزء المتبقى من مدنية الدولة،ولكن فى هذه الفترة من التاريخ علينا أن نقر أن المسودة مقبولة وحظيت برضى مجموعات كثيرة متنوعة من البشر فى مصر وحاولت إرضاء كافة الاطراف واحتفظت فى نفس الوقت بدستور متكامل وجيد.استطيع أن اعدد عشرات التفاصيل التى تجعلنى اصوت بنعم لهذا الدستور ولكننى سأكتفى بالملاحظات العامة.

اولا:هذا الدستور هو الأفضل فى تقديرى بين الدساتير المصرية التى طبقت منذ عام 1952،وثانى أفضل دستور بعد دستور 1923. وطبعا لا يقارن بدستور مرسى،فالمسافة بينهم شاسعة.

ثانيا: علينا أن نقول نعم لكى تنطلق مصر نحو مرحلة جديدة نحن فى اشد الحاجة اليها،مرحلة ما بعد الاخوان، مرحلة  يتم فيها انتخاب رئيس جديد يعلم أنه ليس انتقاليا فيتصرف بقوة وحزم لضبط الامور وعودة الأمن والطمأنية والاستقرار إلى البلد،وكذلك انتخاب برلمان جديد يغلق الفجوات التشريعة ويعيد دوران عجلة التشريع ومعها عجلة التنمية الأقتصادية. إن مصر فى اشد الاحتياج لكى تخرج من الوضع الصفرى الحالى وتخطو للأمام وإلا ستواجه عددا من الكوارث لا يعلم مداها إلا الله.

ثالثا: هذا الدستور يحتوى على واحد من أفضل ابواب الحقوق والحريات فى الدساتير المتقدمة، وتشكر دكتورة هدى الصدة مقررة هذا الباب على الجهد الهائل المتميز الذى قامت به ليخرج هذا الباب بهذا الشكل المشرف، ولولا ضعف المادة 93 المتعلقة بالمواثيق الدولية ومساواتها بالقانون بدلا من كونها مرجعية للقوانين كما كنا نرغب،لولا هذه الثغرة لتصدر هذا الباب نظائره فى العالم كله.

رابعا:هذا الدستور اقر بوجود مشاكل لفئات عديدة لأول مرة،نعم هو لم يعالجها معالجة كاملة،ولكن مجرد الاقرار بوجود هذه المشاكل يعتبر خطوة متقدمة لم تتحقق فى دساتير سابقة. وقد اقر بوجود مشاكل لدى المرأة والأقباط والشباب والمعاقين وأهل النوبة وسيناء والمصريين فى الخارج ،والخطوات القادمة تتعلق بإصدار تشريعات عادلة تعالج هذه المشاكل بعد اشارة المبادئ الدستورية اليها.

خامسا:ساقول نعم لهذا الدستور أيضا لأنه دستور ثورة 30 يونيه وكما جاء فى ديباجيته " هذه إرادتنا وهذا دستور ثورتنا"،  كما أنه قد وضع حدا لدستور الاهل والعشيرة الذى اصدره مرسى،ولا توجد مقارنة على الاطلاق بين دستور مرسى وهذا الدستور. فدستور مرسى وضع من آجل جماعة معينة ولهدف واحد هو تدشين دولة دينية فاشية فى مصر،أما دستور الثورة فحاول الاستجابة لتطلعات المصريين الذين خرجوا على اختلاف مشاربهم من آجل اسدال الستار على حقبة الاخوان الكئيبة.

سادسا:ساقول نعم لهذا الدستور لكى ننطلق للمرحلة الاخطر والاصعب وهى ضبط آلاف التشريعات(63 الف تشريع تحتاج إلى مراجعة وضبط كما ذكر)، واصدار عشرات التشريعات الجديدة لكى تترجم مبادئ الدستور واحلام المصريين إلى واقع حقيقى ملموس،وهى مسألة غاية فى الصعوبة وتلزمنا بخلق جبهة موحدة فى الانتخابات القادمة لكى نستطيع انتخاب مجموعة متميزة ومؤهلة من البرلمانيين القادرين على انجاز هذه المهمة التاريخية الشاقة.

سابعا: سأقول نعم لهذا الدستور لأن هناك حشدا مضادا من الاخوان ومصر القوية ومعظم السلفيين والجماعات الجهادية واطياف الإسلاميين المختلفة والكثير من الفوضويين الذين يدعون زورا أنهم ثوريين،كل هؤلاء يخططون لإسقاط هذا الدستور ونشر الفوضى أثناء الأستفتاء وتعطيل عجلة الاقتصاد المصرى،وبالتالى على باقى المصريين مسلمين واقباط أن يخرجوا عن بكرة أبيهم لأن المطلوب ليس تمرير الدستور فحسب ولكن تمريره بنسبة اعلى بكثير من التى حصل عليها دستور مرسى وهى 64% وهذا يحتاج إلى حشد قوى لكى تخرج شرعية الدستور قوية وراسخة.

ثامنا: علينا أن نقول نعم لهذا الدستور لأن هذا أول اختبار عملى لتحويل الحشود إلى اصوات فعلية تترجم عبر الصناديق،فقد شكك الاخوان وحلفاءهم فى اعداد المصريين الذين خرجوا للشوارع،وعلى الجميع  الرد على الاخوان عمليا من خلال ذهاب هذه الملايين لصناديق الاستفتاء،لأن الاستفتاء على الدستور هو أيضا استفتاء على ثورة 30 يونيه وعلى خريطة الطريق وعلى مصر ما بعد الاخوان. وعلى المختلفين مع بعض المواد أو المثاليين أن يتذكروا أنه لو تحقق ربع ما جاء فى الدستور وخاصة باب الحقوق والحريات لمثل ذلك فى حد ذاته نقلة كبيرة فى مصر،فالعبرة فى الدساتير بالتطبيق،  والنضال مستمر لتفسير المبادئ الدستورية لصالح المواطن وترجمتها لقوانين تعمل على نقل مصر نقلة نوعية للأمام.

تاسعا:علينا أن نصوت بنعم كرسالة للعالم الخارجى بأننا موحدون حول الثورة واهدافها،وأن الاختلاف حول التفاصيل  شئ طبيعى ومتوقع، ولكن  هذا يختلف عن الهدف الرئيسى من وراء المعارضة  الراديكالية الحالية فى مصر، وهو جر مصر للخلف أو إسقاطها فى الفوضى والخراب والاقتتال الاهلى،فمعظم من يعارضون حاليا هم يقاتلون من آجل عودة الفاشية الدينية فى مصر،فهى فى جوهرها حرب بين الدولة الدينية الفاشية وما تبقى من الدولة المدنية.

واخيرا: علينا أن نقول نعم لأن البديل لذلك سيكون كارثيا ليس فقط من خلال عودة دستور مرسى ولكن الكارثة الاكبر هى انهيار كل ما بناه المصريون بعد 30 يونيه.

 لكل هذا ادعو الجميع اعتبار التصويت مهمة قومية بل ومسألة تتعلق بالأمن القومى ذاته،وياليتنا نتحرر من الكسل والأمبالاة ونأخذ هذه الخطوة بمنتهى الجدية الواجبة،بل وندعو كل من نعرفه من الأهل والاصدقاء للتصويت... فتاريخ واتجاه الثورة الحقيقى يصنع فى هذه الأيام.

اجمالي القراءات 11519